قال هوبيرت : «كان جدي راميا ماهرا في معركة هاستنجز، ولم يصوب على علامة مثل هذه في حياته، وكذلك لن أفعل أنا. إذا تمكن هذا اليومن من شق تلك القصبة فسأقر له بأنه غلبني، أو بالأحرى سأخضع للشيطان الذي يتلبسه، وليس لأي مهارة بشرية. لا يسع المرء أن يفعل سوى قصارى ما بوسعه، وسأصوب على هدف أنا متأكد من أنني لن أصيبه. من الأفضل لي إذن أن أصوب على شعاع من أشعة الشمس، أو على شعاع أبيض وامض بالكاد أراه.»
قال الأمير جون: «كلب جبان! فلتصوب يا سيد لوكسلي، ولكن إن أصبت هدفا كهذا فسأقول إنك أول رجل يفعل هذا. ومهما يكن، فلا تتبجح علينا بمجرد ادعاء مهارتك الفائقة.»
رد لوكسلي: «سأبذل قصارى ما بوسعي، كما يقول هوبيرت؛ فلا يملك أي إنسان أن يفعل أكثر من ذلك.»
وبعد أن قال هذا شد قوسه مجددا، ولكنه هذه المرة نظر باهتمام إلى سلاحه، وغير الوتر الذي اعتقد أنه لم يعد مستديرا كامل الاستدارة؛ نظرا لاهترائه بعض الشيء بفعل الرميتين السابقتين، ثم صوب ببعض التروي، وترقبت الجماهير الحدث بصمت واحتبست الأنفاس. أثبت الرامي رأيهم في مهارته؛ فقد شق سهمه قصبة الصفصاف في المكان الذي كانت مصوبة نحوه. تبع ذلك وابل من التهليل، حتى إن الأمير جون نسي للحظة نفوره من شخص لوكسلي إعجابا بمهارته، وقال: «هذه القطع الفضية العشرون، التي استحققتها هي والبوق بجدارة، قد أصبحت ملكك الآن، وسنزيدها إلى خمسين إن قبلت أن ترتدي زينا وتعمل في خدمتنا بصفتك أحد أفراد حرسنا الشخصي، وتصبح بقرب شخصنا؛ فلم تشد يد من قبل قوسا بمثل هذه القوة، أو تصوب عين سهما بمثل هذه الدقة.»
قال لوكسلي: «أستميحك عذرا، أيها الأمير النبيل، ولكني قطعت على نفسي عهدا أنني إن قبلت خدمة أحد في يوم من الأيام فسيكون ذلك مع أخيك الملك ريتشارد. أما هذه القطع الفضية العشرون فأتركها لهوبيرت، الذي كان اليوم راميا لا يقل في شجاعته عما فعله جده في هاستنجز. ولولا تواضعه الذي حال بينه وبين أن يجرب لكان قد أصاب العصا مثلما أصبتها.»
هز هوبيرت رأسه وهو يتلقى على مضض هبة الغريب، أما لوكسلي الذي كان متلهفا للابتعاد عن الأنظار، فاندس وسط الحشد، ولم ير بعدها.
الفصل الثاني عشر
في صباح اليوم التالي، غادر الفارس الملقب بالكسول الأسود مبكرا، عازما على خوض رحلة طويلة، ولم تكن حالة جواده، الذي كان قد استخدمه بحذر في القتال خلال صباح أمس، تسمح له بالسفر بعيدا دون الحاجة إلى كثير من الراحة، لكن المسارات الملتوية التي قاد فيها جواده حالت بينه وبين غايته؛ فعندما حل المساء عليه وجد أنه لم يبلغ إلا حدود ويست رايدينج بيوركشاير. وكانت الشمس، التي كانت غالبا هي المرشد في مسيره، قد توارت حينئذ خلف تلال ديربي شاير عن يساره، وكل جهد يمكن أن يبذله في مواصلة رحلته قد يحيد به عن طريقه بقدر احتمال أن يجعله يتقدم في مسيره. بعدما اجتهد دون جدوى في اختيار أكثر طريق مطروق، وبعدما وجد نفسه أكثر من مرة عاجزا تماما عن أن يستقر على اختيار، عزم الفارس على الوثوق في فطنة جواده.
ولم يكد الجواد الجيد، الذي كان متعبا بشدة من الرحلة الطويلة التي قطعها خلال اليوم أسفل راكبه المتسربل بدرع مزرد، يشعر من اللجام المتراخي أنه قد ترك ليقود نفسه، حتى بدا أنه يمضي بنشاط وحيوية أكبر، متوليا زمام نفسه، وإذ بدا الجواد واثقا في اختياره ترك الراكب نفسه لتقديره.
جاءت الأحداث موافقة لظنونه؛ إذ سرعان ما بدا ممر المشاة أعرض قليلا ومطروقا أكثر، كما جعل رنين جرس صغير الفارس يعي أنه كان بجوار كنيسة صغيرة أو دير.
نامعلوم صفحہ