الأمر، وبلغ السَّيْلُ الزُّبَى؛ فكم رأينا من كتب ورسائل صنفت، حتّى إن المطابع لتلفظ بالعشرات منها يوميًّا، بحقٍّ وبِلَغْوِ، وإلى اللَّه المشتكى! .
إن هناك أسبابًا داعية لتصنيف الكتب، ذكرها غير واحد من أهل العلم، منهم ابن الوزير اليمني ﵀! - حيث يقول:
" وأرجو - إن شاء اللَّه تعالى - ألَّا يخلو هذا المختصر من أحد المعاني الثمانية الّتي تصنف لها العلماء، بل من كلّ واحد منها، وهي:
اختراع معدوم، أو جمع مفترق، أو تكميل ناقص، أو تفصيل مجمل، أو تهذيب مطول، أو ترتيب مخلط، أو تعيين مبهم، أو تببين خطأ. كذا عدها أبو حيان، وتمكن الزيادة فيها" (١) اهـ.
وعليه فلا خير في تصنيف يخرج عن الأسباب السابقة أو ما ينبثق منها، وقد كان في أئمتنا من لا يحب التصنيف البتة، بل دفن بعضهم كتبه؛ كما حكى ذلك عنهم الخطيب البغدادي في "تقييد العلم".
وهذه ليست مصادرة للتصنيف مطلقًا، وإنّما هي أشبه بشكوى من خروج الأمر عن حده، فأقول ناصحًا نفسي وغيري: إن أولى بمن له جهد وسعي أن يُخْرِجَ كنوز الأمة من المخطوطات المدفونة في خزائن الكتب؛ ليقدمها إلى طلاب العلم الذين أحيا اللَّه بهم السنة؛ فَللَّهِ دَرُّهُّمْ وعليه شكرهم.
ولكن هذا المجال - أيضًا - دخله الدَّخَنُ، فواللَّه كم رأيت هاجمًا على كتب التراث يحققها - بزعمه! - فزعم أنّه يحقق وما هو إِلَّا يتفَسَّق، فكان كمن أراد أن يُطِبَّ زُكامًا فَجَعَلَهُ جُذَامًا، فاللهم سلم.
يقول الشّيخ الدكتور محمود الطناحي: " ..، ثمّ أخبرته أن مثل هذه الكتب الّتي ضني بها الأوائل، لا ينبغي أن نتواثب حولها ونركض، وأنّه يجب علينا أن نعطيها حظها من النظر والتأمل، وننظر إناها ونضجها، وأن نبذل من الجهد في
_________
(١) "إيثار الحق على الخلق" لابن الوزير اليمني، (ص ٢٧).
1 / 8