133

يكشف ذلك أنا نعرف من حال الخليل والأصمعي ، ومن جرى مجراهما ، أنهم كانوا يعرفون الفصاحة ولم تتعذر عليهم . وكانوا يعرفون وزن الشعر ولم يكن يتعذر . ومع هذا نعلم أن واحدا منهم لم يكن يمكنه أن يأتي بمثل أشعار امرئ القيس ، والنابغة ، والأعشى ، ومن دونهم من فحول الشعراء ، وليس السبب فيه إلا ما ذكرناه ، ولهذا تجد من يتفاصح (¬1) في كثير من أجناس النظم إذا طلب نظم القرءان ، سقط دون غرضه ، وهبط دون مرتقاه ، وليس ذلك إلا أنه يفقد العلم الذي معه يصح إيقاع الفصاحة في هذا النظم المخصوص .

فإن قيل: ما تنكرون على من قال لكم: إذا كان هذا النظم لم يكن عرف قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فما أنكرتم أن يكون معجزا على الانفراد ، لأنه بالاتيان به يكون ناقضا للعادة ؟

قيل له: ليس معنى قولنا في المعجز: إنه ناقض للعادة ، أنه أتى به من غير أن كان مثله قبل ذلك الوقت ، لأن السبق إلى الشيء لا يوجب كونه معجزا . ألا ترى أن كثيرا من الصناعات قد ابتدئت ، ووقع السبق إليها من أقوام ، ولا يصح ادعاء المعجز في شيء [منها] .

وإنما نريد بقولنا: إنه ناقض للعادة ، أن مثله يتعذر على جميع البشر . والعادة المنقوضة استمرار الحال في تعذره على ما قلنا .

فأما قول من يقول: إن الاعجاز في الصرف في جملة القرءان ، فهو عندي بعيد جدا ، لأن الصرف عن الشيء يمكن أن يدعا ، إذا علم أنه مقدور عليه ، غير متعذر وجود مثله ، ممن ادعا أنه مصروف عنه .

وليس هاهنا ما يبين أن الاتيان بمثل القرءان كان ممكنا للعرب غير متعذر عليهم ، بل قد ذهبنا على خلاف ذلك ، فبان سقوط من ادعاه .

صفحہ 185