125

انسحب هيج بن سنيل من بين الحشد، ولكنه لاهتمامه بمصير من أحسنت إليه تباطأ حتى يعرف مصيرها.

في أثناء هذه الفترة من المحاكمة، أمر السيد الأعظم ريبيكا أن تكشف عن وجهها، فتكلمت للمرة الأولى، وأجابت بصبر، ولكن بوقار، قائلة إنه لم يكن من عادة بنات قومها أن يكشفن عن وجوههن عندما يكن وحدهن وسط جمع من الغرباء. بعثت النبرة العذبة لصوتها ونعومة ردها إحساسا بالشفقة والتعاطف لدى الحاضرين، لكن بومانوار كرر أوامره بأنه يتعين على ضحيته أن تكشف عن وجهها. وكان الحراس على وشك أن يخلعوا عنها نقابها امتثالا لأوامره عندما نهضت واقفة أمام السيد الأعظم، وقالت: «كلا، ولكن من أجل بناتكم.» ثم قالت وهي تستعيد ذاكرتها: «وا أسفاه، ليس لديكم بنات! ولكن من أجل ذكرى أمهاتكم، لا تجعلوني أعامل هكذا في حضرتكم؛ فلا يليق بفتاة أن تنكشف أمام مثل أولئك الخدم الأجلاف.» وأضافت، بنبرة تنم عن الأناة والحزن كادت أن تذيب قلب بومانوار نفسه: «سأطيعك؛ فأنت الأكبر سنا بين قومك، ونزولا على أوامرك سأظهر ملامح وجه فتاة ذات مصير تعس.»

أزاحت نقابها عن وجهها، ونظرت إليهم بملامح يختلط فيها الخجل بالوقار. أثار جمالها الفائق همهمة اندهاش، ولكن شعور هيج بن سنيل كان عميقا عندما أحس بأثر رؤية طلعة من أحسنت إليه. فقال للحراس على باب القاعة: «دعوني أمض، دعوني أمض! فالنظر إليها مرة أخرى قد يقتلني؛ لأنني شاركت في قتلها.»

قالت ريبيكا عندما سمعت صياحه: «صه أيها الرجل المسكين؛ فلم تؤذني بقولك الحقيقة، ولا يمكنك أن تساعدني بالشكوى والعويل. أرجوك، اصمت؛ امض إلى بيتك وانج بنفسك.»

كان الحراس على وشك أن يدفعوا بهيج للخارج شفقة عليه، ولكنه وعدهم بالصمت، وأذن له بأن يبقى. عندئذ، نودي على جنديين، كان أحدهما قد رأى ريبيكا تعالج رجلا جريحا، أحضر معهم إلى قلعة توركويلستون. قال إنها أتت بإشارات معينة فوق الجرح، وكررت بعض الكلمات الغامضة، فانفصل الرأس الحديدي لسهم نشاب مربع الشكل عن الجرح، وتوقف النزيف، والتأم الجرح، وفي غضون ربع الساعة كان الرجل المحتضر يمشي فوق الأسوار، ويساعد الشاهد في إدارة منجنيق أو آلة لقذف الحجارة. من المحتمل أن هذه الأسطورة قد بنيت على حقيقة أن ريبيكا كانت ترعى إيفانهو الجريح في قلعة توركويلستون. أخرج الشاهد من جيبه رأس السهم نفسه الذي استخرج بمعجزة من الجرح طبقا لقصته. ونظرا إلى أن وزن الحديد كان أونصة كاملة فقد أكد تماما على حكايته، رغم كونها من نسج خياله.

كان رفيقه كذلك شاهدا من فوق سور مجاور للمشهد بين ريبيكا وبراين دي بوا جيلبرت، وذلك عندما كانت على وشك أن تلقي بنفسها من أعلى البرج. وحتى لا يتخلف عن رفيقه فقد صرح هذا الرجل بأنه رأى ريبيكا جاثمة على سور البرج، وهناك اتخذت هيئة بجعة بيضاء كالحليب، وطارت بهذه الهيئة ثلاث مرات حول قلعة توركويلستون، ثم عادت لتستقر فوق البرج، ورجعت مرة أخرى إلى هيئتها الأنثوية.

كان السيد الأعظم قد أخذ الأصوات، ثم سأل ريبيكا بلهجة رسمية عما لديها من أقوال ردا على حكم إدانتها الذي كان على وشك النطق به.

قالت اليهودية الحسناء بصوت مرتجف من أثر الانفعال: «أعي أن طلب رحمتك سيكون أمرا لا طائل منه، كما أنني أعده وضيعا. ولو ذكرت أن علاج المريض والجريح من ديانة أخرى لا يمكن أن يغضب المؤسس المسلم به لعقيدتينا، لكان ذلك غير مجد أيضا! ولو رددت بأن كثيرا من الأقوال التي تفوه بها هؤلاء الرجال ضدي (الذين أرجو أن تعفو عنهم السماء!) مستحيلة، ما نفعني ذلك في شيء؛ لأنك تؤمن بإمكان حدوثها! كما أنني لن أدافع عن نفسي على حساب ظالمي، الذي يقف هناك مستمعا للحكايات الخيالية والتخمينات التي يبدو أنها تحول الطاغية إلى ضحية. فليحكم الرب بيني وبينه! ولكني أفضل أن أستسلم للموت عشر مرات على النحو الذي تشي به رغبتكم تجاهي، على أن أستمع لعبارات التودد والغزل التي ألح علي بها رجل الشيطان هذا، وأنا أسيرته بلا صديق أو مدافع عني، ولكنه على إيمانكم، ومن شأن أقل تأكيد يصدر عنه أن يبطل أشد احتجاجات اليهودية المكروبة جدية؛ ومن ثم فلن أرد له التهمة الموجهة ضدي، ولكني سأحتكم له، أجل يا براين دي بوا جيلبرت، سأحتكم لك، عما إذا لم تكن هذه التهم باطلة، بل مروعة ومفتراة بقدر ما هي قاتلة.»

ساد صمت قصير، وتوجهت العيون كلها إلى براين دي بوا جيلبرت الذي كان صامتا.

قالت: «تكلم إن كنت رجلا؛ إن كنت مسيحيا، تكلم! أستحلفك بالرداء الذي ترتديه، وبالاسم الذي ورثته، وبالفروسية التي تتفاخر بها، وبشرف أمك، وبقبر أبيك وعظامه؛ أستحلفك أن تجيب عما إذا كانت هذه الأشياء صحيحة.»

نامعلوم صفحہ