صَبِيحَة مليحة لم يكن فِي عصرها أحد آدب مِنْهَا وَلَا أشعر وَلَا أعلم بأخبار النَّاس وأيامهم وَلَا أحفظ للسير والنوادر وَالْملح مِنْهَا وَكَانَت راوية لأشعار الْجَاهِلِيَّة الجهلاء وأشعار المخضرمين والإسلاميين وأشعار الْمُحدثين تهذها هَذَا وتفسرها بغرائبها ومعانيها وَكَانَت مطبوعة ظريفة حافظة لفنون الْآدَاب وَكَانَ الْمَأْمُون قد شغف بحبها لبراعتها فِي الْأَدَب وَغَيره فَكَانَ لَا يصبر عَنْهَا ومنهن خنساء جَارِيَة هِشَام المكفوف وَكَانَت بارعة الْأَدَب فصيحة مفوهة شاعرة مفلقة ماجنة ظريفة عَالِمَة بالأخبار والأسمار ظريفة نبيلة فِي نَفسهَا كَثِيرَة النَّوَادِر وَلم يقاومها أحد فِي الْكَلَام كَانَت من أعلم النَّاس بالْكلَام تضع لسانها حَيْثُ شَاءَت وتقطع جَمِيع من يكلمها وَكَانَت مَشْهُورَة مَعْرُوفَة وَأعْطِي هِشَام بهَا الرغائب فَامْتنعَ من بيعهَا لحسن أدبها وفصاحتها وبيانها وَحسن شعرهَا ولطفها وَكَانَ أَصْحَاب الْكَلَام يَجْتَمعُونَ عِنْدهَا ويتناظرون فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي شَيْء إِلَّا تحاكموا فِيهِ إِلَيْهَا وتحكم وتقضي فَينفذ حكمهَا وَيقبل قَضَاؤُهَا كَانَت تمدح الْخُلَفَاء والوزراء والأشراف والملوك فَكَانَ هِشَام يَأْخُذ صلات الْمُلُوك وجوائزهم حَتَّى جمع من ذَلِك مَالا كثيرا وَمن محدثي الشُّعَرَاء من النِّسَاء عنان جَارِيَة الناطقي وَكَانَت من ألطف النَّاس وأظرفهم وأشعرهم مطبوعة وَكَانَت من معرفَة الْغَرِيب والنحو بِمحل رفيع عَالِمَة بالأنساب عارفة بأيام النَّاس كَثِيرَة النَّوَادِر وَالْأَخْبَار وَذكر عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي أَنه قَالَ شهدتها وَقد اجْتمع عِنْدهَا أدباء النَّاس وشعراؤهم وَأَصْحَاب النَّحْو والغريب وَأهل الْأَخْبَار والأنساب فَمَا جرى فِي ذَلِك الْمجْلس من هَذِه الصنوف الَّتِي ذكرتها إِلَّا وَجدتهَا أَكثر مِنْهُم وأحفظ قَالَ وَلَقَد سَمعتهَا تَقول حفظت من سير النَّاس ألف مُجَلد وَلَا أدع بَيْتا لجاهلي وَلَا مخضرمي وَلَا
1 / 133