فى اكثر سياقه فى شرح عقيدة الطحاوى ولا نعلق للمعتزلة بهذه الاية لان الابصار صيغة جمع وهى تفيد العموم فسلبه يفيد سلب العموم وذلك لا يفيد عموم السلب فان قوله لا تدركه الابصار نقيض لقوله تدركه الابصار وقولنا تدركه الابصار نقيض لمن يدركه كل احد باعتبار الاستغراق الحاصل من الالف واللام ولما كان نقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية كان معنى الاية لا يدركه جميع الابصار ونحن نقول بموجبه فانه لا يراه الجميع فان الكافرين لا يرونه بل يراه المؤمنون ولان المنفى هو الادراك دون الرؤية وهما غير ان فكان نفى الادراك لا يدل @ على نفى الرؤية وهذا لان الادراك هو الوقوف على جوانب المرئى وحدوده وما يستحيل عليه الادراك من الرؤية نازلا منزلة الاحاطة من العلم ونفى الاحاطة التى هى نقيض الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضى نفى العلم به وكذا هنا ثم مورد الاية وهو وجه التمدح يوجب ثبوت الرؤية اذ نفى ادراك مايستحيل رؤيته لاتمدح فيه اذ كل مالا برى لا يدرك كالمعدومات وانما التمدح بنفى الادراك مع تحقق الرؤية اذ انتفاؤه مع ثبوتها دليل ارتفاع نقيضه التناهى والحدود عن الذات فكانت الأية حجة لنا عليهم ولو امعنوا النظر فى الاية وعرفوا مواقع الحجاج لاغتنموا التقصى عن عهدة الاية اه *رجع للاول ومنهم من قال وقوع الرؤية غير مخصوصة بالاخرة بل تقع فى الدنيا وهو قول الكثير من السلف والخلف من أهل الحديث والتصوف والنظر واذا قلنا بانه غير مخصوص بالاخرة فهل هو مخصوص بالانبياء أو غير مخصوص بل يجوز للولى قولان للاشعرى وعلى انه مخصوص بالانبياء فهل هو خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم أو عير خاص وبالجملة فقد اتفق الكل على وقوعها فى الاخرة لجميع المؤمنين وأما فى الدنيا فاختلف فيه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال الاول انه رأى ربه وهو قول أكثر السلف وجماعة الصوفية قال النووى وهو الصحيح الثانى انه لم ير وهو قول أكثر الاشاعرة ويعض السلف الثالث الوقف وهو اختيار القاضى عياض وبالجملة فاختلاف الصحابة فى هذة المسئلة دليل على اعتقادهم جوازها ثم هل يجوز ذلك لاولياء امته على سبيل الكرامة وطريق التبعية فى ذلك قولان للاشعرى وأكثر أهل التصوف خصوصا المتأخرين على أن ذلك يجوز كرامة وكرامة أولياء الله تعالى معجزة له صلى الله عليه وسلم هذا حال اليقظة وأما فى النوم فاتفق الاكثر على جوازه ووقوعه ثم هذا المعتقد أما جوازه فيصح التمسك فيه بالسمع والعقل وأما الوقوع فليس الا بالسمع اذا العقل لا يهتدى وقد أورد المصنف على جوازه دليلا من الكتاب وأوردنا معه دلائل من أخر الكتاب ثم أورد دليلا ثانيا فقال (ولقوله تعالى فى خطاب موسى عليه السلام) حكاية عنه اذا قال رب أرنى أنظر اليك قال (لن ترانى) ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف ترانى ووجه الاستدلال من وجهين أحدهما انه لولم تجز الرؤية لما طلبها موسى عليه السلام واللازم باطل بالاجماع وتواتر الاخبار بيان اللزوم أن موسى عليه السلام عالم بما يجوز على الله تعالى وما يستحيل عليه والا يلزم الجهل وهو محال على الانبياء واذا كان عالما بما لايجوز والرؤية ممالايجوز على ذلك التقدير يكون طلبه للرؤية عبثا وذلك على الانبياء محال واليه أشاؤ المصنف بقوله (وليت شعرى كيف عرف المعتزلى) القائل بعدم جواز الرؤية (من صفات رب الارباب ماجهله موسى عليه السلام) مع انه نبى كريم من أولى العزم من الرسل أرأيت المعتزلى أعرف بالله تعالى منه مع أن المقصود من بعثة الانبياء عليهم الصلاة والسلام الدعوة الى العقائد الدينية الحقة والاعمال الصالحة (وكيف سأل موسى عليه السلام الرؤية مع كونها محالا ولعل الجهل بذوى البدع) المضلة (والاهواء) المختلفة (من الجهلة) يمعانى كلام الله تعالى (الاغبياء) البلداء (أولى من الجهل بالانبياء صلوات الله عليهم) وسلامه وحاصل هذا الاستدلال ان سؤال موسى عليه السلام اياها دليل على انه كان يعتقد انه كان جائز الرؤية والوجه الثانى انه تعالى علق الرؤية بشرط متصور الكون وهو استقرار الجبل فدل على انه جائز الوجود اذ تعليق الفعل بما هو جائز الوجود يدل على جوازه كما أن التعليق بما هو ممتنع الوجود أو متحقق الوجود يدل على امتناعه أو تحققه والدليل على أن استقرار الجبل ممكن الثبوت قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا أخبر انه جعله دكا لاانه اندك بنفسه وماأوجده الله تعالى كان جائزا أن لا يوجد لولم يوجده الله تعالى اذ الله تعالى مختار فيما يفعل فاذا جعل الجبل دكا باختياره وكان جائزا أن لا يفعل دل على جواز وجوده قاله النسفة وفى الأية وجوه أخر دالة على جوازها منها انه تعالى ما أيسه وما عاتبه عليه ولو@ كان ذلك جعلا منه بالله تعالى خارجا عن الحكمة لعاتبه كما عاتب نوحا عليه السلام بقوله انى أعظك أن تكون من الجاهلين حيث سأل انجاء ابنه من الغرق بل هذا أولى بالعتاب لان هذا لو كان جهلا منه بربه لبلغ مرتبة الكفر وذلك لم يبلغ هذه الرتبة فان قالوا مراده أرنى ايه من اياتك قلنا لو كان المراد كذلك لقال أنظر اليها ولقال لن ترى اياتى ومنها قوله لن ترانى فانه يقتضى نفى الوجود لا الجواز اذ لو كان ممتنع الرؤية لكان الجواب أن يقول لست بمرئى أولا تصح رؤيتى ولمالم يقل ذلك دل على انه مرئى اذ الموضع موضع الحاجة الى البيان ألا ترى أن من فى كمه حجر فظنه انسان طعاما وقال له أعطنيه لاكله كان الجواب الصحيح انه لا يؤكل أما اذا كان طعاما صح أن يقول المجيب انك لن تأكله ويجوز على الانبياء الريب فى أمر يتعلق بالغيب فيحمل على أن مااعتقد جائز ولكن ظن أن ما اعتقد جوازه تأخر فيرجع النفى فى الجواب الى السؤال وقد سألها فى الدنيا فينصرف النفى اليها اذ الجواب يكون على قضية السؤال فتأمل وأما الاستدلال عقلا فأشار المصنف الى ذلك بقوله (وأما وجه اجراء اية الرؤية) وهى قوله تعالى الى ربها ناظرة (على الظاهر) فقد العقل على جوازه وذلك (انه غير مؤد الى المحال) فوجب أن لا يعدل عن الظاهر اذ العدول انما يجوز عند عدم امكانه لامع امكانه ثم علل قوله غير مؤد الى المحال بقوله (فان الرؤية نوع كشف وعلم) للمدرك بالمرئى يخلق الله هذا النوع عند مقابلة الحاسة للمرئى بحسب ما جرت به العادة الالهية (الا انه أتم وأوضح من العلم) أى ان مسمى الرؤية هو الادراك المشتمل على الزيادة على الادراك الذى هو على جلى كما قدما أول هذا الاصل اذ هو العلم الذى لا ينقص منه قدر من الادراك (فاذا جاز تعلق العلم به) من غير أن ينقص منه قدر من الادراك (وليس فى جهة) أى من غير مقابلة بين الباصرة والمرئى فى جهة مع تلك المقابلة مسافة خاصة بين الحاسة والمرئى الكائن فى تلك الجهة ومن غير احاطة بمجموع المرئى (جاز تعلق الرؤية به وليس بجهة) وقولى من غير مقابلة الخ فيه دفع لقول المعتزلة والحكماء القائلين بان من شرائط الرؤية مقابلة المرئى للباصرة فى جهة من الجهات وقولى مع تلك المقابلة مسافة خاصة رد على قولهم ان من شرائط الرؤية عدم غاية البعد بحيث ينقطع ادراك الباصرة وعدم غاية القرب فان المبصراذا التصق بسطح البصر بطل ادراكه بالكلية ولذلك لا يرى باطن الاجفان وقولى من غير احاطة بمجموع المرئى اشارة الى نفى كون الرؤية تستلزم الاحاطة بالمرئى لتكون ممتنعة فى حقه تعالى لانه لا يحاط به قال تعالى ولا يحيطون به علما والحاصل انه يجوز عقلا أن يخلق القدر المذكور من العلم فى الحى على وفق مشيئته تعالى من غير مقابلة لجهة أخرى وقولى بمجموع المرئى فيه تنبيه على انه اذا اثبت أن المجموع المتركب من أجزاء متناهية برى دون احاطة فالذات المنزهة عن التركيب والتناهى والحدود والجهة أولى بان تنفلت رؤيتها عن الاحاطة والدليل على جواز أن يخلق الله قدرا من العلم من غير مقابلة بحاسة البصر أصلا ماورد فى الصحيحين من حديث أنس رفعه أتموا صفوفكم فانى ارأكم من وراء ظهرى وعند البخارى وحده عن أنس أقيموا صفوفكم وتراسوا وعند النسائى استووا استووا استووا فوالذى بيدء انى أراكم من خلفى كما أراكم من بين يدى والدليل على قولنا من غير احاطة رؤيتنا السماء فانا نراها ولا نحيط بها وقد ظهر مما تقدم أن المصنف استدل لجواز الرؤية من غير جهة صريحا ومن غير احاطة ضمنا بوقوع أمور ثلاثة الأول والثالث منها لجوزاها من غير مقابلة لجهة ومن غير مسافة خاصة والثانى لجوزاها من غير احاطة وقد أشرنا الى الأول والثانى وأشار الى الثالث بقوله (وكما يجوز أن يرى الله تعالى الخلق) أى كون ذلك القدر من العلم المسمى بالرؤية مشبها فى كونه دون مقابلة رؤية الله تعالى ايانا فانه تعالى يرى خلقه (وليس فى مقابلتهم) فى جهة باتفاق منا ومن المعتزلة (جاز أن يراه الخلق من غير مقابلة) فالرؤية نسبة خاصة بين طرفى راء ومرئى @ فان فرض ان تلك النسبة تقتضى عقلا كوم أحدهما فى جهة اقتضت كون طرفها الأخر كذلك فى جهة لاشتراكهما فى التعلق فاذا ثبت بوفاق الخصمين عدم لزوم ذلك فى أحد طرفيها لزم فى الطرف الاخر مثله فكان الثابت عقلا نقيض مافرض فثبت انتفاء ما فرض وان فرض اللزوم فى أحد الطرفين وعدمه فهو تحكم محض ويقال فى الاستدلال على جواز الرؤية أيضا (كما جاز أن يعلم) البارى سبحانه (من غير كيفية وصورة) لما قلنا ان الرؤية نوع علم خاص يخلقه الله تعالى فى الحى غير مشروط بمقابلة ولا غيرها مما ذكر لا يقال ان الرؤية فى الشاهد لا تنفك عن حصول المقابلة فى الجهة والمسافة بين الرائى والمرئى وحصول احاطة الرائى ببعض المرئيات وحصول ادراك صورة المرئى فليكن فى الغالب كذلك وان ذلك فى حقه باطل تنزه البارئ تعالى عن ذلك فانتفت الرؤية فى حقه لانتفاء لازمها لانا نقول حصول المسافة والمقابلة والاحاطة والصورة فى الرؤية فى الشاهد لاتفاق كمون بعض المرئيات كذلك أى تتصف بالمقابلة على المسافة المخصوصة بالاحاطة به وبالصورة لكونه جسما لا لكون الامور المذكورة معلولا عقليا لهذا النوع من العلم المسمى رؤية مع انتفاء العلوم المذكورة على ما بين بالاستدلال السابق والمعلول لا يثبت مع انتفاء علته والا لم يكن علة له فتأمل وقال النسفى فى شرح العمدة زعمت المعتزلة والزيدية والفلاسفة والخوارج ان فى العقل دلالة استحالة رؤيته لانه لابد لها من مقابلة بين الرائى والمرئى وذالا يصح الا فى المتحيز ومسافة مقدرة بين الرائى والمرئى بحيث لا يكون قربا مفرطا واتصال شعاع عين الرائى بالمرئى وكل ذلك مستحيل على الله تعالى وأكدوا هذا المعقول بقوله تعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار فقد تمدح بانتفاء الرؤية عن ذاته اذ الادراك بالبصر هو الرؤية كما تمدح بأسمائه الحسنى فى سياق الاية وسباقها وكل ما كام عدمه مدحا كان وجوده نقصا وهو على البارى لا يجوز فى الدارين والدليل على انه تمدح به وروده بين المدحين اذ ادراج غير المدح بين المدائح مما تمجه الاسماع وتنفر عنه الطباع وأكثر المعتزلة على انه تعالى يرى ذاته ويرى العالم ثم أورد الجواب عن الاية بما تقدم بيانه قريبا ثم قال وما قالوا من اشتراط المقابلة وثبوت المسافة واتصال الشعاع وتحقق الجهة باطل فان الله تعالى يرانا من غير مقابلة ولا اتصال شعاع ولاثبوت مسافة بيننا وبينه ولا جهة ومن أنكر ذلك منهم فهو محجوج بقوله تعالى ألم يعلم بان الله يرى وهو السميع البصير والعلل والشرائط لا تتبدل بالشاهد والغائب وقد تبدلت فعلم انها من أوصاف الوجود دون القرائن اللازمة للرؤية فلا يشترط تعديها وهذا لان الرؤية تحقق الشئ بالبصر كما هو فان كان فى الجهة يرى فى الجهة وان كان لا فيها يرى لا فيها كالعلم فان كل شئ يعلم كما هو فان كان فى الجهة يعلم فى الجهة وان كان لافى الجهة يعلم لافى الجهة وبهذا تبين ان العلة المطلقة للرؤية الوجود لانها تتعلق بالجسم والجواهر والعرض فلا نفرق بين السواد والبياض والاجتماع والافتراق بحاسة البصر فعلم ان العرض مرئى وكذا غيره لانا نرى الطويل والعريض وذلك ليس بجواهر متألفة قى صفة مخصوصة والحكم المشترك يقتضى علة مشتركة لان تعليل الاحكام المتساوية بالعلل المختلفة ممتنع والمشترك بين هذه الاشياء اما الوجود أو الحدوث والحدوث لا يصلح للعلية لانه عبارة عن وجود حاصل بعد عدم سابق والعدم لا يصلح ان يكون علة ولا شطر العلة فلم يبق الا الوجود والله تعالى موجود فوجب القول بصحة رؤيته
صفحہ 115