ألا ترى أنه تفريق أجزاء الماء على وجه مخصوص ، وإحداث أكوان مخصوصة ، وذلك جنسه مقدور للبشر .
ألا ترى الله عز وجل لو بعث نبيا وجعل معجزته أنه ينقل بعض الجبال الراسيات عن موضعه لصح ذلك ، وإن كان جنس نقله مقدورا لنا ، لأن نقله إنما هو أكوان تحدث على وجوه مخصوصة ، وإنما المراعى في هذا الباب أنه يحصل أمر نعلم أنه يتعذر فعل مثله على جميع البشر ، سواء كان التعذر للجنس أو للصفة .
ألا ترى أنه لا فرق بين فلق البحر ، وبين قلب العصا حية في هذا الباب ، وإن كان تعذر فلق البحر للصفة ، وتعذر قلب العصا حية للجنس .
فإن قيل: فلم لا يجوز أن يكون ما يدخل تحت مقدور العباد معجزا ، لأن المشاهد له يجوز أن يكون ذلك من فعل بعض مردة الشياطين ، أو من فعل بعض من يعصي من الملائكة ، لأن العلم بأن الملائكة لا تعصي إنما هو بطريق السمع ، ونحن بعد في إثبات السمع ؟
قيل له: لا يجب للناظر أن يشك فيه ، بل يجب القطع على أن الله عز وجل يمنع منه . وذلك أنه لو حصل لكان شبهة لا يمكن حلها . وما جرى من الشبه هذا المجرى يجب على الله عز وجل المنع منها .
فإن قيل: ولم قلتم: إن ذلك يكون شبهة لا يمكن حلها ، بل ما أنكرتم أن يكون ذلك حجة لمن قال: إنه لا يجوز أن يكون المعجز مما يكون جنسه في مقدور العباد ؟!
صفحہ 141