(لاكثيرا قصيرا) اى يقصرون فيه (لا طويلا) لاشتغالهم بما هو اهم (و) انه كان ذلك (عند الحاجة) ايه فى دفع معاند او ارشاد ضال (لا بطريق التصنيف) فيه اى تسطيره صنفا صنفا (والتدريس) اى القائه درسا درسا (و) لا (اتخاذه صناعة) يتميز بها عن غيره واليها ينتسب (فيقال اما قلة خوضهم فيه كان لقلة الحاجة) الداعية اليه (ولم تكن البدعة تظهر فى ذلك الزمان) اى الآراء المحدثة انما ظهرت فيما بعد (واما القصر فقد كان الغاية القصوى افحام الخصم) اى اسكاته (واعترافه) بالحق (وانكشاف الحق) له من اول وهلة (فلو طال اشكال الخصم او لجاجه) فى محاورته (لطال لا محالة الزامهم) بدفع كل اشكال اشكال وايضا فانهم كانوا محتاجين الى محاجة اليهود والنصارى فى اثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والى اثبات الالهية مع الاصنام والى اثبات البعث مع منكريه ثم ما زادوا فى هذه القواعد التى هى امهات العقائد على ادلة القرآن فمن اتبعهم فى ذلك قبلوه ومن لم يقنع قتلوه وعدلوا الى السيف والسنان بعد انشاء ادلة القرآن وما ركبوا ظهر اللجاج فى وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات واستنباطها وتحرير طرق المجادلة (وما كانوا يقدرون قدر الحاجة بميزان ولا بمكيال بعد الشروع فيه) ولا بقاعدة معلومة وانما هو بحسب الوارد كل ذلك لعلمهم بان ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش وان من لا تقنعه ادلة القرآن فلا يقنعه الا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان (اما عدم تصديهم) اى تعرضهم (للتدريس والتصنيف) فيه (فهكذا كان فى الفقه والتفسير والحديث ايضا) لان الكتب المؤلفة فى العلوم محدثة باتفاق كما سبقت الاشارة اليه فى كتاب العلم (فان جاز تصنيف الفقه ووضع الصور النادرة) الغريبة (التى) لم تقع و(لاتتفق الا على) سبيل (الندور) والقلة (اما ادخارا) وحفظا لها (ليوم وقوعها وان كان نادرا او تشحيذا للخاطر) من شحذ الحديدة شحذا من باب نفع والذال المعجمة اذا احددتها وفى بعض النسخ او لتشحيذ الخاطر (او لادخار الحجة ) عنده (حتى لايعجز عنها عند) مسيس (الحاجة على البديهة والارتجال) يقال بدهه بدها اذا بغته وسميت البديهة لانها تبغت وتسبق الارتجال اتيان الكلام من غير روية ولا فكر (كمن يعد السلاح) اى يهيئه (قبل القتال) اى قبل حضوره وملابسته له (ليوم القتال فهذا) الذى قرر (مما يمكن ان يذكر للفريقين) اى فى احتجاج كل منهما على جواز الاشتغال به وعدمه (فان قلت فما المختار فيه) وفى نسخة منه (عندك) اى ما الذى تختاره وتذهب اليه (فاعلم ان الحق فيه ان اطلاق القول بذمه) اى كونه مذموما مطلقا (فى كل حال او بحمده) اى كونه محمودا مطلقا (فى كل حال خطأ بل لابد فيه من تفصيل) يظهر سياقه وجه الحق (فاعلم اولا ان الشئ قد يحرم لذاته كالخمر والميتة واعنى بقولى لذاته ان علة تحريمه وصف فى ذاته وهو الاسكار) فى الخمر (والموت) فى الميتة (وهذا اذا سئلنا عنه اطلقنا القول بانه حرام) نظرا الى هذه العلة (ولايلتفت الى اباحة الميتة عند الاضطرار واباحة تجرع الخمر اذا غص الانسان بلقمة) اى نشبت فى حلقه (ولم يجد ما يسيغها) وينزلها (سوى الخمر) وكان هذا جواب عن سؤال مقدربقول القائل كيف يجوز اطلاق القول فيهما بالحرمة مع انهما قد يباحان فى وقت فاجاب بأن ذلك نادر ولاحكم للنادر (والى مايحرم لغيره) لا لذاته (كالبيع على بيع اخيك فى وقت الخيار) اى الاختيار (والبيع وقت النداء) اى الاذان فكل منهما ورد النهى عنهما فى عدة احاديث (وكأ كل الطين فانه يحرم لما فيه من الضرر) للبدن (وهذا ينقسم الى ما يضر قليلة وكثيرة فيطلق عليه بانه حرام كالسم الذى يقتل قليلة وكثيرة) وهو انواع كثيره مابين حيوانى ونباتى ومعدنى (والى ما يضر@ عند الكثرة) فقط (فيطلق القول عليه بالاباحة كالعسل فان كثيره يضر بالمحرور) المزاج فى البلاد الحارة (وكأكل الطين) فانه كذلك كثيره يضر بالبدن (وكان اطلاق التحريم على الخمر والتحليل على العسل التفاتا) اى نظرا (الى اغلب الاحوال فان تصدى شئ) اى تعرض (تقابلت فيه الاحوال فالاولى والابعد عن الالتباس ان يفصل) فيها فاذا عرفت ذلك (فنعود الى علم الكلام) اذ هو المقصود لذاته من هذا البحث (فنقول فيه منفعة وفيه مضرة فهو باعتبار منفعته فى وقت الانتفاع حلال او مندوب او واجب كما يقتضيه الحال) باعتبار مسيس الحاجة الشديدة واشد منها (وهو باعتبار مضرته فى وقت الاستضرار ومحله حرام) ثم شرع فى ذكر مضرته ومنفعته فقال (اما مضرته فاثارة الشبهات) الملتبسة (وتحريك العقائد) الفاسدة (وازالتها عن الجزم والتصميم) وقد تقدم تشبيهه بخيط مرسل فى الهواء تقيئه الرياح (فلذلك مما يحصل فى الابتداء) اى ابتداء الامر فان قلت لانسلم ازالتها من الجزم فان الدليل عليها مما يقويها ويشدها (و) الجواب ان (رجوعها بالدليل مشكوك فيه) فان المدلول اذا لم يصمم به لعروض شبهة فالدليل عليه بطريق الاولى (وتختلف فيه الاشخاص) بالقوة والضعف (فهذا ضرره فى الاعتقاد الحق) الثابت (وله ضرر اخر فى تأكيد اعتقاد المبتدعة وتثبيتها فى صدورهم بحيث تنبعث دواعيهم) المحركة (ويشتد حرصهم على الاصرار عليه) والوقوف لديه (ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب) للمذهب وطلب المباهاه بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام (الذى يثور وينبعث من الجدل) والمناظرة (ولذلك ترى المبتدع العامى يمكن ان يزول اعتقاده باللطف فى اسرع زمان) لعدم رسوخه فى قلبه (الا اذا كانت نشأته) ونموه (فى بلد يظهر فيه الجدل والتعصب) كبلاد الرافضة مثلا (فانه لو اجتمع عليه الاولون والآخرون) بأنواع الادلة (لم يقدروا على نزع البدعة من صدره) لتمكنها فيه ورسوخها (بل الهوى) النفسانى (والتعصب) المذهبى والمباهاه بالمعارف (وبغض خصوم المجادلين وفرقة المخالفين يستولى على قلبه) استيلاء كليا (ويمنعه من ادراك الحق) الصحيح ومن وصوله الى قلبه (حتى لو) فرض (وقيل له) بعد العجز عن ايصال ذلك الى فهمه (هل تريد ان يكشف الله لك الغطاء) والحجاب عن فهمك (فيعرفك بالعيان) والمشاهدة الحقيقية (ان الحق مع خصمك لكره ذلك) من نفسه (خيفة ان يفرح به خصمه) اذا علم منه رجوعه الى الحق (وهذا هو الداء العظيم) والخطب الجسيم (الذى استطار فى البلاد والعباد) شرره وعم ضرره (وهو نوع فساد اثاره المجادلون بالتعصب) للمذاهب (فهذا ضرره) ومنه تنشأ انواع الضررالمهلكة (واما منفعته فقد يظن ان فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هى عليها) وهو مقام الكشف والمشاهدة وعمارة السر بأنوار اليقين وحصول العلم المضارع للضرورى (فليس فى الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف) ومن اين للنازل طى المنازل (ولعل التخبيط والتضليل فيه اكثر من الكشف والتعريف) اذ اكثره عمل النفس وتخليق الفهم (وهذا) الكلام (اذا سمعته من محدث) وهو المشتغل بعلم الحديث بسائر فنونه العارف برجاله ومتونه (او حشوى) هو بالتحريك من يتتبع ظواهر الاحاديث قال اليوسى فى حاشية الكبرى نسبة الى الحشاء اى الجانب والطرف سموا بذلك لقول الحسن البصرى وكان اوائلهم يجلسون اليه بين يديه ثم وجد كلامهم ساقطا ردوا هؤلاء الى حشاء الحلقة اى جانبها او بسكون الشين من الحشو لقولهم بذلك فى القرآن حيث زعموا ان فى الكتاب والسنة مالا معنى له اه (ربما خطر ببالك ان @ الناس اعداء ماجهلوا) ومن جهل شيئا عاداه (فاسمع هذا ممن خبر الكلام) وسيره ودخل فيه وخرج والف فيه عدة تآليف (ثم قلاه) اى ابغضه وتركه (بعد حقيقة الخبرة) اى الاختبار الكلى (بعد التغلغل فيه) اى الدخول فى وسطه (الى) ان وصل (منتهى درجة المتكلمين) واقصى رتبتهم (وجاوز ذلك الى التعمق فى علوم اخر تناسب نوع الكلام) من العلوم الفلسفية (وتحقق ان الطريق الى حقائق المعرفة) كما هى عليها (من هذا الوجه مسدود) كما ذكر ذلك فى كتابه المنقذ من الضلال فقال فى اوله ولم ازل فى عنفوان شبابى عندما راهقت البلوغ قبل العشرين الى الآن وقد اناف سنى على الخمسين اقتحم لجة هذا البحر العميق واخوض غمرته خوض الجسور لاخوض الجبان الحذور واتوغل فى كل مضلة واهم على كل مشكلة واقتحم كل ورطة واتفحص عن عقيدة كل فرقة واستكشف اسرار مذهب كل طائفة لا ميز بين محق ومبطل ومستن ومبتدع الى ان قال وقد كان التعطش الى درك حقائق الامور اى من اول امرى غريزة وفطرة من الله تعالى وضعها فى جبلتى لا باختيارى وحيلتى حتى انحلت عنى رابطة التقليد ثم ابتدأت بعلم الكلام فحصلته وعقلته وطالعت كتب المحققين منهم وصنفت فيه ما اردت ان اصنف فصادفته علما وافيا بمقصوده غير واف بمقصودى اه وسيأتى بقية هذه العبارة فيما بعد (ولعمرى لاينفك الكلام عن كشف وتعريف وايضاح لبعض الامور ولكن على) سبيل (الندور) والقلة (وفى امور جلية) ظاهرة (تكاد تفهم قبل التعمق فى صنعة الكلام) بأصل الفطرة والجبلة (بل منفعته شئ واحد وهو حراسة العقيدة التى ترجمناها على العوام وحفظها عن تشويشات المبتدعة بأنواع الجدل) وقال المصنف فى الاملاء اعلم ان المتكلمين من حيث صناعة الكلام فقط لم يفارقوا اعتقاد العوام وانما حرسوها بالجدل عن الانخرام فهم حراس نواحى الشرع من اهل الاختلاس والقطع وقد تقدمت الاشارة الى ذلك ايضا فى كتاب العلم (فان العامى ضعيف يستفزه) ويحركه (جدل المبتدع وان كان فاسدا ومعارضة الفاسد بالفاسد مدفعة والناس متعبدون بهذه العقيدة التى قدمناها اذ ورد الشرع بها لما فيها من صلاح دينهم ودنياهم واجتماع السلف عليها) وقال المصنف فى كتابه المنقذ وانما المقصود منه حفظ عقيدة اهل السنة وحراستها عن تشويش اهل البدع فقد القى الله تعالى الى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عقيدة هى الحق على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم كما نطق بمقدماته القرآن والاخبار (والعلماء متعبدون بحفظ ذلك على العوام من تلبيسات المبتدعة كما تعبد السلاطين بحفظ اموالهم عن تقحمات) وفى نسخة عن تهجمات (الظلمة والغصاب) جمع غاصب وهو الذى يأخذ المال قهرا وقال المصنف فى المنقذ ولما كان اكثر خوض المتكلمين فى استخراج مناقضات الخصوم ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم وهذا قليل النفع فى حق من لا يسلم سوى الضروريات شيئا لم يكن الكلام فى حقى كافيا ولا لدائى الذى اشكوه شافيا نعم لما نشأت صنعة الكلام وكثر الخوض فيه وطالت المدة تشوف المتكلمون الى مجاوزة الذب عن الشبهة بالبحث عن حقائق الامور وخاضوا فى البحث عن الجواهر والاعراض واحكامها ولكن لما لم يكن ذلك مقصود علمهم لم يبلغ كلامهم فيه الغاية القصوى فلم يحصل منه بالكلية مايمحو ظلمات الحيرة فى اختلاف الخلق فلا ابعد ان يكون حصل ذلك لغيرى بل لست اشك فى حصول ذلك لطائفة ولكن حصولا مشوبا بالتقليد فى بعض الامور التى ليست من الاوليات والغرض الآن حكاية حالى لا انكارا على من استشفى به فان ادوية الشفاء مختلفة باختلاف الداء فكم من دواء ينتفع به مريض ويستضر به اخر اه (واذا وقعت الاحاطة) وكمال المعرفة (بضرره ومنفعته فينبغى ان يكون الناظر فيه) بعد تلك الاحاطة (كالطبيب الحاذق) الماهر (فى استعمال الدواء الخطر) الذى فيه بعض سميات مثلا (اذ لايضعه الا فى موضعه) الذى يليق بوضعه (وذلك فى وقت الحاجة وعند قدر الحاجة) فانه اذا لم يصادف @ الوقت والقدر كان عين الضرر وهذا لاتبينه الا المهرة فى الفن (وتفصيله ان العوام) من الناس (المشغولين بالحرف) والصناعات وجميع انواع الاكتسابات (يجب ان يتركوا على سلامة عقائدهم) وهى (التى اعتقدوها مهما تلقنوا الاعتقاد الحق الذى ذكرناه) آنفا ويكتفى به معهم على هذا القدر ولا يعلمون المناظرة والجدال (فان تعليمهم الكلام) وصفة الجدال (ضرر محض) خالص (فى حقهم اذ ربما يثير لهم شكا) اى يبعث من الكلام يتعلق بفهمه (ويزلزل عليهم الاعتقاد) الذى تلقنوه (فلا يمكن القيام بعد ذلك بالاصلاح) اى بازالة ذلك الشك العارض فى قلبه لرسوخه فيه وعدم التفاته الى ما يزيله او نظره فيه ولم يفهم كنهه هذا حال ارباب الحرف (واما العامى المعتقد البدعة فينبغى ان يدعى الى) المعتقد (الحق باللطف) واللين فى المجاورة (لا بالتعصب) وسوء القول (وبالكلام اللطيف) السهل اللين (المقنع للنفس المؤثر) بوقعه (فى القلب القريب من سياق ادلة القرآن والحديث) فما بعد بيانهما بيان (الممزوج بالوعظ والتحذير) ولا يمارى الامراء ظاهرا (فان ذلك انفع من الجدل الموضوع) وفى نسخة المصوغ (على شرط المتكلمين) فانه يخبط الذهن ويشوشه (اذ العامى اذا سمع ذلك الاعتقاد اعتقد انه نوع صنعة تعلمها المتكلم يستدرج الناس بها الى اعتقاده) اى يستميلهم اليه على طريق الاستدراج (فان عجز عن الجواب قدر ان المجادلين من مذهبه) ومن طريقته (ايضا يقدرون على دفعه) ورد ما اورده (والجدل مع هذا) اى العامى (ومع الاول) اى معتقد البدعة (حرام) اما مع العامى فلزلزلة اعتقاده واما مع المبتدع فلتعصبه (وكذا مع من وقع له شك) وفى نسخة فى شك (اذ يجب ازالته باللطف والوعظ) لا بالعنف والقهر (والادلة القرآنية المقبولة البعيدة عن تعمق الكلام) بكلام جلى يفهمه ولايكلف نفسه تدقيق الفكر وتحقيق النظر (والاستقصاء بالجدل) فى تفسير وسؤال وتوجيه واشكال ثم الاشتغال بحله (انما ينفع فى موضع واحد وهو ان يفرض عامى اعتقد البدعة بنوع جدل سمعه) وطرق الى اسماعه (فيقابل ذلك الجدل بمثله) ليزيله (فيعود الى اعتقاد الحق) بسهولة (وذلك فيمن ظهر له من الانس بالمجادلة ما يمنعه عن القناعة بالمواعظ والتحذيرات العامية) بعدم ميل قلبه اليها وانما يستأنس بالمجادلة (فقد انتهى هذا الى حال لايشفيه) اى لا يزيل داء اعتقاده (الا دواء الجدل فجاز ان يلقى اليه) بالقدر المحدود (واما فى بلاد تقل فيها البدعة ولا تختلف فيها المذاهب) بل يكونون على مذهب واحد فان غالب التعصبات انما يثور من اختلاف المذاهب (فيقتصر فيها على ترجمة الاعتقاد) المختصر (الذى ذكرناه) آنفا (ولا يتعرض للادلة) اى العقلية او مطلقا (ويتربص) اى ينتظر (وقوع شبهة) عرضت له على جزئى من جزئيات الاعتقاد (فان وقعت ذكر) الادلة (بقدر الحاجة) بشرط ان لا يوغل فيه غاية الايغال وان اقتصر على ادلة القرآن كفى وشفى (وان كانت البدعة شائعة) اى ظاهرة منتشرة (وكان يخاف على الصبيان) والاطفال (ان يخدعوا) بها (فلا بأس ان يعلموا القدر الذى اودعناه كتاب الرسالة القدسية) الآتى ذكرها فى الفصل الثالث من هذا الكتاب (ليكون ذلك سببا لدفع تأثير مجادلات المبتدعة ان وقعت اليهم) اى ان فرض وقوعها فما فى الرسالة القدسية من الادلة القرآنية والعقلية كفاية فى الرد على المخالفين كما سيأتى ذلك (وهو مقدار مختصر) فى اوراق يسيرة (وقد اودعناه هذا الكتاب) فى الفصل الثالث (لاختصاره) وجمعه (فان كان فيه ذكاء) وتوقد ذهن بالاستطلاع على الغوامض (وتنبه بذكائه لموضع سؤال @ ) يرد عليه (او ثارت فى نفسه شبهة) عرضت له (فقد بدت العلة المحذورة) منها (وظهر الداء) بعد كونه (فلا بأس ان يترقى منه الى القدر الذى ذكرناه فى كتاب الاقتصاد فى الاعتقاد وهو قدر خمسين ورقة) وقد يكون ازيد او اقل بحسب الخطوط والساطر وهو كتاب جليل مرد كره فى شرح خطبة الكتاب وشرحه غير واحد من الائمة (وليس فيه خروج عن النظر فى قواعد العقائد الى غير ذلك من مباحثة المتكلمين) بل الادلة المذكورة فيه دائرة بين قرآنية وحديثية وعقلية وليس فيها تعرض للمباحث العويصة (فان اقنعه ذلك) وكفاه (كف عنه) ولم يدعه يخوض فى المطولات (وان لم يشفه ذلك) بل زاد (فقد) عسر علاجه لانه (صارت العلة) فيه (مزمنة) وصار (الداء غالبا) على قلبه (والمرض ساريا) فى جسمه (فليتلطف به الطبيب بقدر امكانه) اذ علم الكلام راجع الى علم معالجة المرضى بالبدع كما قاله المصنف فى الجام العوام (وينتظر قضاء الله تعالى فيه الى ان ينكشف له الحق) بارتفاع المانع (بتنبيه من الله سبحانه) بنفث يلقى فى روعه او الهام او غير ذلك (او يستمر على) ما رسخ فيه من (الشك والشبهة الى ما قدر له) من الازل وفى الجام العوام للمصنف فان قيل اذا فرضنا عاميا مجادلا لجوجا ليس مقلدا ولا يقنعه التقليد ولا ادلة القرآن ولا الاقاويل الجلية المقنعة فماذا يصنع به قلنا هذا مريض مال طبعه من صحة الفطرة الاصلية فينظر فى شمائله فان وجد اللجاج والجدل غالبا عليه وعلى طبعه لم تجادله وطهرنا وجه الارض منه ان كان يجادلنا فى اصل من الايمان وان تفرسنا بالقرائن مخايل الرشد والقبول لو جاوزنا به من الكلام الظاهر الى تدقيق الادلة عالجناه بما قدرنا عليه من ذلك وداويناه بالجدال المسدد والبراهين الجلية وترخيصنا فى هذا المقدار من المداواة لايدل عن فتح الباب فى الكلام مع الكافة فان الادوية تستعمل فى حق المرضى وهم الاقلون وما يعالج به المريض بحكم الضرورة يجب عليه ان يوفى عنه الصحيح والفطرة الصحيحة الاصلية تعد لقبول الايمان دون المجادلة وتحرير حقائق الادلة وليس الضرر فى استعمال الداء مع الاصحاء بأقل من الضرر فى اهمال المداواه مع المرضى فليوضع كل شئ فى محله اه (فالقدر الذى يحويه هذا الكتاب وحده من المصنفات) يريد به كتاب الاقتصاد (هو الذى يرجى نفعه) للسالك فى سبيل الحق (واما الخارج عنه) اى عن ذلك القدر فانه (قسمان احدهما بحث على غير قواعد العقائد) الاسلامية (كالبحث عن الاعتمادات) كقول ابى هاشم ان الموجب لهوى الثقيل هو الاعتماد دون الحركة ذكره فى مسئلة التولد (والاكوان) جمع كون وهو استحالة جوهرته الى ما هو اشرف منه ويقابله الفساد وهو استحالة جوهرته الى ما هو دونه ولهم فى الكون اطلاقات اخر (وعن الادراكات) فى ثبوتها ونفيها ومذهب اهل السنة ان الادراكات كلها من فعل الله سبحانه وانه ليس شئ منها فعلا للانسان ولا كسبا له كما سيأتى بيانه (والخوض ان فى الرؤية هل لها ضد يسمى المنع او العمى وان كان فذلك واحد هو منع عن جميع مالا يرى او ثبت بكل مرئى يمكن رؤيته منع بحسب عدده) هكذا سياق العبارة فى غالب النسخ وفى بعضها او يثبت بكل مرئى وفى بعضها وان كان كل واحد هو منع جميع مالايرى او ثبت لكل مرئى فذلك يمكن رؤيته منع بحسب عدده واعلم ان الممنوع بوجود الصمم والعمى معنيان هما ادراكان للمسموع والمرئى وانهما غير ذاته فان قالت المعتزلة العمى والصمم مانعان له عن ان يكون مدركا قيل ما معنى منعهما عن كونه مدركا هل هو منع عن نفسه او عن معنى سواء ولايجوز ان يكون منعا عن نفسه فوجب ان يكون المنع انما وقع عن معنى سواء وهو ادراك اذ لايجوز ان يكون المنع منعا لا عن شئ وهذا البحث اورده ابو منصور التميمى فى كتاب الاسماء والصفات وسنشير اليه ان شاءالله تعالى (الى غير ذلك من الترهات) اى الاباطيل (المضلة) للفهم (والقسم الثانى زيادة تقرير) وفى بعض النسخ تقدير (لتلك الادلة) العقلية (فى غير تلك القواعد وزيادة اسئلة واجوبة) وشبه تنبعث من الافكار وفى بعض النسخ اسقاط اسئلة (وذلك ايضا استقصاء لايزيد) المستقل به (الاضلالا) عن الطريق @ (وجهلا فى حق من لم يقنعه ذلك القدر) ولم يكتف به (فرب كلام يزيده الاطناب) هو اداء المقصود باكثر من العبارة المتعارفة (والتقرير غموضا) وخفاء (ولوقال قائل البحث عن حكم الادراكات والاعتمادات فيها فائدة) نافعة وهى (تشحيذ الخاطر) وتنبيهها عن الغفلة (والخاطر آلة الدين) اصل الخاطر لما يتحرك فى القلب من رأى او معنى ثم سمى محله باسم ذلك وهو من الصفات الغالبة (كالسيف آلة للجهاد) اى بالخاطر تنكشف اسرار احكام الدين كما ان السيف تتم به امور المجاهدين (فلا بأس بتشحيذه) اى فلاى شئ يمنع من الخوض فى القسم الاول مع كونه مفيدا من وجه فاجاب بقوله (كان) اى هذا القول (كقوله لعب الشطرنج يشحذ الخاطر) ويهيئه لتلقى التدبيرات (فهو من الدين) اى من جملة اموره (وذلك هوس) واختلاط (فان الخاطر يشحذ بسائر علوم الشرع فلا يخاف فيها مضرة) ثم ان الشطرنج معرب واختلف فى اصله فقيل صدرنات يعنى مائة حيلة وقيل صدرنج يعنى مائة تعب وقيل شدرنج اى صار تعبا واختلف فى ضبطه فقيل بالفتح وهو المشهور وقيل بالكسر وهو المختار قال ابن الجواليقى فى كتاب ما يلحن فيه العامة ومما يكسرو العامة تفتحه او تضمه وهو الشطرنج بكسر الشين ققال وانما كسر ليكون نظير الاوزان العربية مثل جردحل اذ ليس فى ابنية العرب فعلل بالفتح حتى يحمل عليه واما اول من وضعه ولاى شئ وضعه واقوال الائمة فى جواز اللعب به او كراهته فقد ذكره الحافظ السخاوى فى عمدة المحتاج مستوفى واشرنا الى بعضها فى شرحنا على القاموس ليس هذا محل ذكرها (فقد عرفت بهذا) الذى تقدم ذكره (القدر المذموم والقدر المحمود من الكلام) بعد تقريره لذلك فى كتاب العلم بنحو مما ذكره هنا (و) عرفت ايضا (الحال الذى يذم فيها والحال التى يحمد فيها و) عرفت (الشخص الذى ينتفع به والذى لا ينتفع به فان قلت مهما اعترفت بالحاجة اليه فى دفع المبتدع) ورد شبهه (والآن فقد ثارت البدع) وهاجت (وعمت البلوى) الناس (وارهقت الحاجة) اى دنت وقرب وقوعها (فلابد ان يصير القيام بهذا العلم) والتصدى له (من فروض الكفايات كالقيام بحراسة الاموال) وحفظها من النهاب (وسائرالحقوق) كذلك (وكالقضاء والولاية وغيرهما) من المناصب العامة والخاصة (ومالم يشتغل العلماء بنشر ذلك) وتعليمه (والتدريس فيه والبحث عنه) والتحقيق فيه (لايدوم ولو ترك) الاشتغال به (لاندرس) بمرة وانمعى اثره ولقائل ان يقول لايحتاج الى نشره وتعليمه بل يكتفى منه فى رد شبه المبتدعة بما ركز فى الجبلة والطباع فاجاب بقوله (وليس فى مجرد الطباع) ولو كانت سليمة (كفاية) تامة (لحل شبه المبتدعة مالم يتعلم) ويدأب فيه لان اكثر هذا العلم امور دقيقة نظرية (فينبغى ان يكون التدريس فيه والبحث عنه ايضا من فروض الكفايات) وهذا (بخلاف زمان الصحابة) رضوان الله تعالى عليهم (فان الحاجة ماكانت ماسة اليه) اما لعدم ظهور البدع فى زمانهم او لاكتفائهم بما اشرق الله من انوار المشاهدة فى صدورهم فكانت الامور الخفية بالنسبة الينا جلية عندهم (فاعلم ان الحق) الذى لا محيد عنه (انه لابد فى كل بلد) من بلاد الاسلام (من قائم بهذا العلم) اى بازائه (مستقل بدفع شبه المبتدعة الذين ثاروا فى تلك البلدة) ونبغوا (وذلك يدوم بالتعليم) ويحفظ بالنشر والافادة (ولكن ليس من الصواب تدريسه على العموم) اى على عامة الناس (كتدريس الفقه والتفسير) ولوازمهما (فان هذا) اى علم الكلام (مثل الدواء) الذى لايحتاج اليه فى كل وقت وينتفع به آحاد الناس ويستضر به الآخرون (والفقه مثل الغذاء) لابد ان الذى لايستغنى عنه مجال فى اقامة ناموس البدن (وضرر الغذاء لا يحذر وضرر الدواء محذر لما ذكرنا فيه من انواع الضرر) التى لاتحصى (فالعالم به ينبغى ان يخصص بتعليم هذا العلم من) وجدت (فيه ثلاث خصال احداها التجرد للعلم) والاستعداد لطلب @ المعرفة (والحرص عليه) بالاكباب على درسه وتعلمه (فان المحترف) اى المشتغل بالحرفة والصناعة (يمنعه الشغل) الذى هو فيه (عن الاستتمام وازالة الشكوك اذا عرضت) لعدم استعداده لذلك (والثانية الذكاء) وهو سرعة الادراك وحدة الفهم وقيل هو سرعة اقتراح النتائج (والفطنة) وهى سرعة هجوم على حقائق معان مماتورده الحواس عليها (والفصاحة) وهى ملكة يقتدربها على التعبير عن المقصود (فان البليد) المتحير فى امره الذى لايوصف بذكاء ولافطنة (لا ينتفع بفهمه) بل هو دائما حيران فى امره (والقدم) وهو البطئ الفهم (لاينتفع بحجاجه) اى بمحاجته (فيخاف عليه من ضرر الكلام ولايرجى فيه نفعه والثالثة ان يكون فى طبعه الصلاح) وهو ضد الفساد ويختصان فى اكثر الاستعمال بالأفعال وقوبل فى القرآن تارة بالفساد واخرى بالسيئة (والديانة) وهى التمسك بامور الدين (والتقوى) وهى تجنب القبيح خوفا من الله تعالى (ولاتكون الشهوات) النفسية (غالبة عليه) وفى معنى الشهوات التعصبات للمذاهب والمباهاه بالمعارف (فان الفاسق بادنى شبهه) اذا عرضت (ينخلع عن) ربقة (الدين فان ذلك يحل عنه الحجز) اى الستر الحاجز (ويرفع الستر بينه وبين الملاذ) الشهوانية (فلا يحرص على ازالة الشبهة) ودفعها (بل يغتنمها ليتخلص من اعباء التكليف) ومشقاته (فيكون ما يفسده مثل هذا المتعلم اكثر مما يصلحه) وقال المصنف فى الجام العوام التحدث فى هذا العلم للعالم انما يكون على اربعة اوجه اما ان يكون مع نفسه او مع من هو مثله فى الاستبصار او مع من هو مستعد للاستبصار بذكائه وفطنته وتجرده لطلب معرفة الله او مع العامى فان كان قاطعا اى لاظانا اى لا حاكم مع نفسه بموجب ظنه حكما جازما فله ان يحدث نفسه به ويحدث من هو مثله فى الاستبصار وهو متجرد لطلب المعرفة مستعد لها خال عن الميل الى الدنيا والشهوات والتعصبات للمذاهب وطلب المباهاة بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام فمن اتصف بهذه الصفات فلا بأس بالتحدث معه لان الفطن المتعطش الى المعرفة للمعرفة لا لغرض يحيك فى صدره اشكال الظواهر وربما يلقيه فى التأويلات الفاسدة لشدة شرهه عن الفرار عن الظواهر ومقتضاها ومنع العلم اهله ظلم كبثه الى غير اهله واما العامى فلا يحدث به وفى معنى العامى كل من لا يوصف بالصفات المذكورة واما المظنون فيحدث به مع نفسه اضطرارا فان ما ينطوى عليه الذهن من ظن وشك وقطع لاتزال النفس تحدث به ولا قدرة على الخلاص منه ولامنع منه ولاشك فى منع التحدث به مع العوام بل هو اولى بالمنع من المقطوع اما تحدثه به مع من هو فى مثل درجته فى المعرفة او مع المستعد له فيه نظر فيحتمل ان يقال هو جائز اذ لا يزيد على ان يقول اظن كذا وهو صادق ويحتمل المنع لانه قادر على تركه وهو بذكره متصرف بالظن فى صفة الله تعالى او فى مراده من كلامه وفيه خطر واباحته انما تعرف بنص او اجماع او قياس على منصوص ولم يرد شئ من ذلك بل ورد قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم اه (واذا عرفت هذه الانقسامات اتضح لك ان هذه الحجة المحمودة فى الكلام انما هو من جنس حجج القرآن) والاخبار الصحيحة (من الكلمات اللطيفة) المختصرة (المؤثرة فى القلوب) بوقعها (المقنعة للنفوس) الكافية لها (من دون التغلغل) والخوض (فى التقسيمات) الغريبة (والتدقيقات) العجيبة (التى لا يفهمها اكثر الناس) ولا يحوم فكرهم حولها (واذا فهموها) بعد جهد (اعتقدوا انها شعوذة) لا حقيقة لها (وصناعة تعلمها للتلبيس) والتخليط (فاذا قابله مثله فى الصنعة قاومه) قال المصنف فى الجام العوام العامى اذا منع من البحث والنظر ولم يعرف الدليل كان جاهلا بالمدلول وقد امر الله كافة عباده بمعرفته بالايمان به والتصديق بوجوده اولا وبتقديسه عن سمات الحوادث ومشابهة غيره ثانيا وبوحدانيته ثالثا وبصفاته من العلم والقدرة ونفوذ المشيئة وغيرها رابعا وهذه الامور ليست ضرورية فهى اذا مطلوبة وكل علم مطلوب ولاسبيل الى اقتناصه وتحصيله الا بالادلة فلابد من النظر فى الادلة والتفطن لوجه دلالتها على المطلوب وكيفية انتاجها له وذلك لايتم الا بمعرفة شروط البراهين وكيفية ترتيب @ المقدمات واستنتاج النتائج ويستجر ذلك بالضرورة شيئا فشيئا الى تمام البحث واستيفاء على الكلام الى اخر النظر فى علم المعقولات وكذلك يجب على العامى ان يصدق الرسول فى كل ماجاء به وصدقه ليس بضرورى بل هو بشر كسائر الخلق فلابد من دليل يميزه عن غيره ممن تحدى بالنبوة كاذبا ولايمكن ذلك الا بالنظر فى معجزاته ومعرفة حقيقة المعجزة وشروطها الى اخر النظر فى النبوات وهو ثلث علم الكلام قلنا الواجب على الخلق الايمان بهذه الامور والايمان عبارة عن تصديق جازم لا تردد فيه ولايشعر صاحبه بجواز وقوع الخطأ فيه وهذا التصديق يحصل على ست مراتب الاولى وهو اقصاها مايحصل بالبرهان المستقصى المستوفى بشروطه المحرر باصوله ومقدماته درجة درجة كلمة كلمة حتى لا يبقى مجال احتمال وممكن التباس وذلك هو الغاية القصوى وربما يتفق فى كل عصر واحد واثنان ممن ينتهى الى تلك الدرجة وقد يخلو العصر عنه ولو كانت النجاة مقصورة على مثل تلك المعارف لقلت النجاة وقل الناجون الثانية ان يحصل بالادلة الرسمية الكلامية المبنية على امور مسلمة مصدق بها لاشتهارها بين اكابر العلماء وشناعة انكارها ونفرة النفوس عن ابداء المزيد فيها وهذا الجنس ايضا يفيد فى بعض الامور وفى حق الناس تصديقا جازما بحيث لا يتغير صاحبه بامكان خلافه اصلا الثالثة ان يحصل التصديق بالادلة الخطابية التى جرت العادة باستعمالها فى المحاورة والمخاطبات الجارية فى العادات وذلك يفيد فى حق الاكثرين تصديقا ببادئ الرأى وسابق الفهم اذا لم يكن الباطن مشحونا بالتعصب وبرسوخ اعتقاد على خلاف مقتضى الدليل ولم يكن المستمع مشغوفا بتكلف المماراة والتشكيك ومنهاجه بتحذلق المجادلين فى العقائد واكثر ادلة القرآن من هذا الجنس من الدليل الظاهر المفيد للتصديق والدليل المستوفى هو الذى يفيد التصديق بعد تمام الاسئلة وجوابها بحيث لا يبقى للسؤال مجال والتصديق يحصل قبل ذلك الرابعة التصديق بوجود السماع ممن حسن فيه الاعتقاد بسبب كثرة ثناء الخلق فان من حسن اعتقاده فى ابيه واستاذه او رجل من الافاضل المشهورين قد يخبر عن شئ فيسبق اليه اعتقاد جازم وتصديق بما اخبر عنه بحيث لايبقى مجال لغيره فى قلبه ومستنده حسن اعتقاده فيه وكذلك اعتقاد الصبيان فى آبائهم ومعلمهم فلا جرم يسمعون الاعتقادات ويصدقونه ويستمرون عليه من غير حاجة الى دليل ومحاجة الخامسة التصديق الذى يسبق اليه عند سماع الشئ مع قرائن الاحوال لايفيد القطع عند المحقق ولكن يلقى فى حق العوام اعتقادا جازما السادسة ان يسمع القول فيناسب طبعه واخلاقه فيبادر الى التصديق بمجرد موافقته لطبعه لا من حسن اعتقاد فى قائله ولا من قرينة تشهد له لكن لمناسبة مافى طبعه وهذه اضعف التصديقات وادنى الدرجات لان ما قبله استند الى دليل ما وان كان ضعيفا من قرينة واحسن اعتقاد فى المخبر اى نوع من ذلك فهى امارات يظنها العامى ادلة فتعمل فى حقه عمل الادلة واذا علم مراتب التصديق وعلم ان مستند ايمان العوام هذه الاسباب فأعلى الدرجات فى حقه ادلة القرآن وما يجرى مجراه مما يحول القلب الى التصديق فلا ينبغى ان يجاوز بالعامى الى ما وراء ادلة القرآن وما فى معناه من الجليات المقنعة المسكنة للقلوب المستجرة لها الى الطمأنينة والتصديق فما وراء ذلك ليس على قدر طاقته اه بالختصار (وعرفت ان) الامام (الشافعى وكافة السلف) رحمهم الله ممن تقدم ذكرهم (انما منعوا من الخوض فيه والتجرد له لما فيه من الضرر الذى نبهنا عليه) اى فان اقوالهم محمولة على نهى المتعصب فى الدين او القاصر عن تحصيل اليقين او القاصد افساد عقائد المسلمين او الخائض فيما لا يفتقر اليه من غوامض المتفلسفين والا فلا يتصور من شريف تلك الحضرات وقوع المنع فيما هو اصل الواجبات واساس المشروعات (ان ما نقل عن ابن عباس رضى الله عنه من مناظرة الخوارج) فى المسائل الاربعة (ومانقل عن على رضى الله عنه من المناظرة فى القدر) مع رجل من الشام (وغيره كان كان من الكلام الجلى) الواضح (الظاهر) الذى لا يحتاج الى فتح باب الجدال (وفى محل الحاجة) وقدر الحاجة (وذلك) لاريب فيه انه (محمود فى كل حال) غير مذموم عند الرجال (نعم قد تختلف @ الاعصار) والازمان (فى كثرة الحاجة) اليه (وقلتها فلا يبعد ان يختلف الحكم لذلك) ولاجل ذلك ما خاض فيه الاولون الا قليلا لعدم حدوث البدع فى زمانهم فلم يحتاجوا الى ابطالها وافحام منتحلها (فهذا حكم العقيدة التى تعبد الخلق بها) وكلفوا بمعرفتها (وحكم طريقة النضال) والمدافعة (عنها وحفظها) فى الصدور (فاما ازالة الشبهة) الخفية عن القلب (وكشف اسرار الحقائق) الالهية (ومعرفة الاشياء على ماهى عليه) باليقين التام (وادراك الاسرار) الباطنة (التى يترجمها) ويبينها (ظاهر الفاظ هذه العقيدة) ومنطوقها (فلا مفتاح له الا المجاهدة) المشار اليها فى قوله عزوجل والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (و) فى معنى المجاهدة (قمع الشهوات) النفسانية (والاقبال بالكلية على الله تعالى) بحيث لايخطر فى خاطره خاطر لسواه (وملازمة الفكر الصافى عن شوائب المجادلات) والمخاصمات (وهى) اى تلك الحالة الحاصلة من هذه الامور (رحمة من الله عزوجل) ونعمة (تفيض على من يتعرض لنفحاتها) لما ورد تعرضوا لنفحات الله فان الله نفحات (بقدر الرزق) الذى قدر له من الازل (وبحسب قبول المحل) وانفساحه (وطهارة القلب) واتساعه لقبول تلك النفحات الواردات (وذلك البحر) العجاج (الذى لايدرك غوره) ومنتهاه (ولا يبلغ ساحله) اى طرفه (مسئلة) اخرى (فان قلت هذا الكلام) الذى تقدم ذكره (يشير) ظاهره (الى ان العلوم) المحمودة (لها ظواهر واسرار) وان (بعضها جلى) ظاهر لكل الناس (يبدو اولا) ويظهر (وبعضها خفى) المدرك لا (يتضح) الا (بالمجاهدة) والرياضة ومكابدة النفس (والطلب الحثيث) فى كشف سره (والفكر الصافى) عن علائق الكدر (والسر الخالى عن كل شئ) يضاده (من اشغال الدنيا سوى المطلوب) المأمور بها (وهذا يكاد) ان (يكون مخالفا للشرع اذ ليس للشرع ظاهر وباطن وسر وعلن بل الظاهر والسر والعلن واحد) فاجاب بقوله (فاعلم ان انقسام هذه العلومالى خفية وجلية) من الواضحات التى (لا ينكرها ذو بصيرة) قادحة (وانما ينكرها القاصرون فى المعارف) الالهية (الذين تلقنوا فى اول الصبا) من المشايخ (شيئا) لم ينتقلوا منه بل (جمدوا عليه) اى استمروا على ذلك القدر اليسير اذ التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر (فلم يكن لهم ترق) وصعود (الى شأ والعلا) اى غايته وأمده (و) لا نصيب الى بلوغ (مقامات العلماء) العارفين (والاولياء) الصالحين فهؤلاء اذا ورد عليهم شئ من افراد تلك المقامات اول وهلة قاموا بالانكار عليه وبالغوا وشددوا وهذه الحالة تسببت لكثير من علماء الظاهر بسبق الانكارعلى علماء الباطن وتبديعهم واخراجهم من جادة الشريعة وهم معذورون لجمودهم على ما لقنوا (وذلك) الذى ذكرناه (ظاهر من ادلة الشرع قال صلى الله عليه وسلم ان للقرآن ظاهرا وباطنا وحدا ومطلعا) قال العراقى اخرجه ابن حبان فى صحيحه من حديث ابن مسعود بنحوه اه واورده ابن الاثير فى نهايته فى موضعين قال فى ح د د حديث فى صفة القرآن له حد اى غاية وحد كل شئ منتهى امره وقال فى ط ل ع وعليه علامة السين المهملة اى ان هذا الحديث من كتاب ابى موسى المدينى لكل حرف حد ولكل حد مطلع اى لكل حد مصعد يصعد اليه من معرفة علمه والمطلع مكان الاطلاع من موضع عال قال ويجوز ان يكون مطلع كمصعدزنة ومعنى وقال المصنف فى اخر كتابه مشكاة الانوار حديث للقرآن ظاهر وباطن وحد ومطلع وربما نقل هذا عن على موقوفا (وقال على رضى الله عنه) فيما اخرجه ابو نعيم فى كتاب الحلية بطوله من طريقين (واشار) بيده (الى صدره) هاءهاء (ان ههنا علوما جمة) اى كثيرة (لو وجدت لها حملة) وقد تقدم بطوله فى كتاب العلم مع شرح معانيه (وقال صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الانبياء امرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم) تقدم بيانه فى كتاب العلم @ (وقال صلى الله عليه وسلم ما حدث احد قوما بحديث لم تبلغه عقولهم الا كانت فتنة عليهم) تقدم فى كتاب العلم ونسبة صاحب القوت الى بعض السلف بلفظ ما من عالم يحدث قوما بعلم لم تبلغه عقولهم الا كان فتنة عليهم واورده المصنف فى الجام العوام بلفظ لايفهمونه كان فتنة على بعضهم (وقال الله تعالى) فى كتابه العزيز (وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون) تقدم ما يتعلق به فى اول كتاب العلم (وقال صلى الله عليه وسلم ان من العلم كهيئة المكنون لايعلمه الا العالمون بالله تعالى الحديث) اى الى اخره وهو فاذا علموه لا ينكر عليهم الا اهل الغرة بالله تعالى (كما اوردناه فى كتاب العلم) ووسعنا الكلام عليه هنالك ويوجد هنا فى بعض النسخ قبل هذا الحديث وقال ابو هريرة حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما احدهما فبثثته واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم وليس ذلك فى نسخة العراقى (وقال صلى الله عليه وسلم لو علمتم) كذا فى النسخ الكثيرة وفى بعضها لو تعلمون وهو نسخة العراقى وهو نص الجماعة المخرجين لهذا الحديث (مااعلم) اى من انتقام الله من اهل الجرائم واهوال القيامة (لضحكتم قليلا) اى كان ضحككم على القلة وقيل معناه لما ضحكتم اصلا وهذا لمناسبة السياق لان لو حرف امتناع لامتناع (ولبكيتم كثيرا) وقدم الضحك لكونه من المسرة وفيه من انواع البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما بالآخر وقال العراقى اخرجاه من حديث عائشة وانس اه قلت واخرجه ايضا الامام احمد والترمذى والنسائى وابن ماجة كلهم عن انس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت قط بمثلها ثم ذكره واخرج الحاكم فى المستدرك من رواية يوسف بن حبان عن مجاهد عن ابى ذر رفعه لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما ساغ لكم الطعام والشراب وقال على شرطهما ولم يخرجاه وتعقبه الذهبى بانه منقطع ورواه ايضا من طريقة ابن عساكر فى التاريخ بتلك الزيادة واخرج الحاكم ايضا فى كتاب الرقاق والبيهقى فى الشعب عن ابى الدرداء رفعه لو تعلمون مااعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ولخرجتم االى الصعدات تجأرون ولا تدرون تنجون او لاتنجون وقال الحاكم صحيح واقره الذهبى وقال الهيثمى رواه الطبرانى من طريق ابنة ابى الدرداء عن ابيها ولم اعرفها وبقية رجاله رجال الصحيح واخرج الحاكم ايضا فى الاهوال عن ابى هريرة رفعه لوتعلمون مااعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا يظهر النفاق وترفع الامانة وتقبض الرحمة ويتهم الامين ويؤتمن غير الامين اتاخ بكم الشر الجور الفتن كأمثال الليل المظلم وقال صحيح واقره الذهبى (فليت شعرى ان لم يكن ذلك سرا) باطنيا (ومنع من افشائه) واظهاره (لقصور الفهم عن ادراكه) وفى نسخة عن دركه (اولمعنى آخر فلم لم يذكره) مع انه امين على تبليغ ما امر به (ولاشك انهم كانوا يصدقونه لو ذكره لهم) وينكشف ذلك بتسليم اصلين الاول ان النبى صلى الله عليه وسلم افاض الى الخلق ما اوحى اليه وانه ما كتم شيئا من الوحى فلذلك كان رحمة للعالمين فما ترك شيئا مما يقربهم الى رضا الله تعالى الا دلهم عليه وامرهم به ولامما يسخط اله الا حذرهم ونهاهم عنه فى العلم والعمل جميعا الثانى ان اعرف الناس بمعانى كلامه واحراهم بالوقوف على كنة درك اسراره الذين شاهدوا الوحى والتنزيلوصحبوه ولازموه متشمرين لتلقى ما يقوله بالقبول للعمل به اولا والنقل الى من بعدهم ثانيا والتقرب الى الله بسماعه وحفظه ونشره وهم الذين حضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السماع والفهم والحفظ والآداء فقال نضر الله امر اسمع مقالتى فوعاها واداها كما سمعها الحديث (وقال ابن عباس رضى الله عنه) فى تفسير (قوله عزوجل الله الذى خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن) مانصه (لو ذكرت تفسيره) كما علمته (لرجمتمونى) اى لم تحتمل عقولكم لدركه فتنكرون على ذلك (وفى لفظ اخر لقلتم انه كافروقال صلى الله عليه وسلم مافضلكم ابو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشئ وقر فى صدره) تقدم فى كتاب العلم (ولاشك فى ان ذلك كان متعلقا بقواعد الدين غير خارج عنها وماكان من قواعد الدين لم يكن خافيا بظواهرها على غيره) @ من الصحابة رضوان الله عليهم (وقال) ابو محمد (سهل) بن عبدالله (التسترى) رحمه الله تعالى (للعالم ثلاثة علوم علم ظاهر يبذله لأهل الظاهر وعلم باطن لا يسعه اظهاره الا لأهله وعلم هو بينه وبين الله تعالى لايظهره لأحد) هكذا اورد صاحب القوت عن سهل الا انه قال وعلم هو سر بين الله وبين العالم هو حقيقة ايمانه لا يظهره لاهل الظاهر ولا لأهل الباطن (وقال بعض العارفين افشاء سر الربوبية كفر) هذا القول اورده صاحب القوت فى الباب الثالث والثلاثين فى آخر اخبار الصفات مانصه وحقيقة علم التوحيد باطن المعرفة وهو سبق المعروف الى من به تعرف بصنعة مخصوصة بحبب مقرب مخصوص ولايسع معرفة ذلك الكافة وافشاء سر الربوبية كفر وقال بعض العارفين من صرح بالتوحيد وافشى الوحدانية فقتله افضل من احياء غيره اه وقد علم من هذا السياق ان المراد ببعض العارفين فى قول المصنف هو ابو طالب المكى صاحب القوت وقد انكر على المصنف هذا القول فى زمنه فاجاب عنه فى كتابه الاملاء مانصه فصل واما معنى افشاء سرالربوبية كفر فيخرج على وجهين احدهما ان يراد به كفر دون كفر سمى بذلك تغليظا لما اتى به المفشى وتعظيما لما ارتكبه ويعترض هذا بان يقال لايصح ان يسمى هذا كفرا لانه ضد الكفر اذ الكافر الذى سمى هذا على معناه ساتر وهذا المفشى للسر ناشر واين النشر من الستر والاظهار من التغطية والاعلان من الكتم واندفاع هذا بين بان يقال ليس الكفر الشرعى تابع الاشتقاق وانما هو حكم لمخالفة الامر وارتكاب النهى فمن رد احسان محسن او جحد نعمة متفضل فيقال له كافر لجهتين احداهما من جهة الاشتقاق ويكون اذ ذاك اسما بناء على وصف والثانية من جهة الشرع اذذاك حكما يوجب عقوبة والشرع قد ورد لشكر المنعم فافهم لاتذهب مع الالفاظ ولاتحجبك التسميات وتفطن لخداعها واحترس من استدراجها فاذا من اظهر ماامر بكتمه كمن كتم ما امر بنشره وفى مخالفة الامر فيهما حكم واحد على هذا الاعتبار ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لاتحدثوا الناس بما لم تصله عقولهم وفى ارتكاب النهى عصيان ويسمى فى باب القياس على المذكور كفرانا والوجه الثانى ان يكون معناه كفرا للسامع دون المخبر بخلاف الوجه الاول ويكون هذا مطابقا لحديث لاتحدثوا الناس بما لم تصله عقولهم اتريدون ان يكذب الله ورسوله فيمن حدث احدا بما لم يصل اليه عقله ربما سارع الى التكذيب وهو الاكثر ومن كذب بقدرة الله تعالى او بما اوجد بها فقد كفر ولو لم يقصد الكفر فان اكثر اليهود والنصارى وسائر النحل ماقصدت الكفر ولاتظنه بأنفسها وهم كفار بلا ريب وهذا وجه واضح قريب ولا يلتفت الى مامال اليه بعض من لايعرف وجوه التأويل ولا يعقل كلام اولى الحكم والراسخين فى العلم حتى ظن ان قائل ذلك ام اراد به الكفر الذى هو نقيض الايمان والاسلام يتعلق بمخبره ويلحق قائله وهذا لايخرج الا على مذاهب اهل الاهواء الذين يكفرون بالمعاصى واهل السنة لايرضون بذلك وكيف يقال لمن آمن بالله واليوم الآخر وعبدالله بالقول الذى ينزهه والعمل الذى يقصد به التعبد لوجهه والامر الذى يستزيده ايمانا ومعرفة ثم يكرمه الله على ذلك بفوائد المزيد وينيله ما يشرف من المنح ويريه اعلام الرضا ثم يكفره احد بغير شرع ولا قياس عليه والايمان لايخرج عنه الابنبذه واطراحه وتركه واعتقاد مالايتم الايمان معه ولايحصل بمفارقته وليس فى افشاء الولى شئ مما يناقض الايمان اللهم الا ان يريد بافشائه وقوع الكفر من السامع له فهذا عابث متمرد وليس بولى ومن اراد من خلق الله ان يكفروا بالله فهو لامحالة كافر وعلى هذا يخرج قوله تعالى ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ثم انه من سب احدا منهم على معنى ما يجدله من العداوة والبغضاء قيل له اخطأت واثمت من غير تكفير وان كان انما فعل ذلك ليسمع سب الله وسب رسوله فهو كافر بالاجماع اه (وقال بعضهم) اى العارفين ومثله فى القوت ايضا ولكن سياق المصنف فى الاملاء الآتى ذكره صريح فى انه قول سهل التسترى وهو محل تأمل (للربوبية سر لو ظهر لبطلت النبوة وللنبوة سر لو كشف بطل العلم وللعلم سر لو @ ظهر لبطلت الاحكام) وهذا القول ايضا اورده صاحب القوت الا انه قال وللعلماء بالله سر لو اظهره الله تعالى لبطلت الاحكام ثم قال فقوام الايمان واستقامة الشرع بكتم السر به وقع التدبير وعليه انتظم الامر والنهى والله غالب على امره اه (وهذا القائل) من العارفين (ان لم يرد بذلك بطلان النبوة فى حق الضعفاء لقصور فهمهم) عن ادراك المعارف الخفية (فما ذكره ليس بحق بل الصحيح انه لاتناقض وان الكامل من لايطفئ نور معرفته نور ورعه وملاك الورع النبوة) قال المصنف فى الاملاء فان قيل فما معنى قول سهل الذى ينسب اليه للالهية سر الخ وجاء فى الاحياء على اثر هذا القول وقائل هذا ان لم يرد به بطلان النبوة فى حق الضعفاء فما قاله ليس بحق فان الصحيح لايتناقض والكامل من لايطفئ نور معرفته نور ورعه وهذا وان لم يكن من الاسئلة المرسومة فهو متعلق منها بما فرع من الكلام فيه آنفا وناظر اليه اذ ما ادى افشاؤه الى بطلان النبوة والاحكام فهو كفر والجواب ان الذى قاله رحمه الله وان كان مستعجما فى الظاهر فهو قريب المسلك بادى الصحة للمتأمل الذى يعرف مصادر اغراضهم ومسالك اقوالهم وسر الالوهية الذى بمعرفته يستحق النبوة من وصل الى الله باليقين الذى لولاه لم يكن نبيا لايخلو اما ان يكون انكشافه من الله تعالى مما يطلع على القلوب من الانوار التى كانت غالبة عنها بان كانت القلوب ضعيفة طرأ عليها من الدهش والاصطلام والحيرة والتيه ما يبهر العقول ويفقد الاحساس ويقطع عن الدنيا ومافيها وذلك لضعفه ومن انتهى الى هذه الحالة فتبطل النبوة فى حقه ان يعرفها أو يعقل ما جاء من قبلها اذ قد شغله عنها ما هو اعظم لديه منها وربما كان ذلك سبب موته لعجزه عن حمل ما يطرأ عليه كما حكى ان شابا من سالكى طريق الآخرة عرض عليه ابو يزيد ولم يره من قبل فلما نظر اليه الشاب مات لساعته فقيل له فى ذلك فقال كان فى صدره امر لم تنكشف له حقيقته فلما رآنى انكشف له وكان فى مقام الضعفاء من المريدين فلم يطق حمله فمات به واما ان يكون انكشافه من عالم به على جهة الخبر عنه فتبطل النبوة فى حق المخبر حيث نهى عن الافشاء فافشى وامر ان لا يتحدث فلم يفعل فخرج بهذه المعصية عن طاعة النبى صلى الله عليه وسلم فيها فلهذا قيل فى ذلك بطلت النبوة فى حقه باخباره فان قلت فلم لاتكفروه على هذا الوجه اذا بطلت النبوة فى حقه باخباره قلنا لم يبطل فى حقه جميعها وانما بطل فى حقه منها ما خالف الامر الثابت من قبلها ويعد مقوله من الكلم اغلاء وتغليظا لحق الافشاء وقد سبق الكلام عليه فى معنى افشاء سر الربوبية واما سر النبوة الذى اوجب بطلان العلم لمن رزقها او رزق معرفتها على الجملة اذ النبوة لايعرفها بالحقيقة الا نبى فان انكشف ذلك لقلب احد بطل العلم فى حقه باعتبار المحبة له بالامر المتوجه عليه بطلبه والبحث عنه والتفكر فيكون كالنبى اذا سئل عن شئ او وقعت له واقعة لم يحتج الى النظر فيها ولا الى البحث عنها بل ينتظر ماعود من كشف الحقائق باخبار ملك او ضرب مثل يفهم اياه او اطلاع على اللوح المحفوظ او القاء فى روع فيعود ذلك اصلا فى العلم ونسخا له معنى يقيس عليه غيره واما ان يكون كشفه بخبر ممن رزق علم ذلك كان بطلان العلم فى حق المخبر اذا افشاه لغير اهله واهداه لمن لايستحقه كما روى ان عيسى عليه السلام قال لاتعلقوا الدر فى اعناق الخنازير وانما اراد ان لايباح العلم غير اهله وقد جاء لاتمنعوا الحكمة اهلها فتظلموهم ولاتضعوها عند غير اهلها فتظلموها واما سر العلم الذى يوجب كشفه بطلان الاحكام فان كان كشفه من الله تعالى لقلوب ضعيفة بطلت الاحكام فى حقها لما تطلع عليه فى ذلك السر من معرفة مال الاشياء ومواقف الخلق وكشف اسرار العباد وما بطن من المقدور فمن عرف نفسه مثلا انه من اهل الجنة لم يصل ولم يصم ولم يتعب نفسه فى خير وكذلك لو انكشف له انه من اهل النار كمل انهما كه فلا يحتاج الى تعب زائد ولانصب مكايد فلو عرف كل واحد عاقبته وماله بطلت الاحكام الجارية عليه وان كان كشفها من مخبر استروح الضعيف الى ما يسمع من ذلك فيتعطل وينخرم حاله وينحل قيده وبعد هذا فلا يحمل كلام سهل رحمه الله @ الاعلى ما تعذر لاعلى مايوجد ولذلك جعله مقرونا بحرف لو الذال على امتناع لامتناع غيره كما يقال لو كان للانسان جناحان لطار ولو كان للسماء درج لصعد اليها ولو كان البشر ملكا لفقد الشهوة فعلى هذا يخرج كلام سهل رحمه الله فى ظاهر الامر والله اعلم اه (مسئلة) اخرى (فان قلت هذه الآيات) القرآنية (والاخبار) الواردة من طريقق الثقات (تتطرق اليها تأويلات) تصرفها عن ظواهرها (فبين) لنا واوضح (اختلاف كيفية الظاهر والباطن فان الباطن ان كان مناقضا للظاهر ففيه ابطال الشرع وهو قول من قال ان الحقيقة خلاف الشريعة وهو كفر) وضلال (فان الشريعة عبارة عن الظاهر) اى ظاهر الاحكام المتلقاة على لسان الشرع (والحقيقة عبارة عن الباطن) وهو العلم المستفاد من باطن هذه الاحكام (وان كان لا يناقضه ولا يخالفه فهو هو) بعينه (فيزول به الانقسام) اى انقسام العلوم الى خفية وجلية (ولايكون) على هذا (للشرع سر لا يفشى) ويؤمر بالكتمان (بل يكون الخفى والجلى) منه (واحدا) وقد اجاب عن هذا الاشكال بقوله (فاعلم ان هذا السؤال يحرك خطبا عظيما) وامرا جسيما (وينجر الى علوم المكاشفة ويخرج عن مقصود علم المعاملة) الذى نحن بصدده (وهو غرض هذه الكتب فان العقائد التى ذكرناها) فى هذا الكتاب (من اعمال القلوب فقد تعبدنا) والزمنا (بتلقيها بالقبول) والاذعان (والتصديق بعقد القلب عليها) وربطه عليها اشار بذلك الى معناها اللغوى (لا بان يتوصل) بها (الى ان تنكشف لنا حقائقها) كما هى هى (فان ذلك لم يكلف به كافة الناس) والا وقعوا فى حرج عظيم (ولولا انه) اى مجموع ما ذكر من العقائد (من الاعمال لما اوردناه فى هذا الكتاب ولولا انه عمل ظاهر القلب لاباطنه لما اوردناه فى الشطر الاول من الكتاب وانما الكشف الحقيقى) الذى هو معرفة الاشياء على ما هى عليها (هو صفة سر القلب) وباطنه (ولكن اذا انجز الكلام) والبحث (الى تحريك خيال) واثارة شبهة (فى مناقضة الظاهر للباطن) فى بادئ الرأى (فلابد من) ايراد (كلام وجيز) مختصر (فى حله) والكشف عن مظاله (فمن قال ان الحقيقة تخالف الشريعة او) زعم ان (الباطن يناقضه الظاهر فهو الى الكفر) والضلال (اقرب منه الى الايمان) والرشد (بل الاسرار التى تختص بها المقربون) الى الحضرات الالهية (بدركها) ومعرفتها واحاطتها (ولا يشاركهم الاكثرون) من العلماء (فى علمها) اى معرفتها (ويمنعون من افشائها) واظهارها لهم و(اليهم) فانها (ترجع الى خمسة اقسام) بالحصر والاستقصاء وماعداها مما تسبق اليه الاذهان راجع اليها عند التأمل التام (الاول ان يكون الشئ فى نفسه) اى حد ذاته (دقيقا) خفيا لشدة خفائه (تسكل اكثر الافهام) وتمنع (عن دركه) على حقيقته (فيختص بدركه الخواص) من عباد الله الذين اختصهم الله لقربه وجعلهم من اهل الاختصاص وهم المفتوح عليهم باب الواردات الالهية (وعليهم) انهم اذا كشف لهم عن سر ذلك الشئ (ان لايفشوه الى غير اهله) الذى ليس من ارباب ذلك الدرك (فيصير) ذلك الافشاء (فتنة عليهم) ومصيبة لهم (حيث تقصر افهامهم) الجامدة (عن الدرك واخفاء سر الروح وكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيانه من هذا القسم) اخرج البخارى ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود حين سأله اليهود عن الروح قال فامسك النبى صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا الحديث وقال ابن عباس قالت اليهود للنبى صلى الله عليه وسلم اخبرنا ما الروح وكيف تعذب الروح التى فى الجسد وانما الروح من امر الله ولم يكن نزل اليه فيه شئ فلم يجبهم فأتاه جبريل عليه السلام بالآية ويسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربى وما اوتيتم من العلم الا قليلا (فان @ حقيقته مماتكل الافهام عن دركه وتقصر الاوهام عن تصور كنهه) ولذلك اختلف فيه الاختلاف الكثيرعلي ما تقدم بيانه وتفصيله في أخر كتاب العلم (ولاتظنن أن ذلك لم يكن مكشوفا لرسول الله صلي الله عليه وسلم فان من لم يعرف الروح) الذي به قوام كل ذات (فكأنه لم يعرف نفسه فكيف يعرف ربه) وعليه يخرج قولهم من عرف نفسه فقد عرف ربه (ولا يبعد أن يكون ذلك مكشوفا) ايضا (لبعض الاوليه) العارفين بما ألقي في روعهم بالنفث والالهام بل (العلماء) الراسخين (وان لم يكونوا انبياء ولكنهم يتأدبون باداب الشرع فسيكتون عما سكت عنه) أي من حيث انه صلي الله عليه وسلم أمسك عن الاخبار عن الروح وما هيته باذن الله تعالي ووحيه وهو صلي الله عليه وسلم معدن العلم وينبوع الحكمة لا يسوغ لغيره الخوض فيه والاشارة اليه لاجرم لما تقاضت النفس الانسانية المتطلعة الي الفضول المنشوفة الي المعقول المتحركة بوضعها الي كل ما أمرت بالسكوت فيه والمستورة بحرصها الي كل تحقيق وكل تمويه وأطلقت عنان النظر في مسارح الفكر وخاضت غمرات ما هية الروح تاهت في التيه وتنوعت آراؤها فيه ولم يوجد الاختلاف بين أرباب النقل والعقل في شيء كالاختلاف في ماهية الروح ولو لزمت النفوس حدها معترفة بعجزها كان ذلك أجدر بها وأولي (بل في صفات الله تعالي من الخفايا) أي الاسرارالخفية (ما تقصر أفهام الجماهير) أي كثير من الناس (عن دركه) ومعرفته (ولم يذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم منها الا الظراهر للافهام من العلم والقدرة وغيرهما) من الصفات (حتي فهمها الخلق بنوع مناسبة توهموها الي علمهم وقدرتهم اذا كان لهم من الاوصاف ما يسمي علما وقدرة فيتوهمون ذلك بنوع مقايسة ولو ذكر من صفاته) عزوجل (مما ليس للخلق مما يناسبه بعض المناسبة شيء لم يفهموه) ولنفر الناس عن قبوله ولبادروا بالانكاروقالوا هذا عين المحال ووقعوا في التعطيل في حق الكافة الا الاقلين وقد بعث صلي الله عليه وسلم داعيا للخلق الي سعادة الأخرة ورحمة للعالمين فكيف ينطق بما فيه هلاك الاكثرين (بل لذة الجماع اذا ذكرت للصبي) لم يدركها (او العنين) هو الذي لايقدرعلي اتيان النساء أو لا يشتهيهن (لم يفهمها الا بمناسبة لذة المطعوم الذي يدركه) كالسكر أو العسل مثلا (ولا يكون ذلك فهما غل التحقيق) كما ينبغي فان اللذة التي تحصل من استعمال السكر مثلا (والمخالفة بين علم الله وقدرته وعلم الخلق وقدرتهم أكثرمن المخالفة بين لذه الجماع والاكل) وهذا لايستراب فيه وقال المصف في المقصد الاسني فان قلت لوكان لناصبي اوعنين ما السبيل الي معرفته الي معرفته لذة الوقاع وادراك حقيقته قلنا ههنا سبيلان أحداهما ان نصفه لك حتي تعرفه والآخر تصبر حتي تظهر فيك غريزة الشهوة ثم تباشر الوقاع حتي تظهر فيك لذته فتعرفه وهذا السبيل الثاني هو السبيل المحقق المفضي الي حقيقة المعرفة فاما الاول فلا يفضي الا الي توهم الشيء بما لايشبهه اذغايتنا أن نمثل لذه الوقاع عنده بشيء من اللذات التي يدركها العنين كلذه الطعام الحلو مثلا فنقول له اما اعرف أن السكر لذيذ فلا تجد عند تناوله طيبة وتحس في نفسك راحة قال نعم قلنا الجماع أيضا كذلك افتري ان يفهم حقيقة لذة الجماع كما هي حتي ينزل في معرفتها منزلة من ذاق تلك اللذة وادركها هيهات هيهات وانما غاية هذا الوصف ايهام وتشبيه ومشاركة في الاسم لكن يقطع تلك اللذة التشبية بأن يقال ليس كمثله فهو حي لا كالاحياء وقادر لا كالقادرين كما يقال الوقاع لذيذ كالسكر ولكن تلك اللذه لا تشبه هذه البتة ولكن تشاركها في الاسم وكان اذا عرفنا أن الله تعالي حي عالم قدير عالم فلم نعرف أو لا الا بأنفسنا اذ الاصم لايتصور أن يفهم معني قولنا ان الله سميع ولا الآ ... معني قولنا ان الله بصير وكذلك اذا قال القائل كيف يكون الله عالما بالاشياء فنقول له كما تعلم أنت أشياء فلا يمكنه أن يفهم شيأ الا اذا كان فيه ما يناسبه فيعلم أولا ما هو متصف به ثم يعلم غيره بالمناسبة اليه فاذا كان لله تعالي وصف وخاصية ليس فينا ما يناسبه ويشاركه ولو في الاسم لم يتصور فهمه البتة فاعرف @ أحد الانفسه ثم قايس بين صفات الله تعالي وبين صفات نفسه وتتعلي صفات الله وتتقدس عن أن تشبه صفاتنا (وبالجملة فلا يدرك الانسان الا نفسه وصفات نفسه مما هي حاضرة له في الحال) موجودو لديه (أومما كانت له من قبل) فيتذكرها (ثم بالمناسبة اليه يفهم ذلك لغيره) مقايسة (ثم) انه (قديصدق) في نقسه (بان بينهما تفاوتا) وتمييزا (في الشرف والكمال) والعلو (فليس في قوة البشر الا أن يثبت لله تعالي ماهو ثابت لنفسه من الفعل والعلم والقدرة وغيره من الصفات) التي يتوهم فيها الاشتراك (مع التصديق) الجازم (بان ذلك) أي ما ثبت لله تعالي (أكمل وأشرف) واعلي (فيكون معظم تحويمة وتعريجه (علي صفات نفسه) فقط (لاعلي ما اختص الرب تعالي به من الجلال) والعظمة قال الصنف في المقصد الاسني ولا يتبغي أن المشاركة بكل وصف توجب المماثلة أتر الي الضدين يتماثلان وبينهما غاية البعد الذي لا يتصور أن يكون بعد فوقه وهما متشاركان في أوصاف كثيرة اذ السود يشارك البباض في كونه عرضا وفي كونه عرضا وفي كونه مدركا بالبصر وأمورا أخري سواء افتري من قال أن الله تعالي موجود لا في محل وانه سميع بصير عالم مريد سكام حي قادر فاعل وللانسان أيضا كذلك فقد شبه قائل هذا اذلا أقل من اثبات المشاركة في الوجود وهو موهم للمشابهة بل المماثلة عبارة عن المشاركة في النوع والماهية فكون العبد رحيما صبورا شكورا لا يوجب المماثلة ولا لكونه سميعا عالما قادر حيا فاعلا اه (ولذلك قال صلي الله عليه وسلم لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك) أخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله تعالي عنها انها سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ذلك في سجوده قاله العراقي قالت قال مسلم حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة هو جاد ابن اسامة عن عبد الله بن عمر عن محمد بن يحي بن حبان عن الاعرج عن أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنها قالت فقدت رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي علي نطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم اني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك وأخرجه الامام أحمد عن أبي أسامة قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الاذكار وفي السند لطيفة وهي رواية صحابي عن صحابي أبو هريرة عن عائشة (وليس المعني اني أعجز عن التعبير عما أدركت بل هو اعترف بالقصور عن ادراك كنه جلاله) وقال المصنف في المفصد الاسني ولم يرد به انه عرف منه مالا يطاوعه لسانه في العبارة عنه بل معناه اني لا أحيط بمحامدك وصفات الهيتك وانما أنت المحيط بها وحدك فاذا لا يحيط مخلوق من ملاحطة حقيقة ذاته الا بالحيرة والدهشة وأما اتساع المعرفة فانما يكون في معرفة أسمائه وصفاته اه (ولذلك قال بعضهم) وهو أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالي كما صرح به المصنف في المقصد الاسني (ما عرف الله بالحقيقة سوي الله عزوجل) قال المصنف بل أقول يستحيل أن يعرف النبي صلي الله عليع وسلم غير النبي وأمامن لانبؤة له أصلا فلا يعرف من النبوة الا اسمها وانها خاصية موجودة لانسان بها يفارق من ليس نبيا ولكن لا يعرف ماهيه تلك الخاصية الا النبي خاصة فأما من ليس بنبي فلا يعرفها البتة ولا يفهمها الا بالتشبيه بصفات نفسه بل أزيد وأقول لا يعرف أحد حقيقة الموت وحقيقة الجنة والنارالا بعد الموت ودخول الجنة والنار قال في موضع آخر منه الخاصية الالهية ليست الا لله تعالي ولا يعرفها الا الله تعالي ولذلك لم يعط أجل خلقه الا أسماء حجبه فقال سبح اسم ربك الاعلي فوالله ما عرف الله غير الله في الدنيا والاحرة وقيل لذي النون وقد أشرف علي الموت ماذا تشتهي قال أن أعرف قبل أن اموت ولو بلحظة اه (وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه) في بغض خطبه علي المنبر (الحمد لله الذي لم يجعل للخلق سبيلا الي معرفته الا بالعجز عن معرفته) ويروي@ عنه أيضا العجز عن درك الادراك ادراك قال المصنف في كتابه المذكور نهاية معرفة العارفين عجزهم عن المعرفة ومعرفتهم بالحقيقة هي انهم لا يعرفونه وانهم لا يمكنهم البتة معرفتة وانه يستحيل أن يعرغ الله المعرفة الحقيقية المحيطة بكنه صفات الربوبية الا الله تعالي فاذا انكشف لهم ذلك انكشافا برهانيا فقد عرفوه أي بلغوا المنتهي الذي يمكن في حق الخلق من معرفته ثم قال وللمعرفة سبيلان أحدهما السبيل الحقيقي وذلك مسدود الا في حق الله تعالي فلا يهتم أحد من الخلق لنيله وادراكه الا ردته سبحات الجلال الي الحيرة ولا يئسرئب أحد لملاحظته الاغطي الدهش طرفه وأما السبيل الثاني وهو معرفة الصفات والاسماء فذلك مفتوح للخلق وفيه تتفاوت مراتبهم فليس من يعلم انه عالم قادر علي الجملة كمن شاهد عجائب آياته في ملكوت السموات والارض وخلق الارواح والاجساد واطلع علي بدائع المملكة وغرائب الصنعة ممعنا في التفاصيل ومستغرقا في دقائق الحكمة ومستوفيا لطائف التدبير ومتصفا بجميع الصفات اللكية المقربة من الله تعالي نائلا تلك الصفات نيل اتصاف بها بينهما من البون البعيد مالا يكاد يحصي وفي تفاصيل ذلك ومقاديره تتفاوت الانبياء والاولياء ولن يصل ذلك الي فهمك الا بمثال ولله المثل الاعلي ولكنك اعلم أن العالم التقي الكامل مثلا مثل الشافعي رضي الله عنه يعرفه المزني تلميذه والبواب يعرف انه عالم بالشرع ومصنف فيه ومرشد خلق الله تعالي اليه علي الجملة والمزني يعرفه لا كمعرفة البواب بل يعرفة بمعرفة محيطة بتفاصيل صفاته ومعلوماته بل العالم الذي يحسن عشرة أنواع من العلوم لا يعرفه بالحقيقة تلميذه الذي لم يحصل الانواعا واحد فضلا عن خادمه الذي لم يحصل شيا من علومه بل الذي حصل علما واحدا فانما عرف علي التحقيق عشره اذا ساواه في ذلك العلم حتي لم يقصر عنه فان قصر عنه فليس يعرف بالحقيقة ما قصر عنه الا بالاسم وايهام الجملة وهو انه يعرف انه يعلم شيا سوي ماعلمه فكذلك فافهم تفاوت الخلق في معرفة الله تعالي فبقدر ما انكشف له من معلومات الله تعالي وعجائب مقدوراته وبدائع آياته في الدنيا والآخرة والملك والملكوت تزداد معرفتهم بالله تعالي وتقرب معرفتهم من معرفته الحقيقة فان قلت فاذا لم يعرفوا حقيقة الذات واستحال معرفتها فهل عرفوا الاسناء والصفات معرفة تامة حقيقية قلنا هيهات ذلك لا يعرفه بالكمال في الحقيقة الا الله تعالي لاننا اذا علمنا ذاتنا عالمة فقد علمنا شيا مهما لاندري حقيقه لكن ندري ان له صفة العلم فان كانت صفة العلم معلومة لنا حقيقة كان علمنا بانه عالم أيضا علما تاما بحقيقة هذه الصفة والافلا ولا يعرف أحد حقيقة علم الله تعالي الا من له مثل عمله وليس ذلك له فلا يعرفه سواه تعالي وانما يعرفه غيره بالتشبيه بعلم نفسه كما أوردناه من مثال التشبيه بالسكر وعلم الله تعالي لايشبه علم الخلق البتة فلا يكون معرفته به معرفة تامة حقيقية أصلا بل ايهامية تشبيهيه (ولنقبض عنان الكلام عن هذا لنمط) فقد خضنا لجة بحر لا ساحل له وأمثال هذه الاسرار لا ينبغي أن تبذل بابداعها في الكتب واذا جاء هذا غرضا غير مقصود فلنكشف عنه (ولنرجع الي الغرض وهو ان أحد الاقسام) المذكورة (ماتكل الافهام عن ادراكه) ومعرفة حقيقته (ومن جملته الروح ومن جملته بعض صفات الله تعالي ولعل الاشارة الي مثله في قوله صلي الله عليه وسلم ان لله سبحانه سبعين حجابا من نور لوكشفها لاحرقت سبحات وجهه كل من أدركه بصره) وهكذا أورده المصتف في كتابه مشكاة الانوار الا انه قال من نور وظلمة والباقي سواء قال وفي بعض الروايات سبعمائة وفي بعضها سبعين الفا اه وفي كتاب الاسماء والصفات لابي منصور التميمي انه صلي الله عليه وسلم وصف ربه عزوجل فقال حجابه النور لوكشفه لاحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركته وفي رواية دون الله سبعون ألف من نور وظلمة اه وقال العراقي أخرج أبو الشيخ بن حبان في كتاب العظمة من حديث أبي هريرة بين الله وبين الملائكة الذين حول العرش سبعون حجابا من نور واسناده ضعيف وفيه أيضا من حديث أنس قال قال رسول الله@ صلي الله عليه وسلم لجبريل هل تري ربك قال ان بيني وبينه لسبعين حجابا من نور وفي الكبير للطبراني من حديث سهل بن سعد دون الله تعالي سبعون الف حجابا من نور وظلمة ولمسلم من حديث أبي موسي حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي اليه بصره من خلفه ولابن باجه كل شيء أدركه بصره اه قال أبو منصور التميمي في كتابه المذكور كل خبر ذكر فيه الحجاب فانه يرجع معناه الي الخلق لانهم هم المحجوبون عن رؤية الله عزوجل وليس الخالق محجوبا عنهم لانه يراهم ولا يجوز أن يكون مستورا بحجاب لان ا\ما ستره غيره فساتره أكبر منه وليس لله عزوجل حد ولا نهايه فلا يصح أن يكون بغيره مستورا ودليله قوله عزوجل كلا انهم عن ربهم يومئذ لمجحوبون ولم يقل في انه محجوب عنهم ويؤيد ذلك ما رواه ابن ليلي عن علي رضي الله عنه انه مر بقصاب فسمعه يقول في يمينه لا والذي احتجب سبعة اطباق فعلاه بالدرة وقال له يالكع ان الله لايحتجب عن خلقه بشيء ولكنه حجب خلقه عنه فقال له القصاب أولا أكفر عن يميني يا أمير المؤمنين فقال لا انك حلفت بغير الله فأ ما قوله لو كشفها لاحترقت سبحات وجهه فقد تأوله أبو عبيد علي ان المرادبه لوكشف الرحمة عن النار لاحرقت من علي الارض وكذلك قوله دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة معناه انها أجمع حجاب لغيره لانه غير محصور في شيء وقيل معناه ان لله عزوجل علامات ودلالات علي وحدانيته لو شاهدها الخلق لقامت مقام العيان في الدلالة عليه غير انه خلق دون تلك الدلائل سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ليتوصل الخلق الي معرفته بالادلة النظرية دون المعارف الضرورية اه وفصل الخطاب في هذا المقام ما قاله المصنف في مشكاة الانوار في تفسير هذا الحديث ما نصه ان الله متجلي في ذاته بذاته ويكون الحجاب بالاضافة الي محجوب لامحالة وان المحجوبين من الخلق ثلاثة أقسام منهم من يحجب بمجرد الظلمة ومنهم من يحجب بالنور المحض ومنهم من يحجب بنور مقرون بظلمة واصناف هذه الاقيام كثيرة ويمكنني أن أتكلف حصرها لكني لا أثق بما يلوح من تحديد وحصر اذ لا ادري انه المراد بالحديث أم لا أما الخصر الي سبعمائة أوسبعين ألفا فتلك لا يتقل بها الا القوة النبوية مع ان ظاهر ظني ان هذه الاعداد مذكورة للتكثير لا للحديد وقد تجري العادة بذكر أعداد ولا يراد به الحصر بل التكثير والله أعلم بتحقيق ذلك وذلك خارج عن الوسع وانما الذي يمكنني الان أن أعرفك هذه الاقسام وبعض أصناف كل القسم الاول المحجوبون بمحض الظلمة وهؤلاء صنفان والصتف الثاني منهما ينقسمون أربعة فرق وأصناف الفرق الرابعة لا يحصون وكلهم محجون عن الله الظلمة وهي نفوسهم المظلمة والقسم الثاني طائفة حجبوا بنور مقرون بظلمة وهم ثلاثة أصناف صنف منشأ ظلمتهم من الحس وصنف منشأ ظلمتهم من الخيال وصنف منشأ ظلمتهم عن مقايسات عقلية فاسدة وفي الصنف الاول طوائف ستة لايخلو واحد منهم عن مجاوزة الالتفات الي نفسه والتشوق الي معرفة ربه وفي الصتف الثاني أيضا طوائف وأحسنهم رتبة الجسمة ثم الكرامية وفي الثالث أيضا فرق فهؤلاء كلهم أصناف القسم الثاني الذين حجبوا بنور مقرون بظلمة والقسم الثالث هم المحجوبون بمحض الانوار وهم أربعة أصناف الواصلون منهم الصنف الرابع وهم الذين تجلي لهم ان الرب المطلع موصوف بصفة لاتتناهي في الوحدانية المحضة والكمال البالغ وان نسبة هذا المطلع الي الموجودات الحسية نسبة الشمس في الانوار المحسوسة منه فتوجهوا من الذي يحرك السموات ومن الذي أمر بتحريكها الي الذي فطر السموات وفطر الارض بتحريكها فوصلوا الي موجود منزه عن كل ما أدركه بصر الناظرين وبصيرتهم اذ وجدوه مقدسا منزها ثم انقسموا فنهم من أحرق منه جميع ما أدركه بصره وانمعق وتلاشي ولكن بقي هو ملاحظا للعمال والقدس وملاحظا ذاته في جماله الذي ناله بالوصول الي الحضرة الالهية وانمعقت منه المبصرات دون المبصر وجاوز هؤلاء طائفة منهم خواص الخواص فأحرقتهم سبحات وجهه وغشيهم@ سلطان الجلال وأمحقوا وتلاشوا في ذاته ولم يبق لهم لحاظ الي أنفسهم بفنائهم عن أنفسهم ولم يبق الا الواحد الحق وصار معني قوله تعالي كل شيء هالك الا وجهه لهم ذوقا وحالا فهذه نهاية الواصلين ومنهم من لم يتدرج في الترقي والعزوج عن التفصيل الذي دكرناه ولم يطل عليه العروج فسبقوا في أول وهله الي معرفة القدس وتنزيه الربوبية عن كل ما يجب تنزيهه عنه فغلب عليهم أولا ما غلب علي الآخرين آخرا وهجم عليهم التجلي دفعة فأحرقت سبحات وجهه جميع ما يمكن أن يدركه بصر حسي أو بصيرة عقلية ويشبه أن يكون الاول طريق الخليل والثاني طريق الحبيب صلوات الله وسلامه عليهما والله أعلم بأسرار اقدامهما وأنوار مقامهما فهذه اشارة الي أصناف المحجوبين ولا يبعد أن يبلغ عددهم اذا فصلت المقامات وتتبع حجب السالكين سبعين ألفا واذا افتشت لا تجد واحد منهم خارجا عن الاقسام التي حصرناها فانهم انما يحجبون بصفاتهم اليشرية أو بالحس أو بالخيال أو بمقايسة العقل أو بالنور المحض كما سبق والله أعلم اه (القسم الثاني من الخفايا التي تمتنع الانبياء) عليهم السلام (والصديقون) ومن علي قدمهم من الاولياء العارفين والعلماء الراسخين (عن ذكرها) وبيانها (ما هو مفهوم في نفسه) أي في حد ذاته (لا يكل الفهم عنه) ولا يقصرعن ادراكه (ولكن ذكرها يضربأكثر المسنمعين) بالافتتان في دينه (ولا يضر بالانبياء والصديقين) لرسوخ قدمهم وعدم تزلزلهم في المعرفة الحقيقية وأكثر المستمعين لا يخلوا ما أن يكون جاهلا فذكره له نور يط في الكفر من حيث لا يشعر أو عارفا فعجزه عن تفهمه كعجزه البالغ عن افهم ولده الصبي مصالح بيت وندبيره بل عن تفهمه مصلحته في خرجه الي المكتب بل عجزالصانع عن تفهيم النجار دقائق صناعنه فان النجاروان كان بصيرا في صناعته فهو عاجزعن دقائق الصناعة فالمشغولون بالدنيا وبالعلوم التي ليست من قبيل معرفة الله تعالي عاجزون عن معرفة الامور الالهيه كعجز كافة المعرضين عن الصناعات وعن فهمها (وسر القدر الذي منع أهل العلم من افشائه من هذا القسم) وقد أنكر صلي الله عليه وسلم علي قوم يتكلمون في القدر ويسألون عنه وقال أبهذا أمرتم (فلا يبعد أن يكون ذكربعض الحقائق مضرا بعض الخلق) مفتنالهم في دينهم (كما يضر نور الشمس بابصار الخفافيش) جمع خفاش طائر معروف (وكما تضر رياح الورد بالجعل) بضم الجيم وفتح العين نوع من الخنافس يدحرج العذرة وقد نظمه ابن الوردي لاميته بقول أيها الجاعل قولي عبثا ... * ... أن طيب الورد مؤذ بالجعل (وكيف يبعد هذا وقولنا ان الكفرو الزناو) سائر (المعاصي والشر ور بقضاء الله تعالي وارادته ومشيئته حق في نفسه) أي في حد ذاته (ونقيض الحكمة والرضا بالقبيح والظلم) فنسبوا ذلك الي فعل العبد وتخليقه فرارا ممارأوهموا فيه ووتوهموه وسموا أنفسهم بأهل العدل في التوحيد وهم بعيدون عن العدل (وقد ألحد ابن الراوندي) رجل من مشهوري الملاحدة وله كتاب أيضا في بيان معتقد المعتزله وكلامه محشو بالكفريات يتناشده الناس وراوند التي نسب اليها قرية بقاشان من أعمال أصبهان وأصبهان وأصلها شيعة (وطائفة من المخذولين) الذين علي قدمه في سوء الاعتقاديات (بمثل ذلك) أي بمثل قول المعتزلة فزعم جمهورهم ان المعاصي كلها كانت من غير مشيئة لله فيها وزعم البغداديون منهم ان الله تعالي لم يخلق لاحد شهوة الزنا ولا شهوة شيء من المعاصي كما زعموا انه ما خلق لاحد اردة المعصية وزعم البصريون منهم انه خالق الشهوات للانسان الزنا والمعاصي ولا يجوز أن يخلق ارادة الزنا والمعصية (وكذلك سرا القدر لو أفشي) أي أظهر (أوهم أكثر الخلق عجزا) في قدرة الله تعالي (اذ تقصر افهامهم عن ادراك ما يزيل ذلك الوهم) ويصرفه عنهم بأول وهلة فلذلك جاء الامر بالكتمان في بعض الحقائق دون بعض (ولو قال قائل ان القيامة لو ذكر ميقاتها) المعلوم (وانها تقوم (بعد) مضي (ألف سنة) من الهجرة مثلا (أو أكثر أو أقل لكان ذلك@ مفهوما) أي معلوما في الاذهان (ولكن لم يذكر) ذلك نظرا (لمصلحة العباد وخوفا من) وقوع الناس في (الضرر) والفساد (فلعل المدة اليها بعيدة فيطول الامد) فتقسو قلوبهم (واذا استبطأت النفوس) البشرية (العقاب) وعلمته بعيدا (قل اكثراثها) في أمور الآخرة (ولعلها كانت قريبة في علم الله تعالي ولكن (لو ذكرت) أي ذكر ميقاتها (لعظم الخوف) وامنلأت الصدور من الرهبة (وأعرض الناس عن الاعمال) الخيرية (وخربت الدنيا) وبطل نظامها فلاجل هذه النكتة أخفي أمرها (فهذا المعني لو اتجه وصح فيكون مثالا لهذا القسم) الثاني في أصل ذلك مفهوم لايكل الفهم عنه ولكن ذكره مضر بالاكثرين (القسم الثالث أن يكون الشيء بحيث لو ذكر صريحا) ظاهرا (لفهم) معناه (ولم يكن فيه ضرر) يصيب السامع (ولكن يكني عنه) أي يؤتي بالكناية (علي سبيل الاستعارة والرمز) اي الاشارة والاستعارة ادعاء معني الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه مع طرح ذكر المشبه من البين (ليكون وقعه في قلب المستمع أغلب) وأقوي مما ذكر مصرحا (وله مصلحة) ظاهرة (في أن يعظم وقع ذلك الامر في قلبه كما لو قال قائل) لقيت أسدا يعني رجلا شجاعا فلا يخفي ان هذا أوقع في القلب من قوله لقيت رجلا شجاعا وأخصر وكذا قوله (رأيت فلانا يقلد الدرفي أعناق الخناز يرفكني به عن افشاء العلم) ونشره (وبث الحكمة الي غير أهلها فالمستمع قد يسبق الي فهمه) أول وهله (ظاهره) الذي هو تقليد الدر في أعناق الخناز ير حقيقة (والمحقق) الكامل (اذا نظر) ببصيرته (وعلم ان ذلك الانسان لم يكن معه در) وهو الجوهر المعروف (ولا كان في موضهه خنزير) وهو الحيوان المعروف (تفطن لدرك السر الباطن) فوجده أراد بالدر العلم والحكمة وأراد بالخنزير الجهال والبداء وأراد بالتعليق البث والافاده (فيتفاوت الناس بذلك) أي من هنا جاء التفاوت في فهوم الناس (ومن هذا) القسم (قال الشاعر ... رجلان خياط ووأخر حائك ... * ... متقابلات علي السماك الآول) السماك بالكسرنجم نير وينزله القمر وهما سما كان أعزل ورامح وفي بعض النسخ السماك الاعزل ورامح وفي بعضها السماء الاول ... (لازال ينسج ذاك خرفة مدبر ... * ... ويخيط صاحبه ثياب المقبل وفي البيت لف ونشر غير مرتب وبين المقبل والمدبر حسن مقابلة (فانه) أي الشاعر (عبر عن سبب سماوي) هكذا قالوا ومنسوب الي السماء والهمزة تقلب واو عند النسب وفي نسخة سمائي (في الاقبال والادبار برجلين صانعين) الخياط والحائك (وهذا النوع يرجع الي التعبير عن المعني) المراد (بالصور التي تتضمن عين المعني أو مثله) وله نظائر كثيرة (ومثله قوله صلي الله عليه وسلم ان المسجد لينزوي) أيينقبض (من النخامة) وهي بالضم ما يلقيه الانسان من فمه أو أنفه (كما تنزوي الجلدة عن النار) أي عن مماستها قال العراقي هذا لم أر له أصلا في المرفوع وانما هو في قول أبي هريرة رواه ابن أبي شيبة في مصنفه اه قلت ورواه كذلك عبد الرزاق موقوفا علي أبي هريرة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم رأي نخامة في المسجد في القبلة فقال ما بال أحدكم مستقبل ربه فينخع امامه أيحب أحدكم أن يستقبل فينخع في وجهه (وأنت تري ان ساحة المسجد لا تنقبض بالنخامة و) الذي يظهر فيه أن (معناه روح المسجد وكونه معظما) في القلوب لكونه محل التقرب الي الله تعالي (ورمي النخامة فية تحقير له فيضاد معني المسحدية مضاد النار لاتصال أجراء الجادة وكذلك قوله صلي الله عليه وسلم) فيما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه (أما يخشي الذي يرفع رأسه قبل الامام أن يحول الله رأسه رأس حمار) أو يجعل الله صورته صورة حمار@ وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كذلك كلهم في الصلاة وفي رواية ألايخشي أحدكم اذا رفع رأسه أي من السجود فهو نص فيه وعند أبي داود زيادة والامام ساجد وهو دليل علي التخصيص وألحق به الركوع لكونه في معناه وانما نص علي السجود لمزيد مزية فيه اذ المصلي أقرب ما يكون من ربه فيه وهو غاية الخضوع المطلوب كذا في الفتح وعند ابن خزيمة قبل الامام في صلاته وقوله رأسه أي التي خبث بالرفع تعديا رأس حمار وفي رواية ابن حبان رأس ملب (وذلك من حيث الصورة قط لم يكن ولا يكون ولكن من حيث المعني هو كائن اذ رأس الحمار لم يكن بحقيقتةللونه وشكله بل بخاصيته الازمة فية وبلادته) وحمقه (ومن رفع رأسه قبل الامام) في ركوعه أو سجوده (فقد صار رأسه حمار في) جامع هو (معني البلادة والحمق وهو المقصود) من الحديث (دون الشكل الذي هو قالب المعني اذ من غايه الحمق أن يجمع بين الاقتداء) بامام (وبين التقدم) عليه (فانهما متناقضان) وفي حكمه الذي يسبق الامام في حركاته كلها ولكن النص انما أتي فيمن يرفع قلبه وهذا الذي ارتضاه المصنف في تقرير معني الحديث هو صحيح لا غبار عليه وعلم منه انه كبيرة للتوعد عليه بأشنع العقوبات وأبشعها وهو المسخ المعنوي ولكن لا تبطل صلاته عند الشافعية وأبطلها أحمد كالظاهرية ويجوز أن يحمل معني الحديث علي الحقيقة علي ما عليه الا كثر من وقوع المسخ في هذه الامة ولا يلزم من الوعيد الوقوع وقال صاحب الفيض ليس للتقدم علي الامام سبب الاستعجال ودواؤه أن يستحضربانه لا يسلم قيبه ويروي عن جابر بن ماجه (انما يعرف ان هذا السر علي خلاف الظاهر) أي من منطوق اللفظ (اما بدليل عقلي أو شرعي أما العقلي) وهوالذي يكون مستنده من طريق العقل (بأن يكون حمله علي الظاهر غير ممكن كقولي صلي الله عليه وسلم قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (فأقره السلف رحمهم الله تعالي علي ظاهره من غير تفسير) وسيأتي ان الامام أحمد حسم باب التأويل الا لثلاثة ألفاظ أحدها هذا الحديث كما سيأتي قريبا في كلام المصنف (وخالف فيه قوم) من المتأخرين فقالوا لابد من تأويله (اذ لو فتشنا عن صدور المؤمنين لم نجد فيها أصابع فعلم انها ليست عبارة عن جسم هو الا أن يتنحي عن ذلك المكان بل (كناية عن) معني آخر ليس ذلك المعني بجسم أصلا وهي (القدرة التي هي سر الاصابع وروحها الخفي) فيها (و) انما (كني بالاصابع عن القدرة لان ذلك أعظم وقعا) في النفوس (في تفهم تمام الاقتدار) فيقال فلان يلاعب فلان علي أصبعه أو البلدة الفلانية في أصبع الامير فعلي العامي وغير العامي أن يتحقق قطعا ويقينا ان النبي صلي الله عليه وسلم لم يرد بذلك اللفظ جسما وهو عضو مركب من لحم ودم لانه ذلك علي الله تعالي محال وهو عنه مقدس (ومن هذا القبيل في كنايته عن الاقتدار) أي كمال القدرة (بقوله تعالي انما قولنا لشيء اذا أردناه أن نقول له كن فيكون فان ظاهره ممنتع اذ قوله كن ان كان خطابا للشيء قبل وجوده فهو محال اذ المعدوم) الذي لم يوجد بعد (يفهم الخطاب حتي يمتثل) فالامتثال فرع عن فهم الخطاب فهم الخطاب وفهم الخطاب فرع من أهليته له وذلك فرع عن الوجود فما لا يوجد كيف يخاطب (وان كان بعد الوجود فهو مستفن عن التكوين) وهو ايجاد شيء مسبوق بمادة (ولكن لما كانت هذه الكناية أوقع في النفوس في تفهم غاية الاقتدار عدل اليها) أي الكناية فهذا هو الدليل العقلي (وأما المدرك باشرع) دون العقل (فهو أن يكون اجراؤه علي الظاهر ممكنا ولكنه يروي) من طرق صحيحة (انه أريد به غير الظاهر) مثال هذا (كما ورد في تفسير قوله) عزوجل (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها الآيه) أي الي@ آخر الآية وهو قوله فاحتمل السيل زبد اربيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو أمتاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق بالباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض (وان معني الماء) النازل من السماء (هو القرآن) الذي أنزله علي رسوله فالتشبيه لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة ومصالح العباد في معاشهم ومعادهم (ومعني الاودية هي القلوب وان بعضها احتملت شيأ كثيرا) لا تساعه كواد عظيم يسع ماء كثيرا (وبعضها) احتملت (قليلا) كواد صغير انما يسع ماء قليلا (وبعضها لم يحمل) شيأ كالوادي الذي فيه قيعان وهذا مثل ضربه الله تعالي للقرآن والعلم حين تخالط القلوب بشاشته (والزبد مثل الكفر) والشبهات الباطلة فتطفو علي وجه القلب فالقرآن أو العلم يستخرج ذلك الزبد كما يستخرج السيل من الوادي زبدا يعلو فوق الماء وأخبر سبحانه انه رأبيطفو ويعلو علي الماء (قانه) آي الزبد (وان ظهر وطفا علي رأس الماء) وفي نسخة علي وجه الماء (فانه لا يثبت) في أرض الوادي ولا يستقر كذلك الكفر والشبهات الباطلة اذا أخرجها العلم المستنبط من القرآن ربت فوق القلوب وطفت فلا تستقر فيه بل تجفي وترمي (والهداية التي تنفع الناس تمكث) في القلب وتستقر كما يستقر في الوادي الماء الصافي ويذهب الزبد جفاء ثم ضرب سبحانه لذلك مثلا آخر فقال ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع يعني ان ما يوقد عليه بنو آدم من الذهب والفضة والنحاس والحديد يخرج منه خبثه وهو الزبد الذي تلقيه النار وتخرجه من ذلك الجوهر بسبب مخالطتها فانه يقذف ويلقي فيه ويستقر الجوهر الخالص وحده وضرب سبحانه مثلا لما فيه من الحياة والتبريد والمنفعة ومثلا بالنار لما فيها من الاضاءة والاشراق والاحراق فآيات القرآن تحي القلوب كما تحي الارض بالماء وتحرق خبثها وشيهاتها وشهواتها وسخائها كما تحرق النار ما يلقي فيها وتميز زبدها من زبدا كما تميز الخبث من الذهب والفضه والنحاي ونحوه فهذا بعض ما في هذا المثل العظيم من العبرة والعلم قال الله تعالي وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون (وفي هذا الفسم تعمق جماعة) من المبتدعة وتحاوزوا عن الحدود (فأولوا ما ورد في) أمور (الآخرة من الميزان والصراط وغيرهما) كورن الاعمال وتطاير الصحف في اليمين والشمال وغير ذلك (وهو) أي التأويل في مثل هذه الامور (بدعة) قبيحة اذ (لم ينقل ذلك بطريق الرواية) عن الثقات وليت شعري ما الذي حملهم علي تأويلها (واجرؤها علي الظاهرغيرمحال فيجب اجراؤه علي الظاهر) ويسد باب التأويلات في مثل ذلك (القسم الرابع ان يدرك الانسان الشيء جملة) أي علي وجه الاجمال (ثم يدركه) بعد (تفصيلا) وذلك (بالتحقق) أي الاثبات بدليل (والذوق) وهو التجربة (بان يصير حالا ملا بساله فيتفاوت العلمان) فالعلم الاول اجمالي والثاني تفصيلي هبه بدليل أو تجربة (ويكون الآول كالقشر) الخارج عن اللب (والثاني كاللباب) المحض الذي يحيط به القشر (ويكون الآول كالظاهروالاخر كالباطن) وكل من التعبيرين صحيحان (وذلك كما يتمثل للانسان في عينه ويتراءي (شخص) أي شبح (اما في الظلمة) الحاجبة من الانكشاف (أعلي البعد) منه في المسافة (فيحصل له) من ذلك التمثيل (نوع علم فاذا رآه بالقرب) منه بان قرب الرائي منه أو المرئي (أو بعد زوال الظلام) المانع له من انكشافه (أدرك تفرقة بينهما) أي بين العلمين (ولا يكون الآخر ضد الآول) لعدم منافاه أحدهما الآخر في أوصافه الخاصة (بل هو استكمال له) أي طلب كما له (فكذلك في العلم والايمان والتصديق) يكون أولا شيأ قليلا ثم يكمل (افقد يصدق الانسان بوجود العشق) وهو الافراط في المحبة (والمرض) وهو خروج البدن عن الاعتدال الخاص (والموت) وهو صفة وجودية خلقت ضد الحياة (قبل وقوعه) أي كل منها (ولكن تحققه به عند الوقوع أكمل من تحققه قبل الوقوع وهي مرتبة حق اليقين (بل للانسان في الشهوة) وهي نزوع النفس لما تريده (والعشق) بل (و) في (سائرالاحوال ثلاثة أحوال) وفي بعض النسخ بل الانسان في الشهوة والعشق @ وسائر الاحوال ثلاثة أحوال (متفاوتة و) ثلاثة (ادرا كان متباينة الآول تصديقه بوجود قبل وقوعه والآخر عند وقوعه والآخر بعد تصرمه) وانقضائه وهذا ظاهر (فان تحققك بالجوع) مثلا (بعد زواله) بالاكل (يخالف التحقق به قبل الزوال) فالادراك الذي يحصل في الآول غير الذي يحصل في الثاني (وكذلك في علوم الدين) منها (ما يصيرذوقا) محققا (فيكمل) بعذان كان ناقصا (فيكون ذلك كالباطن بالاضافة الي ما قبل ذلك) وهو الحاصل عن غير تحقيق وذوق (ففرق بين علم المريض بالصحة) في البدن وهي حالة طبيعية تجري أفعاله معها علي المجري الطبيعي (وبين علم الصحيح بها ففي هذه الاقسام الاربعة) المذكورة (تتفاوت الخلق وليس في شيء منه) أي من مجموع تلك الاقسام (باطن يناقض الظاهر) ولا ظاهر يناقض الباطن (بل يتممه) ويكمله (كما يتمم اللب القشرة والسلام) علي أهل التسليم (القسم الخامس ان يعبر بلسان النقال عن لسان الحال) فلسان المقال هي الجارحة وله نغمة مخصوصة يميزها السمع كما ان له صورة مخصوصة يميزها السمع كما أن له صورة مخصوصة يميزها البصر ولسان الحال) فلسان المقال هي الجارحة وله نغمة مخصوصة يميزها السمع كما ان له صورة مخصوصة يميزها البصر ولسان الحال ما أنبأ عن حال قام به ولولم يكن نطقا (فالقاصر الفهم) الذي فهمه مقصور علي ما تلقفه وجامد عليه (يقف علي الظاهر) ولا يتجاوزه (يعتقده نطاقا بالخقيقة) والنطق في العرف العام الاصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان ولا يقال الا للانسان ولا يقال لغيره الاعلي سبيل التبع وقال المصنف في كتاب المعارف الالهية النطق معني زائد علي الكلام والقول وذلك لان الجنين يوصف بالنطق لانه ناطق بالقوة ولو لم يكن ناطقا لم يعد الكلام اي لغة كانت وبأي لغة كانت بأي عبارة اتفقت (والبصير بالحقائق) أي المنبصر بمعرفة حقائق الاشياء كما هي (يدرك السر) الذي هو مخفي (فيه وهذا كقول) بعضهم ... امتلأ الحوض وقال وقال قطني ... * ... مهلا رويد قد ملأت بطني ... وكقول (القائل قال الجدار للوتد) ككتف والمشهورعلي الالسنة للمسمار (لم تشقني) من شقه اذا أوقعه في المشقة (قال سل من يدقني فلم يتركني وراء) فعل أمر من رآي يرائي أي انظر (الحجر الذي ورائي فهذا وأمثاله (تعبير عن لسان الحال بلسان المقال ومن هذا قوله تعالي فقال لها وللارض انبا طوعا أو كرها قالتها أتيتا طائعين) الاتيان هو المجيء مطلقا وقيل بسهولة والطوع الانقياد ويضاده الكره وطائعين أي منقادين أي لم يمتنعا عليه مما يريد هما به (فالبليد الذهن (يفتقر في فهمه) لهذه الآية (الي ان يقدر لهما حياة مخلوقة) وفي بعض النسخ بزيادة الارض والسماء بدون لهما (وعقلا وفهما للخطاب ويقدر خطابا من صوت وحرف) بحيث (نسمعه الارض والسماء فتجيب بحرف وصوت وتقول أتينا ظائعين والبصير) العارف (يعلم ان ذلك لسان الحال وانه انباء) أي اخبار (عن كونها مسخرة بالضرورة ومضطرة الي التسخير) والانقياد والتسخير سياقة الشيء الي الغرض المختص به (ومن هذا) أيضا (قوله تعالي وان من شيء الا يسبح بحمده) ولكن لا تفقهون تسبيحهم (فالبليد يفتقر فيه الي ان يقدر للجمادات حياة وعقلا ونطقها بصوت وحرف حتي يقولوا سبحان الله) وبحمده (ليتحقق تسبيحه والبصير يعلم انه ما أر يدبه نطق اللسان) بحرف وصوت (بل) أريد به (كونه مسبحا بوجوده ومقدسا بذاته وشاهد بوحدانية الله تعالي كما يقال) وهو قول أبي العتاهية وأوله واعجبا كيف يعصي الاله ... * ... أم كيف يجحده الجاحد @ (وفي كل شيء له آية) أي علامة دالة (تدل علي انه واحد) لا شريك له (وكما يقال هذه الصنعة المحكمة) المتقنة (تشهد لصاحبها بحسن التدبير) واصابة الفعل (وكمال العلم) وجودة المعرفة (لابمعني انها تقول أشهد بالقول) باللسان الظاهر (ولكن بالذات و) لسان (الحال وكذلك ما من شيء) من الاشياء (الا وهو محتاج في نفسه الي موجود يوجده) أي يخرجه من العدم الي الوجود (وبيتقنه) أي يحكمة (ويديم أوصافه ويردده في أطواره) المختلفة (فهي بحالها تشهد لخالقها بالتقديس) والتنزيه والضمير راجع الي الاشياء وفي بعض النسيخ فهو بحاجته يشهد لخالقه (يدرك شهادتها ذو البصائر) الكاملة (دون الجامدين علي الظواهر) فلا حظ لهم في ادراك تلك الشهادة ولذلك قال تعالي (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) يعني ليس في وسعكم ان تعرفوا حقيقة ذلك وأصل الفقه فهم الاشياء الخفية وقيل هو التواصل الي علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من مطلق الفهم (أما القاصرون) عن نيل الكمال (فلا يفقهون) ذلك (أصلا وأما المقربون) الي الله تعالي وهم فوق أهل اليمين (والعلماء الراسخون) في علومهم (فلا يفقهون كنهه وكماله) وكنه الشيء حقيقته ونهايته (اذا لكل شيء شهادات شتي) أي علي أنواع كثيرة (علي تقديس الله سبحانه وتسبيحه) وتنزيهه (ويدرك كل واحد) من أهل هذه المراتب (بقدر رزقة) ونصيبه الذي أعطيه (مبصيرته) التي خص بها دون غيره (وتعد تلك الشهادات) أي كل شهادة تفصيلا (لا تليق بعلم المعاملة) بل هو من علم المكاشفة (فهذا الفن أيضا مما يتفاوت أرباب الظواهر وأرباب البصائر في علمه وتظهر به مفارقة الباطن للظاهر) بخلاف الاقسام الاربعة التقدمة (وفي هذا المقام لارباب المقامات اسراف) أي مجاوزة الحدود (واقتصاد) أي الوقوف علي مقام بين مقامين (فمن مسرف) مفرط (في دفع) وفي نسخة رفع (الظواهر انها) حاله (الي تغيير جميع الظواهر أو أكثر) المتعلقة بالآخرة (حتي حملوا قوله تعالي وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) أي بما كسبت (وقوله تعالي قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) أي جعله ناطقا (وكذلك المخاطبات التي تجري من منكر ونكير) حين حلول الانسان في القبر وتلك المخاطبة أول فتنات القبور (و) كذلك (في الميزان) ذي الكتفين ووزن الاعمال (وفي الحساب) وتطاير الصحف في اليمين أو الشمال (ومناظرات أهل الجنة وقولهم أفضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) وأمثال ذلك (زعموا ان ذلك كله لسان الحال) لا للمقال حقيقة (وغلا الآخرون) منهم (في حسم الباب) أي سد باب التأويل مطلقا وهم من السلف (منهم) الامام (أحمدبن محمد بن حنبل) رحمه الله تعالي (حتي منع نأويل قوله تعالي كن فيكون) وهذا يعني سد باب التأويل علي الاطلاق هو المفهوم من ظاهر مذهبه كما نقله الثقات عنه (وزعموا) أن اتباعه ومقلدوه (ان ذلك خطاب) من الله تعالي (بحرف وصوت يوجد من الله تعالي في كل لحظة بعدد كون كل مكون) وقد ذكر أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي في كتابة تحرير الاصول وتهذيب المنقول ان الكلام عند الامام أحمد وجميع أصحابه ليس مشتركا بين العبارة ومدلولها هو الحروف المسموعة فهو حقيقة فيها مجاز في مدلولها ونقل عن بعض العلماء ان مذهب أحمد انه تعالي لم يزل متكلما اذا شاء ومتي شاء وكيف شاء وهو يتكلم به بصوت يسمع وسيأتي البحث فيه في موضعه ونشبع الكلام هناك (حتي سمعت بعض أصحابه) أن الامام أحمد (يقول انه حسم باب التأويل الا لثلاثة ألفاظ) وردت أحدها (قوله صلي الله عليه وسلم الحجر الاسود يمين الله في أرضه) قال العراقي أخرجه الحاكم وصححه من حديث عبد الله بن عمر وبلفظ الحجر يمين الله @ في الارض اه وأخرج الخطيب وابن عساكر عن جابر رفعه الحجر يمين الله في الارض بها عباده قال ابن الجوزي في سنده اسحق بن بشير كذبه ابن شيبة وغيره وقال الدارقطني هو في عدد من يضع وأخرج الديلي عن أنس رفعه الحجر يمين الله فمن مسحه فقد بايع الله وفي سنده علي بن عمر السكري ضعفه البرقاني وأيضا العلاء بن سلمة الرواس قال الذهبي منهم بالوضع ثم ان معني قوله يمين الله أي عو بمنزلة يميته ولما كان كل ملك اذا قدم عليه الوافد قبل يمينه والحاج أول ما يقدم يسن له تقبيله فلذ انزل منزل يمين الكعبة والثاني (قوله صلي الله عليه وسلم قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) اخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو وقد تقدم الثالث (قوله صلي الله عليه وسلم اني لاجد نفسي الرحمن من جانب اليمين) أخرج أحد من حديث أبي هريرة في حديث قال فيه واجد نفس ربكم من قبل اليمين ورجاله ثقات قاله العراقي (ومال الي حسم الباب أرباب الظواهر والظن) الحسن (بأحمد بن حنبل) رحمه الله تعالي حسبما يقتضي جلالة قدره ورفعته في معرفة العلوم (انه علم أن الاستواء ليس هو الاستقرار علي شيء والنزول ليس هو الانتقال) من مكان الي مكان (ولكنه منع من التأويل حسما للباب ورعاية لصلاح الخلق) كما يشهد لذلك حاله مع الكرابيسي وقوله فيه وكذلك هجره الحرث المحاسبي علي ما سبق الايماء الي شيء من ذلك في كتاب العلم (فانه اذا فتح الباب اتسع الحرف) علي الرافع (وخروج عن حد الضبط وجاوز) مرتبة الاقتصاد اذ حد الاقتصاد لا ينضبط بقاعدة (فلا بأس بهذا الزجر) والمنع وسد الباب (وتشهد له سيرة السلف) الصالحين (فانهم كانوا يقولون أمروها) أي الالفاظ الواردة في الكتاب والسنة (كما جاءت) روي الحسن بن اسماعيل الضراب في مناقب مالك من طريق الوليد بن مسلم قال سألت مالكا والاوزاعي وسفيان وليس عن هذه الاحاديث التي فيها ذكر الرؤية والصورة والنزول فقالوا أوردوها كما جاءت وقال عبد الله بن أحمد في كتاب السنة له في باب ما حجدته الجهمية من كلام الله مع موسي بن عمران عليه السلام سألت أبي هريرة عن قوم يقولون لما كلم الله موسي لم لم يتكلم بصوت قال أبي بلي تكلم بصوت هذه الاحاديث تمرونها كما جاءت اه وهذه المسأله يأتي ذكوها والاختلاف فيها وقال لبن اللبان قد كان السلف الصالح نهوا الناس عن اتباع أرباب البدع وعن الاصغاء الي آرائهم وحسموا مادة الجدال في التعرض بالآذي المتشابهة سد اللذريعة واستغناء عنه بالمحكم وأمروا بالايمان وبامراره كما جاء من غير تعطيل ولا تشبيه (حتي قال مالك) بن أنس امام المدينة رحمة الله تعالي (لما سئل عن) معني (الاستواء) في قوله تعالي ثم استوي علي العرش وفي قوله تعالي الرحمن علي العرش استوي وقد جاء ذكره في ست آيات فقال مالك (اللاستواء معلوم والكيفية مجهولة الايمان به واجب والسؤال عنه بدعة) وهذا القول من مالك جاء بالفاظ مختلفة وأسانيد متنوعة وقد أورده المصنف هكذا في آخر الجام العوام وأورده ابن اللبان في كتابه بلفظ انه مثل كيف استوي فقال كيف غير معقول والاستواء غير مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وقال الالكائي في كتاب السنة أخبرنا علي بن الربيع المقري مذاكرة حديثنا عبد الله بن أبي داود حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا مهدي بن جعفر بن عبد الله قال جاء رجل الي مالك بن أنس فقال له يا أبا عبد الله الرحمن علي العرش استوي كيف استوي قال فما رآيت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته ةعلاه الرحضاء يعني العرق وأطراف القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتي منه فقال فسري عنه فقال الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعه فاني أخاف ان تكون ضالا وأمربه فأخرج وأخرجه كذلك أبو الشيخ وأبو نعيم وأبو عثمان الصابوني ونصر المقدسي كلهم من رواية جعفر بن عبد الله رواه الصابوني من وجه آخر من رواية جعفر بن ميمون عن مالك ورواه عثمان بن سعيد بن السكن من رواية جعفر بن عبد الله عن رجل قد سماه عن مالك ورواه ابن ماجه عن علي بن سعيد عن بشار الخفاف أو غيره عن مالك وقال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله @ الحافظ أخبرني أحمد بن محمد بن اسماعيل بن مهران ان حدثنا أبو الربيع بن أخي رشدين بن سعد قال سمعت عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن علي العرش استوي كيف استواؤه قال فاطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرحمن علي العرش استوي كما وصف نقسه ولا يقال له كيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه قال فاخرج الرجل وقد يروي هذا القول أيضا عن ابن عيينة قال اللالكاني أخبرنا عبد الله بن أحمد النهاوندي أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن محمود النهاوندي سنة ست عشرة وثلاثمائة حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة حدثنا أحمد بن يحيي بن سعيد القطان عن يحيي بن آدم عن ابن عيينة قال سئل عن قوله الرحمن علي العرش استوي قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلي الرسول البلاغ وعلينا التصديق وقد يروي أيضا لربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك أخرج اللالكاني بسنده المتقدم الي يحيي بن آدم عن ابن عيينة قال سئل ربيعة عن الاستواء فساقه بعينه ورواه أبو الشيخمن رواية عبدالله بن صالح بن مسلم قال سئل ربيعة بمعناها أي فيحتمل أن ابن عيينة أجاب السائل بما أجاب به ربيعة كما أن مالكا كذلك أجاب بما أجاب به ربيعة وان اختلفت ألفاظهم وأول من وفق لهذا الجواب السيدة أم سلمة رضي الله عنها والكل تابعون علي منهجها أخبرنا عمربن أحمد بن عقل اجازة أخبرنا عبد الله بن سالم أخبرنا محمد بن العلاء الحافظ أخبرنا علي بن يحيي أخبرنا يوسف بن عبد الله أخبرنا محمد ابن عبدالرحمن الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن الحافظ أخبرنا عبد الرحيم بن الحسين الحافظ اخبرنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبد الحليم بن تميمة أخبرنا ابن عبد الدائم أخبرنا ابراهيم بن البرقي أخبرنا مالك بن أحمد أنا أبو الفتح بن أبي الفواريس الحافظ ثنا اسحق بن محمد ثنا عبدالله بن اسحق المدائني ثنا أبو يحيي الوراق ثنا محمد بن الاشرس الانصاري ثنا أبوالمغيرةعميربن عبد الحميد الحنفي عن قرط بن خالد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها في قوله عزوجل الرحمن علي العرش استوي قالت الكيف غير معقول والاستواء غيرمجهول والاقرار به ايمان والجحود به كفر وأرويه أعلي من هذا بالسند المتقدم الي محمد بن عبد الرحمن الحافظ قال أخبرني محمد بن مقبل الصير في بحلب أخبرنا الصلاح بن عمر المقدسي أخبرنا أبو الحسن السعدي أخبرنا عمربن محمد بن طبرزد أخبرنا هبة الله بن الحصين أخبرنا أبوطالب بن غيلان أخبرنا ابراهيم بن محمد المزكي أخبرنا أبوا العباس أحمد ابن محمد بن الازهر ثنا محمد بن الاشرس أبوكنانة بصري ثنا أبو المغيرة الحنفي وهو عمير بن عبد المجيد ثنا قرة خالد قلت وهذا هوالصواب يعني عبد المجيد وقرة وفي سياق السند الاول عبد الحميد وقرط كذا وجد بخط قديم وهو ليس بصحيح وفيه والايمان به واجب بدل قولها والاقرار به ايمان والباقي سواء وأبو يحيي الوراق في السند الاول هو الهندي واسمه محمد بن عمر بن كيسة وقد أخرج هذا الحديث من طريقة اللالكاني من رواية عبد الصمد بن علي عنه قال سمعه منه بالكوفة في جبانة سالم عن أبي كنانة محمد بن أشرص الانصاري فساقه ورواه أبو بكر الخلال عن محمد بن أحمد البصري عن أبي يحيي الوراق هو ابن كيسة به ورواه أبو عثمان الصابوني من رواية محمد بن عبيد الحافظ عن أبي يحيي بن كيسة به وقال فيه عن محمد بن الاشرس الوراق أبي كنانة ورواه أبو نعيم الاصبهاني في كتاب المحجة عن ابراهيم بن عبد الله بن اسحق المعدل سمعه منه بنيسابور عن أبي العباس أحمد بن محمد الازهري الحافظ عن محمد بن الاشرس أبي كنانة البصري به وقد تفرد بهذا الحديث أبو كنانة واختلف عليه فيه فرواه أبوعبدالله بن منده الحافظ عن أحمد بن مهران الفارسي ثنا الحسين بن حميد ثنا محمد بن أشرس أبو كنانة ثنا النضر بن خالد فذكره ورواه أيضا في التوحيد عن محمد بن اسحاق البصري عن الحسن بن الربيع الكوفي عن محمد بن أشرس أبي كنانة الكوفي عن أبي المغيرة النضر بن اسماعيل @ الحنفي الكوفي عن قرة بن خالد البصري وقد ذكر هذا الاختلاف أبو اسماعيل الانصاري في اسم أبي المغيرة ثم قال ان الاشبه عنده انه غير النضر بن اسماعيل لان النضر كوفي والحديث بصري السند والله أعلم وقال ابن اللبان في تفسير قول مالك قوله كيف غيرمعقول أي كيف من صفات الحوادث وكل ما كان من صفات الحوادث فاثباته في صفات الله تعالي يتافي ما يتقضيه العقل فيجزم بنفيه عن الله تعالي قوله والاستواء غير مجهول أي انه معلوم المعني عند أهل اللغة والايمان به علي الوجه اللائق به تعالي واجب لانه من الايمان بالله وبكتبه والسؤال عنه بدعة أي حادث لان الصحابة كانوا عالمين بمعناه اللائق بحسب اللغة فلم يحتاجون للسؤال عنه فلما جاء من لم يحط بأوضاع لغتهم ولا له نور كنورهم يهديه لصفات ربه شرع يسأل عن ذلك فكان سؤاله سببا لاشتباهه علي الناس وزيغهم عن المراد اه (وذهبت طائفة الي الاقتصاد ففتحوا باب التأويل في كل ما ينعلق بصفات الله تعالي وتركوا ما يتعلق بالآخرة علي ظواهرها) كما جاءت (ومنعوا) فيه (التأويل وهم الاشعرية) أي فرقة الاشاعرة عامة وقد سبق في ترجمة الاشعري أن هذا قول لابي الحسن الاشعري وان له قولا ثانيا وهو أن تمر أخبار الصفات كما جاءت واليه مال في الابانة وتبعه الباقلاني وامام الحرمين والمصنف (وزاد المعتزلة عليهم) بجميع أصنافهم (حتي أولوا من صفاته تعالي تعلق الرؤية وأولوا قوله سميعا بصيرا) فقال أصحاب أبي هاشم الجباني معني قولنا للحي انه سميع بصير يفيد انه حي يصح أن يسمع المسموع اذا وجد ويصح أن يري المرئي اذا وجد ومتي وجد المسموع أو المرئي ولم تكن بالحي آفق مانعة من ادراكهما وجب أن يكون سامعا للمسموع ورائيا للمرئي من غير حصول معني هو سمع أو بصر فيه وسيأتي البحث في ذلك (وأولوا المعراج وزعموا انه لم يكن بالجسد) بل بالروح (وأولوا عذاب القبرو الميزان والصراط وجملة من أحكام الآخرة) أي المتعلقة بها (ولكن أقر بحشر الاجساد) من القبور (و) كذلك أقروا (الجنة) وانها موجودة (واشتمالها علي) أنواع (المأكولات والشمومات والمنكوخات والملاذ المحسوسة) وكذلك أقروا (بالنار) الا انهم قالوا ليست موجودة الآن وانما توجد يوم الجزاء (واشتمالها علي جسم محسوس يحرق) أجساد الكفار والعصاة (ويمزق الجلود ويذيب الشحوم) ولاقائل بخلق الجنة دون النار فثبوتها ثبوتها وقد أجمع العلماء علي أن التأويل في أكثر أمور الآخرة من غير ضرورة الحاد في الدين (ومن ترقيهم الي هذا الحد زاد الفلاسفة) وهم حكماء اليونان واليهم نسبت الفلسفة (فأولوا كل ما ورد في أمور الآخرة وردوها الي آلام عقلية وروحانية) غيرمحسوسة (ولذات عقلية وأنكروا حشر الاجساد) مطلقا واستبعدوه (وقالوا ببقاء النفوس) المجردة (وانها تكون أما معذبة واما منعة بعذاب ونعيم لايدرك بالحس) وانما يتعقل (وهؤلاء هم المسرفون) المفرطون (وحد الاقتصاد بين هذا الانحلال) عن ربقة الشريعة (وبين جمود الحنابلة) ووقوفهم علي السمع المجرد (دقيق غامض) المدرك خفي (لا يطلع عليه الا الموفقون) من الاوال (الذين يدركون الامور بنور الهي) قذف في بصائرهم (لا بالسماع) المجرد من العقل (ثم اذا انكشفت لهم أسرار الامور) بواسطة ذلك النور واتضحت الاشياء علي ما هي عليها (نظروا الي السمع) المتلقي من الثقات (والالفاظ الواردة) في تلك الاخبار الصحيحة (فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين أقروه) واثبتوه (وما خالف) ذلك (أولوه) بما يقتضيه أسلوب اللغة العربية (فأما من يأخذ معرفة هذه الامور من السمع المجرد) عن العقل (فلا يستقر له قدم) فيه (ولايتعين له موقف) يطمئن اليه (والاليق بالمقتصر علي السمع المجرد مقام) سيدنا (أحمد بن حنبل رحمه الله تعالي) وهو طريقة السلف وقد ذكر المصنف في الجام العوام انها تتضمن سبعة أمور التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الكف ئم الامساك ثم التسليم لاهل المعرفة ثم بين ذلك بقوله التقديس فهو تنزيه الرب تعالي عن @ الجسمية وتوابعها وأما التصديق فهو الايمان بما قاله صلي الله عليه وسلم وان ما ذكره حق علي الوجه الذي قاله وأراده واما الاعتراف بالعجز فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليس علي قدر طاقته وان ذلك ليس من شأنه وحرفته وأما السكوت فان لايسأل عن معناه ولايخوض فيه ويعلم أن سؤال عته بدعة وأما الامساك فهو أن لا يتصرف في تلك الالفاظ بالتبديل بلغة أخري والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق بل لا ينطق الا بذلك اللفظ وعلي الوجه من الايرادو الاعراب والتصريف والصيغة وأما الكففان يكف باطنه من البحث والتفكر والتصرف فيه وأما التسليم لاهله فان يعتقد ان ذلك ان خفي عليه لعجزه فقد لا يخفي علي الرسل أو علي الصديقين والاولياء فهذه سبعة وظائف لاينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شيء منها ثم قال بعد كلام طويل ولهذا أقول يحرم علي الوعاظ علي رؤس المنابر الجواب عن هذه الاسئلة بالخوض في التأويل والتفصيل بل الواجب عليهم الاقتصارعلي ما ذكره السلف وهو المبالغة في التقديس والتنزيه وتفي التشبيه وانه تعالي منزه عن الجسمية وعوارضها وله المبالغة في هذا بما أراد حتي يقول كل ما يخطر في بالكم وهجس في ضمائركم وتصور في خواطركم فالله تعالي خلقها وهو منزه عنها وعن مشابهتها وانه ليس المراد بالاخبار شيأ من ذلك واما هو حقيقة المراد فلستم من أهل معرفته والسؤال عنه بدعة فاشتغلوا بالتقوي وما أكرمكم الله به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه وهذا قد نهيتم عنه فلا تسألوا عنه ومهما سمعتم شيأ من ذلك فاسكتوا وقولوا آمنا وصدقنا وما أوتينا من العلم الا قليلا وليس هذا مما أوتينا وقال أيضا في التأويل هو بيان معناه بعد ازالة ظاهره وهذا أما أن يقع من العامي أو من العارف مع العامي أو من العارف مع نفسه بنيه وبين ربه فهذه ثلاثة مواضع الاول تأويلالعامي علي سبيل الاستقلال بنفسه وهو حرام يشبه خوض البحر المغرق لمن لا يحسن السباحة فلا شك في تغريقه وبحر المعرفة أبعد غورا وأكثرمهالك من بحر الماء لان هلاك هذا البحرلا حياة بعده وهلاك بحر الدنيا لايزيل الا الحياة الزائلة وذلك يزيل الحياة الابدية فشتان بين الخطرين الموضع الثاني أن يكون ذلك من العالم مع العامي وهذا أيضا ممنوع ومثاله أن يبحرالسابح الغواص مع نفسه عاجزا عن السباحة مضطرب القلب والبدن وذلك حرام فانه عرضه لخطر الهلاك فانه لا يقوي علي حفظه في لجة البحر ولو أمره بالوقوف بقرب الساحل لا يطيعه ولو أمره بالسكون عند التطام الامواج واقبال التماسيح فاتحة فاها للالتقام اضطرب قلبه وبدنه ولم يكن علي حسب مرادة لقصور طاقته وفي معني العوام الاديب النحوي والمحدث والمفسر والفقيه والمتكلم بل كل عالم سوي المتجردين لعلم السباحة في بحر المعرفة القاصرين أعمارهم عليه الصارفين وجوههم عن الدنيا والشهوات المعرضين عن المال والجاه والخلق وسائر اللذات المخلصين لله تعالي في العلوم والاعمال القائمين بجميع حدود الشريعة وآدابها في القيام بالطاعات وترك المنكرات للمفرغين قلوبهم عن غير الله المستحقرين للدنيا بل للآخرة والفردوس الاعلي في جنب محبة الله تعالي فهؤلاء هم أهل الغوص في بحر المعرفة وهم مع ذلك كله علي خطرعظيم يهلك من العشيرة تسعة الي أن يسعد واحد منهم بالدارالمكنون والسر المخزون أولئك الذين سبقت لهم منا الحسني فهم الفائزون وربك أعلم بما تكن صدورهم وما يعلنون الموضع الثالث تأويل العارف مع نفسه في سر قلبه بينه وبين ربه وهو علي ثلاثة أوجه فات الذي انقدح في سره أنه المراد من لفظ الفوق والاستواء مثلا أما أن يكون مقطوعا به أو مشكوكا فيه أو مظنونت ظنا غالبا فان كان قطيعا فليعتقده وان كان مشكوكل فلينجنبه ولا يحكمن علي مراد الله ورسوله صلي الله عليه وسلم من كلامه باحتمال معارض بمثله من غير ترجيح بل الواجب علي الشاك في المشكوك فيه التوقف وان كان مظنونا فاعلم ان للظن تعليقن أحدهما في المعني الذي انقدح عنده هل هو جائز في حق الله تعالي أم هو محال والثاني أن يعلم قطعا جوازه ولكن يتردد@ هل هو المراد باللفظ أم لا وبينما تفاوت لان كل واحد من الظنين اذا انقدح في النفس وحاك في الصدر فلايدخل تحت الاختبار دفعه علي النفس فلا يمكنه أن لايظن فان للظن أسبابا ضرورية ولا يمكن دفعها ولا يكلف الله نفسا الا وسعها لكن عليه وظيفتان جديدتان أحداهما لايدع نفسه نطمئن اليه جزما من غير شعور بامكان الغلط فيه فلا ينبغي أن يحكم مع نفسه بموجب ظنه حكما جازما والثانية انه ان ذكره لم يطلق القول بان المراد بالاستواء كذا وبالفوق كذا لانه حكم لما لا يعلم وقد قال ولا تقف ماليس لك به علم لكن يقول أنا أفان انه كذا فيكون صدقا في خبره عن نفسه وضنيره ولايكون حكماعلي صفة الله تعالي ولا علي مراده وكلامه بل حكما علي نفسه وبناء علي ضميره ثم أورد في بيان التصرفات الممنوعة الجمع بين المفترقات والتفرق بين المجتمهات فقال ولقد بعد من التوفيق من صنف كتابا في جميع هذه الاخبار خاصة ورسم في كل عضو بابا فقال باب في اثبات الرأس وباب في اثبات اليد وباب في اثبات العين وغيرذلك فان هذه كلمات متفرقة متباعدة اعتمادا علي قرائن مختلفة في فهم السامعين معاني صحيحة فاذا ذكرت مجموعة علي مثال خلق الانسان صار جميع تلك المفترقات في السمع دفعة واحدة قرينة عظيمة في تأكيد الظواهر وايهام التشبيه وصار الاشكال في أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم ينطق بما يوهم خلاف الحق أعظم في النفس وأوقع بل الكاحة الواحدة المفردة يتطرق اليها الاحتمال فاذا اتصل بها ثانية وثالثة ورابعة من جنسها وصار متواليا ضعف بالاضافة الي الجملة ولذلك يحصل بقول مخبرين وثلاثة مالا يحصل بقول الواحد بل يحصل من العلم القطعي بخبر التواتر ما لا يحصل بالاحاد ويحصل من العلم القطعي باجتماع القرائن ما لا يحصل بالآحاد وكل ذلك نتيجة الاجماع اذ يتطرق الاحتمال والضعف فلذلك لا يجوز جمع المفرقات وأما التفريق بين المجتمعات فانه كذلك لا يجوز لان كل حكمه سابقة علي حكمه سابقة علي حكمه أو لا حقة له مؤثرة في تفهيم معناه ومرجحة للاحتمال الضعيف فيه فاذا فرقت وفصلت سقطت دلالتها مثاله قوله تعالي وهو القاهر فرق عباده ولا يسلط علي أن يقول القائل وهو فوق مطلقا لانه اذا ذكر القاهر مع المقهور وهي فوقية الرتبة ولفظ القاهر يدل عليه بل لا يجوز أن يقول وهو القاهر فوق عباده لان ذكر العبودية في وصف من الله فوقه يؤكد احنمال فوقية السيادة اذا يحسن أن يقول السيد فوق عبده والاب فوق ابنه والزوج فوق الزوجة وان كان لا يحسن أن يقول زيد فوق عمر وقبل أن يبين تفاوتهما من السيادة والعبودية أو غلبة القهر ونفوذ الامر بالسلطنة أو بالابوة أو بالزوجة فهذه دقائق يغفل عنها العلماء فضلا عن العوام فكيف يتسلط العوام فيكيف يتسلط الهوام في مثل ذلك علي التصريف بالجمع والتفريق والتأويل والتفسير وأنواع التغيير ولاجل هذه الدقائق بالغ السلف في الجمود والاقتصار علي موارد التوقيف علي الوجه الذي ورد باللفظ الذي ورد والحق ما قالوه والصواب ما رأوه فأهم المواضع بالاحتياط ما هو تصرف في ذات الله تعالي وصفاته وأحق المواضع بالجام اللسان وتقييده عن الجريات بما يعظم فيه الخطر وأي خطر أعظم من الكفر والله أعلم (والآن فكشف الغطاء عن حد الاقتصاد في هذه الامور داخل في علم المكاشفة والقول فيه يطول) اذ هو بحر لا ساحل له وقف لديه الفحول وتحيرت فية العقول (فلا نخوض فيه) اذ الخوض فيه يخرج عن بيان الغرض المهم (و) ذلك (الغرض) المهم هو (بيان موافقة الباطن الظاهر ومخالفته له وقد انكشف) سره (بهذه الاقسام الخمسة) المذكورة بأملتها (واذا رأينا أن نقتصر بكافة العوام) وقد دخل فيهم أكثر العلماء ممن لم يتصف بصفات الخواص التي ذكرت (علي ترجمة) أي بيان (العقيدة التي حررناها) وقد سبقت وهي في أوراق يسيرة (وانهم لا يكلفون غير ذلك) أي مما زاد عليها وذلك (في الدرجة الاولي) ثم نم المقصود (الا اذا كان خوف @ تشويق) أي يكون في بلد يشوش عليه في عقيدته (لشبوع البدعة) الحادثة وانتشارها فيحتاج الي معرفة أدلة تفصيلية عقلية وسمعية (فيرقي في الدرجة الثانية) بالتدريج (الي) النظر في (عقيدة) جامعة مانعة (فيها لوامع) جمع لامعة (من الادلة) العقلية والنقلية وقد سمي امام الحرمين شيخ المصنف كتابه لمع الادلة في قواعد أهل السنة والجماعة نظرا الي هذا (مختصرة) بالنسبة الي المطولات (من غير تعمق) فيها بارسال الرسن في ابحاث خارجة عن أصل المقصد (فلنورد في هذا الكتاب تلك اللوامع) المضيئة أنو ارها الواضحة أسرارها (ولنقتصر فيها) أي في تلك اللوامع (علي ما حررناه لاهل القدس) الشريف حين وفد عليه زائرا ومجاورا وذلك في أيام سياحته وتركه علائق الدنيا وخروجه من بغداد (وسميناه) لاجل ذلك (الرسالة القدسية) اسماد الاعلي مسماه (وهي) كما تري (مودعة في هذا الفصل الثالث من هذا الكتاب) واعلم ان للمصنف عدة رسائل مختصرة أرسلها الي بلدان شتي متضمنه علي صريح الاعتقاد والموعظ والنصائح فمنها رسال أرسلها الي الموصل مسماة بالقدسية أيضا يخاطب فيها بعض المشايخ وهي نحو ثلاثة أوراق ذكر في آخرها ما نصه وأما أقل ما يجب علي النكلفين فهو ما يترجمه قول لا اله الا الله محمد رسول الله ثم اذا صدق الرسول صلي الله عليه وسلم فينبغي أن يصدقه في صفات الله عزوجل وفي اليوم الآخر وكل ذلك مما يشتمل عليه القرآن من غير تأويل أما في الآخرة فالايمان بالجنة والنار والحساب وغيره وأما صفات الله تعالي انه حي قادر عالم متكلم مريد ليس كمثلة شيء وهم السميع البصير وليس عليه بحث عن حقيقة هذه الصفات وان الكلام والعلم وغيرهما قديم أو حادث بل لو كان لا يخطر له هذه السئلة حتي مات مات مؤمنا وليس عليه تعلم الادلة التي حررها المتكلمون بل مهما حصل في قلبه التصديق بالحق بمجرد الايمان من غير دليل وبرهان فهو مؤمن ولم يكلفه رسولالله صلي الله عليه وسلم أكثرمن ذلك وعلي هذا الاعتقاد المجمل استمر الاعراب وعوالم الخلق الا من وقع في بلدة يقرع سمعه فيها هذه المسائل كقدم الكلام وحدته ومعني الاستواء أوالنزول وغيره فان لم يجد لذلك اثرا في قلبه واشتغل بعبادته فلا حرج عليه وان أخذ ذلك بقلبه فأقل الواجبات عليه ما اعتقده السلف فيعتقد في القرآن القدم كما قال السلف القرآن كلام الله غير مخلوق ويعتقدان الاستواء حق والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة والكيفية مجهولة ويؤمن بجميع ما جاء به الشرع ايمانا مجملا من غير بحث علي الحقيقة والكيف فان لم يقنعه ذلك وغلب علي قلبه الاشكال والشك فان أمكن ازالة شكله واشكاله بكلام قريب من الافهام وان لم يكن قويا عنده التكلمين ولا مرضيا عندهم فذلك كاف ولا حاجة به الي تحقق الدليل بل الاولي أن يزال شكه من غير ذكرحقيقة الدليل فان الدليل لا يتم الا بذكر الشبهة والجواب عنها ومهما ذكرت الشبهة لم يؤمن أن تتشبث بقلبه ويكل فهمه عن درك جوابها اذ الشيهة قد تكون جلية والجواب دقيقا لا يحتمله فهمه بل عقله فلهذا جر السلف عن البحث والتفتيش في الكلام وانما جروا عنه ضعفاء العوام فأما للمشتغلون بدرك الحقائق فلهم خوض غمرة الاشكالات ومنع العوام من الكلام يجري مجرد منع الصبيان علي شاطيء الدجلة خوف الغرق ورخصة الاقوياء فيه يضاهي الرخصة للماهر في صفة السباحة الا أن هنا موضع غور ومذلة قدم وهو ان كل ضعيف في عقله راض من الله بكمال عقله ويظن بنفسه انه يقدر علي درك الحقائق كلها وانه من جملة الاقوياء فربما يخوضون ويغرقون في بحر الجهالات من حيث لا يشعرون فالصواب للخلق كلهم الا الشاذ النادر التي لا تسمح الاعصار الا بواحد منهم أو اثنين أن يسلكوا مسلك السلف في الايمان المرسل والتصديق المجمل بكل ما لنزل الله تعالي وأخبر به من غير بحث ولا تفتيش والاشتغال بالتقوي ففيه شغل شاغل اذ قال الرسول صلي الله عليه وسلم حيث رأي أصحاب يختصمون بعد ان غضب حتي احمرت ونتاه أبهذا أمرتم تصربون كتاب الله بعضه ببعض انظروا الي ما أمركم الله به @ فافعلوه ومانهاكم عنه فانتهوا فهذا ينبه علي نهج الصواب والحق واستيفاء ذلك قد شرحناه في كتاب قواعد العقائد فليطاب منه انتهي وبهذا تم الفصل الثاني من هذا الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما * (الفصل الثالث من كتاب قواعد العقائد في) * بيان (لوامع الادلة للعقيدة التي ترجمناها بالقدس) وسميناها بالرسالة القدسية لكون تأليفها كان حين مجاورته به (فنقول) بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الحمد لله الذي تفرد بوجوب وجوده ففاضت الحوادث عن كرمه وجوده والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا محمد أفضل موجوده وأكرم ودوده الصادق في وعوده وعلي آله الآيلين اليه في مراتب شهوده وأصحابه الفائزين لديه بالتمسك في مراقي صعوده أما بعد فهذا شرح الرسالة القدسية للامام حجة الاسلام أبي حامد الغزالي قدس سره حوي من بدائع المسائل الكلامية ما هو كالفرائد اليتمية في العقد الفريد من الجيد رجوت من الله تعالي أن ينفع به كل سالك ومريد وأن يصرف اليه من الراغبين في اصلاح عقائدهم القلوب وأن يرفع لديهم قدره المرغوب وأن يجعله تذكرة لاولي الالباب لا ينسي ولا يهجر وروضة نفع للطلاب لا يترك ولا يضجر وان يكسبنا جميعا به ذكرا جميلا وفي الآخرة ثوابا جزيلا وها أنا أشرف في المقصود بعون الملك المعبود قال المصنف رحمه الله تعالي (بيم الله الرحمن الرحيم) الباء للاستعانة متعلقة بمحذوف تقديره أولف ونحوه وهو يعم جميع أجزاء التأليف فيكون أولي من افتتح ونحوه لايهام قصر التبرك علي الافتتاح فقط كما حققه البرهان اللقاني والله علي الذات الواجب الوجود والرحمن المنعم بجلائل النعم كمية أو كيفية والرحيم المنعم بدقائقها كذلك وقدم الاول لدلالته علي الذات ثم الثاني لاختصاصه به ولانه أبلغ من الثالث فقدم عليه ليكون له كالتتمة والرديف (الحمد لله) سبقت مباحث الحمد مبسوطة في شرح خطبة كتاب العلم فأغنانا عن ايراده ثانيا (الذي ميز عصابة أهل السنة) التمييزمبالغة في الميز وهو عزل الشيء وفصله عن غيره وذلك يكون في المشتيهات كقوله تعالي ليمييزالله الخبيث من الطيب وفي المختلطات نحو قوله ... وامتازوا اليوم أيها المجرمون وتميز الشيء انفصل عن غيره ويستعمل نمييز الاشياء في تفريقها والعصابة بالكسر الجماعة من الناس والسنة الطريق المسلوكة والمراد بها طريقة النبي صلي الله عليه وسلم خاصة والمراد بأهل السنة هم الفرق الاربعة المحدثون والصوفية والاشاعرة والماتريديه علي ما تقدم بيانه في مقدمة الفصل الثاني (بأنوار اليقين) أي فصلهم عن غيرهم بهذه الانوار التي أشرقت في صدورهم ثم التمعت في وجوههم فهم بها عن غيرهم متميزون سيماهم في وجوههم وأما أهل البدع فلا زالوا يعرفون بظلام قلوبهم ووجوههم ولتعرفنهم بسيماهم (وآثر) بالمدأي اختار (رهط الحق) قال ابن السكيت الرهط والعشيرة بمعني وقال الاصمعي في كتاب المصادر الرهط ما فوق العشرة الي الاربعين ونقله ابن فارس أيضا والحق الثابت الذي لا يسوغ انكاره سواء كان قولا أو فعلا أو عقيدة أو دينا أو مذهبا (بالهداية) وهي دلالة بلطف الي ما يوصل (الي) المطلوب وذلك المطلوب هنا أقامة (دعائم الدين) أي أركانه جمع دعامة بالكسر وهي ما يشد به الحائط اذا مال يمنعه السقوط والدين وضع الهي يدعو أصحاب العقول الي قبول ما هو عند الرسول (وجنبهم زيغ الزائغين) الزيغ الميل عن الاستقامة والخروج عن نهج الحق والمراد بالزائغين هم أهل البجع القبيحة الذين أحدثوا في العقائد بمجرد التشهي ما يؤدي الي تشبيه أو تعطيل (وضلال الملحدين) أي غوايتهم والملحد المائل عن الحق والالحاد ضربان الحاد الي الشرك بالله والحاد الي الشرك بالاسباب فالاول ينافي الايمان ويبطله والثاني أن تتأول أوصافة علي مالا يليق به (ووفقهم) التوفيق تفعيل من الوفاق الذي هو المطابقة وعدم المنافرة واختص في العرف بالخير (للاقتداء) اي الاتباع (بيد@ المرسلين) النبي صلي الله عليه وسلم في سائر أقواله وأفعاله وأحواله (وسددهم) وهو من السداد هو الوفق الذي لا يعاب (للتأسي) أي الاقتناء والا سوة الكسر والنم القدوة وقيل التأسي اتباع الغائب (بصحبه الاكرمين أي المشرفين بمشاهدة أنوار وأسراره (ويسرلهم) أي سهل لهم (اقتفاء) أي اتباع (آثارالسلف الصالحين) من التابعين وأتباعهم باحسان وأصل السلف من تقدم من الآباء والجدود وفي العرق الطبقة الثالثة ويطلق علي الثانية أيضا (حتي اعتصموا) أي وثقوا (من مقتضيات) أي مما تقتضيه (العقول) المجردة عن الشرع (بالحبل المتين) أي القوي الذي لا ينقطع بمن تعلق به واستمسك وبهذا المعني جاءت صفة القرآن في الحديث وفيه تلميح الرد علي المعتزلة والفلاسفة فانهم تصرفوا في الالفاظ بمقتضي عقولهم فاولوا بدلوا (و) تمسكوا (من سير الاولين وعقائدهم) علي اختلافها (بالمنهج) وفي بعض النسخ بالنهج وهو الطريق (المبين) الواضح المسلوك أي سبروا في سير الاولين ونحلهم التي انتحلوها فما وافق الكتاب والسنة وآثار السلف أخذوا به وما خالف تركوه (فجمعوا القول بين نتائج العقول) أي ماتنتجة العقول السليمة عن الاهواء والشكوك (وقضايا الشرع المنقول) أي التي قضي بها الشرع ونقل لنا ذلك الثقات والقضية قول يصح أن يقال لقائله صادق أو كاذب فيه وفيه تلميح الي رفع شأن أهل النظرو البحث في العقائد علي مقتضي الكتاب والسنة حيث جمعوا بين العقل والنقل وقد تقدم النقل عن السبكي في خطبة هذا الكتاب ان اليونان طلبوا العلم بمجرد عقولهم والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل معا وافترقوا ثلاث فرق احداها غلب عليها جانب العقل وهم المعتزلة والثانية غلب عليها جانب النقل وهم الحشوية والثالثة غلب الامران عندها وهم الاشعرية وجميع الفرق في كلامها مخاطرة اما خطأ في بعضه وأما سقوط هيبة والسالم عن ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون علي الفطرة السليمة اه (وتحققوا ان النطق) باللسان (بما تعبدوا به من قول) هده الكلمة الطيبة (لا اله الا الله محمد رسول الله) صلي الله عليه وسلم (ليس له طائل) أي نفع (ولامحصول) يتحصل منه (ان لم تتحقق الاحاطة) أي المعرفة التامة (بما تدور عليه) ارحية (هذه الشهادة من الاقطاب والاصول) وقطب الرحي ما تدور عليه والمراد هنا من الاقطاب والاصول) وقطب الرحي ما تدور عليه والمراد هنا من الاقطاب والاصول الاركان (وعرفوا أن كلمتى الشهادة) المذكورتين (على إيجازها) وإختصارها (تتضمن) سائر العقائد الدبنبة المذكورة فيما بعد إجمالاوتفصيل ذلك ان معني الاوهيه استغناء الاله عن كل سواه وافتقار كل ماعداه اليه فدخل فيه (اثبات ذات الاله واثبات صفاته) كلها السبعة ولوازمها وثبات أفعاله ودخل تحت قوانا محمد رسول الله (اثبات صدق الرسل) عليهم السلام والامانة والتبليغ وأضدادها وجملتها اثنان وستون عقيدة علي ما تقدم تفصيلها في أواخر الفصل الاول (فعلموا ان بناء الايمان علي هذه الاركان وهي أربعة) وهو استعارة بالكنايه لانه شبة الايمان بمعني له دعائم فذكر المشبه وطوي ذكر المشبه به وذكرها ما هو خواص المشبه به وهو البناء ويسمي هذا استعارة ترشيحية ويجوز أن يكون استعارة تمثيلية بان تمثل حالة الايمان مع اركانه بحالة خباء أقيمت علي خمسة أعمدة وقطعها الذي تدور عليه الاركان شهادة أن لا اله الا الله وبقية شعب الايمان كالاوتاد للخباء ويجوز أن يكون استعارة تبعية بان تقدر الاستعارة في البناء والقرينة الايمان شبه ثباته علي هذه الاركان ببناء الحياء علي الاعمدة الاربعة وهذه الاستعارة أعني التبعية تقع أولا في المصادر ومتعلقات معاني الحروف ثم تسري في الافعال والصفات والحروف وفيه تكلف لان البناء اسم عين لامصدر الا أن يراد به الفعل وقد تقدم شيء من ذلك في أول الكتاب (يدور كل ركن) من هذه الاركان الاربعة المذكورة (علي عشرة أصول الركن الاول) من الاركان الاربعة (في معرفة ذات الله) عزوجل (ومداره علي عشرة أصول وهي العلم بوجود الله تعالي وقدمه وبقائه وانه ليس يجوهر) يتحيز (ولا جسم ولا عرض وانه تعال ليس مختصا بجهة) من الجهات الست (ولا مستقرا علي مكان) كالعرش @ ونحوه (وانه مرئي وانه واحد) بذكر كل واحد من هذه العشرة في أصل مستقل وما يتفرع منها من المسائل فهي راجعة اليها (لركن الثاني) في صفاته تعالي (ويشتمل) أيضا (علي عشرة أصول) هي العلم بكونه تعالي (حياءا لما قادرا مريدا) لافعاله (سميعا بصيرا منكلما منزها عن حلول الحوادث وانه قديم الكلام) القائم بالنفس وقديم العلم وقديم الارادة فهذه العشرة هي كونه حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما قديم العلم والارادة والكلام وقوله منزها عن حلول الحوادث غير معدودة في هؤلاء (الركن الثالث في أفعاله تعالي) بالخلق (ومداره علي عشرة أصول وهي ان لإعال العباد مخلوقة لله تعالي) لا خالق سواه وانها وان كانت كذلك لايخرجها عن كونها (مكتسبة للعباد وانها) وان كانت كسبا للعباد فلا تخرج عن أن تكون (مرادة لله تعالي وانه تعالي متفضل بالخلق) والاقتراح ومن الجائزات (ان له تعالي تكليف ما لا يطاق وانه له الام البريء وتعذيبه وانه لا يجب عليه رعاية الاصلح لعباده وانه لا واجب الا بالشرع دون العقل وان بعث الانبياء جائز ليس بمستحيل وان نبوة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ثابته مؤيدة بالمعجزات الباهرة ثم ان هذه الاركان الثلاثة التي تقدم ذكرها في الالهيات والنبوات (الركن الرابع في السمعيات) وهي المتلقاه من السمع بما أخبر به صلي الله عليه وسلم (ومداره علي عشرة أصول وهي اثبات الحشر) والنشر (وسؤال منكر ونكير وعذاب القبر والميزان والصراط وخلق الجنة والنار وأحكام الامام) الحق وفيه ذكر الخلفاء الاربعة وامامة أبي بكر رضي الله عنه بنص أو اختيار (وانه لو تعذر وجود الورع والعلم) فيمن يتصدي للامامة (حكم بانعقادها) فهذه عشرة فصار المجموع أربعين عقيدة هذا علي الاجمال ثم شرع في تفصيل ذلك فقال (فلإما الركن الاول من أركان الايمان في معرفة ذات الله تعالي ومداره علي عشرة أصول الاصل الاول معرفة وجوده تعالي) وعبارة ابن الهمام في المسايرة العلم بوجوده تعالي وهو سهل لان العلم والمعرفة لغة شيء واحد واعلم اولا ان الالهيات وهي الميائل المبحوث فيها عن الاله جل وعز أنواع ثلاثة الاول فيما يجب لله عزوجل الثاني فما يستحيل في حقه تعالي الثالث فيما يجوز في حقه تعالي النوع الاول فيما يجب له تعالي فما يجب له تعالي عشرون صفه وهل صفاته تعالي تنحصر في هذه العشرين أم لا والصحيح انها تابعة لكمالاته وكمالاته لانهاية لها لكن العجز عن معرفة مالم ينصب لنا هليه دليل عقلي ولانقلي لانؤخذ به بفضل الله تعالي ومفهومه ان ما قام عليه الدليل نؤاخذ بتركه وهي هذه العشرون صفة ومعني كما لاته لانهايه لها هل هو باعتبار عملنا أو باعتبار علم الله تعالي اما باعتبار عملنا فظاهر لنقصه وضعفه واما باعتبار علم الله فمعناه علمها علي ما هي عليه من عدم النهاية ويحتمل أن تكون لا نهاية لها باعتبار لغة العرب لان العرب اذا كثر الشيء يحكمون عليه بعدم النهاية وان كان في نفسه متناهيا كما تقول غنم فلان لا حصر لها ويحتمل أن تكون حكم عليها بعدم النهاية مراعاة للنفسية والسلبية لانها لها وأما المعاني والمعنوية فهي متناهية لان كل ما دخل في الوجود فهو متناه فتضم ما يتناهي وهي المعاني والمعنوية الي ما لا يتناهي وهي النفسية والسلبية وتحكم علي الجميع بعدم النهاية واعلم ان هذه الصفات العشرين في الحقيقة أقسام أربعة نفسية وسلبية زمعان ومعنزية وهذا علي القول بثبوت الاحوال والاصح انه لا حال جينئذ تكون الاقسام ثلاثة وعليه درج غالب المتكلمين فالاول من الصفات العشرين النفسية الوجود وهي التي اشار لها المصنف بقوله الاصل الاول معرفة وجوده ولم يمثلوا للنفسية بغير الوجود واتفقوا غلي تقديمه علي غيره من الصفات لكونه كالاصل لها اذ وجوب الواجبات تعالي واستخالة المستحيلات عليه وجواز اجائزات في حقه كالفرع عنه وانما قلنا كالاصل ولم نقل أصلا لان الوجود لوكان أصلا حقيقة للزم حدوث بقية الصفات لان الاصل يتقدم علي الفرع وليس كذلك والوجود صفة نفسية علي المشهور @ لا توصف بالوجود أي في الخارج ولا بالعدم أي في الذهن لانهامن جملة الاحوال عند القائل بها وهي الحال الواجب للذات مادامت الذات غير معللة كالتحيز مثلا للجرم فانه واجب ما دام الجرم وليس ثبوته معالا لعلة وقوله الحال أخرج المعاني والسلبية وقوله غير معللة بعلة أخرج الاحوال المعنوية ككون الذات عالمة وقادرة ومريدة مثلا فانها معللة بقيام العلم والقدرة والارادة بالذات واعلم أن لفظ الوجود مشترك بين الواجب والممكن والفرق بينهما ان الله سبحانه وتعالي واجب الوجود لذاته وما سواء ممكن الوجود فالله تعالي موجود واجب الوجود فلو قال قائل ما الدليل علي وجوده تعالي فأشار المصنف الي الجواب بأن له دليلين نقلي وعقلي فقال (وأولي ما يستضاء به من الانوار بسلك من طريق الاعتبار ما أرشد لله به) الي وجوده (عباده في القرآن) العزيز (فليس بعد بيان الله بيان) أرشدهم فيه بالآيات الدالة علي وجوده تعالي (وقد قال تعالي ألم نجعل الارض مهادا) أي كالمهد للصبي مصدر سمي به ما يمهد ليقوم عليه (والجبال أوتادا) للارض ولولاها لما استقرت (وخلقناكم أزواجا) ذكرا وانثي (وجعلنا نومكم سباتا) قطعا من الاحساس والحركة استراحة للقوي الحيوانية وازاحة لكلالها (وجعلنا الليل لباسا) غطاء يستتر بظلمته من أراد الاختفاء (وجعلنا النهار معاشا) وقت معاش تتقلبون لتحصيل ما تعيشون به أو حياة تبعثون فيها عن نرمكم (وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) سبع سموات أقوياء محكمات لا يؤثر فيها مرور الدهر (وجعلنا سراجا وهاجا) أي متلالئا وقادا والمراد الشمس (وانزلنا من المعصرات) هي السحابة المنكائفة أالرياح التي حان لها أن تعصر السحاب أو الرياح ذوات الاعاصير (ماء ثجاجا) أي ملتفة بعضها ببعض ففي كل ذلك تذكير ببعض ما يعاينة الانسان من عجائب صنعه الدالة علي وجوده وكما قدرته (وقال تعالي ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك) أي السفينة (التي تجري في البحر بما ينفع الناس) والفلك لفظ مفرده كلفظ جمعه وهو جمع تكسير وعند الاخفش مما اشترك فيه لفظ الواحد والجمع كجنب وشلل ورد سيو به هذا بقولهم فلكان في التثنية (وما انزل الله من السماء) أي السحاب (من ماء فأحيا به الارض بعد موتها) أي بعد يبسها وخلوها من النبات (وبث فيها من كل دابة) أي نشر فيها وفرق أنواع الدواب وفيه تلميح الي ايجاد ما لم يكن موجودا (وتصريف الرياح) أي تقليبها من جهة الي أخري تكون شمالا تصير جنوبا ثم دبورا ثم نكباء (والسحاب المسخر) أي المذلل المنقاد (بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون) أي يتدبرون ويفهمون ان هذه الآيات نصبت لماذا وما الغرض منها (وقال تعالي ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا) أي متطابقة بعضها فوق بعض كل منها طبق لما تحته (وجعل القمر فيهن نورا) أي منورا (وجعل الشمس سراجا) يتلألؤ (والله أنبتكم من الارض نباتا) هو مصدر أو حال وهذا من حيث ان بدء الانسان ونسأته من التراب وانه ينمو نموه وان كان له وصف زائد علي النبات (ثم يعيدكم فيها ويخرجكم) أي الي أرض المحشر (اخرجا وقال تعالي أفرأيتم ما تمنون) أي ما تقذفون في الارحام من النطف (أأنتم تخلقونه) تجعلونه بشرا سويا (أم نحن الخالقون الي قوله للمقوين) وهو قوله تعالي (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين علي أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الاولي فلولا تذكرون أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفقهون انا لمغرمون بل نحن محرومون أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لونشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرزن أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين (فليس يخفيي علي من معه أدني مسكة) بضم الميم العقل يقال ليس له مسكه أي عقل وليس به مسكه أي قوة (اذا تأمل بأدني فكرة مضمون هذه الآيات) الكريمة (وأدار @ نظره علي عجائب خلق الارض والسموات) وما بينهم (وبدائع فطرة الحيوان والنبات) زسائر ما اشتملت عليه الآيات (ان هذا الامر العجيب والترتيب المحكم) الغريب (لا يستغني) كل منها (عن صانع يدبره وفاعل يحكمه ويقدره) وعبارة عن صانع أوجده أي من هذا العدم وحكيم رتبه أي علي قانون أودع فيه من الحكم (بل تكاد فطرة النفوس) وجبلتها (تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرفة بمقتضي تدبيره) وعلي هذا درجت كل العقلاء الا من لاعبرة بمكابرته وهم بعض الدهرية وانما كفروا بالاشراك بان دعوا مع الله الها آخر كالمجوس بالنسبة الي النار والوثنين بسبب الاصتام والصابئة بسبب الكواكب حيث عبدوها من دون الله تعالي وكفروا أيضا بنسبة بعض الحوادث الي غيره تعالي كهؤلاء أيضا فان المجوس ينسبون الشر الي أهرش والوثنيين ينسبون بعض الآثار الي الاصنام والصابئين ينسبون بعض الآثار الي الكواكب تعالي الله عما يشركون والكل معترفون بأن خلق السموات والارض والالوهية الاصلية لله تعالي (ولذلك) أي لكون الاعتراف بما ذكر ثابتا في فطرهم (قال الله تعالي أفي الله شك فاطر السموات والارض) أي مبتدعها منشئها من غير مثال احتذاء (يدعوكم) أي الي توحيده (وبهذا بعث الانبياء كلهم بدعوة الخلق الي التوحيد) ولم يسمع منهم الا ذلك والمراد من التوحيد هنا عدم التشريك في الالوهية وخواصها كتدبير العالم واستحقاق العبادة وخلق الاجسام بدليل قوله (ليقولوا لا الع الا الله) ويشهدوا بذلك (وما أمروا أن يقولوا لنا اله وللعالم اله فان ذلك مجبول في فطرة عقولهم من بدء نشاتهم وفي عنفوان شبيبتهم) ثابتا مركوزا ثم استبدل علي هذا الاعتراف بدليل آخرمن القرآن فقال (ولذلك قال تعالي ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله وقال تعالي فأقم وجهك للدين حنيفا) مائلا عن ضلالتهم (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) ولكن أكثر الناس لا يعلمون (فاذا في فطرة الانسان أي ما ركز فيه من قوته علي معرفة التوحيد (وشواهد القرآن) التي تقدمت (ما يغني عن اقامة برهان) والبرهان هو الدليل القاطع فهو أحص من الدليل الواضح وقال الراغب البرهان أكد الادلة وهو ما يقتضي الصدق أبدا لا محالة ودلالة تقتضي الكذب أبدا ودلالة الي الصدق أقرب ودلالة الي الكذب أقرب ودلالة لهما علي السواء واختلفوا في نونه فقيل أصيلة وقيل زائدة وعلي الثاني اشنقاقه من البره وهو البياض سمي الدليل القاطع به لظهوره وسطوعه تخيلا لبياضه واضاءته ولذلك وصنعوه بالساطع ثم لما فرغ المصنف من البراهين النقلية علي اثبات وجوده تعالي شرع في بيان البرهان فقال (ولكنا علي سبيل الاستظهار) أي التقوية (والاقتداء بالعلماء النظار) من المتكلمين نرتب علي ذلك دليلا و(نقول من بديهة العقول) ترتيب اثبات وجود الواجب بمقدمتين احدهما العالم حادث الثانية (ان الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب) أي لا يستغني عن سبب يحدنه أي يرجح وجوده علي عدمه (أما قولنا بأن الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب) وهي المقدمة الثانية (فجلي) أي ضروري ومعلوم ان ما كان جليا ضروريا لا يستدل لاثباته وانما ينبه عليه وقد نبه عليه بقوله (فان كل حادث) وهو ما كان معدوما وما ثم وجد أي الممكن (مختص بوقت يجوز في العقل تقدير تقدمة وتأخره فاختصاصه بوقته دون ما قبلة وما بعده) من الاوقات (يفتقر بالضرورة الي مخصص) لان كلا من تقدمه علي ذلك الوقت وتأخره عنه ووقوعه فيه أمر ممكن فلا بد من مرجح لوقوعه في ذلك الوقت علي تقدمه يأخره لان الترجيح من غير مرجح محال ونقل ابن التلمساني في شرحه لمع الادلة ما نصه وقد يدعي بعض الاصحاب ان افتقار الترجيح الي مرجح ضروري والصحيح انه قريب من الضروري (وأما قولنا العالم حادث) وهي النقدمة الاولي والمراد هو ما سوي الله تعالي من الموجودات جواهر كانت أو عراضا فالجوهر ماله قيام بذاته بمعني انه لا يفتقر الي محل يقوم به والعرض ما يفتقر الي محل يقوم به وقد يعبر بعضهم بدل الجواهر بالاجسام وعليه جري المصنف وهما في اللغة بمعني وان كان @ الجسم أخص من الجوهر اصطلاحا لانه المؤلف من جوهر ين أو أكثر علي الخلاف في أقل ما يتركب منه الجسم علي ما بين في المطولات والجوهر يصدق بغير المؤلف وبالمؤلف اذا تقررذلك فاعلم أن المصنف قد اسادل كغيره لاثبات المقدمة الاولي بحدوث الاجسام المعبر بها عن الجواهر وفي ضمن ذلك حدوث الاعراض فانه اذا اثبت حدوث الاجسام ثبت حدوث الاعراض لا محالة لافتقارها في تحققها الي الاجسام (فبرهانه ان أجسام العالم لا تخلو عن الحركة والسكون) فالحركة هي الخروج من القوة الي الفعل تدريجا ويقال شغل حيز بعد ان كان في حيزآخر وقيل كونان في آنين في مكانين كما ان السكون كونان في آن في مكان واحد والحركة في الكم انتقال الجسم من كمية الي أخري كالنمو والذبول ولا تكون الا للجسم وفي الكيف كتسخين الماء أو تبرده وتسمي حركة استحالة وحركة الاين حركة الجسم من محل الي آخر وتسمي نقله وحركة الوضع هي المستديرة المتنقل بها الجسم من محل لآخر فان المتحرك بالاستدارة انما تبدل نسبة أجزاء مكانه غير خارج عنه والحركة العرضية ما يكون عروضها للجسم بواسطة عروضها للجسم بواسطة عروضها لآخر بالخقيقة كجالس السفينة والحركة الذاتية ما يكون عروضها لذات الجسم نقسه والحركة القسرية ما يكون مبدؤها بسبب ميل مستفاد من خارج كحجر مرمي الي فوق والحركة الارادية ما لا يكون مبدأها بسبب اخر خارج مقارن للشعور والارادة كحركة الحيوان بارادته والحركة الطبيهية ما لا يحصل بسبب أمر خارج وليس بشعور وارادة كحركة الحجر الي اسفل والسكون عدم الحركة عما من شأنه أن يتحرك فعدم الحركة عما من شأنه أن لايتحرك لا يكون سكونا فالموصوف بهذا لا يكون منحركا ولا ساكنا (وهما حادثان ومالا يخلو من الحوادث فهو حادث ففي هذا البرهان ثلاث دعاوي) جمع دعوي وهو قول يطلب به الانسان اثبات حق (الاول ان الاجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهذه) ظاهرة (مدركة بالبديهة والاضطرار فلا تحتاج الي تأمل وافتكار فان من عقل جسما لاساكنا ولا متحركا كان لمتن الجهل راكبا) أي سالكا طريق الجهالة (وعن نهج العقل) أي طريقه (ناكبا) أي معرضا وهذا السياق للمصنف مأخوذ من سياق شيخه امام الحرمين في الرسالة النظامية الدعوي (الثانية قولنا انهما حادثان) وقد استدل عليها المصنف بطريقتين أشار الي الاول منهما بقوله (يدل علي ذلك تعاقبهما) أي كون كل واحد منهما يعقب الآخر أي يخلفه في محله ذهابه (ووجود البعض منهما دون البعض) وانقضاؤهما أي ذهلب كل منهما عند وجود الآخر (وذلك) أي التعاقب والانقضاء (مشاهد في جميع الاحسام ومالم يشاهد) من الاجسام الاساكنا أو متحركا (فما من ساكن الا والعقل قاض بجواز حركته) كالجبال مثلا فالعقل قاض بجواز الحركة فيها بزازلة مثلا وكذا قاض عليها بقلبها ذهبا أو فضة أو نحاسا أة حديدا (وما من متحرك الا والعقل قاض يجواز شكونه فالطاريء منهما حادث بطريانه والسابق حادث لعدمه) أي تجويز ما ذكر من الحركة والقلب بجويز عروض الحوادث علي محلها ومحل الحوادث حادث ثم أشار الي الطريق الثاني في الاستدلال بقوله (لانه) أي السابق من الحركة والسكون (لو ثبت قدمه لاستحال عدمه) وتجويز طريان الضد علي محل هو تجويز العدم علي ضده الذي كان بذلك المحل أولا ضروؤة ان يتمتع عقلا اجتماعهما بمحل فالتجويز المذكور باعتبار النظر الي الضد الطاريء تجويز الطريان وبالنظر ال ضده هو تجويز العدم علي هذا الضد قال لبن أبي شريف في شرح المسايرة والاولي ان تجويز الطريان يستلزم تجويز العدم لا انه هو (علي ما سيأتي بيانه وبرهانه) في الاصل الثالث (في اثبات بقاء الصانع تعالي وتقدس) وان وجوده مقتضي ذاته فلا يختلف عنها الدعوي (الثالثة) وهي (قولنا ما لا يخلو عن الحوادث فهو محدث وبرهانه) انه (لو لم يكن كذلك لكان قبل كل حادث حوادث لا أول لها) مرتبة كما يقول الفلاسفة في دورات الافلاك أي حركاتها اليومية (ولو لم تنقض تلك بجملتها) أي ما لا أول له من الحوادث (لا تنتهي النوبه الي وجود الحادث @ الحاضر في الحال) لان الحركة اليومية المعنية مشروط وجودها بانقضاء ما قبلها وكذلك الحركة التي قبلها مشروطة بمثل ذلك وهلم جرا (وانقضاء ما لا نهايه له) ووقع في نسخ المسايرة ما لا أول له بدل مالا نهاية له (محال) لانك اذا لاحظت الحادث الحاضر ثم انتقلت الي قلبه فلاحظته وهلم جرا علي الترتيب لم تفض الي نهاية ودخول ما لا نهاية له من الحوادث في الوجود محال وان لم يكن عدم افضائك الي نهاية لكان لتلك الحوادث أول وهو خلاف المفروض ثم شرع في الرد علي الفلاسفة القائلين يكون قبل كل حادث حوادث لا أول لها فقال (ولاته لو كان للفلك دوران لا نهاية له لكان لا يخلو عددها عن أن يكون شفعاو وترا جميعا) أي زوجا وفردا (أو لا شفعا ولا وترا ومحال أن يكون شفعا ووترا جميعا أو لا شفعا ولا وترا فان ذلك جمع بين النفي والاثبات) وهما ضدان (اذفي اثبات أحدهما نفي الآخر وفي نفي أحدهما اثبات الآخر ومحال أن يكون شفعا) فقط (لان الشفع يكون وترا بزيادة واحد) أي اذ انهم علي العدد المشفوع آخر صار باعتبار ذلك وترا (فكيف يعوز ما لا نهاية له واحد) وفي نسخة يعوزها واحد (مع انه لا نهاية لاعدادها فحصل من هذا ان العالم لا يخلو من الحوادث فهو اذا حادث) أي حصل مما قرر أولا ان وجود الحادث الحاضر محال لانه لازم للمحال وهو وجود حوادث لا أول لها فلا نتفاء وجود حوادث لا أول لها انتفي ملزومه وهو كون ما لا يخلو من الحوادث قديما فثبت نقيضة وهو ما لا يخلو عن الحوادث حادث (واذا ثبت حدوثه كان افتقاره الي المحدث) أي الموجد (من المدركات بالضرورة) كما قدمه في صدر الاستدلال وذ لك الموجد هو الله سبحانه المقصود بالاسم الذي هو الله فالله اسم للذات الواجب الواجب الوجود الستجمع لجميع صفات الكمال الذي استند اليه ايجاد كل موجود وقال امام الحرمين شيخ المصنف في لمع الادلة حدوث الجواهر بني غلي أصول منها اثبات حدوثها ومنها استحالة تعري الجواهر منها ومنها اثبات استحالة حوادث لا أول لها ومنها ان ما لا يسبق الحوادث حادث ثم بين ذلك في أصول الي أن قال وأما ايضاح استحالة حوادث لا أول لها فالدليل علي ذلك ان دورات الافلاك تتعاقب وتقع كل دورة علي اثر انقضاء التي قبلها فلو انقضي قبل الدورة التي نحن فيها دورات لا نهاية لاعدادها ولا غاية لآحادها لكان ذلك مؤذنا بانتهاء ما لا نهاية لها اذ ما لا يحصره عدد ولا يضبطه حد لا يتقرر في العقول انقضاؤه ولا يتحقق في الاوهام انتهاؤه فلما انقضت الدورات التي قبل الدورة الناخرة دل ذلك علي نهاية اعدادها واذا تناهت الي أول ويطرد هذا الدليل في جملة المتعاقبات كالاولاد والوالدين والبذر والزرع ونحوها فاذا ثبتت هذه المقدمات ترتب عليها استحالة خلو الجواهر من الحوادث المستندة الي أول وما لايخلو عن الحوادث لا يسبقها وما لا يسبق الحوادث حادث علي اضطرار من غير حاجة الي نظر واعتبار أه وقال شارحه شرف الدين بن التلمساني اعلم أن هذه الحجة الزامية لا برهانية فانا لا يمكننا الاحتجاج بها علي صحة مذهبنا ابتداء فانها تطرأ في نعيم الجنان فانه يمكن أن تقنطع منه عشر دورات مثلا ثم تطابق نا بين الجملتين ويطرد الدليل الي آخره ولانا نقول ان عمله تعالي يتعلق بما لا نهايه له وكذلك ارادته وقدرته وقدرته ومتعلقات العلم أكثر من متعلقات القدرة والارادة مع ان متعلقات العلم بعضها أكثر من بعض وكذلك تضعيف الا آحاد والعشرات والمئات والالوف كل مرنبة منها لا تناهي مع تطرق الزيادة والنقصان والاقل والاكثر وأما قوله فاذاثبتت هذه المقدمات الخ فواضح الا انه يرد عليه انه ادعي حدوث العالم وفسر العالم بكل موجود سوي الله تعالي واستدل علي حدوث الجواهر والاعراض ولا تتم دعواه ما لم يبين انحصلر العالم فيها فان الخصم يدعي وجود جواهر عقلية ممكنة في نفسها واجبه بغيرها يسميها عقولا ونفوسا ملكية ويثبتها وسائط ومعدات ولم يقم دليلا علي ابطالها والجواب من وجهين أحدهما أن القائل قائلا أحدهما يقول بالايجاب @ الذاتي الذاتى وندم الاجسام واثبات الوسائط المذكورة وهو الفيلسوف والآخر يقول بحدوث الاجسام ونفي الايجاب الذاتي ونفي الوسائط وهم الموحدون وقد أقام الدليل علي حدوث الاجسام بالاخبار فلزم نفي الايجاب الذاتي والوسائط المذكورة اذ لاقائل بالفصل الثاني أن تلك العقول والنفوس المجردة لا تخلو اما أن تكون متناهية أو غير متناهية فان كانت غير متناهية لزم أن يدخل الوجود من الممكنات مالا نهاية له وقد أبطلناه وفي ضمنه اثبات علل ومعلولات لا تتناهي وهم يأبونه وان كانت متناهية محصورة في عدم لزم افتقار ذلك إلي مخصص والمخصص لا يخلوا ما أن يكون موجبا بالذات أو فاعلا بالاختبار والموجب بالذات لا يخصص مثلا علي مثل ونسبته إلي ما زاد علي ذلك العدد وإلي ما دونه نسبة واحدة وان خصص ذلك بإيجاده واختياره فكل واقع حادث إذ الفاعل المختار لا بد أن يقصد إلي إيجاد فعله والقصد إلي إيجاد الموجود محال فلا بد أن يسبق عدمه وجوده ليصحح القصد إلي إيجاده فيكون حادثا إلي هنا كلام ابن التلمساني ثم قال امام الحرمين إذا ثبتت الحوادث فهي جائزة الوجود إذ يجوز تقدير وجودها ويجوز تقدير استمرار العدم بدلا من الوجود فإذا اختصت بالوجود الممكن افتقرت إلي مخصص ثم يستحيل أن يكون المخصص طبيعة عند مثبتيها لا اختيار لها وهي موجبة آثارها عند ارتفاع الموانع وانقطاع الدوافع فإن كانت الطبيعة قديمة لزم قدم آثارها وقد وضح حدوث العالم وأن كانت حادثة افتقرت إلي محدث ثم الكلام في محدثها كالكلام فيها وينساق هذا الكلام إلي اثبات حوادث لا أول لها وقد تبين بطلان ذلك فوضح أن مخصص العالم صانع مختار موصوف بالاختيار والاقتدار ا ه قال ابن التلمساني هذا الفصل اشتمل علي ثلاثة أمور الاول احتياج العالم إلي محدث ومقتض والثاني تقسيم المقتضي إلي ثلاثة فاعل بالاختيار وموجب الذات ومقتض بالطبع والثالث ابطال العلة والطبيعة ليتعين أنه فاعل مختار أما الاول فاحتج عليه بان وجود العالم في الوقت المعين مع جواز أن يتقدم علي زمن وجوده بأوقات أو يتأخر عنه بساعات يفتقر إلي مخصص لامتناع ترجح الممكن بنفسه لان كل ما ليس له الترجح من نفسه فترجحه من غيره الثاني وهو تقسيم المقتضي إلي ثلاث أمور فلان كل مقتض لا يخلوا ما أن يصحح منه الامتناع من الفعل أولا فإن صح فهو الفاعل المختار وأن لم يصح فلا يخلوا ما أن يتوقف اقتضاؤه علي شرط وانتفاء مانع أولا فإن توقف فهو الطبيعة وان لم يتوقف فهو العلة وأما الثالث وهو ابطال كون المقتضي لتخصيص العالم علة فلان العلة لا تخلو أما أن يكون معها مانع في الازل أولا فإن كان معها مانع في الازل وجب أن يكون قديما وإذا كان قديما استحال عليه العدم فوجب أن لا يوجد مقتضاها وقد وجد هذا خلف وان لم يكن معها مانع في الازل وجب حصول مقتضاها أزلا فيلزم قدم العالم وقد أقمنا الدليل علي حدوثه ا ه وقال شيخ مشايخنا أبو الحسن الطولوني في املائه علي البخاري اعلم أن لفظ الوجود مشترك بين الواجب والممكن والفرق بينهما أن الله سبحانه وتعالي واجب الوجود لذاته وما سواه ممكن الوجود فالله تعالي موجود واجب الوجود فلو قال قائل ما الدليل علي وجوده تعالي يقال حدوث هذا العالم فإنه موجود وله حقائق ثابتة مشاهدة وانه منحصر في جواهر واعراض فلو قال القائل ما الدليل علي حدوثه يقال مشاهدة تغيره فإن كل متغير حادث وتغيره من حركة إلي سكون من سكون إلي حركة مشاهد لكل أحد وملازم الحادث حادث فلو لم يكن له محدث بل حدث بنفسه لزم أن يكون أحد الامرين المتساويين راجحا علي مساويه بلا سبب وهو محال فدل علي أن الذي رجح جانب الوجود بعد العدم وأحدث هذا العالم @ هو الله سبحانه وتعالي ويستحيل أن يكون الحادث وهو الذي ممكن الوجود موجودا ويكون الذي أوجده بعد أن لم يكن شيئا ليس بموجود بل هو موجود واجب الوجود ا ه وقال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب اعلم أن حكم الجواهر والاعراض كلها الحدوث فإذا العالم كله حادث وعلي هذا اجماع المسلمين بل كل الملل ومن خالف في ذلك فهو كافر لمخالفة الاجماع القطعي وهذا المطلب مما يكفي السمع لعدم توقفه عليه لحصول العلم بوجود الصانع بامكان العالم وامكانه ضروري ثم أقام البرهان علي حدوث الجوهر وأن الجوهر لا يخلو عن عرض والعرض حادث فالجوهر لا يخلو عن الحادث ومالا يخلو عن الحادث لا يسبقه إذ لو سبقه لخلا عنه وما لايسبق الحادث حادث فالجوهر حادث قال وهو أشهر حجج أهل النظر العقلي قال وقد يقال علي وجه أخص وأتم وهو أن كل ما سوي الواجب ممكن وكل ممكن حادث فالعالم حادث أما المقدمة الاولي فظاهرة وأما الثانية فلان الممكن يحتاج في وجوده إلي موجد والموجد لا يمكن أن يوجد حال وجوده وإلا لكان إيجادا للموجد وهو محال فيلزم أن يوجد حال لا وجوده فيكون وجوده مسبوقا بعدمه وذلك حدوثه وهو المطلوب قال وأما أهل الحديث فقد ثبت عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال كان الله ولا شئ قبله وفي طريق ولا شئ غيره وفي طريق ولا شئ معه وقد ثبت الاجماع بل اجماع الكتب السماوية كلها كما نقله الفخر في شرح عيون الحكمة وجعل العمدة في هذه المسئلة الاجماع قال وأما طريق الصوفي فيقول بما تقدم ثم يقول بلسان التنبيه مشيرا إلي ما يخصه من وجود كل شئ له اعتبار أن اعتبار من حيث صورة ذاته واعتبار من حيث صورة العلم به فالصورة الاولي صورة عينية والثانية صورة عملية واعتبر نفسك فإنك تجد الآثار التي تبدو عنك لها صورتان صورتها العلمية من حيث أنها في ذهنك وصورتها العينية وهو ما بدا عنك مطابقا لعملك فالاشياء أما من حيث صورتها العينية فحادثة قطعا وذلك هو وجودنا الذي يدرك منه وفيه تعيننا وهذا يجده كل مدرك عاقل من نفسه والعالم كله متماثل ولا تفاوت فيه وقد ارتفع النزاع في ذلك قال الله تعالي ما نري في خلق الرحمن من تفاوت وقال أن كل من في السموات والارض إلا آتي الرحمن عبدا وقال عليه السلام اللهم ربي ورب كل شئ أنا شهيد أن العباد كلهم أخوة وأما من حيث صورتها العلمية أعني علم الله بها فذلك غيب عنا والله أعلم بغيبه فهذا ما نبه عليه الصوفي وغايته الرجوع إلي العجز الذي هو كمال الإدراك والتسليم لما في علم الله من حيث علم الله ومن فهم هذا التنبيه فهم المسئلة الصعبة التي أشار إليها الشيخ ابن عطاء الله في أول التنوير ا ه * (تنبيه) * جعل الوجود صفة ظاهر علي القول بأنه زائد علي الذات وهو الذي عليه الفخر والجمهور وأما علي القول بأنه عين الذات مطلقا كما عليه الاشعري فجعله صفة للذات نظرا إلي أنها يوصف بها في اللفظ فيقال ذات الله موجودة وقال السبكي اختلفوا في أن وجود الشئ هل هو عين ذاته أو زائد عليه أو الفرق بين الواجب والممكن ثالثها أن كان واجبا فهو عين ذاته ورابعها لاصحاب الاحوال أنه صفة نفسية في الواجب ليس عينه ولا غيره ومذهب أبي الحسن الاشعري أنه عينه مطلقا ا ه وفي شرح جمع الجوامع والاصح أن وجود الشئ في الخارج واجبا كان وهو الله أو ممكنا وهو الخلق عينه أى ليس زائدا عليه وقال كثير من المتكلمين غيره أى زائد عليه بأن يقوم الوجود بالشئ من حيث هو أى من غير اعتبار الوجود والعدم وان لم يخل منهما ذات وقال الحكماء أنه عينه في الواجب غيره في الممكن فعلي الاصح المعدوم الممكن الوجود ليس في الخارج وانما يتحقق بوجوده فيه وكذا علي القول الآخر عند أكثر القائلين به وذهب كثير من المعتزلة إلي أنه شئ أى حقيقة متقررة * (تنميم) * الموجودات أربعة أقسام موجود لا أول له ولا آخر له وهو مولانا جل وعز وموجود له أول وآخر وهو ما سواه من عالم الدنيا وموجود له أول وليس له آخر وهو عالم الآخرة @ وموجود له آخر وليس له أول وهو عدم العالم المنقطع بوجوده (الاصل الثاني) لما فرغ من ذكر الصفة النفسية التي هي الوجود من جملة الصفات العشرين وهو القسم الاول شرع في ذكر الصفات السلبية فأشار إلي أولها وهو القدم بقوله (العلم بان الباري تعالي قديم لم يزل) وأما بقية صفات السلب التي ذكرها المتأخرون ولا في كتبهم وهي البقاء ومخالفته للحوادث وقيام بنفسه والوحدانية فأنها تؤخذ من سياق المصنف علي طريقة المتقدمين مفرقة علي طريق التلويح والإشارة من غير ترتيب ثم القدم هي صفة سلبية علي الأصح أى ليست بمعني موجود في نفسه كالعلم مثلا وإنما هي عبارة عن سلب العدم السابق علي الوجود وان شئت قلت وهو عبارة عن سلب الاولية للوجود وان شئت قلت هو عبارة عن سلب الافتتاح للوجود والثلاثة بمعني واحد هذا معني القدم في حقه تعالي وفي حق صفاته ويطلق القدم علي معني آخر وهو توالي الازمنة علي الشئ وان كان محدثا ومنه قوله تعالي حتي عاد كالعرجون القديم وهذا المعني محال في حقه سبحانه وتعالي لان وجوده جل وعز لا يتقيد بزمان ولا مكان لحدوث كل منهما فلا يتقيد بواحد منهما إلا ما هو حادث وهل يجوز أن يتلفظ بالقديم في حقه تعالي فمن راعي معناه جوزه ومن راعي كونه لم يرو نصا منع لان الاسماء توقيفية ومنهم من أورده فيه نصا من السنة فعلي هذا يصح وقد أشرنا إلي ذلك في الفصل الاول فراجعه ودل عليه من القرآن قوله تعالي وما نحن بمسبوقين (أزلي) نسبة إلي الازل وهو القديم كما في الصحاح والتهذيب فهو حينئذ بمعني القديم وقيل منسوب إلي لم يزل قاله الزمخشري وتقدم البحث فيه في الفصل الاول (ليس لوجوده أول بل هو الاول قبل كل شئ وقبل كل ميت وحي) أى لم يسبق وجوده عدم يعني ان القدم في حقه تعالي بمعني الازلية التي هي كون وجوده غير مستفتح قال المصنف في الاقتصاد ليس تحت لفظ القديم يعني في حق الله تعالي سوي اثبات موجود ونفي عدم سابق فلا تظنن أن القدم معني زائد علي ذات القديم فيلزمك أن تقول ذلك المعني أيضا قديم بقدم زائد عليه وتسلسل إلي غير نهاية ا ه وقال أبو منصور والتميمي اختلف المتكلمون فيما يجوز اطلاق وصف القديم عليه تعالي وفي معناه علي أربعة مذاهب وكان شيخنا الاشعرى يقول ان معناه المتقدم فى وجود مايكون بعده والتقدم نوعان تقدم بلا ابتداء كنقدمه تعالى وصفاته القائمة بذاته على الحوادث كلها وتقدم بغاية كتقدم بعض الحوادث على بعض وأجاز اطللاق وصف القديم عليه تعالى وعلى صفاته الازلية وقال ان القديم قديم لنفسه لالمعنى يقوم به فلا ننكر وصف صفاته الازلية بهذا الوصف كما لم ننكر وصفها بالوجود اذ كان موجودا لنفسه وقال عبد الله بن سعيد وأبو العباس لقلانسى ان القديم قديم بمعنى يقوم به هؤلاء يقولون انه تعالى قديم لمعنى قائم به ويقولون ان صفاته قائمة به موجودة أزلية ولا يقال انها قديمة ولا محدثة وزعم معمر وأتباعه من المعتزلة الحق ان الله لا يوصف بانه قديم ولا بانه كان عالما فى الازل بنفسه لان من شرط المعلوم عند أن يكون غير العالم ونفسه ليس لغيره وزعم الباقون من القدرية أن القديم هو الاله ونفوا صفاته الازلية وقالوا لو كانت الصفات أزلية لشاركته فى القدم ولوجب أن تكون الهة لان الاشتراك فى القدم يوجب التماثل وقد بينا فى أول الكتاب أن الاشتراك فى القدم لايوجب تماثلا كما أن الاشتراك فى صفة الحدوث لا يوجب تماثلا اه وقال البكى اعلم أن الاشاعرة اختلفوا فى صفة القدم فنقل عن الشيخ انها صفات المعانى وهو قول عبد الله سعيد وقيل من الصفات النفسية واليه رجع الشيخ والحق انها من الصفات السلبية فلا يكون من الصفات النفسية ولا المعنوية اذ السلب داخل فى مفهومه اذ القدم هو عدم سبقية العدم على الوجود وقد تقدم ذلك اه قال المصنف (وبرهانه انه لو كان حادثا ولم يكن قديما لا متقر) أى احتاج (الى محدث) وبيانه انه لو لم يكن قديما لكان حادثا لوجوب انحصار كل موجود فى القدم والحدوث فمهما انتفى أحدهما تعين @ الاخر والحدوث على الله عز وجل مستحيل لانه يستلزم له محدث لما تقدم فى حدوث العالم ان كل حادث لابد له من محدث فينقل الكلام الى ذلك المحدث فان كان قديما فهو المراد بمسمة كلمة الجلالة وان لم يكن قديما كان حادثا (وافتقر محدثه الى محدث ويتسلسل ذلك الى غير نهاية وما تسلسل) لا الى نهاية (لم يتحصل) أى ان تسلسل هكذا لزم عدم حصول حادث منها أصلا لما سبق أن المحال وهو وجود حوادث لا أول لها يستلزم استحالة وجود الحادث الحاضر وأيضا فان التسلسل يؤدى الى فراغ مالا نهاية له وذلك لا يعقل وان كان الامر ينتهى الى عدد متناه فيلزم الدور وهو محال ايضا لانه يلزم عليه تقدم الشئ على نفسه وتأخره عنها فاذا كان الحدوث يؤدى الى الدور أو التسلسل المحالين لزم أن يكون محالا (أو ينتهى الى محدث قديم هو الاول) وهو مسمى كلمة الجلالة (وذلك هو المطلوب الذى سميناه صانع العالم وبارئه ومحدثه ومبدئه) على غير مثال سابق قال ابن الهمام فى المسايرة وتلميذه ابن أبى شريف فى شرحه بل اللزوم هنا بطريق أولى من الطريق الذى ذكر فى استلزام حوادث لا أول لها استحالة وجود الحادث الحاضر لان هذا الترتيب على أى ترتيب معلول على علة فكل مرتبة من مراتبه علة لوجود مايليها غير أن ايجاد كل للاخر الذى يليه بالاختيار كما ينبه عليه قولهم افتقر الى محدث قال الشارح وهذا الاستدراك للتنبيه على أن قولنا على ليس على طريقة الفلاسفة وهو أن العلة توجب المعلول وذلك أى الطريق المذكور فى حوادث لا أول لها لم يفرض فيه غير ترتب تلك الحوادث فى الوجود دون تعرض لكون كل منها علة لوجود مايليه لكن حصول الحوادث ثابت ضرورة بالحس والعقل فيجب أن ينتهى حصولها فى الوجود الى موجد لا أول له ولا يراد بالاسم الذى هو الله الا ذلك وقال امام الحرمين فى الارشاد فان قيل اثبات موجد لا أول له اثبات أوقات متعاقبة لا نهاية لها اذ لا يعقل استمرار وجود الا فى أوقات وذلك يؤدى الى اثبات حوادث لا أول لها وقد تبين بطلانها قلنا هذا زلل ممن ظنه فان الاوقات يعبر بها عن موجودات تقارن موجودا وكل موجود أضيف الى مقارنة موجود فهو وقته المستمر فى العادات التعبير بالاوقات عن حركات الفلك وتعاقب الجديدين فاذا تبين ذلك فى معنى الوقت فليس من شرط وجود الشئ أن يفارقه موجود اخر اذا لم يتعلق أحدهما بالثانى فى قضية عقلية ولو افتقر كل موجود الى وقت وقدرت الاوقات موجودة لافتقرت الى أوقات وذلك يجزالى جهالات لا ينتحلها عاقل فالبارى تعالى قبل حدوث الحوادث منفرد بوجوده وصفاته لا يقارن حادث اه وهذا الذى ذكره امام الحرمين قد زاده وضوحا ابن التلمسانى فى شرح اللمع لامام الحرمين فقال مانصه فان قيل القبول بالقدم يلزم منه وجود أزمنة لانهاية لها اذ لا يعقل استمرار وجود وبقاؤه الا بزمان وأنتم لا تقولون به قلنا الزمان يطلق باعتبارات ثلاث وكلما منتفية بالنسبة الى البارى تعالى الاول الاطلاق العرفى وهو مرور الليالى والايام وذلك تابع لحركات الافلاك وقد أفنا الدليل على حدوث العالم فقد كان الله ولا زمان بهذا الاعتبار وكان الله ولا شئ معه الثانى مااصطلح عليه المتكلمون وهو مقارنة متحدد لمتحدد توقيتا للمجهول بالمعلوم وذلك يختلف بالنسبة الى السامع فنقول ولد النبى صلى الله عليه وسلم عام الفيل فتجعله وقتا لمولده صلى الله عليه وسلم فنوقته بمولده صلى الله عليه وسلم لمن يعلمه ولا يعلم عام الفيل فهو أمر مرضى وذلك لا يتحقق فى الازل أو لا يتجدد فى الازل ويطلق فى اصطلاح الحكماء على أمر حركة الفلك وهو تابع لحركات الافلاك فلا يكون أزليا فبأى معنى فسر الزمان لا يكون أزليا اه ثم هذا الذى ذكره المصنف من الاستدلال على قدم البارى تعالى هو المشهور بين المتكلمين وهو الذى اقتصر عليه الجماهير من المتقدمين وزاد بعضهم فقال ودليل ثان وهو انه تعالى واجب لذاته والواجب لذاته لا يقبل الانتفاء @ بحال فيلزم قدمه وبقاؤه قاله ابن التلمسانى واقتصر على هذا الدليل السبكى فى شرح عقيدة ابن الحاجب وقرره بما نصه صانع العالم واجب الوجود وكل واجب الوجود فوجوده من ذاته وكل ماهو موجود من ذاته فعدمه محال وكل ماعدمه محال لم يمكن عدمه قط وكل مالا يمكن عدمه قط فهو قديم فصانع العالم قديم وبالجملة فالقدم من اللوازم البينة لذ أن الواجب وثبوت مستلزم المستلزم مستلزم لثبوت اللازم اه وهذا كقولهم مساوى المساوى مساو وأما دليل قدمه تعالى عند المدث فيقول قال تعالى لم يلد ولم يولد وقال تعال هو الاول وقال صلى الله عليه وسلم أنت الاول فليس قبلك شئ وأنت الاخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ الحديث أخرجه أبو دواود والترمذى فلو لم يكن قديما لكان حادثا ولو كان حادثا لكان قبله شئ وأما الصوفى فانه يقول كل قضية بديهية فلوازمها البينة بيديهية وهذا لازم بين لثبوت الوجود الذاتى اذ كلما تصور القدم ووجود الواجب لزم جزم العقل بوجوبهما * (تنبيه) * قال شيخ مشايخنا فى املائه اعلم أن القديم أخص من الازلى لان القديم موجود لا ابتداء لوجوده والازلى مالا ابتداء لوجوده وجوديا كان أو عدميا فكل قديم أزلى ولا عكس ويفترقان أيضا من جهة أن القديم يستحيل أن يلحقه تغير أو زوال بخلاف الازلى الذى ليس بقديم كعدم الحوادث المنقطع بوجوده * (تكميل) * قال ابن جامة التقدم خمسة الاول بالعلة كحرجكة الاصبع على الخاتم الثانى بالذات كالواحد على الاثنين والثالث بالشرف كأبى بكر على عمر والرابع بالرتبة كالجنس على النوع والخامس بالمكان كالامام على المأموم (الاصل الثالث العلم بانه تعالى مع كونه أزليا) كونه (أبديا) أى (ليس لوجوده اخر) أى يستحيل أن يلحقه عدم وهذه الصفة هى الصفة الثانية من الصفات السلبية على الاصح المعبر عنها بالبقاء وهو عبارة عن سلب الانقضائية للوجود والثلاثة بمعنى واحد هذا معنى البقاء فى حقه تعالى وحق صفاته ويطلق البقاء بمعنى اخر وهو مقارنة الوجود لزمانين فصاعدا وهذا محال فى حقه تعالى لما عرفت من استحالة تقييد وجوده بالزمان وقال أبو منصور التميمى اختلف أصحابنا فى معنى الباقى وحقيقته فمن قال منهم ان الباقى ما قام به البقاء امتنع من وصف صفات الله تعالى القديمة بذاته بانها باقية وقال انها موجودة أزلية قائمة بالله عز وجل ولا يقال فيها انها باقية ولا فانية هذا قول عبد الله بن سعيد وأبى العباس القلانسى ومن قال ان الباقى ماله بقاء ولم يشرط قيام البقاء به كما ذهب اليه أبو الحسن الاشعرى فانه يقول ان الصفات الازلية القائمة بالله باقية دائمة واختلف أصحابه فى كيفية وصفها بالبقاء فمنهم من قال كل صفة منها باقية لنفسها ونفسها بقاء لها وبقاؤه بقاء لنفسه وهذا اختيار أبى اسحق الاسفراينى ومنهم من قال بقاء البارى بقاء لنفسه ولسائر صفاته الازلية وهذا اختيار أبى بكر محمد بن الحسن بن فورك وبه نقول اه ثم اشار المصنف الى دليله النقلى فقال (فهو الاول) وهو دليل كونه أزليا (والاخر) وهو دليل كونه أبديا (والظاهر والباطن) وهو فى كتابه العزيز وجاء بمثله فى الحديث الذى أخرجه أبو داود والترمذى كما تقدم وهذا هو دليل المحدث أيضا وأما الصوفى فدليله فى الابدية كدليله فى الازلية (لان ماثبت قدمه استحال عدمه) وهذا القول مبنى على المشهور من أن القديم أخص من الازلى كما تقدم بيانه قال شيخ مشايخنا فليست الاعدام أزلية قديمة حتى يرد ما قاله ابن التلمسانى من أن الاعدام الازلية قديمة ولم يستحل عدمها فيما لا يزال لانعدامها بالوجود ويمكن أن يجاب على تسليم الترادف بان ما عبارة عن موجود فلا تدخل الاعدام ثم شرع فى ذكر الدليل العقلى فقال (وبرهانه انه لو انعدم لكان لا يخلو اما أن ينعدم بنفسه) بان يكون انعدامه أثرا لقدرته (أو) ينعدم (بمعدم يضاده) فيمتنع وجوده معه قال ابن أبى شريف وسكت عن المثل والخلاف لانه @ لا يتوهم صلاحيتها لغلبة انعدام المثل والخلاف (و) انعدامه بنفسه باطل (لانه لو جاز أن ينعدم شئ يتصور دوامه بنفسه لجاز أن يوجد شئ بنفسه فكما يحتاج طربان الوجود الى سبب فكذلك يحتاج طربان العدم الى سبوقرره ابن الهمام بوجه اخر فقال لانه لما ثبت انه الموجد الذى استندت اليه كل الموجودات ثبت عدم استناد وجوده الى غيره فيلزم أن يكون وجوده له من نفسه أى اقتضت ذاته المقدسة اقتضاء تاما فاذا ثبت أن وجوده مقضى ذاته المقدسة استحال أن تؤثر ذاته عدمها لان ما بالذات أى ما تقتضيه الذات اقتضاء تاما لا يتخلف عنها اه وقد تختصر العبارة عن ذلك فيقال لانه واجب الوجود لا يقبل الانتفاء بحال فيلزم بقاؤه كما يلزم قدمه واليه أشار ابن التلمسانى ومنهم من قال فى برهان بقائه تعالى انه لو لحقه العدم لزم أن يكون من جملة الممكنات التى يجوز عليها الوجود والعدم وكل ممكن لا يكون وجوده الا حادثا تعالى الله عن ذلك ويلزم الدور أو التسلسل فتبين ان وجوب القدم يستلزم وجوب البقاء وهو المطلوب (وباطل) أيضا (أن ينعدم بمعدم يضاده لان ذلك المعدم) أى الضد المقتضى نفسه اما قديم أو حادث لا يجوز الاول لانه (لو كان قديما لما تصورالوجود معه) أى لزم انتفاء وجود البارى تعالى مع ذلك الضد من الابتداء أصلا لان التضاد يمنع الاجتماع بين الشيئين اللذين اتصفا به (وقد ظهر بالاصلين السابقين) الاول والثانى (وجوده) تعالى بنفسه (وقدمه) أزلا (فكيف كان وجوده فى القدم ومعه ضده) أى هذا محال لما مر من أن التضاد يمنع الاجتماع (فان كان الضد المعدم حادثا كان محالا) أى ولا يجوز الثانى أيضا وهو كون الضد حادثا (اذ ليس الحادث فى مضادته) أى باعتبار مضادته القديم (حتى يقطع) أى بحيث يقطع الحادث (وجوده) أى وجود ضده القديم (بأولى من القديم فى مضادته للحادث حتى يدفع) أى بحيث يدفع القديم (وجوده) أى وجود ضده الحادث (بل) القديم أولى بدفع وجود ضده من الحادث فى قطع وجود ضده القديم ورفعه لان (الدفع اهون من القطع والقديم أقوى من الحادث) وقرر هذا البرهان ابن التلمسانى فى شرح اللمع بأبسط من ذلك فقال عدم الشئ متى كان جائزا قديما يكون معدوما لانتفاء مايوجده او لوجود ما ينفيه وكل ما يتوقف وجوده عليه فهو شرط فى وجوده فلو انعدم لعدم ذلك لم يخل ذلك اما أن يكون حادثا أو قديما ولا جائز أن يكون القديم مشروطا بشرط حادث لما فيه من تقدم المشروط على الشرط وان كان قديما فالقول فى عدمه كالقول فى عدم المشروط ويتسلسل وان فرض عدمه لوجود ما ينفيه فلا يخلو ذلك من المعدم اما أن يعدمه بذاته أو بايثاره واختياره فان أعدمه بذاته فلا يخلو اما أن يعدمه بطريق التضاد فان التضاد مفعول واحد من الجانبين فليس اعدام الطارئ الحاصل لما فاته له بأولى من منع الحاصل الطارئ أولا بطريق التضاد لا جائز أن يعدمه بطريق التضاد فان التضاد مفعول واحد من الجانبين فليس اعدام الطارئ الحاصل لما فاته له بأولى من منع الحاصل الطارئ اولا بطريق التضاد لا جائز ان يعدمه بطريق التضاد فان أعدمه لا بطريق التضاد فلا يخلو اما أن يقوم به اولا فان قام به وهو مقتض لعدمه لزم أن يجامع وجوده عدمه فانه من حيث كونه محلا يستدعى أن يكون حاصلا موجودا ومن حيث كونه أثرا يستدعى أن يكون معدوما وان لم يقم به فنسبته اليه والى غيره نسبة واحدة فليس اعدامه بأولى من اعدامه بغيره وان أعدمه بايثاره واختياره فالمؤثر المختار لابد له من فعل والعدم لاشئ ومن فعل لا شئ لم يفعل شيأ ولان المعدم له ايضا اما أن يكون نفسه او غيره لا جائز أن يعدم نفسه ضرورة وجود الفاعل حال وجود فعله فيجامع وجوده عدمه ولا جائز أن يعدمه غيره لقيام الدليل على وحدانيته وقد قيل ان العقلاء لم يتفقوا على مسئلة نظرية الا هذة المسئلة وهو أن القديم لا يعدم (الاصل الرابع العلم بانه تعالى ليس بجوهر يتحيز) أى يختص بالكون فى الحيز خلافا للنصارى وقوله يتحيز صفة كاشفة لا مخصصة لان من شأن الجوهر الاختصاص بحيزه وحيز الجوهر عند المتكلمين هو الفراغ المتوهم الذى يشغله الجوهر (بل يتعالى ويتقدس عن مناسبة الحيز وبرهانه ان كل جوهر @ متحيز فهو مختص بحيزه ولا يخلو من أن يكون ساكنا فيه) أى فى ذلك الحيز (أو متحركا عنه) لانه لا ينفك عن أحدهما (فلا يخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان) لما عرفته فيما سبق فكان لا يخلو عن الحوادث (ومالا يخلو عن الحوادث فهو حادث) والحكم بحدوثه ثابت بما قدمناه فى الاصل الاول من الدليل وقد علم من استحالة كونه تعالى جوهر استحالة لوازم الجوهر عليه تعالى من التحيز ولوازمه كالجهة وسيأتى بيان ذلك فى أصل مستقل (ولو تصور جوهر متحيز قديم لكان يعقل قدم جواهر العالم) وهو باطل (فان سماه مسم جوهرا ولم يرد به المتحيز) أى قال لا كالجواهر فى التحيز ولوازمه من اثبات الجهة والاحاطة ونحوهما (كان مخطئا من حيث اللفظ لا من حيث المعنى) لمثل ما سيأتى فى اطلاق الجسم اذ لم يرد اطلاق لفظ الجوهرعليه تعالى لا لغة ولا شرعا وفى اطلاقه ايهام نقص تعالى لله أن يتطرق اليه نقص فان الجوهر يطلق على الجزء الذى لا يتجزأ وهو احقر الاشياء مقدارا قال النسفى فى شرح العمدة وقالت النصارى وابن كرام يجوز اطلاقه على الله تعالى لانه اسم للقائم بالذات والله تعالى قائم بالذات فيكون جوهرا قلنا الجوهر فى اللغة عبارة عن الاصل وسمى الجزء الذى لا يتجزأ جوهرا لانه أصل المركبات والله تعالى ليس بأصل للمركبات فلم يكن جوهرا ولان الجوهر هو المتحيز الذى لا ينقسم ولا يخلو عن الحركة والسكون فيكون حادثا لما مر ولفظ الجوهر لا ينبئ عن القائم بالذات لغة بل ينبئ عن الاصل وتحديد اللفظ بما لا ينبئ عنه لغة واخراج ما ينبئ عن لغة عن كونه جداله جهل فاحش اه وقال البكى اعلم أن الجوهر على اصطلاح المتكلمين هو المتحيز القائم بنفسه وعلى اصطلاح غيرهم هو الموجود لا فى موضوع والموضوع هو الجسم فهو تعالى ليس بجسم ولا جوهر على الاصطلاح الاول لضرورة افتقار الجوهر الى الحيز ولا على الثانى والا لكان وجوده زائدا على ذاته فيكون ممكنا ضرورة لان المعنى من قولهم الموجود لا فى موضوع أى الذى اذا وجد كان لا فى موضوع وذلك يقتضى الزيادة قطعا وكل من وجوده زائد فهو ممكن كما علم فى محله وأيضا فان ذلك التفسير للجوهر الذى هو أحد أقسام الممكن ضرورة ان الممكن جوهر جوهر وغير جوهر وأما من فسر الجوهر بانه قائم بنفسه كالنصارى فلا نزاع الا فى الاطلاق اذ الاطلاق موقوف على التوقيف ولم يرد فى ذلك توقيف اه (الاصل الخامس العلم بانه تعالى ليس بجسم مؤلف من جواهر) فردة وهى الاجزاء التى لا تتجزأ (اذ الجسم عبارة عن المرلف من تلك الجواهر واذا بطل كونه جوهرا مخصوصا متحيزا) كما بين فى الاصل الذى قبله (بطل كونه جسما) أى ابطال كونه جوهرا يستقل بابطال كونه جسما (لان كل جسم مختص بحيز) هو الفراغ المتوهم الذى يشغله شئ ممتد أو غير ممتد (ومركب من جوهر والجوهر يستحيل خلوه عن) الا كوان مثل (الافتراق والاجتماع والحركة والسكون والهيئة والمقدار) فهذه لاقتضائها الاحتياج وقال البكى لو كان تعالى جسما لكان مركبا ولو كان مركبا لكان مفتقرا ضرورة ان كل مركب متوقف وكل متوقف مفتقر ولو كان مفتقرا لكان ممكنا وقد فرض واجب الوجود هذا خلف وقد يقال لو كان الصانع مركبا فصفات الالوهية كالعلم مثلا لا يخلو اما أن تقوم بكل جزء فيلزم تعداد الاله وهو محال أو وجود المعنى الواحد فى متعدد وهو محال أو بالبعض دون البعض فيلزم الاختصاص بالغير أو بالترجيح من غير مرجح أو بالمجموع بما هو مجموع فيلزم التسلسل لان المجموع ان كانت له جهة واحدة نقل الكلام اليها والا فليس الا الاجزاء المتلاصقة فما تقدم لازم اه وقال النسفى فى شرح العمدة الجسم اسم للمتركب فمن أطلقه وعنى به المتركب كاليهود وغلاة الروافض والمقابلة فهو مخطئ فى الاسم والمعنى لانه ان قام علم واحد وقدرة واحدة وارادة واحدة بجميع الاجزاء فهو محال لامتناع قيام الصفة الواحدة بالمحال المتعددة وان قام بكل جزء من أجزائه علم على حدة وقدرة على حدة وارادة @ على حدة فيكون كل جزء موصوفا بصفات الكمال فيكون كل جزئ الها فيفسد القول به كما فسد بالهين فان لم يكت موصوفا بهذه الصفات فيكون موصوفا باضدادها من سمات الحدوث اذ كل قائم بالذات يجوز قبوله للصفات ومالا يقوم به فانما لا يقوم لقيام الضدية ولو كان موصوفا بصفات النقصان لكان محدثا ولا ناقد دلنا على أن العالم بجميع اجزائه محدث والاجسام من العالم فيكون محدثا والا لم يجب أن يكون قديما أزليا فيمنع أن يكون جسما ضرورة (ولو جاز أن يعتقد أن صانع العالم جسم لجاز أن تعتقد الالهية للشمس والقمر) كمل ضل فيه الصابئة (أو لشئ اخر من أقسام الاجسام) كما ضل فيه الوثنية والسمنية (فان تجاسر متجاسر على تسميته تعالى جسما من غير ارادة التأليف من الجواهر) وقال لا كالاجسام يعنى فى لوازم الجسمية كبعض الكرامية والحنابلة حيث قالوا هو جسم بمعنى موجود أو بمعنى انه قائم بنفسه (كان ذلك غلطا فى الاسم) لا فى المعنى (مع الاصابة فى نفى معنى الجسم) وامتناع اطلاق كل من الجسم والجوهر ظاهر على قول القائلين بالتوقيف وأما على القول بجواز اطلاق المشتق مما ثبت سمعا اتصافه بمعناه وما يشعر بالجلال ولم يوهم نقصا وان لم يرد توقيف كما ذهبت اليه المعتزلة وأبو بكر الباقلانى فخطا أيضا لانه لم يوجد فى السمع ما يسوغ اطلاقه ولان شرطه بعد السمع أن لايوهم نقصا فيكتفون حيث لا سمع بدلالة العقل على اتصافه تعالى بمعنى ذلك اللفظ ومن قال باطلاق الالفاظ التى هى أوصاف دون الاسماء الجارية مجرى الاعلام كالمصنف فى المقصد الاسنى والامام الرازى فالشرط عنده كذلك فيما أجازه دون توقيف واسم الجسم يقتضى النقص من حيث اقتضائية الافتتقار الى اجزائه التى يتركب منها وهو أعظم مقتض للحدوث فمن أطلقه عليه تعالى فهو عاص بل قد كفره الامام ركن الاسلام فيمن أطلق عليه اسم السبب والعلة وهو أظهر فان اطلاقه اياه غير مكره عليه بعد عمله بما فيه من اقتضاء النقص استخفاف بجناب الربوبية وهو كفر اجماعا ولما ثبت انتفاء الجسمية بالمعنى المذكور ثبت انتفاء لوازمها وانتفاء الملزوم يستلزم انتفاء لازمه المساوى ولوازم الجسمية هى الاتصاف بالكيفيات المحسوسة بالحس الظاهر أو الباطن من اللون والرائحة والصورة والعوارض النفسانية من اللذة والالم والفرح والغم ونحوها ولان هذه الامور تابعة للمزاج المستلزم للتركيب المنافى للوجوب الذاتى ولان البعض منها تغيرات وانتقالات وهى على البارئ تعالى محال وما ورد فى الكتاب والسنة من ذكر الرضا والغضب والفرح ونحوها يجب التنزيه عن ظاهره على ما سيأتى بيانه ان شاء الله تعالى (الاصل السادس العلم بانه تعالى ليس بعرض قائم بجسم) وهو وصف كاشف لا مخصص (أو حال فى محل) والمراد بالحلول هنا الاستقرار ومنه حلول الجوهر او الجسم فى الحيز واستدل له من وجهين الاول ما تضمنه قوله (لان العرض بحل فى الجسم) وفى الاقتصاد للمصنف هو مايحتاج الى الجسم أو الجوهر فى تقومه أى فى قيام ذواته وتحققها (وكل جسم فهو حادث ويكون محدثه موجودا قبله فكيف يكون حالا فى الجسم وقد كان موجودا فى الازل وحده وما معه غيره ثم أحدث الاجسام والاعراض بعده) كما ثبت بالادلة السابقة أى فيستحيل وجوده قبله ضرورة استحالة وجود ما يتوقف وجوده على شئ قبل ذلك الشئ والله تعالى قبل كل شئ وموجده وقال النسفى فى شرح العمدة العرض يستحيل بقاؤه لانه لو كان باقيا اما أن يكون البقاء قائما به وهو محال لان العرض لا يقوم بالغرض باتفاق المتكلمين والبقاء عرض لان العرض عبارة عن أمر زائد على الذات ولم يصح وحده ولم يوجد بخلاف اتصال السواد باللونية لانها ليست بزائدة على ذاته بل هى داخلة فى ماهيته أو قائما بغيره فيكون الباقى ذلك الغير لان العرض وما يستحيل بقاؤه لان يكون قديما لان القديم واجب الوجود لذاته لما مر فيكون مستحيل العدم اه وقال السبكى صانع العالم لا يحل فى شئ لانه لو حل فى شئ اما عرضا أو جوهرا أو صورة والجميع محال ضرورة افتقارالحال لما حل فيه ولا شئ من المفتقر بواجب الوجود وكل @ حال فى شئ مفتقر فلاشئ من واجب الوجود بحال فى شئ وهو المطلوب اه والثانى ما تضمنه قوله (ولانه) تعالى (عالم قادر مريد خالق) أى موصوف بالعلم والقدرة والارادة والخلق (كما سيأتى بيانه) فيما بعد (وهذه الاوصاف تستحيل على الاعراض بل لا تعقل) هذه الاوصاف (الا لموجود) وفى بعض النسخ لوجد (قائم بنفسه مستقل بذاته) وأشار لهذا الوجه النسفى فى شرح العمدة فقال ولان العرض يفتقر الى محل يقوم به ومالا قيام له بذاته يستحيل منه الفعل اذ الفعل المحكم المتقن لا يتأتى الا من حى قادر عليم * (تنبيه) * قد علم من هذه الاصول وهى الرابع والخامس والسادس مخالفته تعالى للحوادث وقيامه بنفسه وهما الصفة الثالثة والرابعة من الصفات السلبيو فمخالفته تعالى للحوادث معناه لا يماثله شئ منها مطلقا لا فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الافعال وبرهانه انه لو ماصل شيأ منها لكان حادثا مثلها وذلك محال لما عرفت من وجوب قدمه وبقائه لان كل مثلين لابد أن يجب لكل واحد منهما ما وجب للاخر ويستحيل عليه ما استحال عليه ويجوزعليه ما جازعليه وقد وجب للحوادث الحدوث فلو ماثلها مولانا عز وجل لوجب له ما وجب لها من الحدوث واستحالة القدم ولو كان كذلك لافتقر الى محدث ولزم الدور أو التسلسل وبالجملة لو ماثل تعال شيأ فى الحوادث لوجب له القدم لالوهيته والحدوث لغرض مماثلته للحوادث وذلك جمع بين متنافيين ضرورة وأما قيامه تعالى بنفسه فهو عبارة عن سلب افتقاره الى شئ من الاشياء فلا يفقتر الى محل ولا مخصص والمراد بالمحل هنا الذات كما درج عليه الشيخ السنوسى لا الحيز الذى يحل فيه الجسم كما يتوهم وان كان يطلق عليه أيضا والمراد بالمخصص الفاعل فاذا القيام بالنفس هو عبارة عن الغنى المطلق أما برهان غناه عن المحل أى ذات يقوم بها فهو انه لو احتاج الى ذات اخرى يقوم بها لكان صفة لانه لا يحتاج الى الذات الا الصفات والصفة لا تتصف بصفات المعانى وهى القدرة والارادة والعلم الى اخرها ولا بالصفات المعنوية وهى كونه قادرا ومريدا وعالما الى اخرها فلا يكون تعالى صفة لان الواجب له نفيض ماوجب للصفة لانه يجب اتصافه بالمعانى والمعنوية والصفة يستحيل عليها ذلك اذا الصفة لو قبلت صفة أخرى يلزم أن لا تعرى عنها ولزم أن تقبل الاخرى أخرى اذ لا فرق بينهما الى غير غاية وذلك التسلسل وهو محال وبرهان غناه عن المخصص أى الفاعل هو انه لو احتاج اليه لكان حادثا وذلك محال لما تقدم من وجوب قدمه تعالى وبقائه فتبين بهذين الغنى المطلق له جل وعز وهو معنى قيامه بنفسه * (تكميل) * الموجودات بالنسبة الى المحل والمخصص أقسام أربعة قسم غنى عن المحل والمخصص وهو ذاته تعالى غنى عن المحل لكونه ذاتا وعن المخصص لكونه قديما باقيا وقسم غنى عن المخصص وموجود فى المحل وهو صفاته تعالى غنية عن المخصص وهى ذوات الاجرام غنية عن المحل لكونها ذاتا والذات لا تحتاج الى محل ومفتقرة الى المخصص لكونها حادثة والحادث لابد له من محدث وقسم مفتقر الى المحل والمخصص وهى الاعراض مفتقرة الى المحل لكونها اعراضا والعرض لا يقوم بنفسه ومفتقرة الى المخصص لكونها حادثة والحادث لابد له من محدث (وقد تحصل من هذه الاصول) أى من أولها الى هنا (انه) تعالى (موجود) واجب الوجود قديم لا اول له باق لا اخر له (قائم بنفسه) مخالف للحوادث (ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض) ولا حال فى شئ ولا يحله شئ (وان العالم كله) وهو ما سوى الله تعالى (جواهر واعراض واجسام) وذكر الجواهر يغنى عن الاجسام لان الاجسام جواهر مؤلفة كما تقدم (فاذا لا يشبه شيأ) من خلقه (ولا يشبهه شئ) من خلقه والمشابهة تتحقق من الطرفين اذ العالم جواهر واعراض والله تعالى خالقها كلها (بل هو الحى القيوم) لما ثبت ان الله سبحانه وتعالى لا يشبه شيأ من خلقه أشار الى ما يقع به التفرقة بينه وبين خلقه بما يتصف به تعالى دون خلقه فمن ذلك انه قيوم لا ينام اذ هو مختص بعدم النوم والسنة دون خلقه فانهم ينامون وانه تعالى حى لا يموت لان صفة الحياة الباقية مختصة به دون خلقه فانهم يموتون ثم قال (ليس كمثله شئ) أى ليس مثله شئ يناسبه ويزاوجه @ والمراد من مثله ذاته المقدسة كما فى قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة فى نفسه بطريق الكناية فانه اذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه أولى وقيل مثل صفته أى ليس كصفته صفة والمخالفة بينه وبين سائر الذوات لذاته المخصوصة تعالى لا لأمر زائد هذا مذهب الاشعر وأول هذه الاية تنزيه واخرها اثبات قصدرها برد على المجسمة وعجزها يرد على المعط له النافيين لجميع الصفات وبدأ بالتنزيه ليستفاد منه نفى التشبيه له تعالى مطلقا حتى فى السمع والبصر اللذين ذكرا بعد وقال أبو منصور التميمى اعترض بعض المشبهة على هذه الاية بأن قال ان هذه تقتضى اثبات مثل ونفى مثل عن ذلك المثل وهذا جهل منهم بكلام العرب فى مخاطباتها مع انتقاضه فى نفسه اما جهلهم بكلام العرب فلان العرب تزيد المثل تارة فى الكلام وتزيد الكاف أخرى مع الاستغناء عنها وذلك كقول القائل لصاحبه أعرفك كالهين العاجز أى اعرفك هينا عاجزا وقال الشاعر*وقبلى كمثل جذوع النخيل *يغشاهم سيل منهم أراد انهم كجذوع النخل فزاد المثل صلة فى الكلام وقال الاخر* فصيروا كمثل عصف مأكول* أراد مثل عصف فزاد الكاف وقد تزيد العرب الكاف على الكاف كقول الشاعر* وصاليات ككماتوثقى* أراد كما توثقنى فزاد عليه كافا فكذلك قوله ليس كمثله شئ الكاف فيه زائدة والمراد ليس مثله شئ ومعناه ليس شئ مثله وأما وجه مناقضة السؤال فى نفسه فمن حيث ان السائل زعم ان له مثلا لا نظير له واذا لم يكن للمثل نظير بطل أن يكون مثلا له لان مثل الشئ يقتضى أن يكون المضاف اليه بالتماثل مثلا له وذلك متناقض واذا تناقض السؤال فى نفسه لم يستحق جوابا (وانى يشبه) أى كيف يشبه (المخلوق خالقه والمقدور قدره والمصور مصوره والاجسام والاعراض كلها) أى ما سواء تعالى (من خلقه وصنعه) وابداعه (فاستحال القضاء عليها بمماثلته ومشابهته) اعلم ان أهل ملة الاسلام قد أطلقوا جميعا القول بأن صانع العالم لا يشبه شيأ من العالم وانه ليس له شبه ولا مثل ولا ضد وانه سبحانه موجود بلا تشبيه ولا تعطيل ثم اختلفوا بعد ذلك فيما بينهم فمنهم من اعتقد فى التفصيل ما يوافق اعتقاده فى الجملة ولم ينقض أصول التوحيد على نفسه بشئ من فروعه وهم المحققون من أهل السنة والجماعة أصاحب الحديث وأهل الرأى الذين تمسكوا بأصول الدين فى التوحيد والنبؤات ولم يخلطوا مذاهبهم بشئ من البدع والضلالان المعروفة بالقدر والارجاء والتجسيم والتشبيه والرفض ونحو ذلك وعلى ذلك أئمة الدين جميعهم فى الفقه والحديث والاجتهاد فى الفتيا والاحكام كمالك والشافعى وأبى حنيفة والاوزاعى والثورى وفقهاء المدينة وجميع أئمة الحرمين وأهل الظاهر وكل من يعتبر خلافه فى الفقه وبه قال أئمة الصفاتية المثبتة من المتكلمين كعبد الله بن سعيد القطان والحرث بن أسد المحاسبى وعبز العزيز المكى والحسين بن الفضل الجبلى وأبى العباس القلانسى وأبى الحسن الاشعرى ومن تبعهم من الموحدين الخارجين عن التشبيه والتعطيل واليه ذهب ايضا ائمة اهل التصوف كأبى سليمان الدارانى وأحمد بن أبى الحوارمى وسرى السقطى وابراهيم بن ادهم والفضيل ابن عياض والجنيد ورويم والنووى والحراز والخواص ومن جرى مجراهم دون من انتسب اليهم وهم بريئون منهم من الحاولية وغيرهم وعلى ذلك درج من سلف من أئمة المسلمين فى الحديث كالزهرى وشعبة وقتادة وابن عيينة وعبد الرحمن بن مهدى ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وعلى بن المدائنى وأحمد ابن حنبل واسحق نراهويه ويحيى بن يحيى التميمى وجميع الحفاظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين نقل قولهم فى الجرح والتعديل والتمييز بين الصحيح والسقيم من الاخبار والاثار وكذلك الائمة الذين أخذت عنهم اللغة والنحو والقرأن واعراب القرأن كلهم كانوا على طريقة التوحيد من غير تشبيه ولا تعطيل كعيسى بن عمر الثقفى وأبى عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد والاصمعى وأبى زيد الانصارى وعثمان المازنى وأحمد بن يحيى ثعلب وأبى شمر وابن السكيت وعلى بن حمزة الكسائى وابراهيم الحربى @ والمبرد والقراء السبعة قبلهم وكل من يصح اليوم الاحتجاج بقوله فى اللغة والنحو والقراان من أئمة الدين فانهم كلهم منتسبون الى ما انتسب اليه اهل السنة والجماعة فى التوحيد واثبات صفات المدح لمعبودهم ونفى التشبيه عنه ومنهم من أجرى على معبوده اوصافا تؤذيه الى القول بالتشبيه تنزيه منه فى الظاهر كالمشبهة والمجسمة والحلولية على اختلاف مذاهبهم فى ذلك على اختلاف مذاهبهم فى ذلك فأما الخارجون عن ملة الاسلام ففريقان أحدهما دهريه ينكرون الصانع ويكلمون فى نفى التشبيه عنه وانا ولا يكلمون فى اثباته والفريق التانى مقرون بالصانع ولكنهم مختلفون فمنهم من بقول باثبات صانعين هما النور والظلمة ومنهم من ينسب الافعال والحوادث الى الطبائع الاربعة ومنهم من يقر بصانع واحد قديم وهؤلاء مختلفون فيه فمنهم من يقول انه لا شيأ من العالم ويفرط فى نفى الصفات عنه حتى يدخل فى باب التعطيل وهم أكثر الفلاسفة وفيهم المفرط فى اثبات الصفات والجوارح له تعالى حتى يدخل فى باب التشبيه بينه وبين خلقه كاليهود الذين زعموا ان معبودهم على صورة الانسان فى الاعضاء والجوارح والحد والنهاية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومعهم على هذا القول جماعة من المنتسبين الى الاسلام مع تنزيههم من القول بالتشبيه فى الظاهر خوفا من اظهار العامة على عوار مذاهبهم وهؤلاء فرق منهم اصحاب هشام ابن الحكم الرافضى والجواربية اصحاب داود الجوارلى والحلولية اصحابى ابى حلمان الدمشقى والبيانية اصحاب بيان بن سمعان التميمى والتناسخية اصحاب عبد الله بن منصور بن عبدالله بن جعفر والمغيرية اصحاب المغيرة بن سعيد وغير هؤلاء ولهم مقالات يقشعر منها البدن قد ذكرها اصحاب الملل والنحل وفيما اشرنا اليه كفاية (الاصل السابع العلم بان الله تعالى منزه الذات عن الاختصاص بالجهات) أى ليست ذاته المقدسة فى جهة من الجهات الست ولا فى مكان من الامكنة (فان الجهة) وهى منتهى الاشارة ومقصد المتحرك بحركته من حيث حصوله فهى من ذوات الاوضاع المادية ومرجعها الى نفس الامكنة او حدودها واطرافها وهى تنقسم بحسب المشير الى ستة واشار الى فى قوله (اما فوق واما اسفل) وهو التحت (واما يمين او شمال او قدم او خلف) وقد تنحصر فى قسمين باعتبار وسط كرة العالم ومحويها فما فما كان الى نقطة مركز العالم ووسطه فهو سفل وما كان الى محيط ومحويه فهو جهة علو وهذا لا يكاد يختلف ومن ثم أدعى فيهما انها جهتان على الحقيقة حقيقة وطبعا كما قرر فى محله (وهذه الجهات هو الذى خلقها واحدثها بواسطة خلق الانسان) اى حادثة باحداث الانسان ونحوه مما يمشى على رجلين (اذ خلق له طرفين احدهما يعتمد على الارض ويسمى رجلا والاخر يقابله ويسمى رأسا فحدث اسم الفوق لما يلى جهة الرأس) أى معنى الفوق ما حاذى رأسه من جهة السماء (واسم الاسفل لما يلى جهة الارض) مما يحاذى رجله (حتى ان النملة التى تدب منكسة تحت السقف تنقلب جهة الفوق فى حقها تحتا) لانه المحاذى لظهرها (وان كان فى حقنا فوقا) أى معنى الفوق فيما يمشى على اربع او على بطنه بالنسبة اليهما ما يحاذى ظهره من فوقه فهى كلها اضافية (وخلق للانسان اليدين واحداهما اقوى من الاخرى فى الغالب فحدث اسم اليمين للاقوى) أى اليمين ما يحاذى اقوى يديه غالبا (والشمال لما يقابله) وانما قيده بالغالب فان فى الناس من يساره اقوى من اليمين ولكن نادر (وتسمى الجهة التى تلى اليمين يمينا والاخرى شمالا وخلق له جانبين يبصر من احدهما ويتحرك اليه فحدث له اسم القدام) ويسمى الامام ايضا وهو ما يحاذى جهة الصدر (للجهة التى) يبصر منها و(يتقدم اليها بالحركة واسم الخلف) وكذلك الوراء (لما يقابلها فالجهات) على ماذكر (حادثة بحدوث الانسان) فقبل خلق العالم لم يكن فوق ولا تحت اذ لم يكن ثم حيوان فلم يكن ثم رأس ولا رجل ولا ظهر وهى مع ذلك اعتبارية لا حقيقية تتبدل (ولو لم يخلق الانسان بهذه الخلقة) المعروفة وكذا كل حادث (بل خلق مستديرا كالكرة لم يكن لهذه الجهات وجود البتة) اى لم توجد واحدة من هذه اذ لا رأس ولا رجل ولا يمين ولا شمال ولا ظهر ولا @ وجه (فكيف كان) تعالى (فى الازل مختصا بجهة والجهة حادثة) وهو تعالى كان موجودا فى الازل ولم يكن شئ من الموجودات لان كل موجود سواء حادث (او كيف صار بجهة بعد ان لم يكن له ابا فان خلق الانسان تحته ويتعالى عن ان يكون فوق اذ تعالى ان يكون له رأس والفوق عبارة عما يلى جهة الرأس او خلق العالم تحته فتعالى ان يكون له رجل والتحت عبارة عما يلى جهة الجل وكل ذلك مميا يستحيل فى العقل) فهذا طريق الاستدلال قال ابو منصور التميمى واما احالة كونه فى جهة فان ذلك كاحالة كونه فى مكان لان ذلك يوجب حدوث كون ومحاذاة مخصوصة فيه وذلك دليل على حدوث ماحل فيه فلذلك احلنا اطلاق اسم الجهة على الله تعالى اه وقد نبه المصنف على طريق ثان فى الاستدلال بقوله (ولان المعقول من كونه مختصا بجهة انه مختص بحيز) هو كذا أى معنى من الاحيازوقد فسره بقوله (اختصاص الجواره او مختص بالجوهر اختصاص العرض وقد ظهر استحالة كونه جوهرا او عرضا) او جسما اذ الحيز مختص بالجوهر والجسم وقد مر تنزيهه سبحانه وتعالى عنهما واما العرض فلا اختصاص له بالحيز الا بواسطة كونه حالا فى الجوهر فهو تابع لاختصاص الجوهر ولما ظهر بطلان الجوهرية والجسمية (فاستحال كونه مختصا بالجهة) وقال النسفى فى شرح العمدة الصور والجهات مختلفة واجتماعها عليه تعالى مستحيل لتنافيها فى انفسها وليس البعض اولى من البعض لاستواء الكل فى افادة المدح والنقص وعدم دلالة المحدثات عليه فلو اختص بشئ منها لكان تخصيص مخصص وهذا من امارات المحدث اه وقال السبكى صانع العالم لا يكون فى جهة لانه لو كان فى جهة لكان فى مكان ضرورة انها المكان او المستلزمة له ولو كان فى مكان لكان متحيزا ولو كان متحيزا لكان مفتقرا الى حيزه ومكانه فلا يكون واجب الوجود وثبت انه واجب الوجود وهذا خلف وايضا فلو كان فى جهة فاما فى كل الجهات وهو محال وشنيع واما فى البعض فيلزم الاختصاص المستلزم للافتقار الى المخصص المنافى للوجوب اه (وان اريد بالجهة غير هذين المعنيين) مما ليس فيه حلول حيز ولا جسمية (كان غلطا فى الاسم مع المساعدة على المعنى) ولكن ينظر فيه ايرجع ذلك المعنى الى تنزيهه سبحانه عما لا يليق بجلاله فيخطأ من اراد فى مجرد التعبير عنه بالجهة لايهامه بما لا يليق ولعدم وروده فى اللغة او يرجع الى غيره فيرد قوله صونا عن الضلالة ثم نبه المصنف على طريق ثالث فى الاستدلال بقوله (ولانه لو كان فوق العالم) كما يقوله بعض المجسمة (لكان محاذيا له) اى مقابلا (وكل محاذ لجسم فاما ان يكون مثله او اصغر منه) كما يقوله هشام بن الحكم الرافضى (او اكبر) منه (وكل ذلك) مستحيل فى حقه تعالى اذ هو (تقدير يحوج الى مقدر ويتعالى عنه الخالق الواحد المدبر) جل سبحانه وقال المصنف فى الجام العوام اعلم ان الفوق اسم مشترك يطلق لمعنيين احدهما نسبة جسم الى جسم بان يكون احدهما اعلى والاخر اسفل يعنى ان الاعلى من جانب راس الاسفل وقد لا بهذا المعنى فيقال الخليفة فوق السلطان والسلطان فوق الوزير والاول يستدعى جسما حتى ينسب الى جسم والثانى لا يستدعيه فليعتقد المؤمن الاول عير مراد وانه على الله تعالى محال فانه من لوازم الاجسام او لوازم اعراض الاجسام فان قيل فما بال الايدى ترفع الى السماء وهى جهة العلو فاشار المصنف الى الجواب بقوله (فاما رفع الايدى عند السؤال) والدعاء (الى جهة السماء فهو لانها قبلة الدعاء) كما ان البيت قبلة الصلاة يستقبل بالصدر والوجه والمعبود بالصلاة والمقصود بالدعاء منزه عن الحلول بالبيت والسماء وقد اشار النسفى ايضا فقال ورفع الايدى والوجوه عند الدعاء تعبد محض كالتوجه الى الكعبة فى الصلاة فالسماء قبلة الدعاء كالبيت قبلة الصلاة (وفيه ايضا اشارة الى ماهو وصف للمدعو من الجلال) والعظمة (والكبرياء تنبيها بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلا فانه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء) ويدل لذلك قوله تعالى وهو القاهر فوق عباده لان ذكر العبودية فى وصف من الله فوقه يؤكد احتمال فوقية القهر والاستيلاء وقد ذكر المصنف فى الاقتصاد سر الاشارة @ بالدعاء الى السماء على وجه فيه طول فراجعه فان قيل نفيه عن الجهات الست اخبار عن عدمه اذ لا عدم اشد تحقيقا من نفى المذكور عن الجهات الست وهذا سؤال سمعه محمود بن سبكتين من الكرامية والقاه على ابن فورك قلت النفى عن الجهات الست لا يكون ذلك اخبارا عن عدم مالو كان لكان فى جهة من النافى لانفى ما يستحيل ان يكون فى جهة منه واما قول المعتزلة القائمان بالذات يكون واحد منهما بجهة صاحبه لا محالة فالجواب عنه هذا على الاطلاق ام بشريطة ان يكون كل واحد منهما محدودا متناهيا الاول ممنوع والثانى مسلم ولكن البارى تعالى يستحيل ان يكون محددوا متنافيا (تنبيه) هذا المعتقد لا يخالف فيه بالتحقيق سنى لا محدث ولا فقيه ولا غيره ولا يجئ قط فى الشرع على لسان نبى التصريح بلفظ الجهة فالجهة بحسب التفسير المتقدم منفية معنى ولفظا وكيف لا والحق يقول ليس كمثله شء ولو كان فى جهة بذلك الاعتبار لكان له امثال فضلا عن مثل واحد ومانقله القاضى عياض من ان المحدثين والفقهاء على الجهة ليس المعنى ماقام القاطع بخلافه ولم ينقل عن احد منهم انه تعالى فى جهة كذا تعالى الله عن ذلم لكن لما ثبت سمعا قرانا الرحمن على العرش استوى وهو القاهر فوق عباده يخافون ربهم من فوقهم وسنة وحيث قال صلى الله عليه وسلم للسوداء اين الله فاشارت نحو السماء فقال اعتقها فانها مؤمنة الى غير ذلك من الظواهر وكان اصلهم ثبوت المعتقدات من السمع فاعتقدوا ان هناك صفة تسمى بالاستواء على العرش لا تشبه استواء المخلوقين وصفة اخرى تسمى بفوق اى فوق عباده اى العرش ومن دونه الله اعلم بذلك الاستواء واعلم بتلك الفوقية بهذا صرح الامام احمد بن حنبل على مانقل عنه المقدسى فى رسالة الاعتقاد واعلم ان المنظور اليهم انما هم الائمة القدوة والعلماء الجلة ولا عبرة بالمقلدة الواقفة على ظاهر المنقول الذين لم يفرقوا بين المحكم من والمتشابه وسيأتى تمام البحث فيه فى الاصل الذى يليه واما الصوفى فيقول محال ان يكون البارى فى جهة اذ تلك الجهة اما ان تكون غيره او لا فان لم تكن غيره فلا جهة وان كانت غيره فاما قديمة او حادثة والجميع باطل قال صلى الله عليه وسلم كان الله ولا شئ معه* (تكميل) * ذكر الامام قاضى القضاة ناصر الدين ابن المنير الاسكندرى المالكى فى كتابه المنتقى فى شرف المصطفى لما تكلم على الجهة وقرر نفيها قال ولهذا اشار مالك رحمه الله تعالى فى قوله صلى الله عليه وسلم رفع الى العرش ويونس عليه السلام هبط الى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة الى الحق جل جلاله نسبة واحدة ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام اقرب فى الرفيق الاعلى فهو افضل من السفلى فالفضل بالمكانة لا بالمكان هكذا نقله السبكى فى رسالة الرد على ابن زفيل (الاصل الثامن العلم بانه تعالى مستو على عرشه بالمعنى الذى اراد الله تعالى بالاستواء) هذا الاصل معقود لبيان انه تعالى غير مستقر على مكان كما قدمه صريحا فى ترجمة اصول الركن الاول ونبه عليه هنا بالجواب عن تمسك القائلين بالجهة والمكان فان الكرامية يثبتون جهة العلو من غير استقرار على العرش والحشوية وهم المجسمون مصرحون بالاستقرار على العرش وتمسكوا بظواهر منها قوله تعالى الرحمن على العرش استوى وحديث الصحيحين ينزل ربنا كل ليلة الحديث واجيب عنه بجواب اجمالى هو كالمقدمة للاجوبة التفصيلية وهو ان الشرع انما ثبت بالعقل فان ثبوته يتوقف على دلالة المعجزة على صدق المبلغ وانما تثبت هذه الدلالة بالعقل فلو اتى الشرع بما يكذبه العقل وهو شاهده لبطل الشرع والعقل اذا تقرر هذا فنقول كل لفظ يرد فى الشرع مما يستند الى الذات المقدسة بان يطلق اسما او صفة لها وهو مخالف للعقل ويسمى المتشابه لا يخلو اما ان يتواتر أو ينقل احادا والاحاد ان كان نصا @ لا يحتمل التأويل قطعنا بافتراءنا قله او سهوه او غلطة وان كان ظاهرا فظاهره غير مراد وان كان متواترا فلا يتصور ان يكون نصا لا يختمل التأويل بل لابد وان يكون ظاهر او حينئذ نقول الاحتمال الذى ينفيه العقل ليس مرادا منه ثم ان بقى بعد انتفائه احتمال واحد تعين انه المراد بحكم الحال وان بقى احتمالان فصاعدا فلا يخلو اما ان يدل قاطع على واحد منهما اولا فان جل حمل عليه وان لم يدل قاطع على التعيين فهل يعين بالنظر والاجتهاد دفعا للخبط عن العقائد او لا خشية الالحاد فى الاسماء والصفات الاول مذهب الخلف والثانى مذهب السلف وستأتى امثلة التزيل عليهما واما الاجوبة التفصيلية فقد اجيب عن اية الاستواء بانا نؤمن بانه تعالى استوى على العرش مع الحكم بانه ليس كاستواء الاجسام على الاجسام من التمكن والمماسة والمحاذاة لها القيام البراهين القطعية باستحالة ذلك فى حقه تعالى بل نؤمن بان الاستواء ثابت له تعالى بمعنى يليق به تعالى (وهو الذى لا ينافى وصف الكبرياء ولا تتطرق اليه سمات الحدوث والفناء وهو الذى اريد بالاستواء الى السماء حيث قال فى القرأن ثم استوى الى السماء وهى دخان) وقال ايضا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سموات وفى طه عبد الرحمن على العرش استوى وفى الاعراف ويونس والرعد والسجدة والحديد ثم استوى على العرش وفى الفرقات ثم استوى على العرش الرحمن (وليس ذلك الا بطريق القهر والاستيلاء) أى قهره على العرش واستيلاؤه وهذا جرى عليه بعض الخلف واقتصر عليه المصنف هنا وهذا يعنى كون المراد انه الاستيلاء فعند الماتريدية أمر جائز الارادة أى يجوز ان يكون مراد الاية ولا يتعين كونه المراد خلافا لما دل عليه كلام المصنف من تعيينه اذ لا دليل على ارادته عينا فالواجب عينا ما ذكر من الايمان به مع نفى التشيبه واذا خيف على العامة لقصور افهامهم عدم فهم الاستواء اذا لم يكن بمعنى الاستيلاء الا بالاتصال ونحوه من لوازم الجسمية وان لا يقفوا تلك اللوازم فلا بأس بصرف فهمهم الى الاستيلاء صيانة لهم من المحذور فانه قد ثبت اطلاقه وارادته لغة (كما قال الشاعر) وهو البعيث كما قاله ابن عباد أو الاخطل كما قاله الجوهرى فى بشر بن مروان (قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق) كذا نسبه الصاحب اسمعيل بن عباد فى كتابه نهج السبيل ثم قال فان قيل غهو مسئول على كل شئ فما وجه اختصاصه العرش بالذكر قيل كما هو رب كل شئ وقال رب العرش العظيم فان قيل فما معنى قولنا عرش الله ان لم يكن عليه قيل كما تقول بيت الله وان لم يكن فيه والعرش فى السماء تطوف به الملائكة كما ان الكعبة فى الارض تطوف بها الناس الى هنا كلام الصاحب وهو وان كان يميل الى رأى الاعتزال غير انه وافق أهل السنة فيما قاله هنا ومثل ذلك أيضا قول الشاعر فلما علونا واستوينا عليهم*جعلناهم مرعى لنسر وطائروقال الجاحظ فى كتاب التوحيد له مانصه قد زعم أصحاب التفسير عن عبد الله بن عباس وهو صاحب التأويل والناس عليه عيال ان قوله استوى استولى وهذا القول قد رده ابن تميية الحافظ فى كتاب العرش وقال ان الجاحظ رجل سوء معتزلى لا يوثق بنقله قال التقى السبكى وكتاب العرش من أقبح كتبه ولما وقف عليه الشيخ أبو حيان مازال يلعنه حتى مات بعد ان كان يعظمه قال فيه استوى فى سبع ايات بغير لام ولو كانت بمعنى استولى لجاءت فى موضع وهذا الذى قاله ليس بلازم فالمجاز قد يطرد وحسنه ان لفظ استوى أعذب وأخصر وليس هو من الاطراد الذى يجعله بعض الاصوليين من علامة الحقيقة فان ذلك الاطراد فى جميع موارد الاستعمال والذى حصل هنا اطراد استعمالها فى ايات فأين أحدهما من الاخر ثم ان استوى وزنه افتعل فالسين فيه اصلية واستولى وزنه استفعل فالسين فيه زائدة ومعناه من الولاية فهما مادتان متغايرتان فى اللفظ والمعنى والاستيلاء قد يكون بحق وقد يكون بباطل والاستواء لا يكون الا بحق والاستواء صفة للمستوى فى نفسه بالكمال والاعتدال والاستيلاء صفة متعدية الى غيره فلا يصح ان يقال استولى @ حتى يقال على كذا ويصح ان يقال استوى ويتم الكلام فلو قال استولى ولم يحصل المقصود ومراد المتكلم الذى يفسر الاستواء بالاستيلاء التنبيه على صرف اللفظ عن الظاهر الموهم للتشبيه واللفظ قد يستعمل مجازا فى معنى لفظ اخر ويلاحظ معه معنى اخر فى لفظ المجاز لو عبر عنه باللفظ الحقيقى لاختل المعنى وقد يريد المتكلم ان الاستواء من صفات الافعال كالاستواء المتمحض من كل وجه ويكون السبب فى لفظ الاستواء عذوبتها واختصارها دون ما ذكرناه ولكن ماذكرناه احسن وامكن مع مراعاة معنى الاستواء وانظر قول الشاعر * قد استوى بشر على العرائى * لو أتى بالاستيلاء لم تكن له هذه الطلاوة والحسن والمراد بالاستواء كمال الملك وهو مراد القائلين بالاستيلاء ولفظ الاستيلاء قاصر عن تأدية هذا المعنى فالاستواء فى اللغة له معنيان أحدهما الاستيلاء بحق وكمال فيفيد ثلاثة معان ولفظ الاستيلاء لا يفيد الا معنى واحدا فاذا قال المتكلم فى تفسير الاستواء الاستيلاء مراده المعانى الثلاثة وهو أمر يمكن فى حقه سبحانه وتعالى فالمقدم على هذا التأويل لم يرتكب محذورا ولا وصف الله تعالى بما لا يجوز عليه والمفوض المنزه لا يجزم على التفسير بذلك الاحتمال ان يكون المراد خلافة وقصورافهامنا عن وصف الحق سبحانه وتعالى مع تنزيهه عن صفات الاجسام لا يعقل منه فى اللغة غير ذلك والله تعالى منزه عنها ومن أطلق القعود وقال انه لم يرد صفات الاجسام قال شيأ لم تشهد له به اللغة فيكون باطلا وهو كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤاخذ باقراره ولا يفيده انكاره واعلم ان الله تعالى كامل الملك ازلا وأبدا والعرش وماتحته حادث فأتى قوله تعالى ثم استوى على العرش لحدوث العرش لا لحدوث الاستواء اه وقال البخارى فى صحيحه فى كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم قال الحافظ ابن حجر فى شرحه ذكر قطعتين من ايتين وتلطف فى ذكر الثانية عقيب الاولى لرد من توهم من قوله فى الحديث كان الله ولم يكن شئ قبله وكان عرشه على الماء ان العرش لم يزل مع الله تعالى وهو مذهب باطل وكذا قول من زعم من الفلاسفة ان العرش هو الخالق الصانع فأردف بقوله رب العرش العظيم اشارة الى ان العرش مربوب وكل مربوب مخلوق وختم الباب بالحديث الذى فيه فاذا انا بموسى اخذ بقائمة من قوائم العرش فان فى اثبات القوائم للعرش دلالة على انه جسم مركب له ابعاض واجزاء والجسم المؤلف محدث مخلوق وقال البيهقى فى الاسماء والصفات اتفقت اقاويل اهل التفسير على ان العرش هو السرير وانه جسم خلقه الله تعالى وأمر الملائكة بحمله وتعبدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق فى الارض بيتا وامر بنى ادم بالطواف به واستقباله فى الصلاة وفى الايات والاحاديث والاثار دلالة على ما ذهبوا اليه ثم قال البخارى وقال ابو العالية استوى الى السماء ارتفع وقال مجاهد استوى علا على العرش قل ابن بطال اختلفوافى الاستواء هنا فقالت المعتزلة معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة وقالت المجسمة معناه الاستقرار وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع وبعضهم معناه علا وبعضهم معناه الملك والقدرة وقيل معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشئ وخص لفظ العرش لكونه أعظم الاشياء وقيل ان على بمعنى الى فالمراد على هذا انتهى الى العرش أى فيما يتعلق بالعرش لانه خلق الخلق شيأ بعد شئ قال ابن بطال اما قول المعتزلة ففاسد لانه لم يزل قاهرا غالبا مستوليا وقوله ثم استوى يقتضى افتتاح هذا الوصف بعد ان لم يكن ولازم تأويلهم انه كان مغاليا فيه فاستولى عليه بقهر من غالبه وهذا منتف عن الله تعالى وقول المجسمة ايضا فاسد لان الاستقرار من صفات الاجستم ويلزم منه الحلول والتناهى وهو محال فى حق الله تعالى ولائق بالمخلوقات قال واما تفسيره بعلا فهو صحيح وهو المذهب الحق وقول اهل السنة لانه تعالى وصف نفسه بالعلى وهى صفة من صفات الذات واما من فسره بارتفع ففيه نظر لانه لم يصف به نفسه قال واختلف اهل السنة هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل فمن قال معناه علا قال هى صفة ذات ومن قال غير ذلك قال هى صفة فعل وان الله فعل فعلا سماه استوى @ على عرشه لان ذلك قائم بذاته لاستحالة قيام الحوادث به ملخصا قال الحافظ وقد الزمه من فسره بالاسيتلاء بمثل ما الزم هو به من انه صار قاهر بعد ان لم يكن فيلزم انه صار عاليا بعد ان لم يكن والانفصال عن ذلك للفريقين بالتمسك بقوله تعالى وكان الله عليما حكيما فان اهل العلم بالتفسير قالوا معناه لم يزل كذلك وبقى من معانى استوى ما نقل عن ثعلب استوى الوجه اتصل واستوى القمر امتلا واستوى فلان وفلان تماثلا واستوى الى المكان اقبل واستوى القائم قاعدا والنائم قاعدا ويمكن رد بعض هذه المعانى الى بعض وكذا ما تقدم عن ابطال وقد نقل ابو اسمعيل الهروى فى الفاروق بسنده الى داود بن على بن خلف قال كما عند ابى عهبدالله بن الاعرابى يعنى محمد بن زياد للغوى فقال له رجل الرحمن على العرش استوى فقال هو على العرش كما اخبر قال يا ابا عبدالله انما معناه استولى فقال اسكت لا يقال استولى على الشئ الا ان يكون له مضاد ونقل البغوى فى تفسيره عن ابن عباس واكثر المفسرين ان معناه ارتفع وبنحوه قال ابو عبيده والقرائ وغيرهما واضطر اهل الحق الى هذا التاويل كما اضطر اهل الباطل الى تاويل قوله تعالى وهو معكم اين ما كنتم اذا حل ذلك بالاتفاق على الاحاطه والعلم قال ابون نصر القشيرى فى التذكرة الشرقية فان قيل اليس الله يقول الرحمن على العرش استوى فيجب الاخذ بظاهرة قلنا الله يقول ايضا وهو معكم اين ما كنتم ويقول تعالى الا انه بكل شئ محيط فينبغى ايضا ان تاخذ بظاهر هذه الايات حتى يكون على العرش وعندنا ومعنا ومحيطا بالعالم محد قابه بالذات فى حالة واحدة والواحد يستحيل ان يكون بذاته فى حالة بكل مكان قالو قوله تعالى وهو معكم يعنى بالعلم وبكل شئ محيط احاطة العلم قلنا وقوله تعالى على العرش استوى قهر وحفظ وابقى وكذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمن رواه مسلم فى صحيحه وفيه انضا ان قلوب بنى ادم كلها بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كقلب واحد يصرفه كما يشاء على القدرة والقهر مجاز بعلاقة ان اليد فى الشاهد محل لظهور سلطان القدرة والقهر فحسن اطلاق اليد وارادة القدرة والقهر قصدا للمبالغه اذا المجاز ابلغ وكذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم الحجر الاسوديمين الله فى ارضه اخرجه ابو عبيد القاسم بن سلام بلفظه وروى ابن ماجه نحوا من معناه من حديث ابى هريره رفعه بلفظ من فاوض الحجر الاسود فانما يفاوض يد الرحمن على التشريف والاكرام والمعنى انه وضع فى الارض للتقبيل والاستسلام تشريفا له كما شرفت اليمين واكرمت بوضعها للتقبيل دون اليسار فى العادة فاستعير لفظ لايمين للحجر لذلك اولان من قبله او استلمه فقد فعل ما يقتضى الاقبال عليه والرضا عنه وهما لازمان عادة لتقبيل اليمين والحاصل ان لفظ اليمين استعير للحجر اللمعننين اولا حدهما ثم اضيف اضافة تشريف واكرام لانه لو ترك على ظاهره للزم منه المحال فكذا الاستواء لو ترك على الاستقرار والتمكن لزم منه المحال ويتامل بعض الايات والاخبار دون بعض على حكم التمنى والتشهى ليس فى الشرط والمقصود من هذه المعارضه انه يعرف ان الخصم يضطر الى التاويل فلتسكن التاويلات على وفق الاصول فان قيل هذا يشعر بكونه مغلوبا مقهورا قبل الاستواء قيل انما يشعر بما قلتم ان لو كان للعرش وجود قبل الخلق وكان قديما والعرش مخلوق وكل ما خلقه حصل مسخرا تحت خلقه فلولا خلقه ايا لما حدث ولولا ابقاؤه ايا لما بقى ونص على العرش لانه اعظم المخلوقات قيمانه الينا واذا نص على الاعظم فقد اندرج تحته ما دونه قال ابن القشيرى ولو اشعر ما قلنا توهم غلبته لا شعر قوله وهو القاهر فوق عبادة بذلك ايضا حتى يقال كان مقهورا قبل خلق العباد هيهات اذا لم يكن للعباد وجود قبل خلقه اياهم بل لو كان الامر على ما توهمه الجهله من انه استواء بالذات لا شعر ذلك بالتغيير واعوجاج سابق على وقت الاستواء فان البارى تعالى كان موجودا قبل العرش ومن انصف علم ان قول من يقول العرش بالرب استوى امثل من قول من يقول الرب بالعرش استوى فالرب اذا موصوف بالعلو وفوقيه الرتبه والعظمة منزه عن الكون فى المكان @ وعن المحاذاة ثم قال وقد نبغت نابغة من الرعاع لولا استزلالهم للعوام بما يقرب من افهامهم ويتصور فى اوهامهم لاجللت هذا المكتوب عن تلطيخه بذكرهم يقولون نحن نأخذ بالظاهر ونجرى الايات الموهمة تشبيها والاخبار المقتضبة حدا وعضوا على الظاهر ولا يجوز ان نطرق التأويل الى شئ من ذلك ويتمسكون بقول الله تعالى وما يعلم تأويله الا الله وهؤلاء والذى ارواحنا بيده اضر على الاسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الاوثان لان ضلالات الكفار ظاهرة يتجنبها المسلمون وهؤلاء أتوا الدين والعوام من طريق يغتر به المستضعفون فأوحوا الى اوليائهم بهذه البدع واحلوا فى قلوبهم وصف المعبود سبحانه بالاعضاء والجوارح والركوب والنزول والاتكاء والاستلقاء والاستواء بالذات والتردد فى الجهات فمن أصغى الى ظاهرهم يبادر بوهمه الى تخيل المحسوسات فاعتقد الفضائح فسال به السيل وهو لا يدرى اه ثم ذكر المصنف المحال الذى يلزم من تفسير الاستواء بالاستقرار والتمكن فقال هو (كون المتمكن جسما مماسا للعرش اما مثله او اكبر منه او اصغر وذلك محال وما يؤدى الى المحال محال) وتحقيقه انه تعالى لو استقر على مكان أو حاذى مكانا لم يخل من ان يكون مثل المكان او اكبر منه او اصغر منه فان كان مثل المكان فهو اذا متشكل باشكال المكان حتى اذا كان المكان مربعا كان هو مربعا او كان مثلثا وذلك محال وان كان اكبر من المكان فبعضه على المكان ويشعر بذلك بانه متجزئ وله كل ينطوى على بعض وكان بحيث ينتسب اليه المكان بانه ربعه او خمسه وان كان أصغر من ذلك المكان بقدر لم يتميز عن ذلك المكان الا بتحديد وتتطرق اليه المساحة والتقدير وكل ما يؤدى الى جواز التقدير على البارى تعالى فتجوزه فى حقه كفر من معتقده وكل من جاز عليه الكون بذاته على محل لم يتميز عن ذلك المحل الا بكون وقبح وصف البارى بالكون ومتى جاز عليه موازاة مكان او مماسته جاز عليه مباينته ومن جاز عليه المباينة والمماسة لم يكن الا حادثا وهل علمنا حدوث العالم الا بجواز المماسة والمباينة على اجزائه وقصارى الجهلة قولهم كيف يتصورموجود لا فى محل وهذه الكلمة تصدر عن بدع وغوائل لا يعرف غورها وقعرها الا كل غواص على بحار الحقائق وهيهات طلب الكيفية حيث يستحيل محال والذى يدحض شبههم أن يقال لهم قبل ان يخلق العالم او المكان هل كان موجودا ام لا فمن ضرورة العقل ان يقول بلى فيلزمه لو صح قوله لا يعلم موجودا الا فى مكان احد امرين اما ان يقول المكان والعرش والعالم قديم واما ان يقول الرب تعالى محدث وهذا مأل الجهلة والحثوية ليس القديم بالمحدث والمحدث بالقديم ونعوذ بالله من الحيرة فى الدين قال ابن الهمام فى المسايرة على نحو ماذكرنا فى الاستواء يجرى كل ما ورد فى الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية فى الشاهد كالاصبع والقدم واليد والعين فيجب الايمان به مصحوبا بالتنزيه فان كلا منها صفة له تعالى لا بمعنى الجارحة بل على وجه يليق به وهو سبحانه وتعالى اعلم به وقد يوؤل كل من ذلك لاجل صرف فهم العامة عن الجسمية وهو ممكن ان يراد ولا يجزم بارادته خصوصا على رأى اصحابنا يعنى الماتريديه انها من المتشابهات وحكم المتشابه انقطاع رجاء معرفة المراد منه فى هذه الدار والا لكان قد علم اه قال تلميذه ابن أبى شريف وهذا بناء على القول بالوقف فى الاية على قوله الا الله وهو قول الجمهور واعلم ان كلام امام الحرمين فى الارشاد يميل الى طريق التأويل ولكنه فى الرسالة النظامية اختار طريق التفويض حيث قال والذى نرتضيه رأيا وندين الله به عقدا اتباع السلف فانهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها وكأنه رجع الى اختيار التفويض لتأخر الرسالة ومال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الى التأويل فقال فى فتاويه طريقة التأويل بشرطها أقربها الى الحق ويعنى بشرطها ان يكون على مقتضى لسان العرب وتوسط ابن دقيق العبد فقال نقبل التأويل بشرطها أقربها الى الحق ويعنى بشرطها أن يكون على مقتضى لسان العرب ونتوقف فيه اذا كان بعيد او جرى شيخنا المصنف يعنى ابن الهمام على التوسط بين أن تدعو الحاجة اليه لخلل فى فهم العوام وبين أن لا تدعو الحاجة @ الى ذلك اه وقال والد امام الحرمين فى كفاية المعتقد أما ما ورد من ظاهر الكتاب والسنة ما يوهم بظاهرها تشبيها فاللسلف فيه طريقان احداهما الاعراض فيها عن الخوض فيها وتفويض عملها الى الله تعالى وهذه طريقة ابن عباس وعامة الصحابة واليها ذهب كثير من السلف وذلك مذهب من يقف على قوله ومايعلم تأويله الا الله ولا يستبعد ان يكون لله تعالى سر فى كتابه والصحيح ان الحروف المقطعة من هذا القبيل ويعلم بالدليل يقينا ان ركنا من اركان العقيدة ليس تحت ذلك السر لان الله تعالى لا يؤخر البيان المفتقر اليه عن وقت الحاجة ولا يكتم كتمانا والطريقة الثانية الكلام فيها وفى تفسيرها بأن يردها عن صفات الذات الى صفات الفعل فيخمل النزول على قرب الرحمة واليد على النعمة والاستواء على القهر والقدرة وقد قال صلى الله عليه وسلم كلتا يديه يمين ومن تأمل هذا اللفظ انتفى عن قلبه ريبة التشبيه وقد قال تعالى الرحمن على العرش استوى وقال ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم فكيف يكون على العرش ساعة كونه سادسهم الا ان يرد ذلك الى معنى الادراك والاحاطة لا الى معنى المكان والاستقرار والجهة والتحديد اه وقول والد امام الحرمين وذلك مذهب من يقف على قوله الخ ومثله ما مرعن ابن ابى شريف قدرده القشيرى فى التذكرة الشرقية حيث قال واما قول الله عز وجل وما يعلم تأويله الا الله انما يريد به وقت قيام الساعة فأن المشركين سألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن الساعة أيان مرساها ومتى وقوعها فالمتشابه اشارة الى علم الغيب فليس يعلم عواقب الامور الا الله عز وجل ولهذا قال هل ينظرون الا تأويله يوم يأتى تأويله اى هل ينظرون الا قيام الساعة وكيف يسوغ القائل ان يقول فى كتاب الله تعالى مالا سبيل لمخلوق الى معرفته ولا يعلم تأويله الا الله اليس هذا من اعظم المدح فى النبؤات وان النبى صلى الله عليه وسلم ما عرف تأويل ما ورد فى صفات الله تعالى ودعا الخلق الى علم مالا يعلم أليس الله اذ يقول بلسان عربى مبين فاذا على زعمهم يجب ان يقولوا كذب حيث قال بلسان عربى مبين اذ لم يكن معلوما عندهم والا فأين هذا البيان واذا كان بلغة العرب فكيف يدعى انه مما لاتعلمه العرب لما كان ذلك الشئ عربيا فما قول فى مقال ماله الا تكذيب الرب سبحانه ثم كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعو الناس الى عبادة الله تعالى فلو كان فى كلامى وفيما يلقيه الى امته شئ لا يعلم تأويله الا الله تعالى لكان للقوم أن يقولوا بين لنا اولا من تدعونا اليه وما الذى تقول فان الايمان بما لا يعلم أصله غير متأن ونسبة النبى صلى الله عليه وسلم الى انه دعا الى رب موصوف بصفات لا تعقل امر عظيم لا يتخيله مسلم فان الجهل بالصفات يؤدى الى الجهل بالموصوف والغرض أن يستبين من معه مسكة من العقل ان قول من يقول استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناها واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها والقدم صفة ذاتية لا يعقل معناها تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء الى الجهل وقد وضح الحق لذى عينين وليت شعرى هذا الذى ينكر التأويل يطرد هذا للانكار فى كل شئ وفى كل اية أم يقنع بترك التأويل فى صفات الله تعالى فان امتنع من التأويل اصلا فقد ابطل الشريعة والعلوم اذ مامن اية وخبر الا ويحتاج الى تأويل وتصرف فى الكلام لان ثم أشياء لابد من تأويلها لا خلاف بين العقلاء فيه الا الملحدة الذين قصدهم التعطيل للشرائع والاعتقاد لهذا يؤدى الى ابطال ماهو عليه من التمسك بالشرع وان قال يجوز التأويل على الجملة الا فيما يتعلق بالله وبصفاته يجب التغاضى عنه وهذا لا يرضى به مسلم وسر الامر ان هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه غير انهم يدلسون ويقولون لاه يد لا كالايدى وقدم لا كالاقدام واستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا فليقل المحقق هذا كلام لابد له من استبيان قولكم نجرى الامرعلى الظاهر ولا يعقل معناه تناقض ان اجريت على الظاهر فظاهر السياق فى قوله تعالى يوم يكشف عن ساق هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعصب والمخ فان أخذت بهذا الظاهر والتزمت بالاقرا بهذه الاعضاء فهو الكفروان لم @ يمكنك الاخذ بها فأين الاخذ بالظاعر ألست قد تركت الظاهر وعلمت تقدس الرب تعالى بما يوهم الظاهر فكيف يكون أخذا بالظاهر وان بطل الخصم هذة الظواهر لا معنى لها أصلا فهو حكم بانها ملغاة وما كان فى ابلاغها الينا فائدة وهى هدر وهذا محال وفى لغة العرب ماشئت من التجوز والتوسع فى الخطاب وكانوا يعرفون موارد الكلام ويفهمون المقاصد فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة فهمه بالعربية ومن احاط بطرق من العربية هان عليه مدرك الحقائق وقد قيل وما يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم فكأنه قال والراسخون فى العلم أيضا يعلمونه ويقولون امنا به فان الايمان بالشئ انما يتصوربعد العلم اما مالا يعلم فالايمان به غير متأن ولهذا قال ابن عباش انا من الراسخين فى العلم اه قلت وهذا الذى ذهب اليه هو مختار شيخ جده ابن فورك واليه ذهب العز بن عبد السلام فى رسائله منها رسالته التى ارسلها جوابا للملك الاشرف موسى وهى بطولها فى طبقات ابن السبكى وهو بظاهره مخالف لمذهب السلف القائلين بامرارها على ظواهرها وقد مرت فى آخر الفصل الثانى شروط للتأويل راجع النظر اليها لتعلم انه كيف يجوز ولمن يجوز ومتى يجوز ولنذكر نص امام الحرمين فى الرسالة النظامية فى هذه المسئلة وهى آخر مؤلفاته على مازعم ابن ابى شريف قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى قال امام الحرمين فى الرسالة النظامية اختلفت مسالك العلماء فى هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك فى آى الكتاب ومايصح من السنن وذهب أئمة السلف الى الانكفاف عن التأويل واحراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها الى الله عز وجل والذى نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الامة للدليل القاطع ان اجماع الامة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما فلا شك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة واذا واذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع اه قال الحافظ وقد تقدم النقل عن اهل العصر الثالث وهم فقهاء الامصار كالثورى والاوزاعى ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنه من الائمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة اه قلت والى هذا مال المصنف فى الجام العوام فقد عقد فى الكف عن التأويل والخوض فيه بابا وذكر فيه ثلاثة أمثلة مثال فى الفوقية ومثال فى الاستواء ومثال فى النزول وقال فى أول كتابه المذكور ان الحق الصريح الذى لا مراء فيه هو مذهب السلف أعنى مذهب الصحابة والتابعين وهو الحق عندنا ان كل من بلغه حديث من هذه الاخبار من عوام الخلق يجب عليه سبعة أمور التقديس والتصديق والاعتراف بالعجز والسكون والكف والامساك والتسليم لاهل المعرفة وقد تقدم شئ من ذلك فى الفصل الثانى فراجعه وقال الحافظ ابن حجر وقسم بعضهم اقوال الناس فى هذا الباب الى ستة أقوال قولان لمن يجريها على ظاهرها أحدهما من يعتقد انها من جنس صفات المخلوقين وهم المشبهة وتتفرع من قولهم عدة اراء والثانى من ينفى عنها شبه صفة المخلوقين لان ذات الله لا تشبه الذوات فصفاته لا تشبه الصفات فان صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته وقولان لما يثبت كونها صفة ولكن لا يجريها على ظاهرا أحدهما يقول لا نؤول شيأ منها بل نقول الله اعلم بمراده والاخر يؤول فيقول مثلا معنى الاستواء الاستيلاء واليد القدرة ونحو ذلك وقولان لمن لا يجزم بانها صفة أحدهما يجوز أن يكون صفة وظاهرها غير مراد ويجوز أن لا تكون صفة والاخر يقول لا يخاض فى شئ من هذا بل يجب الايمان به لانه من المتشابه الذى لا يدرك معناه اه وقال البكى فى شرح الحاجبية اختلف اهل السنة فى اتصاف البارى تعالى بهذه الصفات التى ظاهرها محال على ثلاثة اقوال الاول قول السلف انها هى صفات زائدة على السبع الله اعلم بحقائقها وهى أحد قولى الاشعرى وهو قول مالك واليه يشير الامام احمد بقوله الايات المتشابهات خزائن مقفلة حلها تلاوتها الثانى كلها مجازات يدل بها على تلك الصفات الثمانية عقلا وسمعا وهذا قول الحذاق من الاشاعرة الثالث الوقف وهو اختيار صاحب المواقف والمقترح ثم أهل @ التأويل اختلفوا على طريقين الاول طريق الاقدمين كابن فورك يحملها على مجازاتها الراجعة الى الصفات الثابتة عقلا الثانى طريق المتأخرين وهى التى كانت مركوزة فى قلوب السلف قبل دخول العجمة برد هذه المتشابهات الى التمثيل الذى يقصد به تصور المعانى العقلية بابرازها فى الصور الحسية قصدا الى كمال البيان اه الخ وقال الحافظ ابن حجر لاهل الكلام فى هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال احدها انها صفات ذات أثبتها السمع ولا يهتدى اليها العقل والثانى ان العين كناية عن صفة البصر واليد كناية عن صفة القدرة والوجه كنايةعن صفة الوجود والثالث امرارها على ما جاءت به مفوضا معناها الى الله تعالى وقال الشيخ شهاب الدين السهروردى فى كتاب العقيدة له أخبر الله فى كتابه وثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم فى الاستواء والنزول والنفس واليد والعين فلا يتصرف فيهما بتشبيه ولا تعطيل اذ لولا اخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحى قال الطيبى هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح وقال غيره لم ينقل النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن احد من أصحابه من طريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شئ من ذلك ولا المنع من ذكره ومن المحال أن يامر الله تنبيه بتبليغ ما انزل اليه من ربه وينزل عليه اليوم اكملت لكم دينكم ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبته اليه مما لا يجوز مع حضه على التبليغ عنه حتى نقلوا عنه اقواله وافعاله واحواله وصفاته وما فعل بحضرته فدل على انهم اتفقوا على الايمان بها على الوجه الذى اراده الله منها ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات بقوله تعالى ليس كمثله شئ فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق اه * (تكميل) * قول من قال طريقة السلف اسلم وطريقة الخلف احكم نقل الحافظ ابن حجر عن بعضهم انه ليس بمستقيم لانه ظن ان طريقة السلف بمجرد الايمان بالفاظ القرأن والحديث من غير فقه فى ذلك وان طريقة الخلف هى استخراج معانى النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات فجمع هذا القائل بين الجهل بطريقة السلف والدعوى فى طريقة الخلف وليس الامر كما ظن بل السلف فى غاية المعرفة بما يليق بالله تعالى وفى غاية التعظيم له والخضوع لامره ولتسليم لمراده وليس من سلك طريقة الخلف واثقا بأن الذى يتأوله هو المراد ولا يمكنه القطع بصحة تأويله اه قلت وقد اشار الى ذلك المصنف فى الجام العوام بما لا مزيد على تحريره (الاصل التاسع العلم بأن الله تعالى مع كونه منزها عن الصورة والمقدار) المفهوم من قوله لا يشبه شيأ ولا يشبهه شيأ (مقدسا عن الجهات والاقطار) وعن الامكنة والازمنة والتحديد وغير ذلك (مرئى للمؤمنين بالاعين والابصار فى الدار الاخرة بعد دخولهم دار القرار) نظم المصنف هذا الاصل فى سلك اصول الركن المعقود لمعرفة الزاد نظرا الى ان نفى الجهة يوهم انه مقتض للانتفاء فاقتضى المقام دفع هذا التوهم ببيان جواز الرؤية عقلا ووقوعها سمعا فهو كالتتمة للكلام فى نفى الجهة والمكان قال ابن أبى شريف الكلام فى الرؤية فى ثلاث مقامات الاول فى تحقيق معناها تحريرا لمحل النزاع بيننا وبين المعتزلة فنقول اذا نظرنا الى الشمس مثلا فرأيناها ثم أغمضنا العين فانا نعلم الشمس عند التغميض علما جاليا لكن فى الحالة الاولى امر زائد وكذا اذا عملنا شيأ علما تاما جاليا ثم رأيناه فانا ندرك بالبديهة تفرقة بين الحالتين وهذا الادراك الممل على الزياة فنسميه الرؤية قلت يشير الى ان المعنى من الرؤية ما نجده من التفرقة من ادراك الشمس حالة تقليب الحدقة وصرف البصر اليه ومن ادراكا لها حالة انصراف البصر او تغميضه عنها فالادراك الاول هو المسمى بالرؤية والثانى هو المسمى بالعين ثم قال ولا تتعلق فى الدنيا الا بمقابلة لما هو فى جهة ومكان فهل يصح ان تقع بدون المقابلة والجهة والمكان ليصبح تعلقه بذات الله تعالى مع التنزيه عن الجهة والمكان المقام الثانى فى جوازها عقلا والثالث فى وقوعها سمعا اما المقام الثانى فقال الامدى اجمع الائمة من اصحابنا على ان رؤية الله تعالى فى الدنيا والاخرة جائزة عقلا واختلفوا فى جوازها سمعا فى الدنيا فأثبته قوم ونفاه @ اخرون وهل يجوز ان يرى فى المنام فقيل لا وقيل نعم والحق انه لا مانع من هذه الرؤية وان لم تكن رؤية حقيقية ولا خلاف عندنا انه تعالى يرى ذات المقدسة والمعتزلة حكموا بامتناع رؤيته عقلا لدى الحواس واختلفوا فى رؤيته لذاته واما المقام الثالث فقد أطبق اهل السنة على وقوع الرؤية فى الآخرة واختلفوا فى وقوعها فى الدنيا ومقصود المصنف فى هذا المقام الاستدلال على وقوعها فى الآخرة فقدم الاستدلال عليه بالنقل ثم بالعقل ثم استدل بالنقل ايضا على الجواز على انه يلزم من ثبوت الوقوع فى الآخرة بدليله ثبوت الجواز ثم استدل بالعقل على الجواز فقال (لقوله تعالى يومئذ) أى يوم القيامة (ناضرة) اى ذات نضرة وهى تهلل الوجه وبهاؤه (الى ربها ناظرة) اى مستغرقة فى مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه فتقديم المعمول على هذا للحصر ادعاء ويصح كونه لمجرد الاهتمام ورعاية الفاصلة دون الحصر ويكون المعنى مكرمة بالنظر الى ربها قال البكى وتقرير هذا الدليل عند الائمة ان النظر الموصل بالى ام بمعنى الرؤية او هو ملزوم بالرؤية بشهادة النقل عن ائمة اللغة اما حقيقة او مجاز عن الرؤية لكونه عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئى طلبا لرؤيته وقد تعذرت هنا الحقيقة لامتناع المقابلة والجهة فتعينت الرؤية لكونها اقرب المجازات الى الحقيقة ثم اشتهر هذا المجاز بحيث التحق بالاستعمال الحقيقى كما يشهد به العرف اه وقال النسفى النظر المضاف الى الوجه المقيد بكلمة الى لا يكون الى نظر العين وبهذا بطل قول من قال من المعتزلة ان معنى الاية نعمة ربها منتظره لان الى واحد الالاء كذا فى تهذيب الازهرى اذ النظر اذا اريد به الانتظار فانه لا يعلق بالوجه ولا يتعدى بالى كما فى قوله تعالى فناظرة بما يرجع المرسلون أى منتظرة ولان حمل النظر على الانتظار المفضى للنعم فى دار القرار سمج لما قيل الانتظار موت احمر اه من الدلائل على جواز الرؤية من الكتاب قوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون خص الكفار بالحجاب تحقيرا لهم واهانة فلو لم تكن من المؤمنون بخلافهم لعم التحقير وبطل التخصيص وقال النسفى تخصيص الحجاب للكفار دليل على عدمه للابرار اه وقال الربيع سمعت الشافعى يقول فى هذة الاية علمنا بذلك ان قوما غير محجوبين ينظرون اليه لا يضامون فى رؤيته مما دل على الرؤية من الكتاب ايضا قوله تعالى للذيت احسن الحسنى وزيادة فقد ورد من طرق صحيحة مرفوعة الى النبى صلى الله عليه وسلم انه سئل عن الزيادة فقال النظر الى الله تعالى واما فى السنة فلما اخرجه الشيخان من حديث أبى هريرة رضى الله عنه رفعه هل تضارون فى الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فانكم ترونه كذلك فى بعض الروايات هل تضامون وفى بعضها فانكم ترون ربكم كذلك والمقصود به تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئى بالمرئى واخرج القشيرى فى رسالته حديثا طويلا من رواية جابر بن عبد الله رضى الله عنه وفيه فيكشف لهم الحجاب فينظرون الله تعالى فيتمتعون بنور الرحمن سبحانه حتى لا يبصر بعضهم بعضا وأحاديث الرؤية متواترة معنى فقد وردت بطرق كثيرة عن جمع كثير من الصحابة ثم انهم بعد الجواز اختلفوا هل الوقوع مخصوص بالاخرة وهو قول جماعة واحدة قولى الاشعرى وظاهر قول مالك واليه اشار بقوله (ولا يرى فى الدنيا تصديقا لقوله عز وجل لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) وهو اللطيف الخبير قال النسفى فى شرح العمدة وتبعه القونوى
صفحہ 112