بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الله ناصر كل صابر الواجب الوجود ذاتي الحمد سبحان من تعالي في أزل الأزل فلا يزال ليس له قبل وليس له بعد فهو الأول بلا أولية والأخر بلا وصلواته وتسليماته علي عبده الذي بين معالم التوحيد وشاد دعائم الدين وساد عند مولاه كافة الصفوة من العبيد سيدنا ومولانا محمد الحبيب الحميد وعلي آله وصحبه وأتباعه علي التأييد أمين وبعد فهذا شرح كتاب قواعد العقائد وهو الثاني من كتاب أحياء علوم الدين للإمام حجه الإسلام أبي حامد الغزالي الطوسي رحمة الله تعالي المتكفل لبيان القواعد الدينية المشتمل علي محاسن معتقدات الطائفية السنية العلية التي هي غاية مطامح انتظار العلماء العاملين وفي تحصيلها فتوح باب الرشد واليقين استمددت في تفصيل مجملها وإيضاح مهمها وتبين مشكلها بالكتب المؤلفة في طريقتي إمامي السنة والهدي وبدري المعالي في سماء الاهتداء والاقتدا الإمام أبي الحسن الأشعري والإمام أبي منصور الماتريدي مستعينا بحول الله وفتوته متوكلا عليه راجيا حسن معونته انه بالفضل جدير وعلي ما يشاء قدير وهذا تفصيل أسامي الكتب المشار إليها ليعتمد الواقف علي نقوله المعتمد عليها وهي سوي ما ذكر بيانه في مقدمة شرح كتاب المشار إليها ليعتمد الواقف علي نقوله المعتمد عليها وهي سوي ما ذكر بيانه في مقدمة شرح كتاب العلم فمن كتب الاشاعرة كتاب الأسماء والصفات للإمام أبي منصور وعبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي البغدادي وهو أجمع كتاب رأيته في الفن وكتاب السنة للإمام أبي القاسم هبه الله بن الحسن الطبري اللالكائي والتذكرة القشيرية للإمام أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الكرم القشيرى والمدخل الأوسط إلي علم الكلام للإمام أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك والكافي في العقد الصافي للإمام الفقيه أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الصمد الاسكاف النيسابوري وعمدة العقائد والفوائد بإثبات الشواهد للإمام يوسف بن ذوناس الفندلائي المالكي ومعتقد أهل السنة والجماعة للإمام ركن الإسلام أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني واعتقاد أهل السنة للإمام زين الإسلام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيرى @ وتحرير المطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب لمحمد بن عبد الرحمن البكر قاضي الجماعة بتونس ولمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة لإمام الحرمين وشرحه للإمام شرف الدين بن التلمساني وشرح الكبري للشريف أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي وحاشية العلامة أبي الوفاء لحسن بن مسعود اليوسي عليه ومختصر شرح السنوسي علي الجزائرية لابن تركي وهداية المريد شرح جوهرة التوحيد للبرهان اللقاني والحاشية علي أم البراهين للشهاب أحمد بن محمد الغنيمي والعقيدة للإمام أبي أسحق الشيرازي صاحب التنبيه والعقيدة للإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام وشرح عقيدة المصنف لبعض العلماء لفضلاء وهي عقيدة صغيرة الحجم في نحو ورقة وشارحها الفه بمكة في رابع رجب سنة خمس وعشرين وثمانمائة سماء منار سبل الهدي في مجلد ومشكاة الأنوار وكيمياء السعادة والمقصد الاسني في معاني أسماء الله الحسني والمعارف العقلية ولباب الحكمة الألهية والمنقذ من الضلال والمفصح عن الأحوال والجسام العوام في عام الكلام والأربعين في أصول الدين سبعتهم للمصنف وكتاب أسرار التنزيل للفخر الرازي ومحجة الحق ومنجاة الخلق لأبي الخير أحمد بن اسمعيل الطالقاني القزويني وتبيين كذب المفتري علي الإمام أبي الحسن الاشعري للحافظ ابن عساكر وتأويل المتشابهات لشمس الدين أبن اللبان ومن كتب الماتريديه شرح عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي لإبي المحاسن محمود بن أحمد بن مسعود القونوي الحنفي وشرح العقائد النسفية لمؤلفه الإمام نجم الدين عمر بن محمد النسفى وللإمام حافظ الدين بن عبد الله بن أحمد النسفي والإمام شهاب الدين أحمد بن أبي المحاسن الطيبي الاسدي الحنفي وللإمام الكستلي والإمام سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني وحاشية احمد بن موسي الخيالي عليه وكتاب المسايرة للكمال بن الهمام مع شرح تلميذه ابن أبي شريف عليه وشرح الفقه الأكبر للعلامة ملا علي القاري ونظم الفوائد وجمع الفوائد للفاضل عبد الرحيم بن علي الرومي واشارات المرام من عبارات الإمام للعلامة بياض زاده جمع فيه الكتب الخمسة المنسوبة للإمام وشرحها والعمدة للإمام ناصر الحق نور الدين أبي المحامد أحمد بن محمود الصابوني البخاري وهو غير عمدة النسفي وشرح بحر الكلام للبخاري وتلخيص الأدلة للصغار وغير هؤلاء مما سيأتي التصريح بالنقل عنها في مواضع من هذا الكتاب (مقدمة وفيها فصول الفصل الأول في ترجمة أمامي السنة أبي الحسن الاشعري وأبي منصور الماتريدي) فأما أبو الحسن الاشعري فهو الإمام الناصر للسنة إمام المتكلمين علي بن اسمعيل بن أبي بشر اسحق بن سالم ابن اسمعيل بن عبد الله بن موسي بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسي الأشعري وأسم أبي موسي عبد الله بن قيس صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم ورضي عنه ترجمة الحافظان أبو القاسم ابن عساكر في كتاب تبيين المفتري علي بن أبي الحسن الأشعري وأبو عبد الله الذهبي في تاريخ الإسلام وقبلهما الحافظ أبو بكر الخطيب في التاريخ ثم التاج السبكي في الطبقات والعماد بن كثير الحافظ في الطبقات أيضا ما بين مطول ومختصر ما حصله ولد سنة ستين وقيل سنة سبعين والأول أشهر أخذ علم الكلام أولا عن شيخه أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي شيخ المعتزلة ثم فارقه لمنام رأه ورجع عن الأعتزال وأظهر ذلك أظهارا فصعد منبر البصرة يوم الجمعة ونادي بأعلي صوته من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا يري في الدار الآخرة بالأبصار وأن العباد يخلقون أفعالهم وها أنا تائب من الاعتزال معتقد الرد علي المعتزلة ثم شرع في الرد عليهم والتصنيف علي خلافهم ودخل بغداد وأخذ الحديث عن زكريا بن يحيي الساجي أحد أئمة الحديث والفقه وعن أبي خليفة الحجي وسهل بن سرح ومحمد ابن يعقوب المقري وعبد الرحمن بن خلف الضبي البصريين وروي عنهم كثيرا في تفسيره وصنف بعد رجوعه من اعتزاله الموجز وهو ثلاث مجلدات كتاب مفيد في الرد علي الجهمية والمعتزلة ومقالات الاسلاميين وكتاب الابانة وقال الخطيب هو بصري سكن بغداد إلي أن توفي وكان يجلس في أيام الجمعات في حلقة أبي اسحق @ المروزي الفقيه في جامع المنصور وممن أخذ عنه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي وأبو الحسن الباهلى وبندار بن الحسن الصوفي وأبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري وهؤلاء الأربعة أخص أصحابه فابن مجاهد هو شيخ أبي بكر الباقلانى وهو مالكي كما صرح به عياض في المدارك والباهلى شيخ الأستاذين أبي اسحق الأسفراينى وأبي بكر بن فورك وشيخ الباقلاني أيضا الا انه أخص بابن مجاهد والاستاذان أخص بالباهي ومن الأخذين عن الأشعري الاستاذ أبو سهل الصعلوكي وأبو بكر الجرجاني الاسماعيلي والشيخ أبو بكر القفال وأبو زيد المروزى وأبو عبد الله بن خفيف الشيرازي وزاهر بن أحمد السرخسي والحافظ ابو بكر الجرجاني الاسماعيلي والشيخ أبو بكر الاودفي والشيخ أبو محمد الطبري العراقي وأبو جعفر السلمي النقاش وغيرهم هؤلاء أصحابه وأما الذين جالسوا أصحابه وأصحاب أصحابه وهلم جرافهم كثيرون علي طبقاتهم وأما اجتهاد الشيخ في العبادة والتاله فأمر غريب ذكر بندرا خدمة انه مكث عشرين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء وكان يأكل من غلة قرية وقفها جده بلال بن أبي بردة علي نسله قال وكانت نفقته في كل سنة سبعه عشر درهما كل شهر درهم وشئ يسير قال ابن كثير قال الأستاذ أبو اسحق الاسفرايني كنت في جنب أبي الحسن الباهلي كقطر في البحر وسمعته يقول كنت أنا في جنب أبي الحسن الأشعري كقطرة في البحر وقال القاضي الباقلاني أحسن أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن الأشعري وقال ابن السبكي ومن أراد معرفة قدر الأشعري وأن يمتلئ قلبه من حبه فعليه بكتاب تبيين المفتري للحافظ أبي القاسم بن عساكر وهو من أجل الكتب وأعظمها فائدة واحسنها ويقال لايكون الفقية شافعيا علي الحقيقة حتى يحصل هذا الكتاب وكان مشيختنا يأمرون الطلبة بالنظر فيه قال وقد رغم بعض الناس أن الشيخ كان مالكي المذهب وليس ذلك بصحيح أنما كان شافعيا تفقه علي أبي اسحق المروزى نص علي ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك في طبقات المتكلمين والأستاذ أبو اسحق الاسفرايني فيما نقله الشيخ أبو محمد الجويني في شرح الرسالة والمالكي هو القاضي أبو بكر الباقلاني شيخ الاشاعرة اهقلت والذي قال انه مالكي المذهب جماعة منهم القاضي عياض فذكره في طبقاتهم في كتابه المدارك واعتمد عليه وتبعه علي ذلك غير واحد منهم أبو عبد الله محمد بن موسي بن عماد الكلاعي البورقي وهو من أئمة المالكية فانه صرح في ترجمة الشيخ بأنه كان مالكي المذهب في الفروع وحكي انه سمع الإمام رافع الحمال يقول ذلك هكذا نقله الذهبي قال ابن السبكي وقد وقع لي أن سبب الوهم فيه ان القاضي أبا بكر كان يقال له الأشعري لشده قيامة في نصرة مذهب الشيخ وكان مالكيا علي الصحيح الذي صرح ابن السمعاني في القواطع غيره من النقلة الاثبات ورافع الحمال قرأ علي من قرأ علي القاضي فأظن اليورقي سمع رافعا يقول الأشعري مالكي فتوهمه يعني الشيخ وانما يعني رافع القاضي أبا بكر هذا ما وقع لي ولا أشك فيه واليورقي رجل معتزلي بعيد الدار عن بلاد العراق متأخر عن زمان أصحاب الشيخ وأصحاب أصحابه فبعد عليه تحقيق حاله وقد تقدم كلام الشيخ أبي محمد الجويني عن الأستاذ أبي اسحق وكفي به فانه أعرف من رافع ولا أحد في عصر الأستاذ أخبر منه بحال الشيخ ألا ان يكون الباقلاني اه وهذا الذي ذكره آخره مسلم ولكن توجيهه لكلام رافع مستبعد كما لا يخفي ولم لا يكون الشيخ عارفا بالمذهبين يفتي بهما كما كان ابن دقيق العيد وغيره من جهابذة العلماء ويكون دعوي كل من الفريقين صحيحا فتأمل وقال ابن كثير ذكر والشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال أولها حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة الحال الثاني أثبات الصفات العقلية السبعة وهي الحياة واعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام وتأويل الجزئية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك والحال الثالث أثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريا علي منوال السلف وهي طريقته في الأبانة التي صنفها أخرا وشرحها الباقلاني ونقلها ابن عساكر وهي التي مال إليها الباقلاني وإمام الحرمين وغيرهما من أئمة الأصحاب المتقدمين في أواخر أقوالهم والله أعلم واختلفت في وفاته علي @ أقوال فقال الأستاذ ابن فورك والحافظ أبو يعقوب اسحق بن إبراهيم القراب وأبو محمد بن حزم انه مات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وقال غيرهم سنة ثلاثين وقيل سنة نيف وثلاثين وقيل سنة عشرين والأول أشهر قلت وصححه ابن عساكر وأما الإمام أبو منصور الماتريدي فهو محمد بن محمد بن محمود الحنفي المتكلم وما تريد ويقال ما تريت بالمثناة الفوقية بدل الدال في أخر محلة بسمر قند أو قرية بها ويلقب بإمام الهدي وترجمه الإمام المحدث محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفا القرشي الحنفي في الطبقات المسمي بالجواهر المضيئة والإمام مجيد الدين أبو الندي اسمعيل بن إبراهيم ابن محمد بن علي بن موسي الكناني البلبسي القاهري الحنفي في كتاب الأنساب كل منهما علي الأختصار وكذا يوجد بعض أحواله في انتساب كتب المذهب وحاصل ما ذكروه انه كان اماما جليلا مناضلا عن الدين موطدا لعقائد أهل السنة قطع المعتزلة وذوي البدع في مناظراتهم وخصمهم في محاوراتهم حتى أسكتهم تخرج بالإمام أبي نصر العياضي وكان يقال له إمام الهدي وله مصنفات منها كتاب التوحيد وكتاب المقالات وكتاب رد أوائل الأدلة للكعبي وكتاب بيان وهم المعتزلة وكتاب تأويلات القرآن وهو كتاب لا يوازيه كتاب فيه كتاب بل لا يدانيه شئ من تصنيف من سبقه في ذلك الفن وله غير ذلك وكانت وفاته سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة بعد وفاة أبي الحسن الأشعري بقليل وقبرة بسمر قند كذا وجد بخط الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن المنبر الحلبي الحنفي ووجدت في بعض المجاميع بزيادة محمد بعد محمود وبالأنصاري في نسبه فان صح ذلك فلا ريب فيه فأنه ناصر السنة وقامع البدعة ومحيي الشريعة كما أن كنيته تدل علي ذلك أيضا ووجدت في كلام بعض الأجلاء من شيوخ الطريقة أنه كان مهدي هذه الأمة في وقته ومن شيوخه الإمام أبو بكر أحمد بن اسحق بن صالح الجوزجاني صاحب الفرق والتمييز وأما شيخه المذكور أبو نصر العياضي الذي تخرج به هو أحمد بن العباسي بن الحسين بن جبلة بن غالب بن جابر ابن نوفل بن عياض بن يحيي بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الفقيه السمرقندي ذكره الإدريسي في تاريخ سمرقند وقال كان من اهل العلم والجهاد ولم يكن أحد يضاهيه لعلمه وروعه وجلادته وشهامته إلي أن استشهد خلف أربعين رجلا من أصحابه كانوا من أقران أبي منصور الماتريدي وله ولدان فقيهان فاضلان أبو بكر وأبو أحمد ومن مشايخ الماتريدي نصير بن يحيي البلخي ويقال نصر بكرامات سنة ثمان وستين ومائتين ومن مشايخ الماتريدي محمد بن مقاتل الرازي قاضي الري ترجمه الذهبي في الميزان وقال حدث عن وكيع وطبقته وقد تقدم ذكره في الباب السادس من كتاب العلم في قصة دخول حاتم الأصم عليه فأما أبو بكر الجوزجاني وأبو نصر العياضي ونصير بن يحيي فكلهم تفقهوا علي الإمام أبي سليمان موسي بن سليمان الجوزجاني وهو علي الإمامين أبي يوسف ومحمد بن الحسن وتفقه محمد بن مقاتل ونصير بن يحيي أيضا علي الإمامين أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي وأبي مقاتل حفص بن مسلم السمر قندي وأخذ محمد بن مقاتل أيضا عن محمد بن الحسن أربعتهم عن الإمام أبي حنيفة قال ابن البياضي من علمائنا وليس الماتريدي من أتباع الأشعري لكونه أول من أظهر مذهب أهل السنة كما ظن لأن الماتريدي مفصل لمذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه المظهرين قبل الأشعري مذهب أهل السنة فلا يخلوا زمان من القائمين بنصرة الدين واظهاره كما في التبصرة النسفية وكيف لا وقد سبقه أيضا في ذلك الإمام أبو محمد عبد الله بن سعيد القطان وله قواعد وكتب وأصحاب ومخالفات للحنفية لاتبلغ عشر مسائل كما في سير الظهيرية والإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم القلانسي الرازي وله أيضا قواعد وكتب وأصحاب وألف الإمام ابن فورك كتاب اختلاف الشيخين القلانسي والأشعري كما في التبصرة النسفية اه قلت اما عبد الله بن سعيد القطان فهو أبو محمد المعروف بابن كلاب بالضم والتشديد ويقال فيه عبد الله بن محمد أيضا أحد الأئمة المتكلمين ووفاته بعد الأربعين @ ومائتين فيما يظهر ذكره أبو عاصم العبادي الشافعي في طبقة أبي بكر الصيرفي وابن النجار في تاريخ بغداد وذكر بينه وبين عباد بن سليمان مناظرة وعباد بن سليمان هذا من رؤس المعتزلة وابن كلاب من أئمة السنة كان يقول أن صفات الذات ليست ولا غيرها ثم زاد سائر أهل السنة فذهب كعباد بن سليمان أن كلامه تعالي لا يتصف بالأمر والنهي والخبر في الآ زال لحدوث هذه الأمور وقدم الكلام النفسي وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال فألزمهما أئمتنا أن يكون القدر المشترك موجودا بغير واحد من خصوصياته فهذه هي مقاله ابن كلاب التي ألزمه أصحابنا وجود الجنس دون النوع وهو غير معقول وكان عباد ينسبه للكفر لعله لتلك المقالة أولان المعتزلة بأسرهم يقولون للصفاتية أعني مثبتي الصفات لقد كفرت النصارى بثلاث وكفرتم بسبع وهو تشنيع من سفهاء المعتزلة علي الصفاتية ما كفرت الصفاتية ولا أشركت وأنما وحدت وأثبتت صفات قديم واحد بخلاف النصارى فأنهم أثبتوا قدماء فإني يستويان أو يتقاربان وقد ذكره والد الفخر الرازي في أخر كتاب غاية المرام في علم الكلام فقال ومن متكلمى أهل السنة في أيام المأمون عبد الله بن سعيد التميمي الذي ذم المعتزلة في مجلس المأمون وفضحهم بيانه وهو أخو يحيي بن سعيد القطان صاحب الجرح والتعديل اه قال التاج السبكي وكشفت عن يحيي بن سعيد القطان هل له أخ اسمه عبد الله فلم أتحقق إلي الآن شيأ وأن تحققت شيأ ألحقته أن شاء الله قلت الرجل معروف بأبن كلاب واسمه عبد الله وأختلف في أسم أبيه علي قولين محمد أو سعيد وظاهر سياق أئمة النسب أن كلابا أسم جد له أو لقب جد له وإن كان سبق في أول الترجمة خلاف ذلك فأنه مبني علي غير مشهور ويحيي بن سعيد القطان جده فروخ وهو من موالي تميم ولم أر من ذكر له أخا اسمه عبد الله ولم يأت بهذه الغريبة ألا والد الغجر فيحتاج إلي متابعه قوية والله أعلم وأما أبو العباس القلانسي فأنه من طبقة ابن فورك بل من طبقة أصحابه فكيف يصح قوله وقد سبقه أي الأشعري كما في التبصرة النسفية والذي يظهر ان صاحب المقالات إنما هو والده أبو اسحق إبراهيم بن عبد الله القلانسي وهو أيضا في الطبقة الثانية من أصحاب أبي الحسن الأشعري معاصر لابن فورك ولابد من التأمل والنظر في هذا المقام والله أعلم. الفصل الثاني: اذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية قال الخيالي في حاشيته علي شرح العقائد الاشاعرة هم أهل السنة والجماعة هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار وفي ديار ما وراء النهر يطلق ذلك علي الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور بين الطائفتين أختلاف في بعض المسائل كمسئلة التكوين وغيرها اه وقال الكستلي في حاشيته عليه المشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الاقطار هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري أول من خالف أبا علي الجبائي ورجع عن مذهبه إلي السنة أي طريق النبي صلي الله عليه وسلم والجماعة أي طريقه الصحابة رضي الله عنهم وفي ديار ما وراء النهر الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العياضي تلميذ أبي بكر الجوزجاني صاحب محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة وبين الطائفتين اختلاف في بعض الأصول كمسئلة التكوين ومسئلة الاستثناء في الإيمان ومسئلة إيمان المقلد والمحققون من الفريقين لا ينسب أحدهما الآخر إلي البدعة والضلالة أه قال ابن السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا علي معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل وان اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك أو في لمية ما هنالك وبالجملة فهم بالأستقرار ثلاث طوائف الأول أهل الحديث ومعتمد مباديهم الأدلة السمعية أعني الكتاب والسنة والإجماع الثانية أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية وهم الأشعرية والحنفية وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطالب@ يتوقف السمع عليه وفى المبادى السمعيه فيما يدرك العقل جوازه فقط والعقليه السمعيه فى غيرها واتفقوا فى جميع المطالب الاعتقاديه الا فى مسالة التكوين ومسالة التقليد الثالثه اهل الوجدان والكشف وهم اهل الصوفيه ومباديهم مبادى اهل النظر والحديث فى البدايه والكشف والالهام فى النهايه ا ه وليعلم ان كلا من الامامين ابى الحسن وابى المنصور رضى الله عنهما وجزاهما عن الاسلام خيرالم يبدعا من عندهما رايا ولم يشتقا مذهبا انما هما مقرران لمذاهب السلف مناضلان عما كانت عليه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحدهما قام بنصرة نصوص مذهب الشافعى وما دلت عليه والثانى قام بنصرة نصوص مذهب ابى حنيفه وما دلت عليه وناظر كلا منهما ذوى البدع والضلالات حتى انقطعو وولوا منهزمين وهذا فى الحقيقه هو اصل الجهاد الحقيقى الذى تقدمت الاشارة اليه فالانتساب اليهما انما هو باعتبار ان كلا منهما عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك واقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدى به فى تلك المسائل والدلائل يسمى اشعريا وماتريديا وذكر العز بن عبد السلام ان عقيدة الاشعرى اجمع عليها الشافعيه والمالكيه والحنفيه وفضلاء الحنابله ووافقه على ذلك من اهل عصره شيخ المالكيه فى زمانه ابو عمرو بن الحاجب وشيخ الحنفيه جمال الدين الحصيرى واقره على ذلك التقى السبكى فيما نقله عن ولده التاج وفى كلام عبد الله الميرثى المتقدم بذكره ما نصه اهل السنه من المالكيه والشافعيه واكثر الحنفيه بلسان ابى الحسن الاشعرى يناضلون وبحجته يحتجون ثم قال ولم يكن ابو الحسن اول متكلم بلسان اهل السنه انما جرى على سنن غيره او على نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجه وبيانا ولم يبتدع مقاله اخترعها ولا مذهب انفرد به الا ترى ان مذهب اهل المدينه نسب الى مالك. من كان على مذهب اهل المدينه يقال له مالكى ومالك انما اجرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتباع لهم الا انه زاد المذهب بيانا وسطا عزى اليه كذلك ابو الحسن الاشعرى لا فرق ليس له فى مذهب السلف اكثر من بسطه وشرحه وتواليه فى نصرته ثم عدد خلقا من ائمة المالكيه كانو يناضلون عن مذهب الاشعرى ويبدعون من خالفه ا ه قال التاج المالكيه اخص التاس بالشعرى اذ لا تحفظ مالكا غير اشعرى ويحفظ من غيرهم طوائف جنحوا اما الى اعتزال او الى تشيع وان كان جنح الى هذين من رعاع الفرق وذكر بن عساكر فى التبين ابا العباس الحنفى يعرف يقاضى العسكر ووصفه بانه من ائمة اصحاب الحنفيه ومن المتقدمين فى علم الكلام وحكى عن جملة من كلامه فمن قوله وجدت لابى الحسن الاشعرى كتبا كثيره فى هذا الفن يعنى اصول الدين وهو قريب من مائتى كتاب والموجز الكبير ياتى على عامة ما فى كتبه وقد صنف الاشعرى كتابا كبيرا لتصحيح مذهب المعتزله فانه كان يعتقد مذهبهم ثم بين الله ضلالتهم فبان عما اعتقده من مذهبهم وصنف كتابان قضا لما صنف للمعتزله وقد اخذ عامة اصحاب الشافعى بما استقر عليه مذهب ابى الحسن وصنف اصحاب الشافعى كتبا كثيرة على وفق ما ذهب اليه الاشعرى الا ان بعض اصحابنا من اهل السنة والجماعه خطا ابى الحسن فى بعض المسائل مثل قوله التكوين والمكون واحد ونحوهما فمن وقف على المسائل التى اخطا فيها ابو الحسن وعرف خطاه فلا باس له بالنظر فى كتبه فقد امسك كتبه كثير من اصحابنا من اهل السنه والجماعه ونظروا فيها (ذكر البحث عن تحقيق ذلك) قال التاج السبكى سمعت الشيخ الامام الوالد يقول ما تضمنته عقيدة الطحاوى هو ما يعتقده الاشعرى لا يخالف الا فى ثلاث مسائل ا ه قلت وكانت وفاة الطحاوى بمصر فى سنة احدى وثلاثين وثلاثمائه فهومعاصر لابى الحسن الشاذلى وابى منصور الماتريدى ثم قال التاج السبكى وانا اعلم ان المالكيه كلهم اشاعره لا استثنى احدا والشافعيه غالبهم اشاعره لا استثنى الا من لحق منهم بتجسيم او اعتزال @ ممن لا يعبا الله به والحنفيه اكثرهم اشاعره اعنى يعتقدون عقيدة الاشعرى لا يخرج منهم الا من لحق منهم بالمعتزله والحنابله اكثر من غيرهم وقد تاملت عقيدة ابى جعفر الطحاوى فوجدت الامر على ما قال الشيخ الامام الوالد وعقيدة الطحاوى زعم انها الذى عليه ابو حنيفه وابو يوسف ومحمد ثم تصفحت كتب الحنفيه فوجدت جميع المسائل التى بيننا وبينهم خلاف فيها ثلاث عشرة مساله منها معنوى ستة مسائل والباقى لفظى وتلك الست المعنويه لا تقتضى مخالفتهم لنا ولا مخالفتنا لهم منها تكفيرا ولا تبديعا صرح بذلك الاستاذ ابو المنصور البغدادى وغيره من ائمتناوائمتهم وهو غنى عن التصريح لوضوحه ومن كلام الحافظ الذهبى الاصحاب كلهم مع اختلافهم فى بعض المسائل كلهم اجمعون على ترك تكفير بعضهم بعضا مجمعون بخلاف من عداهم من سائر الطوائف وجميع الفرق فانهم حين اختلفت بهم مستشنعات الاهواء والطرق كفر بعضهم بعضا وراى تبريه ممن خالفه فرضا قال التاج السبكى ثم هذه المسائل الثلاثة عشر لم يثبت جميعها عن الشيخ ولا عن ابى حنيفه رضى الله عنهما ولكن الكلام بتقدير الصحه ولى قصيده نونيه جمعت فيها هذه المسائل وضممت اليها مسائل اختلفت الاشاعره فيها مع تصويب بعضهم بعضا فى اصول العقيده ودعواهم انهم اجمعون على السنه وقد ولع كثير من الناس بحفظ هذه القصيده لا سيما الحنفيه وشرحها من اصحاب الشيخ العلامه نور الدين محمد بن ابى الطيب الشيرازى الشافعى وهو رجل مقيم فى بلاد كبلان ورد علينا دمشق فى سنة سبع وخمسين وسبعمائه واقام يلازم حلقتى نحو عام ونصف ولم ار فيمن جاء من العجم فى هذا الزمان افضل منه ولا ادين وانا اذكر للك قصيدتى فى هذا المكان لتستفيد منها فى مسائل الخلاف وما اشتملت عليه الورد خدك صيغ من انسان ام فى الخدود شقائق النعمان والسيف لحظك سل من اجفان فسطا كمثل مهند وسنان بالله ما خلقت لحاظك باطلا وسدى تعالى الله عن بطلات وكذاك عقلك لم يركب يا اخى عبثا ويودع داخل الجثمانى لكن ليسعد او ليشقى مؤمن او كافر فبنواللورى صنفان كذب ابن فاعله يقول بجهله اله جسم ليس كالجثمانى واعلم بان الحق ما كانت عليه صحابة المبعوث من عدنان قد نزهوا الرحمن عن شبه وقد دانو بما قد جاء فى القران ومضوا على خير وما عقدوا مجالس فى صفات الخالق الديانواتت على اعقابهم علماؤنا غرسوا ثمارا يجتنيها الجانى كالشافعى ومالك وكاحمد وابى حنيفه والرضى سفيان وكمثل اسحق وداود ومن يقفوا طرائقهم من الاعيان واتى ابو الحسن الامام الاشعرى مبينا للحق اى بيان ومناضلا ععليه اولئك الا سلاف بالتحرير والاتقان ما ان يخالف مالكا والشافعى واحمد بن محمد الشيبانى لكن يوافق قولهم ويزيده حسنا وتحقيقا وفضل بيان ومنها والكل معتقدون ان الهنا متوحد فرد قديم دانى حى عليم قادر متكلم عال ولا يعنى علو مكان باق له سمع وابصار يرى جميع ما يجرى من الانسان الى ان قال يا صاح ان عقيدة النعمان والاشعرى حقيقة الايمان @ كلاهما والله صاحب سنة * بهدى نبى الله مقتديان * لاذا يبدع ذا وهذوان* تحسب سواه وهمت فى الحسبان * من قال ان ابا حنيفه مبدع * رايا فذلك قائل الهذيان * او ظن ان الاشعرى مبدع * فلقد اساء وباء بالخسران * كل اما مقتدى ذوسنه * كالسيف مساولا على التعطان * والخلف بينهما قليل امره * سهل بلا بدع ولا كفران * فيما يقل من المسائل عده * ويهون عند تطاعن الاقران * ولقد بؤل خلافها امالى * لفظ كالاستثناء فى الايمان * وكمنعه ان السعيد يقتل او * يشقى ونعمة كافرخوان الاشعرى يقول انا مؤمن ان شاء الاله وابو حنيفه يقول انا مؤمن حقا والاشعرى يقول السعيد من كتب فى بطن امه سعيد والشقى من كتب فى بطن امه شقيا لا يتبدلان وابو حنيفه يقول قد يكون سعيدا ثم ينقلب والعياذ بالله شقيا وبالعكس والاشعرى يقول ليس على الكافر نعمة وكل ما يتقلب فيه استدراج وابو حنيفه يقول عليه نعمة ووافقة من الاشاعره ابو بكر الباقلانى فهو مع الحنفية فى هذه كما لما تريدى معنا فى مسئلة الاستثناء ثم ساق فى قصيدته هذه المسائل التى عزيت الى الاشعرى فيها انكار الرسالة بعد الموت وهى من الكذب عليه وفى كتبه وكتب اصحابه خلاف ذلك ثم ذكر مسئلة الرضا والاراده وقال فاعلم ان المنقول عن ابى حنيفة اتحادهما وعن الاشعرى اقترافهما وقيل ان ابا حنيفة لم يقل بالاتحاد فيهما بل ذلك مكذوب عليه فعلى هذا انقطع النزاع وانما الكلام بتقدير صحة الاتحاد عنده وعند اكثر الاشاعره على ما يعرى الى ابى حنيفة من الافتراق منهم امام الحرمين وغيره اخرهم الشيخ محى الدين النووى وحمه الله تعالى قال هما شئ واحد ولمن انا لا اختار ذلك والحق عندى انهما مقترفان كما هو منصوص الشيخ ابى الحسن ثم ذكر ما نسب الى الاشعرى من عدم صحة ايمان المقلد وقد انكر القشيرى ذلك فى رسالته شكاية اهل السنة وقال انه مكذوب عليه ثم قال وكذالك كسب الاشعرى وانه * صعب ولكن قام بالبرهان * من لم يقل بالكسب مال الى اعتزا* ل اول مقال الجبرذى الطغيان كسب الاشعرى كما هو مقرر فى مكانه انه اضطر اليه من ينكر خلق الافعال وكون العبد مجبرا والاول اعتزال والثانى جبر فكل احديث بت واسطة لكن يعسر التعبير عنها وتمثلوا بها بالفرق بين حركة المرتعش والمختار وقد اضطرب المحققون فى تحرير هذه الواسطة والحنفية يسمونها الاختيار والذى تحرر لنا ان الاختيار والكسب عبارتان عن معبر واحد ولكن الاشعرى اثر لفظ الكسب على لفظ الاختيار لكونه منطوق القران والقوم اثر والفظ الاخيار لما فيه من اشعار قدرة العبد للقاضى ابى بكر مذهب يزيد على مذهب الاشعرى فلعله راى القوم ولامام الحرمين والغزالى مذهب يزيد على المذهبين جميعا ويدنو كل الدنو من الاعتزال وليس هو هو ثم قال وقد عرفناك ان الشيخ الوالد كان يقول ان عقيدة الطحاوى لم تشتمل الاعلى ثلاث ولكا نحن جمعنا الثلاث الاخر من كلام القوم اولها ان الرب تعالى له عندنا ان يعذب الطائعين ويثيب العاصين كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل ولا حجر عليه فى ملكه ولا داعى له الى فعله وعندهم يجب تعذيب العاصى وانبة المطيع ويمتنع المعكس ووجوب معرفة الاله الاشعرى * يقول ذاك بشرعه الديان * والعقل ليس بحاكم لكن له الا * دراك لا حكم على الحيوان * وقضوا بان العقل يوجبها وفى * كتب الفروع لصحبنا وجهان * وبان اوصاف الفعال قديمه * ليست بحادثة على الحدثان * وبان مكتوب المصاحف منزل * يمين الكلام لمنزل القران * والبعض انكر ذا فان يصدق فقد * ذهبت من التعداد مسئلتان @ هذى ومسئلة الاراده قبلها * امران قيما قال مكذوبان * وكما انتقى هاذاك عنهم هكذا * عنا انتقى مما يقال اثنان *قالوا وليس بجائر تكليف ما * لا يستطلع فتى من الفتيان * وعليه من اصحابنا شيخ العرا * ق وحجة الاسلام ذو الاتقان (مسئلة) تكليف ما لا يطاق وافقهم من اصحابنا الشيخ ابو حامد الاسفراينى شيخ العراقين وحجة الاسلام الغزالى وابن دقيق العيد قالوا وتمتنع الصغائر من نبيى للا له وعندنا قولان * والمنع مروى عن الاستاذ والقاضى عياض وهو ذو رجحان * وبه اقول وكان مذهب والدى * رفعا لرتبتهم عن النقصان والاشعرى امامنا لكننا فى ذا تخالفه بكل لسان الى ان قال هذا الامام وقبله القاضى يقولان البقا لحقيقة الرحمان وهما كبير الاشعريه وهوقا * لبزائد فى الذات اللا مكان والشيخ والاستاذ منطقان فى عقد وفى اشياء مختلفان وكذاا بن فورك الشهيد وحجة الاسلام خصما الافك والبتهان وابن الخطيب وقوله ان الوجود يزيد وهو الاشعرى الثانى والاختلاف فى الاسم هل هو والمسمى واحد لا اثنان او غيران والاشعريه بينهم خلف اذا عدت مسائلة الانسان بغلت مئين وكلهم ذو سنة اخذت المبعوث من عدنان وكذلك اهل الراى مع اهل الحد يث فى الاعتقاد الحق متفقان ما ان يكفر بعضهم بعضا ولا ازرى عليه وسامه بهوان الا الذين بمعزل عنهم فهم فيه تتخت عنهم الفئتان هذا الصواب فلا تظنن غيره واعقد عليه بخنصر وبنات وهى طويلة اوردت منها القدر المذكور مع البيان الاجمالى واما التفصيل فى المسائل المختلف فيها بين الفريقين فانها بلغت همسين مسئلة وساذكرها فى فصل مختص به وهذه القصيده على وزان قصيدة لابن زفيل رجل من الحنابله وهى ستة الاف بيت ردفيها على الاشعرى وغيره من ائمة السنة وجعلهم جهمية تارة وكفار تارة اخرى وقد رد عليها شيخ الاسلام التقى السبكى فى كتاب سماه السيف الصقيل ونحن نورد منه ما ذكر فى مقدمته فى الجمل النافعة المفيدة وما اظن ولده التاج اراد فى قصيدته المذكورة كذب ابن فاعلة يقول بجهله الله جسم ليس كالجسمان الا الاشارة الى هذا الرجل وان لم يصرح به وهذا اول قصيدة ابن زفيل ان كنت كاذبة الذى حدثتنى فعليك اثم الكاذب الفتان جهم بن صفوان وشيعته الاولى سجدوا سفات الخالق الديان بل عطلوا منه السموات العلى والعرش اخلوه من الرحمان والعبد عندهم فليس بفاعل بل فعله كتحرك الرجفان الى اخر ما قال وهذا نص الشيخ تقى الدين السبكى فى شرحه على هذه القصيدة لا تشتغل من العلوم الا بما ينفع وهو القران والسنة والفقه واوصول الفقه والنحو وباخذها عن شيخ سالم العقيدة ويتجنب علم الكلام والحكمة اليونانية والاجتماع بمن هو فاسد العقيدة او النظر فى كلامة وليس على العقائد اضر من شيئين علم الكلام والخكمة اليونانية وهما فى الحقيقه علم واحد وهو العلم الالهى لكن اليونان طلبوه بمعرفة عقولهم والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل وافترقوا ثلاث فرق احداها غلب عليها جانب العقل @ وهم المعتزلة والثانية غلب عليها جانب النقل وهم الحشوية والثالثة استوى الامر ان عندها وهم الاشعرية وجميع الفرق الثلاثة فى كلامها مخاطرة اما خطأ فى بعضه واما سقوط هيبة والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون على الفطرة السليمة ولهذا كان الشافعى رضى الله عنه ينهى الناس عن الاشتغال بعلم الكلام ويأمر بالاشتغال فى الفقه وهو طريق السلامة ولو بقى الناس على ما كانوا عليه فى زمن الصحابة كان الاولى للعلماء تجنب النظر فى علم الكلام جملة لكن حدثت بدع اوجبت للعلماء النظر فيه لمقاومة المبتدعين ودفع شبههم عن ان تزيغ بها قلوب المهتدين والفرقة الاشعرية هم المتوسطون فى ذلك وهم الغالبون من الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة وسائر الناس واما المعتزلة فكانت لهم دولة فى اوائل المائة الثالثة ساعد هم بعض الخلفاء ثم انخذلوا وكفى الله تعالى شرهم وهاتان الطائفتان الاشعرية والمعتزلة هما المتقاومتان وهما فحولة المتكلمين من اهل الاسلام والاشعرية اعدلهما لانها بنت اصولها على الكتاب والسنة والعقل الصحيح واما الحكمة اليونانية فالناس مكتفون شرها لان اهل الاسلام كلهم يعرفون فسادها ومجانبتها للاسلام واما الحشوية فهى طائفة رذيلة جهال ينتسبون الى اجمد واحمد مبرأ منهم وسبب نسبتهم اليه انه قام فى دفع المعتزلة وثبت فى المحنة رضى الله عنه ونقلت عنه كلمات ما فهمها هؤلاء الجهال فاعتقدوا هذا الاعتقاد السئ وصار المتأخر منهم يتبع المتقدم الا من عصمه الله تعالى ومازالوا من حين نبغوا مستذلين ليس لهم رأس ولا من يناظر وانما فى كل وقت لهم ثورات ويتعلقون ببعض اتباع الدول ويكفى الله تعالى شرهم وما تعلقوا باحد الا وكانت عاقبته الى سوء وافسدوا اعتقاد جماعة شذوذ من الشافعية وغيرهم ولاسيما من بعض المحدثين بزمانه بدمشق ابن عساكر يمتنع من تحديثهم ولا يمكنهم يحضرون بمجلسه وكان ذلك ايام نور الدين الشهيد وكانوا مستذلين غاية الذلة ثم جاء فى اواخر المائة السابعة رجل له فضل ذكاء واطلاع ولم يجد شيخا يهديه وهو على مذهبهم وهو جسور متجرد لتقرير مذهبه ويجد امورا بعيدة فبجسارته يلتزمها فقال بقيام الحوادث بذات الرب سبحانه وتعالى وان الله سبحانه وتعالى مازال فاعلا وان التسلسل ليس بمجال فيما مضى كما هو سيأتى وشق العصا وشوش عقائد المسلمين واغرى بينهم ولم يقتصر على العقائد فى علم الكلام حتى تعدى وقال ان السفر لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم معصية وقال ان الطلاق الثلاث لا يقع وان من حلف بطلاق امرأته وحنث لا يقع عليه طلاق واتفق العلماء على حبسه الحبس الطويل فحبسه السلطان ومنعه من الكتابة فى الحبس وان لا يدخل عليه بدواة ومات فى الحبس ثم حدث من اصحابه من يشيع عقائده ويعلم مسائله ويلفى ذلك الى الناس سرا ويكتمه جهرا فعم الضرر بذلك حتى وقفت فى هذا الزمان على قصيدة نحو ستة الاف بيت يذكر فيها عقائده وعقائد غيره ويزعم بجهله ان عقائده عقائد اهل الحديث فوجدت هذه القصيدة تصنيفا فى علم الكلام الذى نهى العلماء من النظر فيه لو كان حقا وفى تقرير للعقائد الباطلة فيه وبرع بها وزيادة على ذلك وهى حمل العوام على تكفير كل من سواه وسوى طائفته فهذه ثلاثة امور هى مجامع ما تضمنته هذه القصيدة والاول من الثلاث حرام لان النهى عن علم الكلام ان كان نهى تنزيه فيما تدعو الحاجة الى الرد على المبتدعة فيه فهو نهى تحريم فيما لا تدعوا الحاجة اليه فكيف فيما هو باطل والثانى من العلماء مختلفون فى التكفير به ولم ينته الى هذا الحد اما مع هذه المبالغة ففى بقاء الخلاف فيه نظر واما الثالث فنحن نعلم بالقطع ان هؤلاء الطوائف الثلاثة الشافعية والمالكية والحنفية وموافقيهم من الحنابلة مسلمون وليسوا بكافرين فالقول بان جميعهم كفار وحمل الناس على ذلك كيف لا يكون كفرا وقد قال صلى الله عليه وسلم اذا قال المسلم لاخيه يا كافر فقد باء بها احدهما ولضرورة اوجبت بان بعض من كفرهم مسلم والحديث @ اقتضى انه يبوء بها احدهما فيكون القائل هو الذى باء بها ثم حكى رد امام الحرمين على السنجرى واطال فى العبارة وقد اقتصرنا على القدر المذكور لانى لست بصدد بيان اعتقادهم والرد على اقوالهم وله محل غير هذا والله اعلم * (الفصل الثالث فى تفصيل ما اجمل آنفا من ذكر المسائل المختلف فيها بين الاشاعرة والماتريدية ليكون المطالع لها على بصيرة) * اعلم انه تقدم النقل عن التقى السبكى ان الاختلاف بين الفريقين فى ثلاث مسائل فيما استنبطه من عقيدة ابى جعفر الطحاوى وزاد ولده التاج ثلاثة اخرى استخرجها من كتاب الماتريدية وزاد غيره سبعة اخرى واورد الفاضل عبد الرحيم بن على الحنفى فى كتابه نظم الفرائد وجمع الفوائد اربعين مسئلة ببراهينها وحجبها واطال الكلام فيها جدا وكذا العلامة ملا على القارئ فى شرح الفقه الاكبر وذكر العلامة ابن البياضى فى كتابه اشارات المرام من عبارات الامام حسن مسئلة ولنقتصر على ايراد عبارته لاختصارها وجمعها لاما تشتت من الاقوال قال رحمه الله تعالى فمن الخلافيات بين جمهور الماتريدية والاشعرية الوجود والوجود عين الذات فى التحقيق واختاره الاشعرى خلافا لهم والاسم اذا اريد به المدلول عين المسمى ولا ينقسم كالصفات الى ما هو عين والى ما هو غيره والى ما ليس هو ولا غيره واختاره كثير منهم ويعرف الصانع حق المعرفة واختاره بعضهم وهو الحق كما فى المنائح للآدمى وصفات الافعال راجعة الى صفة ذاتية هى التكوين اى مبدأ الاخراج من العدم الى الوجود وليس عين المكون واختاره الحرث المحاسبى كما فى معالم السنن لخطابى والبقاء هو الوجود المستمر وليس صفة زائده واختاره الباقلانى والاستاذ وكثير منهم والسمع بلا جارحة صفة غير العلم وكذا البصر واختاره اما الحرمين والرازى وكثير منهم وليس ادراك الشم والذوق واللمس صفة غير العلم فى شأنه تعالى وليس احساس الشئ باحدى الحواس الخمس علما به بل آلته والعقل ليس علنا ببعض الضروريات واختاره كثير منهم ويجب بمجرد العقل فى مدة الاستدلال معرفة وجوده تعالى ووحدته وعلمه وقدرته وكلامه وارادته وحدوث العالم ودلالة المعجرة على صدق الرسول ويجب تصديقه ويحرم الكفر والتكذيب لامر البعثة وبلوغ الدعوة والحسن بمعنى استحقاق المدح والثواب والقبح بمعنى استحقاق الذم والعقاب على التكذيب عنده اجمالا عقليا اى يعلم به حكم الصانع فى مدة الاستدلال فى هذه العشرة كما فى التوضيح وغيره لا لايجاب العقل للحسن والقبح ولا مطلقا كما زعمته المعتزلة اما كيفية الثواب وكونه بالجنة وكيفية العقاب وكونه بالنار فشرعى واختار ذلك الامام القفال الشاشى والصيرفى والحليمى وابو بكر الفارسى والقاضى وابو حامد وكثير من متقدميهم كما فى القواطع للامام ابى المظفر السمعانى الشافعى والكشف الكبير وهو مختار الامام القلانسى كما فى التبصرة البغدادية ولا يجوز نسخ ما يقبل حسنه او قبحه السقوط كوجوب الايمان وحرمة الكفر واختاره المذكورون والقبح والحسن بمعنى الامر والنهى عن الحكمة الامر الناهى والحسن بمعنى كون الفعل بحيث يدرك بالعقل اشتماله على عاقبة حميدة والقبح بمعنى كونه يدرك به عدم اشتماله على ذلك لما يتصور ان يفعله الله تعالى لكنه لحكمته لا يفعل ذلك كما فى التبصرة والتعديل والتسديد وكل ما صدر منه تعالى فهو حسن اجماعا ويستحيل عقلا اتصافه تعالى بالجور وما لا ينبغى فلا ييجوز تعذيب المطيع ولا العفو عن الكفر عقلا لمنافاته للحكمة فيجزم العقل بعدم جوازه كما فى التنبيهات ولا يجوز التكليف بما لا يطاق لعدم القدرة او الشرط واختاره الاستاذ ابو اسحق الاسفرانى كما فى التبصرة وابو حامد الاسفرانى كما فى شرح ابن السبكى لعقيدة ابى منصور وافعاله تعالى معللة بالمصالح والحكم تفضلا على العباد فلا يلزم الاستكمال ولا وجوب الا صلح واختاره صاحب لنقاصد وفقهاؤهم كما فى كاشف الطلوع ولا تؤول المتشابهات ويفوض امرها الى الله تعالى مع التنزيه عن ارادة ظواهرها واختاره مالك والشافعى وابن حنبل والحرث المحاسبى والقطانى والقلانسى كما فى التبصرة البغدادية ولا يسمع الكلام النفسى @ بل الدال عليه واختاره الاستاذ ومن تبعه كما فى التبصرة لابى المغين النسفى والنفسى ماذكره الله عز وجل فى الازل بلا صوت ولا حرف كما فى الارشاد للامام ابى حسن الرستغفنى وهو مذهب السلف كما فى نهاية الاقدام وهو اخبار فى الازل واختاره الاشعرى كما فى المنائج وكثير من الاشاعرة كما فى الصحائف والرؤيا نوع مشاهدة للروح قد يشاهد الشئ بحقيقته وقد يشاهده بمثاله كما فى التأويلات الماتريدية والتيسير واختاره مالك والشافعى والاستاذ والغزالى والدليل النقلى يفيد اليقين عند توارد الادلة على معنى واحد بطرق متعددة وقرائن متضمنة واختاره صاحب الابكار والمقاصد وكثير من المتقدمين والمحبة بمعنى الاستحماد لا مطلق الارادة فلا يتعلق بغير الطاقة واختاره كثير منهم والاستطاعة صالحة للضدين واختاره كثير منهم والاستطاعة صالحة للضدين على البدل واختاره القلانسى وابن شريح البغدادى كما فى التبصرة البغدادية وكثير منهم كما فى شرح المواقفواختيار العبد مؤثر فالقدرتان المؤثرتان فى محلين وهو الكسب لا مقارنة الاختيار بلا تأثير اصلا واختاره الباقلانى كما فى المواقف وهو مذهب السلف كما فى المنطوقة للمحقق المرغوى واختاره الاستاذ ابو اسحق الاسفراينى وامام الحرمين فى قوله الاخير ان اختياره مؤثر فى المراد بمعاونة قدرة الله تعالى ولا تجتمع القدرتان المؤثرتان بالاستقلال ولا يلزم تماثل القدرتين لان المماثلة بالمساواة من وجه يقوى المتماثلان فيه وان لم يكن من كل وجه ولا يزيد ولا ينقص الايمان اى التصديق البالغ حق الجزم واختاره امام الحرمين والرازى والآمدى والنووى كما فى شرح السبكى وغيره وليس مشككا متفاوت الافراد قوة وضعفا فانه فى التصديق بمعنى العلم وهو شرط للتصديق بالكلام النفسى المعتبر فى الايمان كما فى التعديل والمسايرة على ما اختاره الاشعرى فى رواية الباقلانى وكثير منهم كما فى المسايرة وغيره والتفاوت فى العصر الاول بزيادة المؤمن به وبعده بحسب الكيفيات من الاشراف واستدامة الثمرات ويعتمد ايمان النائى عن العمران تقليد للمخبر واختاره مالك والشافعى وابن حنبل والقطانى والمحاسبى والكرابيسى والقلانسى كما فى التبصرة البغدادية ولا استثناء فى الايمان بوجود اعتبار الحال لايمامه الشك ولو باعتبار المآل واختاره الباقلانى وابن مجاهد كما فى التبصرة البغدادية والشقى فى الحال قد يسعد واختاره الباقلانى كما فى شرح السبكى وينعم الكافر فى الدنيا لكونها نعمة فى الحال وتقبل توبة اليأس واختاره كثير منهم كما فى شرح المقاصد والانبياء معصومون عن الصغائر قصدا وعن البكائر قطعا واختاره الاستاذ قال النووى وهو مذهب المحققين من المتكملين والمحدثين والذكورة شرط النبوة واختاره كثير منهم والمجتهد يخطئ ويصيب والحق عند الله واحد واختاره المحاسبى والقطانى والاستاذ ابو اسحق وعبد القاهر البغدادى وكثير منهم كما فى الكشف الكبير وتصح امامة المفضول واختاره الباقلانى وكثير منهم كما فى المواقف وبالموت يحصل الخروج للروح والازهاق لاقطع البقاء فهو وجودى كما فى التبصرة النسفية واختاره القلانسى كما فى التبصرة البغدادية والاعراض لا تعاد واختاره القلانسى وهو احد الروايتين عن الاشعرى كما فى المواقف فهذه خمسون مسئلة خلافية فى التفاريع الكلامية ذهب اليه جمهور الماتريدية وخالفهم فيه جمهور الاشاعرة كل ذلك مأخوذ من كلام الامام ابى حنيفة ومستفادها منه اما من العبارة او الاشارة او الدلالة او الاقتضاء او مفهوم المخالفة فانه يعتبرا كثرها فى الرواية والله اعلم * (الفصل الرابع) * هذه المسائل التى تلقاها الامامان الاشعرى والماتريدى وهى اصول الائمة رحمهم الله تعالى فالاشعرى بنى كتبه على مسائل من مذهب الامامين مالك والشافعى اخذ ذلك بوسائط فايدها وهذبها والماتريدى كذلك اخذها من نصوص الامام ابى حنيفة وهى فى خمسة كتب الفقه الاكبر والرسالة والفقه الابسط وكتاب العلم والمتعلم والوصية نسبت الى الامام واختلف فى ذلك كثيرا فمنهم من ينكر عزوها الى الامام مطلق وانها ليست من عمله ومنهم من ينسبها الى محمد بن يوسف النجارى المكنى بابى حنيفة وهذا قول المعتزلة لما فيها من ابطال نصوصهم الزائغة وادعائهم كون الامام منهم كما فى المناقب الكردرية وهذا @ كذب منهم على الامام فانه رضى الله عنه وصاحباه اول من تكلم فى اصول الدين واتقنها بقواطع البراهين على رأس المائة الاولى ففى التبصرة البغدادية اول متكلمى اهل السنة من الفقهاء ابو حنيفة الف فيه الفقه الاكبر والرسالة فى نصرة اهل السنة وقد ناظر فرقة الخوارج والشيعة والقدرية والدهرية وكانت دعاتهم بالبصرة فسافر اليها نيفا وعشرين مرة وفضهم بالادلة الباهرة وبلغ فى الكلام الى انه كان المشار اليه بين الانام واقتفى به تلامذته الاعلام اه وفى مناقب الكردرى عن خالد بن زيد العمرى انه كان ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد وزفر وحماد بن ابى حنيفة قد خصموا بالكلام الناس اى الزموا المخالفين وهو ائمة العلم وعن الامام ابى عبد الله الصميرى ان الامام ابا حنيفة كان متكلم هذه الامة فى زمانه وفقيههم فى الحلال والحرام وقد علم مما تقدم ان هذه الكتب من تأليف الامام نفسه والصحيح ان هذه المسائل المذكورة فى هذه الكتب من امالى الامام التى املاها على اصحابه كحماد وابو يوسف وابى مطيع الحكم ابن عبد الله البلخى وابى مقاتل حفص بن مسلم السمرقندى فمنهم الذين قاموا بجمعها وتلقاها عنهم جماعة من الائمة كاسمعيل بن حماد ومحمد بن مقاتل الرازى ومحمد بن سماعة ونصير بن يحيى البلخى وشداد بن الحكم وغيرهم الى ان وصلت بالاسناد الصحيح الى الامام ابى منصور الماتريدى فمن عزاهن الى الامام صح لكون تلك المسائل من املائه ومن عزاهن الى ابى نطيع البلخى او غيره ممن هو فى طبقته او ممن هو بعدهم صح لكونها من جعه ونظير ذلك المسند المنسوب للامام الشافعى فانه من تخريج ابى عمر ومحمد بن جعفر ابن محمد بن مطر التيسابورى لابى العباس الاصم من اصول الشافعى ونحن نذكر لك من نقل من هذه الكتب واعتمد عليها فمن ذلك فخر الاسلام على محمد البزودى قد ذكر فى اول اصوله جملة من الفقه الاكبر وكتاب العالم والرسالة وذكر بعض مسائل الكتب المذكورة فى كل من شروح الكافى لحسام الدين السغناقى والشامل للقوام الاتقانى والشافى لحلال الدين الكولانى وصان الاصول للقوام السكاكى والبرهان للنجارى والكشف لعلاء الدين النجارى والتقرير لاكمل الدين البابرتى وذكرت الرسالة بتمامها فى اواخر خزانة الاكمل للهمدانى وذكرها الامام الناطفى فى الاجناس وذكر كثير من مسائل كتاب العالم فى المناقب للامام نجم الدين النسفى وللخوارزمى والكشف لابى محمد الحارثى الحافظ وبعضها فى نكاح اهل الكتاب فى المحيط البرهانى وذكر بعض مسائل الفقه الاكبر شيخ الاسلام محمد بن الياس فى فتاويه ةابن الهمام فى المسايرة وذكر بعض مسائل الفقه الابسط الامام ابو المعين النسفى فى الاعتماد شرح العمدة وكشف المنار والناطفى فى الاجناس والقاضى ابو العلاء الصاعدى فى كتاب الاعتقاد وابو شجاع الناصرى فى البرهان الساطع شرح عقائد الطحاوى وابو المحاسن محمود القونوى فى شرحها ايضا وشرحه الفقيه عطاء بن على الجوزجانى شرحا نفسيا وذكر الوصية بتمامها الامام صارم المصرى فى نظم الجمان ومن المتأخرين القاضى تقى الدين التميمى فى الطبقات السنية والقاضى ابو الفضل محمد بن الشحنة الحلبى فى اوائل شرح الهداية وذكر بعض مسائلها ابن الهمام فى المسايرة وشرحها الشيخ اكمل الدين البابرتى فقد ذكر جملا من مسائل الكتب الخمسة منقولا عنها نحو ثلاثين كتابا من كتب الائمة وهذا القدر كاف فى تلقى الامة لها بالقبول والله اعلم* (الفصل الخامس) * قال السبكى فى شرح عقيدة ابن الحاجب اعلم ان لكل علم موضوعا ومبادئ ومسائل اذ بها تنوعت العلوم وتمايزت فى المفهوم ثم من المعلوم ان الناظرين فى هذا الشأن اعنى علم التوحيد والباحثين عنه على قسمين فمنهم من نظر نظرا عاما فى المعلوم من حيث هو معلوم وان كان المقصود او لا بالذات العلم بواجب الوجود ومنهم من نظر نظرا خاصا وذلك فيما يجب لله ويستحيل عليه ويجوز فى افعاله وما يوصل الى ذلك اجمالا وتفصيلا والعلم الحاصل من الاول هو المسمى بعلم الكلام والثانى يسمى بعلم العقائد @ وهذا مندرج تحت الاول باندراج الاخص تحت الاعم ولذلك كانت المطالب التى نحصل من الاول اكثر لشمولها لشئون الواجب واحوال الممكن ولذلك حد هذا العلم بانه الباحث عن احوال الواجب واحوال الممكنات من حيث المبدأ والمعاد وما يعم قصد للتحقيق واما الثانى فلا يحصل منه الا ما عبدنا باعتقاده فقط كما فى هذه العقيدة يعنى عقيدة ابن الحاجب والنسفية واللمع وغيرها ويدل على هذا ما اقتصر عليه من ينكر طريق الكلام كما هو طريق الفقهاء والمحدثين وغيرهم حيث اقتصروا على تحصيل العقائد من غير نظر فى العالم بنظر المتكلم بل اقتصروا على المبادئ السمعية وما قرب من المبادئ العقلية ولذلك يحد هذا العلم بانه العلم بالاحكام الشرعية الاعتقادية عن قاطع عقلى او سمعى او وجدانى فعن قاطع يخرج التقليد وعقلى يدخل المتكلم وسمعى يدخل المحدث ووجدانى يدخل الصوفى وما حد به المحقق سعد الدين الكلام حيث قال الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن ادلتها اليقينية فحد له باعتبار المقصود منه والا فهو مشكل لامكان ورود منع الجميع واذا تقرر هذا فنقول لا يكفى فى معرفة موضوع هذا العلم اعنى علم العقائد ومسائله مباديه معرفة موضوع الكلام ومسائله ومباديه فلابد من التعرض لذلك بخصوصه فموضوع علم العقائد ذات الواجب اذ الناظر فى علم العقائد يبحث عن لواحق الواجب الذاتية اعنى صفاته وافعاله وكل ما يبحث فى علم عن لواحقه الذاتية فهو موضوع لذلك العلم لا ياقل موضوع العلم لا يتبين وجوده فى ذلك العلم بل فى علم اخر ومن المعلوم ان العلم بوجود الصانع يتبين فى هذا العلم فكيف يكون هذا موضوعه لانا نقول نمنع ان موضوع كل علم انما يتبين وجوده فى غيره ولئن سلمنا ذلك فمنع ان صانع العالم يتبين وجوده فى هذا العلم بل وجوده بديهى والمذكور انما هو على جهة التنبيه قال تعالى افى الله شك وبهذا قال جماعة من المحققين كابن البناء فى مراسيمه او انه مبين فى علم اخر وهو علم الكلام الذى هو اوسع واشمل كما نبهنا عليه واما مسائله فكل ما جعل الشرع العلم به ايمانا والجهل به كفرا وابتداعا واما مباديه فالقواطع العقلية والسمعية والادراكات الوجدانية والحسية * (الفصل السادس) * اعلم انه قد اصطلح اهل هذا الفن على الفاظ فيما بينهم فلابد فى ابتداء التعليم من تعلمها ولنذكر هنا مشاهيرها فمنها العالم وهو ما نصب علما على العلم بصانعه مأخوذ من العلم بمعنى العلامة فمن ثم تعددت العوالم فيقال عالم الانسان وعالم الجن وعالم الملائكة وغيرهم كما نبه عليه صاحب الكشاف ولما كان منشأ التسمية فى الجميع العلامة وكانت فى مجموع العوالم اجلى واوضح خص المتكلمون العالم بجملته بما سوى واجب الوجود تغليبا واقتصارا لانه تعالى يعلم به من حيث اسماؤه وصفاته وينقسم العالم ايضا على قسمين كبير وهو الفلك وما حواه من جوهر وعرض وصغير وهو الانسان لانه مخلوق على هيئة العالم الكبير واوجد الله فيه كل ما اوجده فى العالم الكبير ومنها الجوهر وهو ممكن قائم بنفسه هذا عند المتكلمين وينقسم الى قسمين فرد وهو ما لا ينقسم حسا ولا هما ولا عقلا وجسم اقل ما تركب منه الجسم جوهران وقيل الجوهر ماهية اذا وجدت فى الاعيان كانت لا فى موضوع وهو منحصر فى خمسة هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل لانه اما ان يكون مجردا اولا والاول الجسم والثانى اما حال او محل الاول الصورة والثانى الهيولى وتسمى الحقيقة فالجوهر ينقسم الى بسيط روحانى كالعقول والنفوس المجردة والى بسيطجسمانى كالعناصروالى مركب فى العقل دون الخارج كناهيات الجوهرية المركبة من الجنس والفصل والى مركب منهما كالمولدات والممكن ما لا يقتضى وجودا ولا عدما لذاته والممكن بالذات ما يقتضى لذاته عدمه والقائم بنفسه هو ما يكون تحيزه بنفسه غير تابع فى تحيزه بنفسه غير تابع فى تحيزه لتحيز شئ اخر وقد يقال القائم بنفسه ما استغنى بذاته عن محل يقوم به ومنها العرض وهو فى مقابلة الجوهر هو الممكن القائم بغيره ومعنى القائم بالغير هو ان يكون تابعا فى تحيزه لتحيز غيره ومن امتنع قيام العرض @ بالعرض عند المتكلم وقد يقال القيام بالغير هو الاختصاص الناعت وهذا التعريف اولى لشموله قيام الصفات الازلية دون الاول اذ هو مختص بالمحدث الجسمانى والعرض ينقسم عند المتكلمين الى احد وعشرين نوعا وعند بعضهم ثلاثة وعشرين او اربعة وعشرين على خلاف فى ذلك يراجع فى محله * (الفصل السابع) * اعلم ان الكتب الموضوعة فى هذا الفن الذى هو علم العقائد على قسمين منهم من يخليها من ذكر الادلة بالكلية كما فعل النسفى وابن الحاجب والصنف فى هذه العقيدة المختصرة المذكورة هنا وكذا فى الاربعين له والعز بن عبد السلام وغيرهم ومنهم من يقتضب الادلة اقتضابا كما فعل امام الحرمين فى اللمع وابن القشيرى فى التذكرة الشرقية والمصنف فى الرسالة القدسية وهى التى بعد هذه المختصرة وغيرهم والاولون ذكروا المعتقدات واهملوها من الادلة ونبهوا على انه لابد من تحصيلها بالقاطع وتركوها قابلة للجميع حتى يمكن تبينها باى طريقة من الطرق الثلاثة التى هى طريقة اهل الحديث وطريقة اهل النظر الشاملة للاشاعرة والماتريدية وطريقة اهل التصوف وهذه العقيدة المختصرة التى قدمها المصنف فى هذا الكتاب واهمل فيها الادلة بالكلية تعريضا بذلك فلنشرحها على الطرق الثلاث بحسب الامكان ولكن فلتعلم ان الوجدان الالهامى حصول العلم به قاصر على واجده فلا يمكن تعليمه ولكن ننبه عليه لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ومن اجل ان هذه العقيدة على مذهب اهل السنة والجماعة نقتصر على ما بينهم من المتفق فيه والمختلف ولا نتعرض لخلاف غيرهم اذ هم خارجون عن الجماعة ولان ذكرهم يمنع المقتصر ويشوش على المقتصد وبه تمت المقدمة بما فيها ولنرجع الى المقصود من كلام المصنف ونقول قال الحافظ ابو القاسم بن عساكر فى كتاب التبيين سمعت الشيخ الفقيه الامام سعد بن على بن ابى القاسم ابن ابى هريرة الاسفراينى الصوفى الشافعى بدمشق قال سمعت الامام الاوحد زين القراء جمال الحرم ابا الفتح عامر بن نجا بن عامر السارى بمكة حرسها الله تعالى يقول دخلت المسجد الحرام يوم الاحد فيما بين الظهر والعصر الرابع عشر من شوال سنة خمس واربعين وخمسمائة وكان فى نوع تكسر ودوران رأس بحيث انى لا اقدر ان اقف او اجلس لشدة ما فى فكنت اطلب موضعا استريح فيه ساعة على جنبى فرأيت باب بيت الجماعة للرباط الرامشتى عند باب العروة مفتوحا فقصدته ودخلت فيه ووقعت على جنبى الايمن بحذاء الكعبة المشرفة مفترشا يدى تحت خدى لكيلا يأخذنى النوم فتنقض طهارتى فاذا رجل من اهل البدعة معروف بها جاء ونشر مصلاه على باب ذلك البيت واخرج لويحا من جيبه اظنه كان من الحجرة وعليه كبابة فقبله ووضعه بين يديه وصلى صلاة طويلة مرسلا يديه فيها على عادتهم وكان يسجد على ذلك اللويح فى كل مرة واذا فرغ من صلاته سجد عليه واطال فيه وكان يمعك خده من الجانبين عليه ويتضرع فى الدعاء ثم رفع رأسه وقبله ووضعه على عينيه ثم قبله ثانيا وادخله فى جيبه كما كان قال فلما رأيت ذلك كرهته واستوحشت ذلك وقلت فى نفسى ليت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا فيما بيننا ليخرجهم بسوء صنيعهم وما هم عليه من البدعة ومع هذا التفكر كنت اطرد النوم عن نفسى كى لا يأخذنى فتفسد طهارتى فبينما انا كذلك اذ طرأ النعاس وغلبنى فكأنى بين اليقظة والنوم فرأيت عرضة واسعة فيها ناس كثيرون واقفون وفى يد كل واحد منهم كتاب جلد تحلق كلهم على شخص فسألت الناس عن حالهم وعمن فى الحلقة قالوا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء اصحاب المذاهب يريدون ان يقرؤا مذاهبهم واعتقادهم من كتبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصحبوها عليه قال نبينا انا انظر الى القوم اذ جاء واحد من اهل الحلقة ةبيده كتاب قيل ان هذا هو الشافعى رضى الله عنه فدخل فى وسط الحلقة وسلم على النبى صلى الله عليه وسلم قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جماله وكماله متلبسا بالثياب البيض المغسولة النظيفة من العمامة والقميص وسائر الثياب على زى اهل التصوف فرد عليه الجواب ورحب به وقرأ الشافعى بين يديه وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده عليه وبذلك @ جاء شخص اخر قيل هو ابو حنيفة رضى الله عنه وبيده كتاب فسلم وقعد بجنب الشافعى وقرأ مذهبه واعتقاده ثم اتى بعده كل صاحب مذهب الى ان لم يبق الا القليل وكل من يقرأ يقعد بجنب الاخر فلما فرغوا اذا واحد من المبتدعة الملقبة بالرافضة قد جاء وفى يده كراريس غير مجلدة فيها ذكر عقائدهم الباطلة وهو ان يدخل الحلقة يقرؤها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج اليه واحد ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وزجره واخذ الكراريس من يده ورمى بها الى خارج الحلقة وطرده واهانه قال فلما رأيت القوم قد فرغوا وما بقى احد يقرأ عليه شيئا تقدمت قليلا وكان فى يدى كتاب مجلد فناديت وقلت يا رسول الله هذا الكتاب معتقدى ومعتقد اهل السنة لو اذنت لى حتى اقرأه عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وايش ذلك قلت يا رسول الله هو قواعد العقائد الذى صنفه الغزالى فاذن لى فى القراءة قال فقعدت وابتدأت (بسم الله الرحمن الرحيم * (كتاب قواعد اللغة * وفيه اربعة فصول) ** (الفصل الاول * فى ترجمة عقيدة اهل السنة فى كلمتى الشهادة التى هى احد مبانى الاسلام فنقول وبالله التوفيق الحمد لله المبدئ المعيد الفعال لما يريد) وذكر انه قرأ الخطبة والعقيدة حتى وصل الى قول الغزالى فى القيدة وانه تعالى بعث النبى الامى محمدا صلى الله عليه وسلم الى كافة العرب والعجم والانس والجن قال فلما بلغت الى هذا رأيت البشاشة والبشر فى وجهه صلى الله عليه وسلم قال فالتفت الى وقال اين الغزالى فاذا بالغزالى كانه واقف على الحلقة بين يديه فقال ها انا ذا يا رسول الله وتقدم وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه الجواب وناوله يده العزيزة والغزالى يقبل يده ويضع خديه عليها تبركا به وبيده العزيزة المباركة ثم قعد قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر استبشارا بقراءة احد مثل ما كان بقراءتى عليه قواعد العقائد ثم انتبهت من النوم وعلى عينى اثر الدمع مما رأيت من تلك الاحوال والمشاهدات والكرامات فانها كانت نعمة جسيمة من الله تعالى سيما فى اخر الزمان مع كثرة الاهواء فنسأل الله تعالى ان يثبتنا على عقيدة اهل الحق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم اه قوله فى ترجمة اى بيان عقيدة وهى فعيلة من العقد هو الربط لغة ثم نقل لتصميم القلب على ادراك تصورى او تصديقى والمراد بالعقيدة هنا هو ما يدين الانسان به واعتقد كذا عقد عليه قلبه وضميره واهل السنة تقدم المراد بهم واصل السنة الطريقة والمراد هنا طريقته صلى الله عليه وسلم خاصة وكلمتا الشهادة هى لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى احد مبانى الاسلام اشارة الى حديث بنى الاسلام على خمس فذكر شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وقد تقدم الحديث وما فيه مفصلا فى كتاب العلم وانما اقتصر على هاتين الكلمتين لاشتمالهما على جميع مسائل التوحيد كما اشار له السنوسى وغيره وتفصيل ذلك ان معنى لا اله الا الله لا مستغنى عن كل ما سواه ومفتقر اليه كل ما عداه الا الله ومعنى الالوهية استغناء الاله عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه اليه فدخل تحت الاستغناء ثمانية وعشرون عقيدة الوجود والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس ووجوب السمع له والبصر والكلام ولوازمها وهى كونه سميعا بصير متكلما وتنزهه عن الغرض فى افعاله واحكامه وعن وجوب شئ عليه فعلا وتركا وعن كون شئ من الممكنات يؤثر بقوة اودعها الله فيه واضدادها فجملتها ثمانية وعشرون عقيدة ودخل تحت الافتقار اثنان وعشرون عقيدة الحياة وعموم القدرة والارادة والعلم ولوازمها وهى كونه حيا وقادرا ومريدا وعالما والوحدانية وحدوث العالم بأسره وان لا تأثير لشئ من الكائنات فى اثر ما بالطبع واضدادها فجملتها اثنان وعشرون عقيدة ودخل تحت قوولنا محمد رسول الله اثنتا عشرة عقيدة وجوب الصدق للرسل والانبياء والامانة والتبليغ واضدادها والايمان بسائر الانبياء والملائكة والكتب السماوية واليوم الاخر وجواز وقوع @ الاعراض البشرية عليهم وعدم وقوعها فقد ظهر لك ان قولنا لا اله الا الله محمد رسول الله يتضمن اثنتين وستين عقيدة منها خمسون عقيدة تحت لا اله الا الله واثنتا عشرة عقيدة تحت محمد رسول الله كذا املاه شيخ مشايخنا الشيخ على الطولونى المحدث من تقرير شيخه سيدى على الجزائرى المغربى الحنفى رحمه الله تعالى قوله وبالله التوفيق قال ابو البقاء هو الهداية الى وفق الشئ وقدره وما يوافقه وقال غيره هو جعل الله فعل عبده موافقا لما يحبه ويرضاه وقوله المبدئ المعيد قال المصنف فى شرح اسماء الله الحسنى معناه الموجد لكن الايجاد اذا لم يكن مسبوقا بمثله سمى ابداء واذا كان مسبوقا بمثله سمى اعادة والله تعالى بدأ خلق الناس ثم هو الذى يحشرهم والاشياء كلها منه بدت واليه تعود وبه بدت وبه تعود اه وقال ابو منصور البغدادى اجمع المسلمون على ان الله عز وجل هو المبدئ المعيد يبدأ الخلق ثم يعيده واختلفوا فى تأويل ذلك فقال الجمهور يبدأ الخلق بايجاده اولا على غير مثال سبق ويعيده بعد افنائه اياه كما كان قبل الفناء ومنهم من قال يبدأ الابدان ويعيدها تارة بعد تارة توكيدا للحجة الفعال لما يريد اى لا يمتنع عليه مراد من افعاله وافعال غيره وقال الفعال معناه يفعل ما يريد على ما يراه لا يعترض عليه احد ولا يغلبه غالب فيدخل اولياءه الجنة لا يمنعه مانع ويدخل اعداءه النار لا ينصرهم منه ناصر ويمهل العصاة على ما يشاء الى ان يجازيهم ويعاجل بعضهم بالعقوبة اذا شاء فهو يفعل ما يريد (ذى العرش) اى خالقه ومالكه والعرش الجسيم المحيط بسائر الاجسام سمى به لارتفاعه وقيل هو الفلك الاعلى والكرسى فلك الكواكب وورد فى الحديث ما السموات السبع والارضون السبع فى جنب الكرسى الا كحلقة ملقاة فى ارض فلاة والكرسى عند العرش كذلك وقال الراغب عرش الله مما لا يعلمه البشر الا بالاسم وقال غيره العرش فى الاصل سرير الملك فعبر به عن ملكوت ربنا لانه ملك الملوك واليه يشير قول البيضاوى وقيل المراد بالعرش الملك (المجيد) يحتمل ان يكون صفة للعرش ومجده علوه وعظمه او صفة لله تعالى اى العظيم فى ذاته وصفاته فانه واجب الوجود قام بالقدرة والحكمة ونقل مكى عن بعض انكار ان يكون المجيد نعتا للعرش لانه من صفات الله وهو ممنوع فان العرش قد وصف بالكريم فى اخر المؤمنين (والبطش الشديد) معطوف على ما قبله والبطش اخذ بعنف وصولة ومعنى شدة بطشه مضاعفة عنفه وهكذا فسر قوله تعالى ان بطش ربك لشديد فقال مضاعف عنفه وقال السمين ويقال هو سرعة الانتقام وعدم التؤدة فى العفو وقوله ان بطش ربك لشديد تنبيه على انه سريع الانتقام كما صرح به فى غير موضع ولم يكفه ان ذكره بلفظ البطش حتى وصفه بالشدة وفى هذه الجمل اشارة الى ان جميع افعال العباد مخلوقة لله تعالى وانه تعالى لا يجب عليه شئ لانها دالة على انه يفعل ما يريد (الهادى) اى المرشد فيقال هداه هداية اذا ارشده (صفوة العبيد) اى خلاصتهم اسم من الاصطفاء وهو الاختيار والعبيد جمع للعبد (الى المنهج) بفتح الميم وسكون النون بالطريق الواضح وكذلك المنهاج والنهج وقد نهج الطريق من حد منع نهوجا وضح واستبان وانهج بالالف مثله (الرشيد) اى المستقيم المصلح (والمسلك السديد) من السداد وهو كل ما يسد به الخلل والمراد هنا الاستقاممة فهو يرجع الى معنى الرشيد (المنعم عليهم) اى على العبيد (بعد شهادة التوحيد) الشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر او بصيرة وقد يعبر بها عن الاقرار والبيان والحكم والاعلام والتوحيد مصدر وحد اذا اوقع نسبة الواحد الى موضوعه (بحراسة) اى حفظ وصيانة (عقائدهم) التى عقدوا عليها القلوب والضمائر (عن ظلمات) اى شبهات (التشكيك والترديد) اى ايقاع الشك والتردد فيها وتصميم القلب على ادراك تصورى او تصديقى والتصديقى علم ان كان جزما ومطابقا عن موجب وجهل ان لم يطابقى واعتقاده ان طابق لغير موجب ويسمى تقليدا وظن ان لم يجزم بها وكان راجحا (السائق لهم) بمحض عنايته (الى اتباع) طريقة (رسوله) وحبيبه (المصطفى) @ المختار صلى الله عليه وسلم (واقتفاء) اى اتباع (اثار صحبه) جمع صاحب كركب وراكب وهم الذين تشرفوا بمشاهدة وجهه وتلقى الاحكام عنه (الاكرمين المكرمين) اى المعظمين المبجلين المفضلين (بالتأييد الالهى (والتسديد) اى موافقة الصواب (المتجلى لهم) اى الظاهر لهم ومنه قوله تعالى فلما تجلى ربه اى ظهر امره (فى ذاته) اى نفسه وعينه وهذا اللفظ ليس من كلام العرب انما يستعمله المتكلمون فيقولون ذات الشئ بالمعنى الذى ذكرناه ويستعملونه مفردا لظاهر تارة ومضمر اخرى وينكرونه مقطوعا عن الاضافة ومعرفة ومعرفا بأل فيقولون ذاتك وذات من الذوات فيجرونه مجرى النفس نبه عليه الراغب (وافعاله) الابداعية (بمحاسن اوصافه) جمع وصف هو والنعت مترادفان وبعضهم جعل النعت اخص منه فلا يقال نعت الا فيما هو محقق بخلاف الوصف والظاهر الاول والمحاسن جمع حسن على غير قياس (التى لا يدركها) ادراكا كما ينبغى ويليق (الا من) كان له قلب واع متيقظ لتلقى اسرار تلك المحاسن بالانكشاف ثم (القى السمع) واصغى (وهو شهيد) حاضر القلب وفى هذا السياق رمز صريح الى انه لا يحيط مخلوق حق حقيقة ذات الخالق الا بالحيرة والدهشة واما اتساع المعرفة والادراك فانما يكون فى معرفة اسمائه وصفاته وكل يعطى على قدر مقامه واجتهاده فتفاوت المراتب انما هو فى معرفة الاسماء والصفات فتأمل (المعرف اياهم فى ذاته) تعريفا لا يشوبه شك ولا تردد (انه) جل وعز (واحد) اكثر العلماء ان الواحد والاحد بمعنى واحد وقال الازهرى الفرق بين الواحد والاحد فى صفاته تعالى انه الاحد بنى لنفى ما يذكر معه العدد والواحد اسم لمفتتح العدد وتقول ما انانى منهم واحد وجاءنى منهم واحد والواحد بنى لانقطاع النظير وعوز المثل وقال بعضهم الواحد فى الحقيقة هو الشئ الذى لا جزء له البتة ثم يطلق فى كل موجود حتى انه ما من عدد الا ويصح وصفه به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة وقال الراغب الواحد لفظ مشترك يستعمل فى ستة اوجه الاول ما كان واحدا فى الجنس او فى النوع كقولنا الانسان والفرس واحد فى الجنس وزيد وعمرو واحد فى النوع الثنى ما كان واحدا بالاتصال اما من حيث الخلقة كقولنا شخص واحد واما فى الخلقة كقولنا الشمس واحدة واما فى دعوى الفضيلة كقولنا فلان واحد دهره مثل نسيج وحده الرابع ما كان واحدا لامتناع التجزئ فيه اما لصغره كالهباء واما لصلابته كالالماس الخامس للمبدأ اما لمبدأ الاعداد كقولنا واحد اثنان او لمبدأ الخط كقولنا النقطة الواحدة والواحدة فى كلها عارضة قال واذا وصف الله تعالى به فمعناه انه لا يجرى عليه التجزئ ولا التكثر وقال المصنف فى المقصد الاسنى الواحد هو الذى لا يتجزأ او لا يثنى اما الذى لا يتجزأ فكالجوهر الواحد الذى لا ينقسم فيقال انه واحد بمعنى انه لا جزء له وكذلك النقطة لا جزء لها والله تعالى واحد بمعنى انه يستحيل تقدير الانقسام فى ذاته واما الذى لا يتثنى فهو الذى لا نظير له كالشمس مثلا فانها وان كانت قابلة للانقسام بالفعل بتجزئة فى ذاتها لانها من قبيل الاجسام فهى لا نظير لها الا انه يمكن ان يكون لها نظير فان كان فى الوجود موجود ينفرد ويتوحد بخصوص وجوده تفردا او وحدة (لا شريك له) اى لا يتصور ان يشاركه غيره فيه اصلا فهو الواحد المطلق ازلا وابدا والعبد انما يكون واحدا اذا لم يكن له فى ابناء جنسه نظير فى خصلة من خصال الخير وذلك بالاضافة الى ابناء جنسه وبالاضافة الى الوقت اذ يمكن ان يظهر فى وقت اخر مثله وبالاضافة الى بعض الخصال دون الجميع فلا وحدة على الاطلاق الا لله عز وجل اه وذكر الشيخ ابو منصور البغدادى فى الفرق بين الواحد والاحد اقوالا منها قد تقدم ذكرها آنفا ومنها ما لم يذكر فمن ذلك قال بعض المتكلمين انه واحد فى ذاته احد فى صفاته وقال اخرون انه واحد بلا كيف احد بلا حيث وقال اخرون وصفه بانه الواحد يدل على اوليته وازليته لان الواحد فى الاعداد والاحد فى ذاته اشارة الى توحيده فى صفاته وقال @ اخرون انه واحد بلا شريك فى الصنع لانفراده بالخلق والاختراع ولذلكقال الله تعالى ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار احد بنفى الابتداء والانتهاء والتشبيه عنه لقوله تعالى قل هو الله احد الله الصمد لو يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد فلما نفى الشرك من الصنع والاختراع وصف نفسه بانه واحدا ولما نفى عن نفسه الابتداء والانتهاء ونفى التشبيه وصف نفسه بانه احد (رفد لا مثل له) يطلق الفرد فى اوصافه تعالى ويراد به انه يخالف الاشياء كلها فى الازدواج المنبه عليه بقوله ومن كل شئ خلقنا زوجين وقيل هو المستغنى عن كل شئ المنبه عليه بقوله ان الله لغنى عن العالمين واذا قيل انه منفرد بوحدانيته فمعناه انه مستغن عن كل تركيب وازدواج تنبيها على انه بخلاف كل موجود والمثلية عبارة عن المشابهة لغيره فى معنى من المعانى اى معنى كان وهو اعم الالفاظ الموضوعة للمشابهة وسيأتى لذلك مزيد تحقيق * (تنبيه) * قال ابو منصور البغدادى قد اجمعت الامة على اطلاق اسم الفرد على الله تعالى وخالفهم عباد بن سليمان الضميرى من المعتزلة فانه زعم انه لا يجوز تسميته تعالى به وقال انما يصح اطلاق لفظ الفرد على الواحد الذى يجوز ان يكون له زوج لانهم يقولون فى العدد فرد وزوج وقد اجمعت الامة قبل ظهور عباد على اطلاق هذا الاسم عليه فى قولهم يا واحد يا فرد فلا اعتبار بخلاف المبتدع الضال لاهل الاجماع مع صحة معناه فيه لان الفرد هو الذى يتنصف والله سبحانه وتعالى ليس له نصف ولا شئ من الاجزاء والابعاض ويلزم على قوله المتقدم ان لا يسموا الاله واحدا لان الحساب قرنوا الواحد بالاثنين واكثر منه فقالوا واحد واثنان كما قالوا فرد وزوج (صمد لا ضد له) قيل فى الصمد ثلاثة اقوال احدها انه الذى لا يطعم روى ذلك عن الاعمش واستدل بقوله عز وجل وهو يطعم ولا يطعم وفى ذلك ابطال قول من زعم من النصارى ان عيسى عليه السلام اله وقال تعالى فى عيسى وامه عليهما السلام كانا يأكلان الطعام فبين ذلك ان الذى يأكل ويشرب لا يكون الها وفى ذلك دلالة على ان كل محتاج الى شئ فهو غير اله والاله هو الغنى عما سواه والقول الثانى ان الصمد هو الذى لا جوف له قاله السدى ففيه ابطال قول المشبهة من اليهود والهاشمية الذين زعموا ان معبودهم صورة مجوفة وقالوا نصفه الاعلى مخوف ونصفه الاسفل مصمد كما ذهب اليه هشام وسالم فاخبر الله انه صمد له جوف ولا صورة ولا تركيب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والقول الثالث ما ذهب اليه اهل اللغة بلا اختلاف ان الصمد السيد الذى انتهى اليه السودد والصمود فى النوائب الذى يصمد ايله فيها ةقيل هو السيد الذى صمد له كل شئ اى قصد قصده وتأويل صمود الاشياء لله تعالى دلالة كل شئ عليه بانه الصانع الاحد القديم الماجد من عرفه قصده بالرغبة اليه والرهبة منه واقتصر المصنف فى المقصد الاسنى من معانيه على الذى يصمد اليه فى الحوائج ويقصد اليه فى الرغائب اذ ينتهى اليه منتهى السودد ثم قال من جعله الله مقصدا لعباده فى مهمات دينهم ودنياهم واجرى على لسانه ويده حوائج خلقه فقد انعم عليه بحظ من معنى الوصف ليكن الصمد المطلق هو الذى يقصد اليه فى جميع الحوائج وهو الله سبحانه وتعالى اه وقال الشيخ الاكبر فى حقائق الاسماء الصمد هو الذى يلجأ ويقصد اليه فى الحوائج والنوائب فصمدية الحق من حيث انه ما من شئ الا عنده خزائنه والخزائن غير متناهية لكن اقسام كلياتها ترجع الى العلوية والسفلية والغيبية والشهادية والثبوتية والوجودية وكلها عند الحق ومفاتيحها بيده يفتحها لمن شاء اذا شاء بما شاء ثم اطال الكلام وقال ولما كانت الكفايات والافتقار موزعة على افراد اشخاص خزائن الوجود فاكل عين من اعيان الموجود حظ من الصمدية فيما لا يظهر الا به ولذلك نهينا ان نصمد فى صلاتنا الى السترة صمدا وهو اشارة الى الغيرة الالهية وانه لا ينبغى للعبد ان يصمد صمدا الا الى الصمد المطلق عز سلطانه اه بقى شئ اشار له ابو منصور البغدادى وهو انه ان كان الصمد بمعنى السيد الذى انتهى اليه. @ السودد فيكون من صفات الذات وان كان بمعنى من يصمد اليه فى النوائب كان من صفاته الفعلية واذا قلنا انه الذى لاجوف له والذى لايطعم كان من صفاته الازلية التى استحقها لنفسه وكان فى الازل صمدا على هذا التاويل (منفرد لاندلة) الانفراد والتفرد والفردية شئ واحد وليس المطاوعة فى الانفراد مرادا هكذا هو فى بعض النسخ وفى بعضها متفرد بالتاء الفوقية وهو الصحيح لان المنفرد بالنون قد منع اطلاقه عليه سبحانه الامام ابو منصور البغدادى قال وقد نطق الكتاب والسنة بانه تعالى واحد وفى معناه المتوحد والمتفرد ولذلك قال اصحابنا ان الاله متفرد بالالهية متوحد بالفردانية اه والند بالكسر هو المثل المساوى وقيل هو اخص من المثل فان الند هو المشارك للشئ فى جوهره وذلك ضرب من المماثلة فان المثل يقال فى اى مشارك كان وكل ند مثل ولبس كل مثل ندا وقيل لايقال الا للمثل المخالف المتساوى وقيل هو بمعنى المثل من غير عموم ولا خصوص وهذا اولى لان المطلوب النهى على ان يجعل الله تعالى مثلا على الاطلاق لانه لايلزم من النهى عن الاخص النهى عن العم وقيل الند هو النظير وقيل الضد قاله ابو عبيدة وهوليس كذلك بدليل قولهم ليس لله بد ولا ضد وقال فى تفسيره انه نفى ما يسد مسده ونفا ما ينافيه فدل ذلك على انهما غيران وقيل الند الاشتراك فى الجوهر والضد هو ان يعقب الشيئان المتنافيان على جنس واحد والله تعالى منزه على ان يكون له جوهر فاذ الاضدله (قديم لا اول له) اشتهر وصف البارى تعالى بالقديم فى عبارات المتكامين ولم يرد فى شئ من القران والاثار الصحيحة وصفة الله تعالى به لكنه قد ورد ذكره فى بعض الادعية واحسبها ماثورة ياقديم الاحسان قاله الراغب قلت قد اجمعت الامة على وصفه تعالى به ورد ذكره فى بعض الاخبار التى ذكرت فيها الاسماء الحسنى ودل عليه من القران عز وجل وما نحن بمسبوقين والخبر الذى ورد فيه ذكره هو ما اخبر به الشيخ المسند الجليل عمر بن احمد بن عقيل اجازه عن الامام الحافظ عبد الله بن سالم البصرى اخبرنا محمد بن علاء الدين اخبرنا على بن يحيى اخبرنا عبد الله بن يوسف اخبرنا محمد بن عبد الرحمن الحافظ اخبرنا عبد الرحيم بن محمد اخبرنا عبد الوهاب بن على بن عبد الكافى اخبرنا ابو محمد عبد الله بن محمد بن ابراهيم البزودى قراءة عليه وانا اسمع بقاسيون اخبرنا ابو الحسن على بن احمد بن عبد الواحد المقدسى اخبرنا ابو القاسم عبد الواحد بن ابى المطر الصيدلانى اجازة اخبرنا ابو سعد اسمعيل بن احمد بن عبد الملك النيسابورى اخبرنا ابو الرجاء خلف بن عمرو بن عبد العزيز الفارسى حدثنا الاستاذ ابو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمى اخبرنا ابو عمرو ومحمد بن جعفر بن مطر حدثنا عبد الله بن زيدان البجلى بالكوفة حدثنا محمد بن عمرو بن الوليد الكندى حدثنا خالد بن مخلد حدثنا عبد العزيز بن حصين حدثنى ايوب السختيانى وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن ابى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ان لله تسعة وتسعين اسما من احصاها كلها دخل الجنة فساقها وذكر فيها بعد الفتاح القديم الوتر الفاطر الرازق واختلف فى وصفه بانه قديم من قال استحقه لنفسه وبه قال ابو الحسن الاشعرى فعلى هذا هو من صفة الذات ومنهم من قال انه تعالى قديم لمعنى يقوم به وهو قول عبد الله بن سعيد فيكون من اسماء الصفات الازلية القائمة به وشرح هذا القول ان الاشعرى يقول ان القديم معناه المقدم فى وجود ما يكون بعده والتقدم نوعان احدهما تقدم بلا ابتداء كتقدم البارى عز وجل وصفاته القائمه بذاته على على الحوادث كلها وهذا هو المراد من قول المنصف قديم لا اول له والثانى تقدم بغاية كتقدم بعض الحوادث على بعض واجاز وصف القديم على الله تعالى وعلى صفاته الازلية وقال ان القدين قديم لنفسه لا معنى يقوم به فلا ينكر وصف صفاته الازليه بهذا الوصف كما لم ننكر وصفها بالوجود اذ كان موجودا لنفسه وقال عبد الله بن سعيد ابو العباس القلانسى وهما من قدماء الاشاعرة ان القديم قديم بمعنى يقوم به فهم يقولون ان الالهة سبحانه قديم لمعنى قائم به ويقولون ان صفاته قائمة به موجودة ازلية ولا يقال انها قديمة ولا محدثة وزعمت المعتزلة ان الله تعالى لايوصف بانه قديم ولابانه كان عالما فى @ الازل بنفسه وسياتى البحث فى ذلك والرد عليهم ان شاء الله تعالى (ازلى لابداية له) الازل استمرار الوجود فى ازمنة متقدمة غير متناهية فى جانب الماضى والازلى ما ليس بمسبوق بالدعم ويقال ان اصله يزلى منسوب الى قولهم للقديم لم يزل ثم نسب الى هذا فلم يستقم الا بالاختصار فقالو يزلى ثم ابدلت الياء الفا للخفة فقالوا ازلى كما قالوا فى الرمح المنسوب الى زى يزن ازنى والى يثرب نصل اثر بى نقله الصغانى عن بعض اهل العلم والبداية بالكسر الابتداء وهى بالياء لغة الانصار ولغة غيرهم البداءة بالهمز (مستمر الوجود لا اخر له) الوجود صفة نفسية على المشهور لاتوصف بالوجود اى فى الخارج ولا بالعدم اى فى الذهن لانها من جملة الاحوال عند القائل بها وهو زائد على الذات كما ذهب اليه الفخر الرازى والجهود واما على القول بانه عين الذات كما ذهب اليه الاشعرى فجعله صفة للذات نظرا الى انها توصف به فى اللفظ فيقال ذات الله موجودة (ابدى لا نهاية له) الابد استمرار الوجود فى ازمنة 7 مقدرة غير متناهية فى الماضى وعبر عنه الراغب بانه مدة الزمان المعتد الذى يتجزا كما يتجزأ الزمان فهو اخص من الزمان والابدى مالا يكون منعدما والموجود ثلاثة اقسام لارابع لها ازلى ابدى وهو الحق سبحانه ولاازلى ولا ابدى وهو الدنيا وابدى غير ازلى وهو الاخرة عكسه محال اذا ما ثبت قدمه استحال عدمه (قيوم لا انقطاع له) القيوم فيعول قلبث الواو الاولى ياء لاجل الياء قبلها ادعمت الياء الاولى فيها ومعناه الحافظ القائم على كل شئ والمعطى له مابه قوامه وقال ابو عبيد هو الدائم الذى لايزول وقيل هو القائم بامور الخلق ولا يجوز اطلاق هذه اللفظة على غير البارئ تعالى لما فيه من المبالغة كما ذكر ولذلك فى الرحمن وغيره وقال المصنف فى المقصد الاسنى لقيوم هو الذى قوامه بذاته وقيام كل شئ به وليس ذلك الا الله تعالى فان الاشياء تنقسم الى مالا يقوم بنفسه ويفتقر الى محل كالاعراض والاوصاف فيقال فيها انها ليست قائمة بانفسها او الى ما يحتاج الى محل فيقال قائم بنفسه كالجواهر الا ان الجواهر وان استغنى عن محل يقوم به فليس مستغنيا عن امور لابد منها لوجوده وتكون شرطا فى وجوده فلا يكون قائما بنفسه لانه محتاج فى قوامه الى وجود غيره وان لم يحتج مع ذلك الى محل فانه كان موجود يكفى ذاته بذاته ولا قوام له بغيره ولايشترط فى دوام وجوده وجود غيره فهو القائم بنفسه مطلقا فان كان مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لايتصور للاشياء وجود ولادوام وجود الاية القيوم لان قوامه بذاته وقوام كل شئ به وليس ذلك الالله سبحانه وتعالى ومدخل العبد فى هذا الوصف بقدر استغنائه عما سواه الله تعالى اه وقال الشيخ الاكبر قدس سره اعلم ان طائفة من ارباب الطريقة منعت من التخلق بالقيومية وقالت انها من خصائص الحق وعند اهل الكشف هذه الصفة احق بالتخلق والاتصاف اشمول سريانها وقيام الحقائق الكونية وظهور الاسماء الالهية بها ولما كانت القيويمة من صفات الحى لذاته ونعوته استصحب القيوم الحى حيث كان وقد ثبتت الحياة لكل شئ من سريان اسم الحى فكان كل شئ حى كذلك كل شئ قائم بسريان القيومية ولولا هذا السريان ما قام اعيان المكان لامر الحق بقوله وقوموا لله قانتين فشرت احكام القيومية واثارها فى الحقائق المعنوية ومراتب الشئون الغيبية وبسائط الارواح النورية وتجليات الاسماء الالهية اولا وفى النفوس والانفاس الانسانية الكمالية الجمعية الاحاطية ثانيا وفى حقائق الحروف الرقية واللفظية والذهنية الدالة على الحقائق المعنوية ثالثا فلولا سريانهم فى حقائق العلوية المعنوية ماخرجت الاعيان الوجودية من مكامن الثبوت ولولا اثارها فى الانفاس ما ظهرت صور الحروف البسيطو ولولا حكم التاليف للحروف المشيرة الدالة ما كان للكلمات الوجودية ظهور اه وقال الامام ابو منصور البغدادى ان اخذنا القيوم من معنى القيام على النفس بارزاقها واجالها والجزاء على اكتسابها كان من اوصافه البشتقة من افعاله ولم يكن من صفاته الازلية وان اخذناه من معنى الدائم كان من الازلية الذاتية لانه يكون بمعنى الباقى وبقاؤه عندنا صفة ازلية وفى صحة هذا الاسم لله تعالى فوائد منها دوام بقائه ودوام مقدوراته وقدرته عليها واثبات @ قيامه على النفوس بما كسبت واثبات جزائه لها على اكتسابها وفى كل منها رد على المخالفين على ما سياتى واطلاق المتكلمين فيه انه القائم بنفسه فانهم يريدون به استغناء عن محل يحله او يقله وقال بعض اصحابنا لا قائم بنفسه فى الحقيقة الا الله سبحانه وتعالى فاتا الجوهرة فانه وان صح وجوده لا فى مكان فلا يصح وجوده بنفسه بل هو مفتقر فى وجوده الى صانعه وهؤلاء يقولون ان المحدثات كلها قائمة بالله تعالى على معنى انه هو الموجد لها لاعلى معنى حلولها فيه والله عز وجل قائم بنفسه لان وجوده واجب لذاته من غير موجد اوجده بل لم يزل موجودا او لايزال باقيا ابدا (دائم لا انصر ام له) اصل الدوام السكون ويعبر به عن البقاء فيقال الدائم هو الباقى ويكون الدوام بالضم بمعنى الدوران ولايجوز وصف الله بالدائم الا بمعنى الباقى فهو من صفاته الازلية الذاتية فاما الدائم بمعنى الساكن والدائر فانما يصح وصفه بذلك على مذهب الكرامية المجسمة والمشبهة الجوار بيتو الهشامية فان هؤلاء وصفوه بالدوران والانتقال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والانصرام الانقطاع (لم يزل ولا يزال) هو عبارة عن القدم والبقاء قال الزمخشرى فى الاساس قولهم كان فى الازل قادرا عالما وعلمه ازلى وله الازلية مصنوع لا من كلامهم وكانهم نظروا الى العظام يزل (موصوفا بنعوت الجلال) اشار به الى الصفات السلبية وهى سلب ما يستحيل ويمتنع لقد وسيته سبحانه ومنه ايضا قول المصنف فى عقيدة اخرى له لم يزل ولا يزال مقدسا عن كل نقص وافة لايوصف بصفات المحدثين ولايجوز عليه ما يجوز على المخلوقين (لايقضى عليه بالانقضاء) اى لايحكم عليه به (بتصرم) اى انقطاع (الاباد) جميع ابدوهو الدهر الطويل الذى ليس بمحدد (وانقراض الاجال) جمع اجل وهو المدة او الوقت (بل هو الاول) قبل كل شئ بالوجوب وابتدائه بالاحسان (والاخر) بعد كل شئ برجوع الامر اليه وبفضله بالغفران فللحق الاولية من حيث انه موجد كل شئ وله الاخرية من حيث رجوع الامر كله اليه وظهور مراتب الالهية كلها فيما بين الاولية الاخرية قال المصنف فى المقصد الاسنى اعلم ان الاول يكون اولا بالاضافة الى شئ وان الاخر يكون اخرا بالاضافة الى شئ وهما متناقضان فلا يتصور ان يكون الشئ الواحد من وجه بالاضافة الى شئ واحد اولا واخرا جميعا بل اذا نظرت الى ترتيب الوجود لاحظت سلسلة الموجودات المترتبة فالله تعالى بالاضافة اليها اول اذا الموجودات كلها استفادت الوجود منه واما هو فوجود بذاته ما استفاد الوجود من غيره ومهما نظرت الى ترتيب السلوك ولاحظت مرتبة السائرين اليه فهو اخر ماترتقى اليه درجات العارفين وكل معرفة تحصل قبل معرفته فهى مرقاه الى معرفته والمنزل الاقصى هى معرفة الله تعالى فهو اخر بالاضافة الى السلوك اليه واول بالاضافة الى الوجود فمنه المبدا اولا واليه المرجع والمصير اخرا (والظاهر) بنفسه لنفسه والمظهر لغيره ولكمال ظهوره وجلاله بروزه اورثت شدة ظهوره خفاء فسبحان من احتجب باشراق نوره واختفى عن الابصار والعقول لشده ظهوره (والباطن) عن خلقه فلم يزل باطنا فهو الظاهر بالكفاية والباطن بالعناية وقال المصنف فى المقصد الاسنى هذا الوصفان ايضا من المضافات فان الظاهر يكون ظاهرا من وجه وباطنا من وجه اخر وبالاضافة الى ادراك فان الظهور والبطون انما يكون بالاضافة الى ادراكات والله سبحانه وتعالى باطن ان طلب من ادراك الحواس وخزانة الخيال ظاهران طلب من خزانة العقل بطريق الاستدلال اهم وهذه الاسماء الاربعة مع ما تقدم من كونه واحد فردا صمدا متفردا قديما دائما ازليا قيوما عبارة عن معنى ذاته على الوصف الذى يستحقه بنفسه وفى الاخير خلاف لاختلافهم فى تفسيره ولذا عده بعضهم فى القسم الذى يفيد الخير عن افعاله (الثنريه) وهو تبرئة الله عز وجل عما لا يليق بجلاله وقدسه من كل عيب ونقص ومن كل صفة لا كمال فيها ولا نقصان على قبول والفرق بين العيب والنقص بالعموم والخصوص @ فكل عيب نقص عيبا كفوات الكمال او كمال الكمال وضد العيب السلامة وضد النقص التمام والكمال والمراد تنزيه الله عن هذه الثلاثة فى ذاته وصفاته وافعاله اما الذات فيجب ان يسلب عنها الثلاثة عيب الحدوث والتكثر والجوهرية والعرضية والجسمية والافتقار الى الموجد والموجب وكذا من النقص الذى يعترى الحادثات ومن كل صفة لا كمال فيها ولا نقصان فان اثبات ذلك من الالحاد فى الاسماء وكذلك يجب سلب ذلك عن الصفات والافعال هذا على طريق الاجمال وقد اشتمل سياق المصنف الاتى على جمل من ذلك بالرموز والاشارات واما تنزيه عن عيب الحدوث فى ذاته فقد اشار به انفا بقوله قديم لا اول له ازلى لا بداية له اى لا اول لوجوده ومن كان كذلك لايجوز عليه الحدوث (وانه) تعالى (ليس يحسم) لان الجسم ماله طول وعرض وعمق قاله الراغب وقال غيره هو ما يتالف عن جوهر بن فاكثر وقال بعضهم هو جواهر مجتمعة والله تعالى متعال عن حال الاجسام وافتقارها وقبولها للانقسام فمن وصفه بالجسمية ضل واضل وقد حكى البيهقى عن الحليمى ان قوما ازاعوا عن الحق فوصفوا البارى جل وعز ببعض صفات المحدثين فمنهم من قال انه جسم تعالى الله عن ذلك اه ومنهم من زاد على ذلك فقال انه (مصور) اى حسن الصورة معتدلة لما يقال رجل مصور بهذا المعنى عند اهل اللغة وقد اجمع اهل السنة ان الله تعالى خالق الصور كلها ليس بذى صورة ولا يشبه شيئا وفى ذلك خلاف لفرق من اليهود والمعتزلة والمغيرية وغلاة الروافض والهشامية (ولاجوهر محدود مقدر) والجوهر هو الجزء الذى لا ينقسم وهو اصل الشئ وهو ما يثر كب منه الجسم والمحدود الذى له حد يقف عند وغاية ينتهى اليها والمقدر الذى يدخل تحت التقدير وكل ذلك مما ينزه البارى تعالى عنه (وانه لايمائل) اى لا يشابه (الاجرام) اى الاجساد (لا فى التقدير) والتحديد (ولا فى قبول الانقسام) كما هو شان الاجسام والله منزه عن ذلك (وانه ليس بجوهر ولا تحله الجواهر ولا بعرض ولا تحله الاعراض) لانه لو كان جوهرا او عرضا لجاز عليه ما يجوز على الجواهر والاعراض واذا جاز ذلك لم يصح ان يكون خالقا والله خالق كل شئ فالاشياء كلها مخلوقة غير الله وصفاته وايضا الاعراض صفات الاجسام كاللون والطعم والرائحة والحرارة والبرودة والاجتماع والافتراق والحركة والسكون والاجتصاص بالجهات والتحيز فى المكان والعرض لا يبقى زمانين ولا يقوم بنفسه وانما يقوم بغيره وكل ذلك حادث مخلوق متغير وجميع المخلوقات من العوالم العلوية والسفلية ينقسم الى ذلك والله خالقه جل جلاله (بل لا يمائل موجود اولا يماثله موجود) لانه لو كان كذلك لكان مخلوقا مثل ذلك من حيث انه يماثل لان الموجودات كلها مخلوقة لله تعالى غير الله وصفاته (و) انه (ليس كمثله شئ) والكاف زائدة اى ليس مثله شئ او المراد بالمثل ذاته (ولا هو مثل شئ) وسياتى البحث فيه (و) انه تعالى (لايحده المقدار ولا يحتويه) اى لاتضمه (الاقطار) جمع قطر بالضم اى الاطراف (ولا تحيط به الجهات الست) هو المحيط بكل شئ يعمله وقدرته وسلطانه (ولا تكتنفه الارضون ولا السماوات) يقال اكتنفه القوم كانو منه يمنه ويسره اى انه سبحانه لا مكان له ولا جهة قال الشافعى رحمه الله تعالى والدليل عليه هو انه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الازلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير فى ذاته ولا التبديل فى صفاته وقال امام الحرمين فى لمع الادلة والدليل على تقدسة تغالى عن الاختصاص بجهة والاتصاف بالمتحاذيات وان لاتحده الاقطار ولا تكتنفه الاقدار ويحل عن قبول الحد والمقدار ان كل مختص بجهة شاغل لها وكل متحيز قابل لملاقاه الجواهر ومفارقتها وكل ما يقبل الاجتماع والافتراق لا يخلو عهما ومالايخلو من الافتراق والاجتماع حادث كالجواهر فاذا ثبت تقدس البارى عن التحيز والاختصاص بالجهات فيترتب على ذلك تعاليه عن الاختصاص بمكان وملاقاه اجرام واجسام فقد بان لك تنزيه ذاته سبحانه عن كل مالايليق بجلاله وقد وسيته (وانه) تعالى (مستو على العرش على الوجه الذى قاله) فى كابة العزيز الرحمن على العرش @ استوى (وبالمعنى الذى اراده) بما يليق به سبحانه اعلم به كما جرى عليه السلف فى المتشابه من التنزيه عما لا يليق بجلال الله تعالى مع تفويض علم معناه اليه لا كما قاله بعض من اجازات ان يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره على شئ (بل استواء منزها عن المماسة) والمحاذاه (والاستقرار والتمكن) على شئ (والحلول) فى شئ و(الانتقال) من مكان الى اخر قيام البراهين القطعية باستحالة ذلك فى حقه تعالى فان ذلك كله من صفة استواء الاجسام بالاجسام (لايحمله العرش) كما يقول البعض المجسمة نظرا الى ظاهرة لفظ فوق (بل العرش وحملته) وهم الملائكة الموكلون بحمله (محمولون باطاف قدرته) الباهرة (ومقهورون فى قبضته) القاهرة (وهو) تعالى (فوق العرش وفوق كل شئ الى تخوم الثرى) اى حدود الارض جمع تخم كفلوس وفلس وقال ان الاعرابى وابن السكيت الواحد تخوم والجمع تخم كرسول ورسل (فوقية) تليق بجليل ذاته بحيث (لاتزيده قربا الى العرش والسماء كما لا تزيده بعدا عن الارض والثرى) قال ابو اسحق الشيرازى فلو كان فى جهة فوق لما وصف العبد بالقرب منه اذا سجد بل هو تعالى (رفيع الدرجات) والرفعة العلو يقال هو رفيع القدر اى عالى المنزلة والشرف والدرجات جمع درجة والمراد بها المرتبه المعنوية (عن العرش والسماء كانه رفيع الدرجات عن الارض والثرى) ولم يرد رفيع فى اسمائه تعالى الا مقيدا بمضاف اليه وهو الدرجات وقال ابو منصور البغدادى تفسير الدرجات فيما يليه وهو ذو العرش لان العرش هو الدرجات الرفيعة اذ لجسم اعلى من العرش وليس معنى رفيع الدرجات كونه على درجات مرتفع لانه يستحيل كونه فى مكان لكن معناه انه رفيع العرش اى ان العرش الرفيع له هو خالقه ومالكه فهو بان يكون مالكا خالقه لما دونه اولى اه ولا يخفى ما فيه من التكلف وسياق المصنف يأباه كذلك فتامل (وهو مع ذلك قريب من كل موجود) واطلاق لفظ القريب عليه تعالى دل عليه فى القران قوله عز وجل واذا سالك عبادى عنى فانى قريب ومعناه القرب على معنى العلم منه بعباده وباحوالهم (وهو اقرب الى العبيد من حبل الوريد) عرق بين الحلقوم والعلباوين وهو ينبض ابدا وهو من الاورده التى فيها الحياة ولا يجرى فيها الدم بل هى تجارى النفس بالحركات قاله الفراء كما فى المصباح وهذا معنى قوله تعالى ونحن اقرب اليه من حبل الوريد اى اعلم منه بنفسه وقوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم واسجد واقترب دليل على ان المراد به قرب المنزلة لاقرب المكان كما زعمت المجسمة انه مماس لعرشه اذا لو كان كذلك لازداد بالسجود منه بعد الاقربا (وهو على كل شئ شهيد) اى شاهد حاضر وحفيظا عالم لايغيب عنه شئ فعلى هذا هو ومن صفاته الازلية التى استحقها لاجل عمله القديم ولم يزل شهيدا (اذلا يماثل قربه قرب الاجسام كمالا تماثل ذاته) الشريفة (ذات الاجسام وانة) تعالى (لايحل فى شئ) لاذاته ولا صفاته اما ذاته فلان الحلول هو الحصول الحيز تبعا والله تعالى منزه عن التحيز ولان الحلول ينافى الوجوب الذاتى لافتقار الحال الى المحل واما صفاته فلات الانتقال من صفات الاجسام والله تعالى منز عن الجسمية كما مر (ولا يحل فيه شئ تعالى) وتقدس (عن ان يحويه مكان) فيشار اليه او تضمنه جهة وانما اختصت السماء برفع الايدى اليها عند الدعاء لانها جعلت قبلة الادعية كما ان الكعبة جعلت قبلة المصلى يستقبلها فى الصلاة ولا يقال ان الله تعالى فى جهة الكعبة (كما تقدس عن ان يحده زمان) لان المحدود محتو على اجزاء الماهية والله تعالى منزه عن ذلك كما تقدم (بل كان) تعالى (قبل ان خلق الزمان والمكان) والعرش والكرسى والسماوات والارضيين (وهو الان على ما عليه) من سلطة الازلية كما (كان) قبل خلقه الزمان والمكان وغيرهما (وانه) تعالى (بائن عن خلقه اصفائه) العلية (ليس فى ذاته سواء جل وعز ولا فى سواء ذاته) الشريفة (وانه) تعالى (مقدس) مره (عن التغير) من حال الى حال (والانتقال) من مكان الى مكان وكذا الاتصال والانفصال فان كلا من ذلك من صفات المخلوقين @ (لاتحله الحوادث) ولا تقوم به لانه لو جاز لك لزم عدم خلوه عن الحادث لا تصافه قبل ذلك الحادث بضده الحادث لزواله وبقابليته هو (ولاتعتريه العوارض) وهى الافات العارضة والا كدار والكثافات والاناس هو سبحانه وتعالى منزله عن ذلك (بل لايزال فى نعوت جلاله) واوصاف كماله (منزهاعن) نقص (الزوال وفى زيادة كماله مستغنيا عن زيادة الاستكمال) اذ كل كمال فانما يفاض منه بدا واليه يعود (وانه) تعالى (فى ذاته معلوم الوجود بالعقول) ان طلب من خزانة العقل بطريق الاستدلال (مرئى الذات بالابصار منه منه) وفضلا (ولطفا بالابرار) فى دار الدنيا (فى دار القرار) عقلا وسمعا وعليه اجمعت العلماء وفى جواز الرؤية فى الدنيا سمعنا اختلاف فاثبته قوم ونفاه اخرون كما سياتى تفصيله (واتمام للنعيم بالنظر الى وجهه الكريم) لقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ثم اعلم ان صفات الله تعالى على ثلاثة اقسام نفسية وسلبية ومعان ومن اثبت الاحوال ذاد المعنوية فالصفة النفسية الوجود هى الحال الواجب للذات مادامت الذات غير معللة بعلة فحرج من قوله الحالى المعانى والسلبية ومن قوله غير معللة الاحوال المعنوية كسكون الذات عالمة وقادرة ومريدة مثلا فانها معللة بقيام العلم والقدرة والارادة بالذات واما القسم الثانى وهو خمس صفات القدم والبقاء ومخالفته تعالى للحوادث اى لايماثله شئ منها مطلقا لافى الذات ولا فى الصفات ولا فى الافعال وقيامه تعالى بنفسه اى غير مفتقر الى محل ومخصص والوحدانية وهى سلب التعدد فى الذات وفى الصفات وفى الافعال قد اشار المصنف الى كل ذلك تصريحا نارة وتلميحا اخرى ولما فرغ منها شرع فى بيان صفات المعانى ويقال لها ايضا صفات الذات وصفات الاكرام وصفات الثبوت وتقديم السلبية عليها من باب تقديم التخلية على التحلية وانما سميت صفات المعانى لانها صفات موجودة فى نفسها وكل صفة موجودة فى نفسها تسمى صفة معنى لانها معان زائدة على معنى الذات العلية وعند المتقدمين لافرق بين المعانى والمعنوية قال المصنف رحمه الله (القدرة ) وهى صفة ازلية تؤثر فى الممكن عند تعلقها به ايجادا او اعداما (وانه) تعالى (حى) بحياة هى صفة ازلية له لايجوز عدمها ولازال حيا ابدا وليست حياته عن روح ولا عن لحية ورطوبة ولاعن تركيب ولاسمن نفس ولا عن سبب يوجب حدوثنا اوعيار هذه الصفة الرابعة من صفات المعانى فى تعبير المتاخرين او ردها المصنف فى ضمن صفى القدرة (قادر) بقدرة هى صفة ازلية ولا يزال قادرا ابدا (جبار) قيل معناه الذى جبر الخلق على ما اراده من امره وهو قيل الزجاج وقيل معناه جابر كل كسير وقيل هو القاسم للجبابرة والطغاة والمبيد للظلمة والعتاه وقيل معناه ذو الجبروت وقيل معناه الذى يتعظم ويتعاظم وقال ابن الانبارى هو الذى لا ينال اى هو المتعالى عن ان يدرك بحد وقيل معناه القهار ومنه قوله وما انت عليهم بجبار اى قهار قال ابو منصور البغدادى ان اخذ من معنى الامتناع عن ان ينال بحد او تشبيه فهو اذا من الصفات الذاتية التى استحقها لنفسه وان اخذ من معنى الاجبار الذى هو الاكراه على ما اراده من امر او من معنى جبر الكسر او من معنى القهر والغلبة فهو اذا من اوصافه التى استحقتها لفعله دون ذاته (قاهر) اى غالب على امره يفعل ما يشاء وبحكم ما يريد (لا يعتر به قصور ولا عجز) خلافا للثنوية والمجوس والقدرية (ولا تاخذه سنة ولا نوم) تعالى الله عن ذلك كله فالقهر صفة فعل بمعنى الغلبة فيكون القاهر من اوصافه المشتقة من افعاله ولا يكون من اوصافه الازلية وتاوله بعضهم على معنى القدرة وعلى هذا يكون فى الازل قاهرا كما كان فى الازل قادرا والاول اصوب والمعنى ان الله تعالى هو الذى قهر الجبابرة فى الدنيا بالدمار ويقهر جميع اعدائه فى الاخرة بالبوار وهذه الجمل الثلاثة سوقه لا يضاح الاسماء الاربعة اى من كان متصفا فى الازل بهذه الاوصاف يستحيل عليه طرو القصور والعجز والغفلة ومعارضة الفناء والموت (وانه ذو الملك) هو عالم الشهادة من المحسوسات الطبيعية (والملكوت) وهو عالم الغيب المختص بارواح النفوس وقيل هما مصدران والمعنى @ الله تعالى هو الملك حقيقة وكل مالك سواه فانما يصير مالكا لملوكه بتمليك الله عز وجل ايا من وجه ماذون فيه والله سبحانه وتعالى هو الذى وجد ما اوجد واعدم ما اعدم منها فه بدء كل مملوك واليه يعود (والعزة) اى المنعة (والجبروت) اى العظمة (له السلطان) اى القوة (والقهر) اى الغلبة (والخلق والامر والسماوات) ومافيها (مطويات) اى ملفوفات (يمينية) اى قدرته (والخلائق) اجمعون (مقهورون فى قبضته) وقهره وهو الغالب على كل شئ ولا يغلبه شئ (وانه المتفرد بالخلق والاختراع المتوحد بالايحاء والابداع) اشار بذلك الى وحدانية الافعال وهى تنفى ان يكون فعل او اختراع او ايجاد او ابداع لغيره تعالى من الممكات واما وحدانية الذات التى هى عبارو عن سلب التعدد فى الذات والصفات والافعال ووحدانية الصفات وهى تقى التعدد المتصل والمنفصل فقد اشار بذلك اولا وكل من الخلق والاختراع والايجاد والابداع خص بالمولى عز وجل الا ان الخلق هو الايجاد مطلقا والاختراع هو الايجاد لاعلى مثال سابق فذلك قال (خلق الخلق) بقدرته (و) خلق (اعمالهم) لقوله تعالى والله خلقكم وما تعلمون والخلق هو انشاء الشئ واختراعه واحداثه من العدم الى الوجود وهذا لا يكون الا من الله عز وجل عند اهل الحق وعلى هذا يحمل غالب ما فى القران من هذا اللفظ الا ما شد فيه بمعنى التقدير والتصوير (وقدر ارزاقهم) واقواتهم واعطاهم منها ما قدره لهم (و) قدر (اجالهم) وهى المدد التى ينتهون اليها فالمقدر بهذا المعنى من اوصافه الفعليه دون الازلية (لا يشذ) اى لا يخرج (عن قبضته) القاهرة (مقدور) لكمال قهره (ولا يعذب) اى لا يغيب (عن قدرته) الباهرة (تصاريف الامور) وتدبيراتها (لاتحصى مقدوراته) فان كل ما صح حدوثه وتوهم كونه ولم تستحمل فى العقل وجوده فالله تعالى قادر على ايجاده واحداثه فاذا مقدوراته لا تحصى (ولا تتناهى معلوماته) اى لا تدخل تحت العد والاحصاء لان علمه نحيطا بها جملة وتفصيلا (العلم) وهى الصفى الثانية من صفات المعانى وهو المتعلق بكل واجب وكل مستحيل وكل جائز وهو صفة ازلية لها تعلق بالشئ على وجه الاحاطة به على ماهو عليه دون سبق خفاء (رانه) تعالى (عالم بجميع المعلومات) موجودا كان ذلك المعلوم او معدوما محالا كان او ممكنا قديما كان او حادثا متناهيا كان او غير متناه جزئيا كان او كليا مركبا كان او بسيطا (محيط بما يجرى من تحت تخوم الارضين الى اعلى السماوات) قال تعالى احاط بكل شئ علما اى علمه احاط بالمعلومات كلها فعلى هذا التاويل يكون المحيط من اوصافه الازلية لانه لم يزل عالما بالمعلومات كلها ودليل هذه الاحاطة قوله تعالى (لايعذب عن عمله مثقال ذرة فى الارض ولا فى السماوات) وكذلك قوله عز وجل واحاط بما لديهم بل اطبق المسلمون على انه تعالى (يعلم دبيب) اى حركة (النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء) وكيف هو خالقها الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وايراد هذه الاوصاف تنبها على كمال الدقة والخفاء (ويدرك) بلا اله (حركة الزر) وهو الهباء المنتشر فى ضوء الشمس (فى جو الهواء) انه تعالى (يعلم السر واخفى) من السر وهو مايطرا وجوده فى ضمير صاحبه فيعلمه قبل ان يقع بخاطر صاحبه وقيل اخفى فعل اى واخفى ذلك عن خلقه ثم زاده يضاحا بقوله (ويطلع على هواجز الضمائر) وهى ما تقه فيه (وحركات الخواطر) مما تخطر بها (وخفايات السرائر) مما تكنها فيها (بعلم قديم) موصوف بالقدم (ازلى) غير مسبوق بالعدم بحضورها عنده بلا انتزاع صورة ولا انتقال ولا اتصاف بكيفية (لا بعلم حادث متجدد حاصل فى ذاته بالحلول والانتقال) كما ذهب اليه جهم بن صفوان والرافضة وسياتى تفصيل اقوالهم والرد فى شرح الرسالة القدسية (الارادة) وهى الصفة الثالثة من صفات المعانى ويذكرها المتاخرون مع القدرة لتعلقهما بجميع الممكنات دون الواجبات والمستحيلات الا ان جهة تعلقهما بالمكان مختلفة فالقدرة كما مر صفة ازلية تؤثر فى الممكان عند تعلقها به ايجادا او عدما والارادة صفة ازليه تؤثر فى اختصاص احد طرفى الممكن من وجود او عدم او طول او قصر ونحوها @ بالوقوع بدلا من مقابلة فصار تاثير القدرة هرع تاثير الارادة اذ لايوجد عز وجل من الممكات او يعدهم بقدرته الا ما اراد تعالى وجوده او اعدامه وقال شيخ مشايخنا اعلم ان فى نسبة التاثير للقدرة مسامحة اذ اذ التاثير فى الحقيقة انما هو للذات الموصوفة بالصفات فاساد التاثير للقدرة مجار قال وكان شيخنا الطوخى يمنع اسناد التاثير للقدرة ولو مجازا لما فيه من الابهام (وانه) تعالى (مريد للكائنات) على الحقيقة والارادة شرط فى كون كل فاعل فاعلا وكمالا يكون الفاعل الا قادرا كذلك لا يكون الامر يدا مختار الفعلة خلافا لمن زعم ان وصفة بالارادة مجاز وهو قول النظام والكعبى (مدبر للحادثات) بجليل حكمته (فلا يجرى فى الملك والملكوت) اى العالم السفلى والعلوى (قليل او كثير صغير او كبير) دقيق او جلبل (خير او شر نفع او ضر ايمان او كفر عرفان او نكر) صحة او سقم (فواز وخسران زيادة او نقصان طاعة او عصيان الا بقضائه وقدره) معنى قضائه تعالى عمله ازلا بالاشياء على ماهى عليه ومعنى قدرة ايجاده اياها على ما يطابق العلم (وحكمه ومشيئته) وهى والارادة مثراد فتان اراد تعالى حدوث كل ما علم على الوجه الذى علم حدوثه على الوجه الذى علم حدوثه عليه ولا يكون فى سلطانه الا مايريد كونه ولا ينتفى من ملكه الا ما اراد انتفاهم (فما شاء الله كان ومالم لم يشا لم يكن) ولا يكون وهذه هى الارادة الكونية ولا يختلف متعلقها متى تعلقت بشئ وجب وجود وفى اطلاق القول بارادته المعاصى والكفر على التفصيل اختلاف وظاهر سياق المصنف يدل على جوازه ومنهم من يقول ذلك فى الجملة ويمنع التفصيل ويكتفى بقوله ما شاء الله كان الخ وهذا كقول المسلمين فى الجملة يا خالق الاسسام وارزاق الانعام ولم يقولوا فى التفصيل يا خالق الكلاب والخنازير يراون كان فى الحقيقة هو خالقها كذلك يقول فى الجملة انه مريد لكل ماعلم حدوثه ولايقو فى التفصيل انه مريد الكفر وسائر المعاصى وان كان حدوثها بمشيئته وارادته وهذا تفصيل قدماء الاشاعرة ومنهم من قال بجواز اطلاقه مع قرينة لولاها لم يجزا طلاقها ايهام الخطا وهو قول الاشعرى يقول كل معصية اراد تعالى حدوثها من المعاصى بها كسبلة قبحا منه مذموما وهذا كقولهم ان المؤمن لا يقال له كافر على الاطلاق ولكن يقال يفيد بانه كافر بالجبت والطاغوت (لايخرج عن مشيئته الهته ناظر ولا فلته خاطر بل هو المبدئ المعيد فعال لما يريد) خلافا لمن زعم ان المعاصى كلها كانت من غير مشيئة له وقد يريد كوب الشئ فلا يكون ودليلنا قوله الفعال لما يريد فانه يدل على ان ارادته ليست من فعله لانها لو كانت فعله لوجب ان يكون مريدا لها لانه اخبرنا انما يفعل ما يريد الدليل على شمول ارادته بجميع المرادات قيام الدلالة على انها صفة له ازلية والصفة الازلية تعم جميع ما يتعلق بها من الاشتقاق كالعلم والقدرة واذا صح لنا كونها ازلية وجب ان تكون ارادة لكل مراد على الوجه الذى اراده وما يدل على صحة قولنا فى هذه المسالة انه لو جاز حدوث مالا يريده الله تعالى وجاز ان يريد شيئا فلا يتم مراده كما قالت القدرية لادى ذلك الى ابطال دلالة التمانع على توحيد الصانع وسياتى بيانه ان شاء الله تعالى (لاراد) اى لا دافع ولا مانع ولاصارف (لامره) الذى شاء (ولا معقب لقضائه) وحكمه اى لا متبع له ولا مكر له والمعقب الذى يكر على الشئ ويتبعه لينظر ما فيه من الخلل لينقضه وقيل معناه لا يقضى بعد قضائه قاض وقيل معناه لااحد يتعقبه ويبحث عن فعله (لامهرب لعبد عن معصيته) ومخالفة امره (الا بتوفيقه له ورحمته ولا قوة له على طاعته) واتيان ماموراته (الا بمعصية وارادته) وهذا هو تفسير لا حول ولا قوة الا بالله وفى هذا السياق اشارة الى ان المحبة والارادة شئ واحد وهو مذهب المصنف وعند الماثر يديه فرق بينهم او سياتى بيان ذلك (لو اجتمه الجن والانس والملائكة والشياطين على ان يحركوا فى العالم ذرة او يسكنوها دون ارادته ومشيئته عجزوا عن ذلك) فلا يجرى فى ملكه شئ الا بمشيئته فى اقضيته ومراداته سبحانه جل شانه (وان ارادته صفة ازلية قائمة بذاته) اراد بها مراداته (فى جملة صفاته) كالعلم والقدر نمو السمع والبصر والكلام (لم يزل كذلك موصوفا بها) فى الازل كما لم يزل عالما بعلم @ محيط بجميع المعلومات على التفصيل وكما انه لم يزل قادرا بقدرة شاملة لجميع المقدورات على التفصيل سامعا بسمع رائيا برؤية محيطين بجميع المسموعات والمرئيات على التفصيل (مريدا فى ازله لوجود الاشياء فى اوقاتها التى قدرها فوجدت فى اوقاتها كما اراد فى ازله) وهى الارادة لكونه وقد سبق انها متى تعلقت بشئ وجب وجوده (من غير تقدم) عن وقته (ولا تاخر) عنه (بل وقعت على وفق عمل وارادته) قال شيخ مشايخنا تاثير الارادة عند اهل على وفق العلم فكل ماعلم الله تعالى انه يكون من الممكات او لايكون فذلك مراده عز وجل (من غير تبدل ولا تغير) وفى ذلك خلاف للمعتزلة ياتى ببيان قولهم والرد عليهم (دبر الامور) لما كان التدبير فى صفات البشر هو التفكير فى عواقب الامور ولا يوصف سبحانه وتعالى به فانه لم يزل عالما قبل وقوعها فلذلك اعقبه بقوله (لابترتيب افكار) وتربص زمان) فاذا المراد بالتدبير فى الامور هنا امضاؤها وبه فسر قوله تعالى يدبر الامور هنا امضاؤها وبه فسر قوله تعالى يدبر الامر من السماء الى الارض فيكون المدبر على هذا من اسمائه الازلية فلا مدبر ولا مقدر لما يجرى من السماوات والارض غيره كل حادث فيهن وما بينهن واقع بتقديره وجار على تدبيره فله التدبير والتقدير (فلذلك لم يشغله شان عن شان) وهو الان كما عليه كان ثم اعلم ان للقدرة والارادة تعلقين صلوحى وتنجيزى فالصلوحى قديم وحقيقته صحة الايجاد والاعدام بالقدرة وصحة التخصيص بالارادة بمعنى ان القدرة فى الازل صالحة للايجاد والاعدام على وفق تعلق الادارة الازلية والتنجيزى حادث وحقيقته صدور الممكات عن القدرة والارادة واللارادة تعلق ثالث وهو تنجيزى قديم وحقيقته قصد ايجاد الله تعالى الاشياء فى اوقاتها المعلومة (السمع والبصر) وهما الصفة الرابعة والخامسة من صفات المعانى المتعلقات بجميع الموجودات وحقيقة السمع صفة ازلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات فتدرك اى الموجودات ادرا كاتاما الاعلى سبيل التخيل والتوهم ولا على طريق تاثير حاسة ولا وصول هواء وحقيقة البصر صفة ازلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات فتدرك اى الموجودات ادرا على سبيل التخيل ولا على سبيل طريق تاثر حاسة ولا وصول شعاع ومعنى المتعلقات الطالبان بالانكشاف لجميع الموجودات (وانه تعالى سميع بصيؤ يسمع ويرى ولا يعذب) اى لا يغيب (عن سمعه مسموع وان خفى) كوقع ارجل النملة على الاجسام اللينة وكلام النفس فانه تعالى يسمع كلا منها (ولايغيب عن رؤيته مرئى وان دق) كالذرة فى الهواء يسمع النداء ويجيب الدعاء (ولا يدفع سمعه بعد ولا يحجب سمعه بعد ولاية رؤيته ظلام) بل (يرى من غير حدقة) يقلبها (ولا اجفان) يحركها تعالى الله عن ذلك (ويسمع من غير اطمخة) جمع صماخ بالكسر وهو الثقب الذى فى الاذن (ولا اذان) كما انه تعالى (يعلم بغير) دماغ (وقلب ويبطش بغير جارحة ويخلق بغير اله) منزه عن سمات البرايا (اذا لا تشبه صفاته صفات الخلق كما لاتشبه ذات الذات الخلق) اى ليس علمه كعلم مخلوق المختلف فى محلة اهو الدماغ او القلب ولا كسمع مخلوق الذى هو بقوة مودعة فى مقعر الصماخ يتوقف ادراكها كالاصوات على حصول الهواء الموصل لها الى الحاسة وتاثير الحاسة ولا كبصر المخلوق الذى هو قوة مودعة فى العصبتين المجوفتين الخارجتين من الدماغ فلذلك لم تشبه صفاته صفات الخلق كما لم تشبه ذاته ذات الخلق لما ثبت تنزيهه وتقديسه عما لايليق به جل جلاله قال المنجورى فى حواشيه على الصغرى والفحيحى على ام البراهين ان السمع والبصر ليس لهما الا تعلق واحد تنجيزى وهو ينقسم الى قسمين تنجيزى قديم كانكشاف ذات الله تعالى وصفاته الوجودية له فيما لا يزال فحينئذ ليس لها تعلق صلاحى لقولهم ان صفة الانكشاف لا صلاحى لها علما وسمعا وبصرا وادراكا وافهم قوله المتعلقات بجميع الموجودات انهما لا يتعلقان بالمعدومات ولو كانت ممكنة قال شيخ مشايخنا وهذه المسئلة مما @ خولف فيها الشيخ السنوسى اعنى تعلق السمع والبصر بخصوص الموجود وقد سبقه الى ذلك الفخر والامام والشهر ستاتى فى النهاية هو قول الاشعرى وسياتى لذلك تحقيق (الكلام) وهى الصفة السادسة من صفات المعانى وهى صفة ازلية قائمة بذاته تتعلق بما تعلق به العلم وهو كل واجب وكل مستحيل وكا جائز لا تقبل العدم ولا ما فى معناه من السكوت ولا التحديد ولا البعض ولا الكل ولا التقديم ولا التاخير ولا اللحن ولا الاعراب ولا الحرف ولا الصوت ولا سائر انواع التغيرات فقال (وانه تعالى مثلكم) لاختلاف فى ذلك لارباب المذاهب والملل وانما اختلفوا فى معنى كلامه تعالى وحقيقته كما سياتى بيانه (امرناه) مخاطب قائل مخبر (واعد متوعد) اجمعوا على ذلك وعلى ان كلامه امر وينتهى وخبر وخطاب وهذا بحسب المتعلق فان تعلق بتحصيل الفعل فامر او بالكف عنه فننهى وبوقوع النسبة او لا وقوعها فحبر واما النداء والوعد والوعيد فالكل راجع امالى الخبر او الى الطلب وعلى انه لا يوصف بانه ناطق وانما اختلفوا فى مسائل من فروع هذا الباب من طريق العبارة وخالفهم طوائف فى اصول هذا الباب وفروعه ودليل المتكلم والمتحدث على اثبات الكلام له تعالى قوله عز وجل وكلم الله موسى تكليما واما الصوفى يقول الكلام وصفه كمالية اذ مرجع ذلك الانباء عن الشئ وكل الاشياء قابلة للانباء فلابد من حصول تلك الصفة على كمالها وحصولها على الكمال لا يكون الا بحيث لا ترتفع لنقيضها وذلك لا يكون الا فى واجب الوجود فواجب الوجود له تلك الصفة الكمالية اذ هو الذى له الكمال المطلق وهو المطلوب (بكلام ازلى قديم قائم بذاته) لان ثبوت المشتق للشئ يدل على ثبوت ما اخذ الاشتقاق لذلك الشئ (لا يشبه كلام الخلق) اذ كلام الخلق كله عرض وكلام الله تعالى لايوصف بجسم ولا عرض ثم بين وجه عدم شبه الكلام الخلق فقال (فليس بصوت يحدث من بين انسلال هواء او اصطكاك اجرام ولا يحرف يتقطع باطباق شفة او تحرك لسان) فكل ذلك من صفات كلام الخلق قال ابو الحسن الاشعرى الكلام كله ليس من جنس الحروف ولا من جنس الاصوات بل الحروف والاصوات على وجه مخصوص دلالات على الكلام القائم بنفس المتكلم وقال عبد الله بن سعيد وابو العباس القلانسى واصحابهما وهم من قدماء الاشاعرة ان كلام المخلوق حروف واصوات لانه تكون لها مخارج الحروف والاصوات وكلام الله ليس بحروف ولا اصوات لانه غير موصوف بمخارج الحروف والاصوات وهذا القول هو اختيار اكثر اصحاب الحديث قال ابو منصور والبغدادى وبه تقول وقال الامام ابو المعلى مذهب اهل الحق جواز سماع ماليس بحرف ولا صوت اى فهو منزه عن جميع ماتقدم لانه قديم والقديم لا يوصف باوصاف الحوادث وكيفية مجهوله لنا كما لا نحيط بذاته وبجميع حقائق صفاته فليس لاحد ان يخوض فى السكنة بعد معرفة ما يجب لذاته تعالى وصفاته (وان القران والتوراة والانجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله) اى الحروف انما هى عبارة عنه والعبارة غير المعبر عنه فلذلك اختلفت باختلاف الالسنة واذا عبرت عن تلك الصفة القائمة بذاته تعالى بالعربية فقران وبالعبرانية فتوراه وبالسريانية فانجيل وزبور والاختلاف فى العبارات دون المسمى فحروف القران حادثة والمعبر عنه بها هو المعنى القائم بذات الله تعالى قديم فالتلاوة والقراءة والكتابة حادثة والمناو والمقروء والكتوب قديم اى مادلت عليه الكتابة والقراءة والتلاوة كما اذا ذكر الله بالسنة متعددة ولغات مختلفة فان الذكر حادث والمذكور هو رب العباد قديم (وان القران) كلام الله تعالى غير مخلوق وانه مسموع بالاذان (مقروء بالالسنة) قالى الخراشى فى شرحه على ام البراهين الفرق بين التلاوة والقراءة ان التلاوة اخص من القران لان التلاوة لا تكون فى كلمة واحدة والقراءة تكون فيها تقول فلان قرا اسمه لا تقول تلا اسمه فالقراءة اسم لجنس هذا الفعل (مكتوب فى المصاحف محفوظ فى القلوب والصدور وانه مع ذلك @ قديم، لا يوصف بالحدوث والخلق (قائم بذات الله تعالى) لا تفاقهم على ذلك وهذا كله حق واجب الايمان به لان القرآن يقال عليه الكلام فيقال على المعنى القائم بذاته عز شانه المعبر عنه بالسان العربى المبين ومعنى الاضافه فى قولنا كلام الله تعالى اضافه الصفه الى الموصوف كعلم الله والقرآن بهذا المعنى قديم قطعا ويقال على الكلام العربى المبين الدال على هذا المعنى القديم ومعنى الاضافه على هذا التقدير هى معنى اضافه الفعل الى الفاعل كخلق الله ورزقه وكلا الا الاطلاقين حقيقه على المختار خلافا لمن زعم انه حقيقه فى احداهما مجاز فى الاخر معنى ان القرآن مسموع بما يدل عليه وهو العباره متلو بالالسنه كذلك محفزظ بالرقوم والخطوط الحسيه والحاصل انه مسموع بما يدل من الحروف المرسومه فى قوى السمع مكتوب بما يدل عليه رقما متلو وبما يدل عليه نماقا محفوظ وبما يدل عليه نخيلا وهكذا كما يقال الله مذكور بالالسنه معناه مذكور بما يدل عليه النفاق الاسانى وسيأتى ذلك بحث فى الرساله القدسيه (لا يقبل الانفصال والافتراء بالانتقال الى القلوب والاوراق) كما لا يقبل العلم ولا فى معناه من السكوت والتجديد ولا البعض ولا الكل ولا التقديم ولا التاخير ولا المن ولا الاعراب ولا سائر التغيرات (وان موسى صلى الله عليه وسلم سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف) قال الامام ابو المعالى مذهب اهل الحق جواز سماع ماليس بحرف ولا صوت وقد تقدم ذلك فى التأويلات لابى منصور الماتريدى ان موسى عليه السلام سمع صوتا د الاعلى كلام الله تعالى وخص بكونه كليم الله لانه سميع بغير واسطه الكاب والملك لا انه ليس فيه واسطه الحروف والصوت قلت واليه ذهب ابو اسحق الاسفراينى من الاشاعره وجمهور الاشاعره ذهبو الى ان الكلام القديم سمع لا بواسطه ما يدل عليه وقد نقل عن الاستاذ انه قال اتفقوا على لا يمكن سماع غير الصوت الا ان منهم من اطلق القول بذلك ومنهم من قال لما كان المعنى القائم بالنفس معلوما بواسطه الصوت كان مسموعا فلاختلاف لفظى (كما يرى الابرار) وهم الاخيار من العباد (ذات الله تعالى فى الاخره) رؤيه تليق بذاته تعالى (ومن غير جوهر ولا عرض واذا كانت له هذه الصفات العليه كان حباعا لما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما بالحياه والقدره والعلم والاراده والسمع والبصر والكلام) الازليات (لا بمجرد الذات) اشار بذلك الى ان صفات المعانى زائده على الذات العليه بأن المعنى الذى يفهم من العلم ابلغ من القدره الذى هو التمكين من الفعل او الترك وكذا باقى صفات المعانى فانها صفات ثابته موجوده فى نفسها قديمه باقيه بالذات العليه وهى كمالات ونقائضها نقائص والله منزه عن النقائص ولا ضرنا تعدد القديم حيث كان صفه للذات وانما الممنوع تعدد ذات قديمه ونحن لا نقول بذلك ثم ان تلك الصفات سبعه كما ساقها المصنف اخرا اجمالا واما فى التفصيل فقد ادرج صفه الحياه عند ذكره صفه القدره بناء على اصوبها القديم فى حدها بان ما كان شرطا فى وجود القدره لا جمعها على ان العلم والقدره والاراده لا يصحح وجود شئ منها فيما ليس يحيى وزعم بعض المعتزله ان الحياه تفيد معنى القدره وان الحى هو قادر روى ذلك عن عباد بن سليمان وذهب ابو عمر المازنى من الكراميه ان الحياه من جمله القادر لان القدره اسم جامع لكل صفخ لا اصح الحياه دونها فلحياه من جملتها فتامل ثم ان صفات المعانى ليست عين بذات ولا غير الذات لانها لو كانت عينها لزم الاتحاد فى المفهوم بلا تفاوت اصلا ولو كانت غيرها لزم الانفكاك بينهما وايضا العينه بالاتحاد يلزم منها ان يكون العلم مثلا سمعا وقدره والكلام بصرا وهذا محبط عظيم ثم ان صفات المعانى تنقسم اربع اقسام قسم لايتعلق بشى اى لا يطلب امر زائد على القيام بعملها وهى الحياه وقسم يتعلق بلممكن فقطوهما القدره والاراده وقسم يتعلق بجمبع الموجودات وهما السمع والبصر وقسم يتعلق بجميع اقسام الحكم العقلى وهما العلم والكلام وان شات قلت صفات المعانى تنقسم ثلاثه اقسام قسم لا يتعلق بنفسه ولا بغيره وهى الحياه وقسم لا يتعلق بنفسه ويتعلق @ بغيره وهما القدره والاراده وقسم يتعلق بنفسه وغيره وهو العلم واللكلام والسمع والبصر وبين متعلق القدره والاراده وبين متعلق السمع والبصر عموم وخصوصا من وجه يجتمعا فى الممكن الموجود وتنفرد القدره بالممكن المعدوم وينفرد السمع والبصر الموجود وبين متعلق السمع والبصر والعلم والكلام عموم وخصوص مطلق يشاركان السمع والبصر فى الموجود الواجب والجائز ويزيدان عليهما بالمستحيل والممكن المعدوم وبين متعلق القدره والاراده والسمع والبصر ومتعلق العلم والكلام عموم وخصوص مطلق فالعلم والكلام يشاركان القدره والاراده فى الممكن ويشاركان السمع والبصر فى الموجود الواجب والجائز ويزيدان على القدره والاراده بالواجب المستحيل ويزيدان على السمع والبصر بالمستحيل والممكن المعدوم ولما فرغ المصنف من التوحيد الذات وما لها من الصفات النفسيه والسلبيه والمعانى شرع فى توحيد الافعال فقال (الافعال وانه تعالى لا موجود سواء وهو حادث) اى ناشئ (بفعله) وقد سبق الفرق بين الاختراع والايجاد والخلق والابداع بان الاختراع خاص بالله تعالى وكذا الايجاد والابداع والخلق واما الفعل فانه يطلع على القديم والحادث الا انه فى حقه تعالى حقيقه لانه هو الذى اخترعه واما فى حق الحادث فمجاذ وانما هو عباره عن مباشرتهم للاشياء وتحريكهم لها واعلم ان وحدانيه الذات تنقى التعدد المتصل بان يكون ذاتا مركبه من جواهر واعراض والتعدد المنفصل بان يكون ذات تماثل ذات الله عز وجل ووحدانيه الصفات تنفى التعدد المتصل بان تكون له قدرتان وارادتان وعلمان فاكثر الى اخرها والتعدد المنفصل بان تكون صفه فى ذات تماثل صفاته الازليه ووجدانيه الافعال تنقى ان يكون فعل او اختراع او ايجاد لغيره تعالى من الممكنات (وفائض) اى سائل (من عدله على احسن الوجوه واكملها واثمالها واعدلها) وابدعها (وانه حكيم فى افعاله) باصابه مراد على حسب قصده (عادل فى اقضيته) على الحقيقه لا يوصف بالجوار والظلم (لا يقاس عدله بعدل العباد) فيه اشاره الى قول بعض الاشاعره ان العدل لا يصح تحديده بجنس ولا نوع مخصوص ولا بوصف خالص له لاسيما على ما يعرفه الناس به وكذا نقيضه ايضا لان العدل هو الحق عدول وا ور ايضا عدل وعدول عن الحق ولهذا قالوا ان الجور ليس بضد العدل لان كل فعل كان منا عدلآ بموافقه امر الله تعالى فقد يجوز ان يكون جوار بموافقه نهيه ومنهم من قال يصح تحديده وللعادل حينئذ معينات احداهما عدوله من صفات النقض والعيب وعلى هذا فهو من صفاته الازليه الواجبه له فى الازله والثانى رجوعه عن ايقاع الجوار وه وفعله فيكون حينئذ من اوصافه الفعليه المشتقه من فعله وفى المقصد الاسنى للمصنف العادل وهو الذى يقصد منه فعل العدل المضاد للجوار والظلم 7 ولمن يعرف العدل من لم يعرف عدل ولا يعرفه عدل ومن لم يعرف فعله فمن اراد ان يفهم هذا الوصف فينبغى ان يحيط علما بافعال الله تعالى من ملكوت السموات الى منتهى الثرى حتى اذا بهره جمال الخضره الربوييه وحيره اعتدالها وانتظامها تعلق بفهمه شئ من معانى عدل اته فى خلقه (اذ العبد تصور منه الظلم) والجوار (بتصرفه فى ملك غيره) او مجاوزه الحد او بوضع الشئ فى غير محله بنقص او زياده (ولا يتصور الظلم) بهذا المعنى (من الله تعالى) تقدس على ذلك (فانه لا يصادف لغيره ملكه) على الحقيقه (متى يكون ترغد فيه ظلما) وتعديا (فكل ما سواه من انس وجن وشيطان وسماء وارض وحيوان وجوهر وعرض ومدرك ومحدوس) بأنوعها واجناسها (حادث) وبالذات والزمان ثم اشار الى حدود الزمان فقال (اخترعه بقدرته بعد العدم بحتراعا) على غير مثال سابق ثم اكد ذلك بقوله (وانشأه انشاء) بعد ان لم يكن شيأ (واعطى كل شئ خلقه) وهو بذلك جواد ورتبه فى موضعه الائق به وهو بذلك عدل (اذ كان من الازلى موجود واحد ولم يكن معه غيره) يشاركه او يماثله فى ذاته وصفاته وافعاله واشار الى ان احداثه تعالى ذلك كان باختياره لا باستكمال كمال زائد على ما كان قبل احداثه (فأحدث) @ وانشأ (بعد عدمه) المحض (واظهار قدرته) الباهره (وتحقيقا لما سبق من ارادته) الازليه بكونه ووجوده (واما حقق من الازله من كلمته) التى لا تبدل وفيها اشاره الى ان تاثير القدره فره تاثير الاراده اذ لا يوجد تعالى شيأ من الممكنات او يعدم بقدرته الا ما اراد تعالى وجوده واعدامه وتاثيره الاراده ع وفق العلم فكل ما علم تعالى انه يكون من الممكنات اولا يكون فذلك مراده (لا لافتقاره اليه) اى الى ذلك الانشاء (وماجته) تعالى الله عن ذلك وهو الغنى المطلق وكل موجود فقير اليه فى وجوده وبقائه وسائر ما يمده به (وانه تعالى متفضل) جواد (بالخلق) وهو الايجاد المطل (والاختراع) وهو الايجاد لاعلى مثال سابق ونعم الايجاد شاء له لكل موجود (والتكليف) وهو الزام ما فيه كلفه ولا طلب ما فيه كلفه خلافا للباقلانى اى هو تعالى منفصل عليهم بحيث جعلهم اهلا لان يخاطبهم بالامر والنهى (عن لا وجوب) وهو عباره عن طلب تفريغ الذمه خلافا للمعتزله فى ايجاب التكليف (ومتطول بالانعام) على العباد (والاصلاح لهم لا عن لزوم) والمتفضل والمتطول بمعنى واحد ولم يردافى اسمائه الحسنى ولكن دل عليه قوله تعالى والله ذو الفضل العظيم وقوله تعالى ذى الطول ومعناه ذو الفضل والبسطه والمقدره فان اخد الطول من الغنى والمقدره فذو الطول من الاسماء الازليه فانه لم يزل غنيا قادرآ وان اخذ من الافضال والانعام على العباد فهو من اوصافه المشتقه من افعاله (فله الفضل) والمنه (والاحسان) والمعروف الدائم (والنعمه والامتنان اذا كان) عز وجل (قادر على ان يصيب على عباده أنواع العذاب) وهى العقوبه المؤلمه جزاء على سوء افعالهم (ويبتليهم) اى يمتحنهم (بضروب الالآم والاوصاب) وهى الاستقامه اللازمه (ولو فعل ذلك لكان منه عدلا) محضا (ولم يكن منه فبيحا ولا ظلما) فهو سبحانه وتعالى العادل الذى لا يعترض عليه فى تدبيره وحكمه وجميع افعاله وافق مراد العبد او لم يوافق وكل ذلك عدلا منه وهو كما ينبغى (وهو عز وجل يثيب ) اى يجازى (عباده المؤمنين على الطاعات) الصادره منهم وهى ما وافقت امره جل جلاله لا ارادته كما زعمته المعتزله (بحكم الكرم) المحضى (والوعد) السابق (لا بحكم الاستحقاق) والاستيجاب (واللزوم اذا لا يجب لاحد عليه فعل ولا يتصور منه ظلم) لانه غير واضح للشئ فى غير موضعه ولا عادل عن طريق الحكمه والعدل فى شئ من افعاله ولا يجوز ان يلحقه نقص فى ملكه ولا فى ارادته فلم يكن موصف بالظلم بحال (ولا يجب لحد عليه حق) لكون كل من سواه من مخترعاته ومخلوقاته ومصنوعاته فانى يكون للمخلوقات حق على الخالق والحق لغه هو الثابت الذى لا يسوغ انكاره وهو الواجب اللازم من قولهم لفلان على حق اى دين واجب لازم (وانه حق فى الطاعات وجب على الخالق بايجابه على ألسنه أنبيائهم عليهم السلام لا بمجرد العقل) لان العقل لا يستقل بادراك كون الفعل او الترك متعلق المؤاخذه الشرعيه (ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهره) وهى الامور الخوارق للعادات المقرونه بالتحديد والموافقه للدعوى السالمه من المعارض على يد من يدعى النبوه وقول امام الحرمين انه لا يمكن نصب دليل على البنوه سوى المعجزه محمول على ما يصلح دليلا على الاطلاق والعموم ويصلح ان يكون حجه على المنكرين (فبلغو امره ونهيه ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاؤا به) وهذه المسئله معروفه بالتحسين والتقبيح العقليين قالت الاشاعره لا تحسين ولا تقبيح عقلا اى ان الافعال توصف بالحسن والقبح من حيث نعلق خطاب الشرع بها ودليله السمعى قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وبه تمسك المحدث ايضا اما الصوفى فيقول الافعال كلها نسبتان نسبه التكوين ونسبه التكليف اما نسبه التكوين فعلمه لان الافعال كلها لله تعالى وبهذه النسبه لا توصف بالحسن او القبح لاستواء الايجاد بل هى حسنه من علم الفاعل وارادته واما نسبه التكليف وهى الطلب فهى مختصه بافعال المكلف ومن المعلوم ان الطلب للشئ فرع العلم به ولا علم بالحقيقه الالله تعالى فلا تكليف ولا طلب الا لله تعالى وايضا فان تعلق الطلب بفعل او ترك غيب @ فلا يعلم الا بالتوفيف السمعى النبوى فاذا الحسن والقبح لا يدرك بمجرد العقل فلا حسن ولا قبح عقلا وهو المطلوب وقالت الحنفيقه ان العقل قد يستقل بادراك الحسن والقبح الذاتيين أو لصفه فيدرك القبح المناسب لثبوت حكم الله تعالى بالمنع من الفعل على وجه ينتهض معه الاتيان به سببا فى العقاب ويدرك الحسن المناسب لثبوت حكمه تعالى فيه بالايجاب والثواب بفعله والعقاب بتركه وهو بعينه قول المعتزله الا ان المعتزله اطلقو القوم بعدم توقف حكم العقل بذلك على ورود الشرع وسيأتى تحقيق ذلك على التفصيل فى شرح الرساله القدسيه وهذا الذى ذكره المصنف اشار به الى النوع الثالث عند المتاخرين وهو معروفه ما يجوز فى حق الله تعالى وهو فعل كل ممكن وتركه ومن فروعه بعثه الانبياء الى العباد وانابه المطيع ومعاقبه العاصى وقد اشار اليهما المصنف وله فروع كثيره وكلهها مما لا يجب شئ منها على الله تعالى ولا يستحيل بل وجودها وعدمآ بالنسبه اليها سواء ولفظ الجائز والممكن مترادفان على معنى واحد وهو ما يصح فى العقل وجوده وعدمه ثم لما كانت المباحث المتعلقه بهذا العلم منقسمه على ثلاثه اقسام قسم يتعلق بالالهيات شرع فى بيات القسم الثانى وهو النبويات وقسم بالسمعيات وقد فرغ من قسم الالهيات شرع فى بيان القسم الثانى وهو النبويات وهى المسائل المبحوث فيها عن النبوه واحوالها والثالث وهو السمعيات وهى المسائل التى لا تلتقى احكامها الا من السمع ولا تؤخذ الا من الوحى فقال (معنى الكلمه الثانيه) من الشهادتين (الشهاده) وهكذا فى سائر النسخ وكان تأنيث الضمير باعتباره ما أضيف اليه (للرسول) هكذا فى سائر النسخ وقد وقع له هكذا فى اول كتاب العلم وسبق التنبيه بان التاج السبكى نقل من طبقاته عن الامام الشافعى رضى الله عنه انه كان يمنع من هذا التعبير وانما يقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لانه اقرب للتعظيم واكثر والشهاده قول صادر عن علم بمشاهدته بصر او بصيره وجمله الصلاه اتى به للتبرك (وانه) تعالى (بعث) اى ارسل ومطاوعه انبعث وكل شئ ينبعث بنفسه فان الفعل يتعدى اليه بنفسه يقال بعثته وما هنا كذلك وكل شئ لا ينبعث بنفسه كلكتابه والهديه فان الفعل يتعدى اليه بالباء يقال بعث به اى وجهه (النبى) وحقيقته انسان خصه الله بسماع وحى ولم يأمر بالتبليغ وحقيقه الرسول انسان بعثه الله الى خلقه ليبلغهم ما اوحا اليه من الاحكام الشرعيه وحقسقه الرساله الامر بتبليغ الوحى وحقيقه البنوه الاختصاص بالوحى قيل النبى اعم لانه يطلق على من اوحى اليه امر بالتبليغ او لم يؤمر والرسول أخص والكليه تدخل على الاخص فكل رسول نبى ولا العكس وانما البعض كالنبى صلى الله عليه وسلم وسائر اخوانه المرسلين من البشر وبعض من كان رسولآ ولم يكن نبيا كجبريل عليه السلام ومنهم من اعتبر ما يزيد به كل واحد منهما فقال بينهما عموم وخصوص من وجه يجتمعان فيمن اوحى عليه وامر بالتبليغ من البشر وتفطرد النبوه فيمن اوحى اليه ولم يؤمر بالتبليغ وتنطرد الرساله بالملائكه (الامى) منسوب الى الام لكونه لم يقرأ ولم يكتب كما تقدم تحقيقه فى كتاب العلم اوالى ام القرى وهى مكه لولادته بعا اوالى ام الكتاب وهو اللوح المحفوظ لانه عمله منه او غير ذلك وقد بسطناه فى شرحنا على القاموس (القرشى) نسبه الى قريش على غير قياس وهو لقب جده النضر ابن كنانه بن جزيمه بن مدركه بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ومن لم يلده فليس بقرشى نقله السهيلى وغيره وسبب تلقيبه بذلك والاختلاف فيه بسطناه فى شرح قاموس (محمدا) وهو اسم مفعول من التحميد وهو مبالغه فى الحد وذلك لانه اذا بلغت خصال المرء النهايه وتكاءلت فيه المحاسن فهو محمد قال المناوى فى شرح الجامع الصغير لكن ذكر بعضى المحققين انه انما هو من صيغ المبالغه باعتبار ما قيل فيه من معنى الكثره بخصوصه لا من جهه اللغه اذ لا يلزم من زيد مفضل على عمر والمبالغه فى تفضيله عليه اذ @ معناه له جهه تفضيل عليه بفرض كونه للتكثير لا يلزم منه المبالغه لانها لا تتجاوز حد الكثره ولحرصهم صيغ المبالغه فى عدد مخصوص وكونه اجل من حد وافضل من حد لايستلزم وضع الاسم للمبالغه لانه ذلك ثانبه له لذاته وان لم يسم به نعم المناسبه قائمه به مع سابق من دلاله البناء عرفا على بلوغ النهايه فى ذلك الوصف وقد الف شيخ شوخنا الشمس محمد بن محمد بن شرف الدين الخليلى رساله خاصه لما يتضمن هذا الاسم الكريم من المعانى والاسرار (صلى الله عليه وسلم) من الصلاه وهىمن الله تعالى الرحمه وتعلق لفظ على بها لتضمن معنى النزول والسلام والتسليم من الافات المنافيه لغايه الكمال وجمع بينهما لكراهه أفراد احداهما اى لفظ لاخطا او مطلقا وقد تقدم البحث فيه فى اول كتاب العلم فى الخطبه (برسالته) وهى السفاره بين الله وبين ذوى الالباب لازاحه عللهم فيما يحتاجونه من مصالح الدارين (الى كافه) قال الازهرى هو مصدر على فاعله كالعافيه والعاقبه ولا يثنى ولا يجمع وفى الصباح وجاء الناس كافه قيل منصوب على الحال نصبا لاوما لايستعمل الا كذلك وعليه قوله تعالى وما ارسلناك الا كافه للناس اى الا للناس جميعا (العرب والعجم والانس والجن) وقال ابو البقاء اضافه كافه الى ما بعدها خطا لانه لا يقع الاحاله وانما قيل للناس لانه ينكف بعضهم الى بعض وبالاضافه تصير اضافه الشئ الى نفسه هذا الى اريد بالكافه الجماعه واذا ذهب به الى انه مصدركما قال الازهرى فلا يلزم منه اضاقه الشئ الى نفسه فتامل والعرب اسم مؤنت ولهذا يوصف بالمؤنت فيقال العرب العرباء والعرب العاربه وهم خلاف العجم سمو بذلك لانهم سكنو بلاد يقال لها العربات والخلاف فى ذلك وفى نسبهم بسطناه فى شرح القاموس والجن بالكسر خلاف الانس سمو بذلك لاستتارهم عن الاعين كما ان الانس من انس اذا ظهرأ او ألف وتفصيل ذلك كله فى شرح القاموس ثم ان المراد بهذا التعبير انه مبعوث الى الثقلين الانس والجن والعرب والعجم دخلون فى الانس وقد يعبر عنهم بالاسود والاحمر وكونه مبعوثا الى الثقلين خاصه اختاره الحليمى والبهقى بل حكى الفخر الرازى والنسق عليه الاجماع ومنهم من زادو الملائكه وانتصر له السبكى مستدلآ بايه ليكون للعالمين نذيرآ وخبر ارسلت الى الخلق كافه ونازع فيما حكى عن الحليمى بان البيهقى نقله عنه وتبرأ منه والحليمى سنيا لكن وافق المعتزله فى تفصيل الملك على البشر فظاهر حاجه بناؤه عليه وبان الاعتماد على تفسيرهما فى حكايه اجماع انفردا بحكايته لا ينهض حجه عند ائمه النقل لان مدارك نقل الاجماع انا تتلاقى من كلام اصحاب المذاهب المطبوعه ومن يلحق به فى سعه دائره الاطلاع والحفظ والاتقان والشهره عند علماء النقل (فنسخ بشر بعثه) الواضحه السهله الغزاء (الشرائع) المتقدمه كلها (الا ما قرره منها) والنسخ فى رفع الحكم الشرعى بخطاب (وفضله على سائر الانبياء) بأنواع من الفضائل لخصوصيه فضله بها فى ذاته بها ارتفع كما لا فوق المراتب الكماليه انساينه كانت او ملكيه قال الله تعالى تلك الرساله فضلنا بعضها على بعض منهم من كل الله ورفع بعضها درجات ذلك البعض هو الحقيقه المحمديه اذا هو اول نور تلقى من حضره الوجوب بل لا متلقى على الحقيه الا هو فكان له صلى الله عليه وسلم حيثيتان حيثيه ابتدائيه وبها حصل الكمال الاختصاصى المتوحد وحيثيه انتهائيه وبها حصل الكمال المتكثر الذى انقسم على الحقائق النبويه وله عليه السلام منه الخط الاوفر الجامع بين كمالاته كلها فمن حيث الكمال الاختصاصى كان رسولا لجميع العالم ومن حيث كماله الجماعى الاشتراكى كان رسول للجن والانس فاعلم من ذلك رساله صلى الله عليه وسلم العامه منه والخاصه وكماله الخصوصى المتحد وكماله العلمى المشترك اوليته واخريته (وجعله سيد البشر) ورئيسهم والفائق عليهم بالفضائل والكمالات والسيد لغه هو الذى يفوق قومه او ما هو من جنسه ونوعه والسيد الرئيس والحكيم والسخى وقد ساد سياده وسوددا وكان صلى الله عليه وسلم فى كل اوصافه موصوفا بلسياده والتفوق وكان يقال له ايضا سيد قريش وسيد العرب وفى شعر الاشعى *ياسيد الناس وديان العرب*ويروى يا ملك الناس واخرج مسلم فى المناقب@ وابوداود فى السنه عن ابى هريره رفعه أنا سيد ولد ادام يوم القيامه واول من ينشق عنه قبرا الحديث واخرج الامام احمد والترميذى فى المناقب وابن ماجه عن ابى سعيد الخدرى رفعه انا سيد ولد ادم يوم القيامه ولا فخر الحديث قال المناوى فى شرحه خصه لانه يوم مجموع له الناس فيظهر سوددا لكل احد عيانا وصف نفسه بالسودد المطلق المقيد للعموم فى المقام الخطابى على ما تقرر فى علم البيان فيفيد تفوقه على جميع ولد ادم حتى اولى العزم من الرسل واحتياجهم اليه كيف لا وهو واسطه كل قبض وتخصيصه ولد ادم ليس للاحتراز فهو افضل حتى من خواص الملائكه كما نقل الامام عليه الاجماع ومرده الاجماع من يعتديه من اهل السنه (ومنع كمال الايمان بشهاده التوحيد وهو قول) المؤمن (لا اله الا الله مالم تقترن به شهاده الرسول) الحق (وقوله محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم فصارت الكلمتان كلمه واحده عبر عنها بكلمه التوحيد والاخلاص (والزم الخلق) كلهم (تصديقه) وتلقيه بالقبول (فى جميع ما اخبره) به (وعنه امور الدنيا والاخره) اى المتعلقات بها بعد ان خصه كما خص اخوانه من الانبياء وارسل الكرام بالصدق والامانه والتبليغ والفطانه فهذه اربع صفات تجب فى حقهم فالصدق هو الاخبار بالحق الثابت فى الامر اى كون ما بلغو به عن الله تعالى موافقا لما عند الله تعالى ايجابا كان او سالبا والامانه كونها لا تصدر عنهم مخالفا اصلا وهى المعبر عنهم بعضهم بالعصمه والتبليغ هو انهم بلغو جميع ما امرو به اعتقاديا كان او عمليا ولم يكتمو منه شيئا والفطانه هى التيقظ لالزم الخصوم وطرق ابطال تحيلهم ودعاويهم الباطله ولما فرغ من ذكر النبويات شرع فى بيات السمعيات فقال (انه لا يتقبل ايمان عبد حتى يؤمن بما اخبر به) صلى الله عليه وسلم (بعد الموت) وفى ضمن ذلك اعتقاد حقيقه الموت وابتلائه به كل ذى روح لانه من مجوزات العقول الذى ورد الشرع بها فواجب اعتقادها وهو كيفيه وجوديه تضاد الحياه فلا يعرى الجسم الحيوانى عنها ولا يجتمعان فيه هذا قول الاشعرى وقيل عدم الحياه عما من شأنه الحياه وهو قول الاسفرينى والاكثر ين وقال بعض الصوفيه ليس الموت بعدم محض ولا فناء صرف وانما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقه وحيلوله بينهما وتبدل حال بحال وانتقال من دار الى دار ثم شرع المصنف فى بيان ما اخبر به صلى الله عليه وسلم الاحوال التى تعرض بعد الموت فقال (واوله سؤال منكر ونكير) ويتقدم على ذلك وجوب اعتقاد ان ملك الموت يقبض روح كل ذى روح أى يخرجها وياخدها باذن ربه من مقرها اومن يد اعوانه والمراد بجميع ارواح الثقلين والملائكه والبهائم والطير وغيرهم ولو بعوضه بل قيل حتى روح نفسه والارواح اجسام خفيفه متخلله فى البدن تذهب الحياه بذهابها وقيل جسم لطيف مشتبك بالبدان اشتباك الماء بالعود الاخضر وبه جزم النووى وملك الموت اسمه عزرائيل ومعناه عبد الجبار عظيم وهائل المنظر راسه فى السماء العليا رجلاه فى تخوم الارض السفلى ووجه مقابل اللوح المحفوظ والخلق بين عينيه وله اعوان بعدد من يموت يترفق بالمؤمن ويأتيه فى صوره حسنه ومن ذلك ايضا وجوب اعتقادات الاجل بحسب علم الله تعالى واحد لا تعدد فيه وان كان مقتول ميت بسبب انقضاء عمره وعند حضور اجله فى الوقت الذى علم الله فى الازل حصول موته فيه بايجاده تعالى وخلقه من غير منع ومدخليه للقاتل فيه لا مباشرته ولا توليد وانه لم يقتل لجاز انه يموت فى ذلك الوقت وان لايموت من غير قطع بامتداد العمر ولا بالموت بدل القتل ثم يجب اعتقادات السؤال فى القبر حق اى ان حتى الموتى تسئل فى قبورها بعد تمام الدفن وعند انصراف الناس بان يعيد الله الروح الى الميت جميعه وتكمل حواسه فيرد اليهم ما يتوقف عليه فهم الخطاب ويتاتى معه الجواب من الحواس والعلم والعقل حتى يساله الملكان (وهما شخصان) اسوادان ازراقان (مهيبان هائلان) اى فظان عليظان شعورهما الى اقدامهما تبلع الفر بين انيابهما يشقان الارض بهما كلاهما كالرعد القاصف واعينهما كالبرق الخاطف بايديهما مقاطع من حديد (يقعدان العبد فى قبره) اى بعد تمام دفنه هذا فى حق القبور وفى غيره بعد الموت @ (سويا) تاما (ذا روح وجسد) كامل الحوا س وافتى الشمس الرملى بات السؤال على الراس واحده ان انفصل لوجود ادله النطق وافتى الحافظ السيوطى بان الميت اذا نقل لا يسال حتى يدفن قال بعضهم ومثله المصلوب (فيسالانه) او احداهما يتفرقان بالمؤمن وينتهران المنافق والكافر ولو تمزقت اعضاؤه او اكلته السباع فى اجوافها وكذا الغريق والحريق وان ذرى فى الربح (عن التوحيد) أى وحدانيه الله تعالى (والرساله) أى رساله الانبياء عليهم السلام وما بلغوا وقال القرطبى اختلفت الاحاديث فى كيفيه السؤال والجواب وذلك بحسب الاشخاص فمنهم من يسال عن بعضى اعتقاداته ومنهم من يسال عن كلها وهذا السؤال خاص بهذه الامه والمراد بها امه الدعوى فيدخ المؤمنون والمنافقون والكافرون وورد فى حق جماعه انهم لا يسئلون كلمرابط والشهيد بأنواعه والمراد به التخفيف لامطلقا فى سؤال الاطفال الوقف وجزم السيوطى بعدم السؤال لعدم تكليفهم كالملائكه لا الجن ويقولان له كل احد بك انه او بالسرباينه او بالعربيه مطلقا ثلا ثه اقول (من ربك) الذى خلقك وسواك ورزقك (ومادينك) الذى كنت عليه (ومن نبيك) الذى ارسل اليك وامرت باتباعه ونقل السيوطى ان السؤال يقع بالسربانيه وهذه صورته اتره كره اترح سالح حين وهى خمس كلمات تعريها اتره قم يا عبد الله كاره الى ملائكه الله اترح ما كنت تصنع فى دار الدنيا سالح من ربك ومادينك وعقيدتك حين ما هذا الذى مت عليه (وهم فتانا القبر) مثنى فتان مبالغه فى التفتين والامتحان وقد يلحق بهما غيرهما من الصور الهائله فيقال للكل فتاتان اعاذنا الله منهما (وسؤالهم اول فتنه بعد الموت) يحصل فى القبر اى هذا السؤال هو نفسه الفتنه وهى الاختبار والامتحان بالنظر الى الميت او الينا او الى الملائكه لاحاطه عمله بكل شئ (وان يؤمن بعذاب القبر) ومنه ضغطته وهو انضمام اللحد بعضه الى بعض منه الحديث لو سلم احد من ضغطه القبر لسلم منها سعد وفى روايه لقد تضايق على هذا العبد الصالح فبره حتى فرج الله عنه وفى اخرى قد ضمه ذم فرج الله عنه (وانه حق) ثابت لما فى حديث مسلم المرفوع ان هذه الامه تبتلى فى فبورها فاولا ان لا تدافنو الدعوات الله ان يسمعكم من عذاب القبر الذى اسمع منه ثم اقبل صلى الله عليه وسلم بوجهه علينا فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر الحديث وفى البخارى عن اسماء بنت ابى بكر قالت قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر فتنه القبر التى يفتنن بها المرء فلماذ ذكر ذلك ضج المسلمون ضجه ثم قال (و) انه (حكمه) من الله تعالى (وعدل) منه لانه مالك الاعيان حقيقه وللمالك التصرف فى ملكه كيف يشاء الامر امره والحكم حكمه لايسئل عما يفعل (على الجسم والروح) معام كما هو مذهب أهل السنه (على ما يشاء) لمن يكون من اهل العذاب وحكمه الله تعالى فيه اظهار ما كتمه العباد فى الدنيا من كفر او ايمان او طاعه او عصيان ليباهى الله بهم الملائكه او ليفضحوا عندهم ومجمل القول فيه ان عذب القبر هو عذاب البرزخ واضيف الى القبر لانه الغالب والافكل ميت اراد الله تعذيبه ناله ما ارداه قبر او لم يقبر ومحله الروح والبدن جميعا باتفاق وبعد اعاده الروح اليه او الى جزء منه على قول من قال ان المعذب بعض الجسد وهو قسمان دائم وهو عذاب الكفار ومنقطع وهو عذاب العصاه ومما يجب اعتقاده ان نعيم القبر حتى لما ورد فى ذلك من النصوص ولا يختص بمومنى هذه الامه كما انه لا يختص بالمقبور ولا بالمكلفين فيكون لمن زال عقله ايضا وتعتبر الحاله التى زال عقله وهو عليها كفر وايمان ونحوهما ومن نعيمه توسيعه وفتح طاق فيه من الجنه ووضع فنديل فيه وامتلاؤه بالروح والريحان وجعه روضه من رياض الجنه وكل هذا محمول على الحقيقه عند العماء ومما يجب اعتقاده ان البعث حق وهو اعادتهم بعد احيائهم بجميع اجزائهم الاصليه التى من شأنها البقاء من اول العمر الى اخره ندورد بذلك الايات والاثار واكثرها لا يحتمل التاويل لا فرق فى ذلك بين من يحاسب كالمكلف وغيرها كما صححه النووى واختاره والبعث والنشور عباره عن معنى واحد وهو الاخراج من القبور بعد جمع جميع @ الاجزاء الاصليه واعاده الروح اليهاوات اعاده الاجسام عن عدم محض فيوجدها الله تعالى بعد انعدامها بالكليه وقبل عن تفريق محض فيذهب الله العين الاثر جميعا بحيث لا يبقا فى الجسم جوهران فردان على اتصال وعلى القول الاول يكون الجسم الثانى هو الاول المعدوم بعينه لا مثله وفى اعاده العرض القائم بالاجسام تبعا لمحلها مذهبان الاول تعاد بأشخاصها التى كانت فى الدنيا قائمه بالجسم حال الحياه وهو قول الاشعرى والثانى امتناع اعادتها مطلقا لان المعاد انما يعاد بمعنى فيلزم قيام المعنى بالمعنى وهو قول الفلاسفه وبعض المعتزله والكراميه والخوارزمى والاول الراجح وفى جواز اعاده الزمن قولان ومما يجب اعتقاده ان اليوم الاخر حق وهو من يوم الحشر الى مالا يتناهى اوالى ان يدخل اهل الجنه الجنه واهل النار النار ويدخل فى جمله امور الاخره اعتقاد ان اخذ الصحف حق وهى كتب الاعمال التى تكتبها الملائكه ما فعلوه فى الدنيا والرفع للصحف الريح من خزانه تحت العرش وان كل احد يدعى فيعطى صحيفتها اما باليمين وهو المؤمن الطائع اما بالشمال هو الكافر والمؤمن العاصى ملحق بالطائع على المشهور ومن امور اليوم الاخر الميزان وغيره وقد ذكر ذلك فى قوله (وان يؤمن بالميزان) والوزن لغه معرفه كميه بأخرى على وجه مخصوص والحمل على الحقيقه ممكن لكن نمسك عن تعيين جوهره ونصب الموازين بعد الحساب ثم عرف المصنف الميزان فقال (ذى الكفتين والميزان) كفه للمحسنات وهى من نور والاخرى من ظلمه وهى للسيان (وصفته) اى الميزان (فى العظم انه) أى كل كفه منه (مثل طباق السموات والارض) وفى حديث سليمان رضى الله عنه أنه قال توضع الموازين عن يمين العرش والنار عن شماله ويوتى بالميزان فتنصب بين يدى الله تعالى كفه للمحسنات عن يمين العرش مقابله للجنه وكفه للسيات عن يسار العرش مقابله للنار ثم ان المشهور انه ميزان واحد لجميع الامم ولجميع الاعمال فما ورد بصيغه الجمع فى الايات والاثار للتعظيم وقيل يجوز ان يكون للعامل الواحد موازين يوزن بكل منها صنف من عمله (توزن فيه الاعمال) اى اعمال العباد المكلفين فخرج بذلك الملائكه لانه فرغ عن الحساب وعن كتابه الاعمال خصوصا على بان الصحف هى التى توضع فى الميزان كما ياتى وكذا اخرجمنه الاطفال والانبياء عليهم السلام تشريفا لقدرهم وكذا من يدخل من الباب الايمن من هذه الامه كما ورد فى حديث (بقدره الله تعالى) ولطيف حكمته وبديع صنعته والممسك للميزان جبريل عليه السلام (والصنج يومئذ مناقبل الذر والخردل) الصنج بالصاد والسين المهمتين لغتان والنون ساكنه واخرها جيم معربه يقال اتزن منى بالصنجه الراجحه وانكر الجوهرى السين والمثاقبل جمع مثقال والذر ما يرى فى ضوء الشمس والخردل معروف (تحقيقا لتمام) صفه (العدل) بمقتضى الحكمه وهل الموزون الكتب التى اشتملت على اعمال العباده او اعيان الاعمال قولان الاول ذهب اليه جمهور المفسرين والامام ابو المعالى واستقر به ابن عطيه واشار اليه المصنف بقوله (وتطرح صحائف الحسنات) وهى الاعمال الصالحها بعد ان تصور (فى صوره حسنه) نورانيه (فى كفه النور) وهى اليمين المعده للحسنات (فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عند الله تعالى بفضل الله) سبحانه وتعالى (وتطرح صحائف السيات) وهى الاعمال السيئه بعد ان تصور (فى صوره قبيحه) ظلمانيه (فى كفه الظلمه) وهى الشمال المعده للسيئات (فيخفف بها الميزان بعد الله) سيحانه وتعالى ولا يمتنع قلب الحقائق خرقا للعاده وقيل يخلق الله اجساما على عدد تلك الاعمال من غير قلب لها ومن فؤائد الوزن امتحان العباد بالايمان بالغيب فى الدنيا وجعل ذلك علامه لاهل السعاده والشقاوه والعباده مالهم من الجزء على الخير والشر وادامه الحجه عليهم والله الموفق (وان يؤمن بان الصراط حق) ثابت بالكتاب والسنه واجماع الامه (وهو) لغه الطريق الواضح لانه يبلغ المارهو شرعا (جسر ممدود على متن جهنم) يرده الاولون والاخرون ذاهبين الى الجنه لان جهنم بين الموقف والجنه (أحد @ من السيف وادق من الشعر) ومذهب اهل السنه بقاؤه على ظاهره مع تفويض علم حقيقته اليه سبحانه وتعالى خلافا للمعتزله وطوله ثلاثه الالف سنه الف صعود والف هبوط زالف استواء وجبريل فى اوله وميكائيل فى وسطه وفى حافتيه كلاليب معلقه مأموره باخذ من امرت به وفيه سبع قناطر يسئل العبد عن كل واحد من نوع من العبادات ومرو العباد عليه متفاوت فى سرعه النجاه وعدمها وهم فريقان وقد اشار الى ذلك المصنف بقوله (تزل به اقدام الكافرين) والمنافقين (بحكمه الله تعالى فتهوى به فى النار) اما على الدواء والتابيد كهؤلاء الى مده يريدها الله تعالى ثم ينجو كبعض عصاه المؤمنين ممن قضى الله عليه بالعذاب هذا القسم الاول واشار الى القسم الثانى بقوله (وتثبت عليه اقدام المؤمنين) وهم اهل رحجان الاعمال الصالحه والسالمون منهم من السيات ممن خصهم الله بسابقه الحسن (بفضل الله تعالى) وهم الذين يجوزون كعارفه العين وبعدها كلبعرد الخاطف وبعدها كريح العاصف وبعدها كطير وبعدها كالجواد السابق فى الجواز ساعيا ومشيا وحبوا على حسب تفاوت الاعمال ويتسع الصراط ويدق بحسب انتشار النور وضيقه ومن هنا كان دقيقا فى حق قوم وعر يضا فى حق اخرين وهو واحد نفسه (فيساقون الى دار القرار) أى الجنه والحكمه فيه ظهور النجاه من النار وان تصير الجنه اسر لقباوبهم وليتحسر الكافر بفوز المؤمنين بعد اشتراكهم فى العبور ومما يجب اعتقاده ان العرش حق ثابت وهو جسم عظيم نورانى عاوى محيط يجمع الاجسام وهو اول مخلوق لله تعالى فى قوم ومما يجب اعتقاده ان الكرسى حق ثابت وهو جسم عظيم نورانى بين يدى العرش ملتصق به فوق السماء السابعه وهو غير العرش على الصحيح ومما يجب اعتقاده ان القلم حق ثابت وهو عظيم نورانى خلقه الله تعالى وامره بكتب ما كام وما يكون الى يوم القيامه ومما يجب اعتقاده ان اللوح حق ثابت وهو جسم عظيم نورانى كتب فيه القلم باذن الله تعالى ما كان وما هو كائن الى يوم القيامه ومما يجب اعتقاده ان كلا من الكاتبين على العباد اعمالهم فى الدنيا والكتابين فى اللوح المحفوظ ما فى صحف الملائكه الموكلين بالتصرف فى العالم والكتابين من صحف الحفظه كتابا يوضع تحت العرش حق ثابت (وان يؤمن بالحوش المردود) وهو (حوض) نبيا (محمد صلى الله عليه وسلم) الذى يعطاء فى الاخر وهو جسم مخصوص متسع الجوانب ترده هذه الامه وعند مسلم فى حديث انس فى نزول انا اعطيناك الكوثر هو حوض ترد عليه امتى يوم القيامه وعندهم فى حديث ابن مسعود وعقبه بن عامر وجندب وسهل بن سعد انافرطكم على الحوض ومن الحديث ابن عمر امامكم حوض كما بين جربين واذراح وقال الطبرى كما بينكم وبين جرباء واذرح وهو ذكر الحوض فى الصحيح من حديث ابى هريره وابى سعيد وعبد الله بن عمرو وحذيفه وابى زرو جابر بن سمره وحارث بن وهب وثوبان وعائشه وام سمله واسماء وقدر خرجت احاديث الحافظ ابن ناصرالدين الدمشقى فى جزء استوعب فيه ظواهر الاحاديث انه بجانب الجنه كما قاله الحافظا بن الحجر (ويشرب منه المؤمنين) الذين وفو بعهد الله وميثاق وماتو على ذلك لم يغيرو ولم يبدلو وهذا الوصف ان شمل جميع مؤمنى الامم السابقه لمنه خلاف ظواهر الاحاديث انه لايرده الا مؤمنو هذه الامه لان كل امه انما ترد حوض نبيها وتخصيص حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالذكر لوردوه بلاحاديث البالغه مبلغ التواتر بخلاف غيره بوردوه بالاحاد (قبل دخول الجنه وبعده بالصراط) على الصحيح ولكن جهل تقدمه على الصراط او تاخره عنه لا يضر اعتقاده وانما واجب اعتقاده ثبوته (ومن شرب منه شربا لم يظمأ) اى لم يعطش (بعدها) اى بعد تلك الشربه (ابدا عرض ميسره شهر ماؤه أشد بياضا من البن واحلى من العسل حوله اباريق عدد نجوم السماء) ففى الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما رفعه حوضى ميسره شهر زواياه سواء ماؤه أبيض من البن وريحه اطيب من المسك وكيزانه اكثر من نجوم السماء من شرب منه لا يظمأ ابداولهما فى حديث @ انس فيه الابارق كعدد نجوم السماء وفى روايه لمسلم أكثر من عدد نجوم السماء وفى روايه اخرى له عدد النجوم وفيه اوحا الله تعالى الى عيس عليه السلام من صفه نبيا عليه الصلاه السلام له حوض ابعد من مكه الى مطلع الشمس فيه انيه مثل عدد نجوم السماء وله لون كل شراب الجنه وطعم كل ثمار الجنه (فيه ميزابان يصبان من الكوثر) وفى صحيح مسلم من حديث ثوبان يصب فيه ميزابان يمدانه من الجنه احداهما من ذهب والاخر من ورق ويروى ان الصحابه قالو يا رسول الله اين نطالبك يوم الحشر فقال على الصراط فان لم تجدونى فعلى الميزان فان لم تجدونى فعلى الحوض وفى هذا تنبيه على ترتبيب الصراط والميزان والحوض وهى مسئله توقف فيها اكثر من اهل العلم (وان يومن بالحساب) جاء ذكره فى الحديث عمر رفعه اخرجه البيهقى فى البعث وهو توقيف الى عباه قبل الانصراف من الحشر على اعمالهم واول من يحاسب هذه الامه (وتفاوت الناس فيه الى مناقش فى الحساب) ففى الصحيحين عن عائشه رضى الله عنها من نوقشى الحساب عذاب قالت قلت اليس يقول الله تعالى فسوب يحاسب حسابا يسيرا قالت ذلك العرض (الى مسامح فيه) كل ذلك بكيقيه مختلفه فمنه اليسر والعسر والسر والجهر والتوبيخ والفضل والعدل (والى من يدخل الجنه بغير حساب) كالسبعين الفا (وهم المقربون) وافضلهم ابى بكر رضى الله عنهم فلا يحاسب لماروى مرفوعا عن عائشه رضى الله عنها الناس كلهم يحاسبون الا ابا بكر رضى الله عنه وفى الصحيحين فى حديث ابن عباس عرضت على الامم فقبل هذا امتك ومعهم سبعون الفا يدخلون الجنه بغير حساب ولا عذاب ولمسلم من حديث ابى هريره وعمران بن حصين يدخل من امتى الجنه سبعون الفا بغير حساب زاد البيهقى فى البعث من حديث عمرو بن جزام واهطانى مع كل واحد من السبعين الفا سبعين الفا زاد احمد من حديث عبد الرجمن بن ابى بكر بعد هذه الزياده قال عمر فهل استزدته قال قد استزته فاعطانى مع كل رجل سبعبن الفا قال عمر فهل استزته قال فقد استزته فاعطانى هذكذا وفرج بعد الله بن بكر بين يدى الحديث (فيسأل الله تعالى من يشاء من الانبياء عن تبيلغ الرساله ومن شاء من الكفار عن تعذيب المرسلين) ففى البخارى من حديث ابى سعيد رفعه يدعى نوع يوم القيامه فيقول لبيك وسعديك يارب فيقول عل بلغت فيقول نعم فيقول لامته فيقولون ما اتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وامته الحديث ولابن ماجه يجى النب يوم القيامه الحديث وفيه فيقال عل بلغه قومك الحديث (ويسال المبتدعه عن السنه) فعند ابن ماجه من حديث عائشه تكلم فى شئ من القدر وسئل عنهه يوم القيامه ومن حديث ابى هريره ما من دا يدعو الى شئ وقف يوم القيامه لزم لدعوه ما دعا اليه وان دعا رجل رجلا (ويسال المسلمين عن الاعمال) قولا كانت او فعلآ او اعتقادا مكسوبه اولا بعد اخذها كتبها خيرا كانت او شرا تفصيلآ لا بالوزن وعند اصحاب السنن الاربعه من حديث ابى هريره اول ما يحاسب به العبد يوم القيامه من عمله صلاته الحديث وسياتى فى الصلاه (وان يؤمن باخراج عصاه الموحدين من النار) هى دار عذاب بجميع طباقها السبع ولا جمر لها سوى بنى ادم والاحجار المتخذه من الهه من دون الله قيل كذا احجار الكبريت لشده اتقادها (بعد الانتقام) ولا يدوم عذابهم مده بقائهم بل يموتون بعد الدخول لحظه ما يعلم الله مقدارها فلا يحيون حتى يخرجوا منها (حتى لايبقا فى جهنم) وهى الطبقه العليا من النار وهى التى فيها العصاه من الموحدين وهذه الطبقه هى التى تخلى واما ما عداها فلا تخلى من اهلها معذبين فيها تخليدا كتخليد اهل الجنه وينتح عن شطير الطبقه العليا فيما قيل الجر جير (موحد) بفضل الله تعالى ففى الصحيحين فى حديث ابى هريره وفى حديث طويل حتى اذا فرغ الله من القضاء بين العباد واراد ان يخرج برحمته من اراد من اهل النار امر الملائكه ان يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن اراد ان يرحمه ممكن يقول لا اله الا الله الحديث وفى حديث عبد الله بن عمرو وياتى على النار زمان تخفق الرياح ابوابها ليس فيما احد يعنى من الموحدين اهل الطبقه العليا فاذن لم يبق فيها احد غير الكفار @ أتى بالموت فى صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار ويعرفه كل أحد من الفريقين كما فى السنن الأربعة (وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام (ثم العلماء ثم الشهداء) هكذا اخرج ابن ماجه من حديث عثمان بي عفان رضى الله عنه رفعه وفيه يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء وقد تقدم فى كتاب العلم واعلم ان الشفاعة لغة الوسيلة والطلب وعرفا سؤال الخير للغير وهنا واجبات ثلاثة يتعين اعتقادها على كل مكلف الأول كونه صلى الله عليه وسلم شافعا والثانى كونه صلى الله عليه وسلم مشفعا اى مقبول الشفاعة والثالث كونه صلى الله عليه وسلم مقدما على غيره من جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة فيتعين اعتقاد انه صلى الله عليه وسلم وان كان له شفاعات إلا أن أعظمها شفاعته صلى الله عليه وسلم المختصة به للاراحة من طول الموقف وهى أول المقام المحمود ثانيها فى ادخال قوم الجنة بغير حساب وهى مختصة به صلى الله عليه وسلم كما قاله النووى ثالثها فيمن استحق دخول النار أن لايدخلها وتردد النووى فى اختصاصها به صلى الله عليه وسلم قال السبكى لأنه لم يرد نص صريح بثبوت الاختصاص ولا بنفيه رابعها فى اخراج الموحدين من النار ويشاركه فى هذه الأ نبياء والملائكة والمؤمنون وفصل القاضى عياض فقال ان كانت هذه الشفاعة لإخراج من فى قلبه مثقال ذرة من ايمان اختصت به صلى الله عليه وسلم وإلا شاركه غيره فيها خامسها فى زيادة الدرجات فى الجنة لأهلها وجوز النووى اختصاصها به صلى الله عليه وسلم سادسها فى جماعة من صلحاء أمته ليتجاوز عنهم فى تقصيرهم فى الطاعات سابعها فيمن دخل فى النار من الكفار أن يخفف عنهم العذاب فى أوقات مخصوصة كما فى حق أبى طالب وأبى لهب ثامنها فى أطفال المشركين ان لا يعذبوا ذكره الجلال الأسيوطى واياك واعتقاد امتناع شفاعته صلى الله عليه وسلم فى أهل الكبائر وغيرهم لا قبل دخولهم النار ولا بعده ومما يجب اعتقاده شفاعة غيره صلى الله عليه وسلم من الانبياء والمرسلين والملائكة (ثم سائر المؤمنين) يشفع (كل على حسب جاهه وقدر منزلته) ومقامه (عند الله تعالى) فى أرباب الكبائر كما جاء فى الأخبار الدالة على ذلك (ومن بقى من المؤمنين) فى النار (ولم يكن له شفيع) خاصة (اخرج بفضل الله عز وجل) ففى الصحيحين من حديث أبى سعيد فيقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفعت النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج قوما لم يعملواخيرا قط الحديث (فلا يخلد فى النار مؤمن بل يخرج منها من كان فى قلبه مثقال ذرة من ايمان) ففى الصحيحين من حديث أبى سعيد يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى اخرجوا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان وفى رواية من خردل من خير وقد استنبط المصنف من قوله اخرجوا من كان الخ نجاة من أيقن بالإيمان وحال بينه وبين النطق به الموت قال واما من قدر على النطق ولم يفعل حتى مات مع ايقانه بالإيمان بقلبه فيحتمل ان يكون امتناعه منه بمنزلة امتناعه عن الصلاة فلا يخلد فى النار ويحتمل خلافه ورجح غيره فيحتاج إلى تأويل ثم ينبغى ان يعلم انه لايشفع واحد ممن ذكر الا بعد انتهاء مدة المؤاخذة * (تنبيه) * هذه الامور السمعية التى تقدم بيانها يتحد فيها المتكلم والصوفى والمحدث اذمباديها هو النقل اذ النظر انما هو فى وقوعها وأما جوازها فضرورى والعقل لا يهتدى الى وقوع جائز فاضطروا جميعا الى السمع وان كان الصوفى يزيد عليهما بالكشف الا ان الكشف قاصر حكمه عليه فلا يتعدى العلم المستفاد منه االى غيره ولما فرغ المصنف من ذكر السمعيات شرع فى ذكر لواحق المعتقد فقال (وان يعتقد فضل الصحابة رضى الله عنهم ورتبتهم) ودرجاتهم ومنازلهم فيعطى كلا منهم ما يستحقه من التعظيم (و) يعتقد (ان أفضل الناس بعد النبى صلى الله عليه وسلم ابو بكر) الصديق (ثم عمر) بن الخطاب (ثم عثمان) بن عفان (ثم على) بن ابى طالب (رضى الله عنهم) هكذا ترتيب افضليتهم على ترتيب خلافتهم هكذا اجمع عليه اهل السنة اذ المسلمون كانوا لايقدمون احدا فى الامامة تشبها منهم وانما يقدمونه لاعتقادهم انه افضل واصلح للأمة من غيره وفى@ البخارى من حديث ابن عمر قال كنا نخبر بين الناس فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم فنخبر ابا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ولأبى داود كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حى افضل امة النبى صلى الله عليه وسلم ابو بكر ثم عمر ثم عثمان زاد الطبرانى ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره (وان يحسن الظن بجميع الصحابة ويثنى عليهم كما اثنى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين) اما ثناء الله عزوجل عليهم بعمومهم وخصوصهم ففى آى من القرآن وشهدت نصوصه بعدالتهم والرضا عنهم ببيعة الرضوان وكانوا حينئذ اكثر من الف وسبعمائة وعلى المهاجرين والأنصار خاصة بقوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والانصار وقوله تعالى للفقراء المهاجرين الآيات وعند الترمذى من حديث عبدالله بن مغقل الله الله فى اصحابى لاتتخذوهم غرضا بعدى وللشيخين من حديث ابى سعيد لاتسبوا اصحابى وللطبرانى من حديث ابن مسعود اذ اذكر اصحابى فامسكوا ومناقب الصحابة وفضائلهم عديدة وحقيق على المتدين ان يستصحب لهم ماكانوا عليه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فان نقلت هناة فليتدبر العاقل النقل وطريقه فان ضعف رده وان ظهر وكان احادا لم يقدح فيما علم تواترا وشهدت به النصوص (فكل ذلك) اى مما ذكره من قواعد العقائد (ما وردت به الأخبار) من روايات الائمة الكبار (وشهدت به) اى بصحته (الآثار) من السلف الاخيار (فمن اعتقد جميع ذلك) جملة وتفصيلا (موقنا به) معتمدا عليه (كان من اهل الحق) وهو عبارة عن كل ما يحسن اعتقاده فالمعنى كان من الذين حسنت عقائدهم (وعصابة السنة) اى جماعتها والسنة طريقة النبى صلى الله عليه وسلم وطريقة اصحابه (وفارق رهط الضلال) الرهط ما دون العشرة من الرجال وقيل من سبعة الى عشرة وقيل الى اربعين والضلال عن الطريق المستقيم وتضاده الهداية (وخرب البدعة) اى انصارها والبدعة الفعلية المخالفة للسنة والمراد بالحزب الجماعة فيكون بحذف مضاف اى جماعة اهل البدعة والمراد بهم فرق الضلال المبتدعة كالمعتزلة والخوارج والكرامية والروافض بانواعها واقسامها (فنسأل الله) سبحانه وتعالى من فضله (كمال اليقين) فى مراتب الايمان والاحسان (والثبات فى الدين) والمراد فى العقائد المتعلقة بالدين ونسأل ذلك كذلك (لكافة المسلمين) وعامتهم (انه) جل وعز (ارحم الراحمين) يجيب دعوة الداعين (صلى الله على سيدنا) ومولانا وهادينا (محمد وعلى آله وعلى كل عبد مصطفى) هكذا فى بعض النسخ وفى بعضها انتهاء الكلام الى قوله ارحم الراحمين فتكون هذه الجملة من زيادة النساخ وقد جرت العادة فى الختم به تبركا والله اعلم وهذا اخر شرح كتاب قواعد العقائد فرغت من تحريره بعد صلاة الظهر من يوم لليلتين بقيتا من ربيع الاول سنة 1193 بمنزلى بسويقة لالا من مصر اللهم يسر لنا اتمام مابقى قال مؤلفه وكتبه العبد المقصر المذنب ابو الفيض محمد مرتضى الحسينى غفر الله له بمئة وكرمه حامد الله مصليا ومسلما ومستغفرا انتهى بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الله ناصر كل صابر* (الفصل الثانى) * من الفصول الاربعة (فى) بيان (وجه التدريج) والتمهل (الى الارشاد) والهداية (وترتيب درجات الاعتقاد) بالنسبة الى اهل البداية والتوسط والنهاية (اعلم ان ماذكرناه) آنفا (فى ترجمة العقيدة) المختصرة (ينبغى ان يقدم) ذلك (الى الصبى) وهو الغلام الصغير بتعليمه اياها (فى أول نشأة) اى فى حال صباه (ليحفظه) فى صدره (حفظا) يأمن به عن الاغفال عنه ويتمكن ذلك المحفوظ فى باطنه حتى يكون نقشا على الحجر ولا يطرأ عليه ما يخالفه (ثم لايزال) مستمرا على ذلك حتى (ينكشف له معناه) وسره وحقيقته (فى) حالة (كبره) وهو البلوغ وما بعده (شيئا فشيئا) وهذا هو التدريج والترتيب المشار اليهما (فابتداؤه) فى حقه وحق غيره (الحفظ) بضبط صورها المدركة فى النفس وبتعهدها ورعايتها (ثم الفهم) بالتحقق فى معانيها (ثم الاعتقاد) اى عقد القلب باثباتها فى النفس (والايقان) بها (والتصديق) لما فيها فهذه ثلاثلا مراتب الاولى الفهم اى لمعانيها الحاصلة من ظواهر تلك الألفاظ @ الثانية عقد القلب على ذلك المعنى الذى فهمه الثالثة التصديق بذلك بانه حق بالمعنى الذى اراده الله ورسوله على الوجه الذى قاله وان كان لايقف على حقيقة فالتصديق لايكون الا بعد التصور والايمان انما يكون بعد التفهيم ولا يعتقد صدق قائلها فيها الا اذا فهم معانى الفاظها فلذلك قدم الفهم على الاعتقاد على التصديق (وذلك) القدر (مما يحصل) ويتيسر (فى الصبى) العامى (بغير برهان) ودليل (فمن فضل الله تعالى) وكمال نعمته (على قلب الانسان شرحه) وانفساحه (فى اول نشئه) وظهوره (الى الايمان من غير حاجة الى) اقامة (حجة) على اثباته أ(وبرهان) بايراد الأدلة الذى يقتضى الصدق أبدأ لان التصديق بالامور الجملية ليس بمحال وكل عاقل يعلم انه اريد بهذه الألفاظ معان وان كل اسم فله مسمى اذا نطق به من اراد مخاطبة قوم قصد ذلك المسمى فيمكنه ان يعتقد كونه كاذبا مخبرا عنه على خلاف ما هو عليه ويمكنه ان يعتقد كونه صادقا مخبرا عنه على ما هو عليه فهذا معقول على سبيل الاجمال يمكن ان يفهم من هذه الألفاظ امورا جملية غير مفصلة ويمكنه التصديق بها (وكيف ينكر ذلك وجميع عقائد العوام) من السوقة واهل البادية (مباديها التلقين المجرد) عن الادلة (والتعليم المحض) الخالص من غير ان يشوبه شئ اخر سواه (نعم يكون الاعتقاد المحض الحاصل بمجرد التقليد) للغير (غير خال عن نوع من الضعف) والوهاء (فى الابتداء) اى فى اول الامر لكن (على معنى انه يقبل الازالة بنقيضه لو القى اليه فلابد من تقويته واثباته فى نفس الصبى والعامى حتى يترشح) ذلك فيه (فلا يتزلزل) بالاضطراب (وليس الطريق فى تقويته واثباته) فى نفسهما (ان يعلم) كل منهما (صنعة الجدل والكلام) كما هو المتبادر الى الاذهان اذ الكلام والجدل علم لفظى واكثره احتمال وهمى وهو عمل بالنفس وتخليق الفهم (بل) طريقه اللائق لاحواله ان (يشتغل بقراءة القرآن) وفى نسخة بتلاوة القرآن وهى والقراءة مترادفان ومنهم من فرق بينهما كما تقدم آنفا وهذا الاشتغال اعم من ان يكون حفظا فى الصدر او التكرار فيه (و) معرفة (تفسيره) اى الكشف عن معانى ظواهر الفاظه على قدر مايصل اليه فهمه (و) ان يشتغل فى (قراءة الحديث) المجموع فى كتب معلومة موثوق بها ويمضى فيها بتلقى ذلك عن الشيوخ المعروفين بحملها (و) معرفة (معانيه) الظاهرة للإفهام (و) ان (يشتغل) مع ذلك (بوظائف العبادات) واجلها المحافظة على الفرائض بواجباتها واركانها وسننها ولم يذكر الاشتغال بعلم الفقه لأنه حاصل من القرآن والحديث اذ كتب الحديث المؤلفة غالبها على ترتيب أبواب الفقه وان يشتغل فى أثناء ذلك بمجالسة الأخيار الصالحين من أهل المعارف والاذواق الذين سماهم فى وجوههم من اثر السجود واذ اذكر الله (فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخا) وثباتا (بما يقرع سمعه من ادلة القرآن) الباهرة وحججه القاهرة وقرعها للسمع كناية عن وصولها اليه بشدة (وبما يرد عليه من شواهد الاحاديث) الدالة على المقصود (وفوائدها) المستنبطة فيها (وبما يسطع عليه) اى على قلب ويلوح (من انوار العبادات) اى الحاصلة منها (و) من (وظائفها) اللائحة على ظاهره وباطنه فمن كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار اى وجه قلبه (وبما يسرى اليه من ) بركات (مشاهدة الصالحين) من عباد الله (ومجالستهم) وملاحظتهم ومؤانستهم وآدابهم (وسماهم) الظاهر المعمور بالانوار (وهيآتهم) فى حركاتهم وسكناتهم (فى الخضوع لله تعالى) بسكون الجوارح وتلقى الواردات الالهية (والخوف منه) والاستشعار بهيبته (والاستكانة) اى التذلل وشغل اللسان بذكره وحفظ القلب عن حضور ما سواه فيه (فيكون من اول اليقين كالقاء بذر فى) ارض (الصدر وتكون هذه الاسباب) المذكورة بجملتها (كالسقى والتربية له) فشواهد القرآن والحديث بمنزلة الماء لذلك البذر ومنها حياته الاصلية اذ لولاها لذوى وانوار العبادات ومجالسة الاخيار بمنزلة التربية له بحفظه عما يضره (حتى ينمو ذلك البذر) نموا ظاهرا (ويقوى) أصله (ويرتفع) على ساق المتانة (شجيرة طيبة) نافعة (راسخة) قوية (أصلها ثابت) فى@ ارض القلب (وفرعها) الزاكى مرتفع (فى السماء) نجتنى منها ثمرات المعارف والاهتداء (وينبغى ان يحرس) اى يصان (سمعه) فى اثناء ذلك (من) طرق (الجدال) والمخاصمات (والكلام) والمناقضات (غاية الحراسة) على قدر الامكان (فان ما يشوشه الجدل) والكلام (اكثر مما يمهده) ويوطنه (وما يفسده اكثر مما يصلحه) نظرا الى ما يودع فى قلبه شبها للخصوم فربما انها لاتزول وتبقى آثارها فيتعلق قلبه بها فهذا اول فساده له واما ما يترتب عليه بعد ذلك فاكثر من ان يذكر (بل تقويته بالجدل يضاهى) اى يشابه (ضرب الشجرة بالمدقة) بكسر الميم (من الحديد) او بايداع المسامير فيها (رجاء تقويتها فان تكسير اجزائها) بآلات الحديد (ربما تفتتها وتكسرها) وفى نسخة ويفسدها اى يكون سببا لتكسير كلها واعدامها بالمرة (وهو الاغلب) فى الاحوال (والمشاهدة تكفيك فى هذا بيانا) واضحا (وناهيك بالعيان) اى المعاينة (برهانا) جليا لايحتاج الى تقريره ببرهان آخر قال المصنف فى الجام العوام فان قلت ان لم ينصرف قلب العامى عن التفكر لتشوقه الى البحث فما طريقه فاقول طريقه ان يشغل نفسه بالعبادة وقراءة القرآن والذكر وان لم يقدر فيعلم اخر لايناسب هذا الجنس من لغة او نحو او حساب او طب او فقه فان لم يمكنه فبحرفة او صناعة ولو الحراثة او الحياكة فان لم يقدر فبلعب او لهو فان لم يقدر فيحدث نفسه هول القيامة والحشر والنشر والحساب وكل ذلك خير له من الغوص فى هذا البحر البعيد عمقه العظيم خطره وضرره بل لو اشتغل العامى باللهو لابالعبادات البدنية ربما كان اسلم له من ان يخوض فى البحث عن معرفة الله تعالى فان ذلك عاقبته الفسق وهذا عاقبته الشرك فان الله لايغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فان قلت العامى اذا لم تستكن نفسه الى الاعتقادات الدينية الا بدليل فهل يجوز ان يذكر له الدليل فان جوزت ذلك فقد رخصت له فى التفكر والنظر واى فرق بين هذا النظر وغيره وان منعت منه فكيف تمنعه ولا يتم ايمانه الا به فالجواب انى اجوز له ان يسمع الدليل على معرفة الخالق ووحدانيته وعلى صدق الرسول وعلى اليوم الآخر وان لا يمارى فيه الامراء ظاهرا ولا يتفكر فيه الا تفكرا سهلا جليا ولا يمعن فى التفكر ولا يوغل فيه غاية الايغال فى البحث وادلة هذه الامور الاربعة مذكورة فى القرآن وهى قريب من خمسمائة جمعناها فى جواهر القرآن فلا ينبغى ان يزاد عليه فان قبل هذه هى الادلة ولا يمنعون عنها وكل ذلك يدرك بنظر العقل وتأويله فان فتح للعامى فى باب النظر فليفتح مطلقا او يسد مطلقا بطريق النظر وليكلف ليقلد من غير نظر فالجواب ان الادلة تنقسمالى ما يحتاح فيه الى تفكر وتدقيق خارج عن تدقيق العامى وقدرته والى ماهو جلى سابق الى الافهام ببادئ الرأى واقل النظر بل يشترك كافة الناس بسهولة لاخطر فيه وما يفتقر الى التدقيق فليس على قدم وسعة فادلة القرآن مثل الغذاء ينتفع به كل انسان وادلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع به آحاد الناس ويستضر به الاكثرون بل ادلة القرآن كالماء ينتفع به الصبى والرجل القوى وسائر الادلة كالاطعمة التى ينتفع بها الاقوياء مرة ويمرضون بها اخرى ولا ينتفع بها الصبيان اصلا ولهذا قلنا ان ادلة القرآن ايضا ينبغى ان يصغى اليها اصغاءه الى كلام جلى ولا يمارى فيه الامراء ظاهرا ولايكلف نفسه تدقيق الفكر وتحقيق النظر وما احدثه المتكلمون من تفسير وسؤال وتوجيه اشكال ثم اشتغاله بحله فهو بدعة وضرره فى حق عموم الخلق ظاهر فهذا الذى ينبغى ان يتوقى والدليل على تضرر الخلق به المشاهدة والتجربة وما ثار من الفتن بين الخلقق منذ نبغ المتكلمون وفشا صناعة الكلام مع سلامة العصر الاول عن مثل ذلك ودليله انهم ما خاضوا في ذلك ولا سلكوا مسلك المتكلمين فى تقسيماتهم وتدقيقاتهم لا لعجز منهم عن ذلك ولو علموا ان ذلك نافع لاطنبوا فيه وخاضوا فى تحرير الادلة خوضا يزيد على خوضهم فى مسائل الفرائض (فقس عقيدة اهل الصلاح) والرشد (والنفى من عوام الناس) وطائعها (بعقيدة المتكلمين والمجادلين) اى علماء الكلام والجدل (فترى اعتقاد العامى) منهم (فى@ الثبات) والرسوخ (كالطود الشامخ) اى الجبل العالى الذى (لا تحركه الدواهى) اى الشدائد (والصواعق) جمع صاعقة (و) ترى (عقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل) وانواعه بالادلة العقلية الجدلية (كخيط مرسل فى الهواء تفيئه) اى تحركه (الريح) وفى نسخة لرياح (مرة هكذا ومرة هكذا) فأمره الى غاية الضعف (الا من سمع منهم دليل الاعتقاد فتلقفه) اى تلقاه وتلقنه (تقليدا كما تلقف نفس الاعتقاد) كذلك (تقليدا ولا فرق فى التقليد بين تعلم الدليل أو تعلم) نفس (المدلول) الذى اقيم عليه ذلك الدليل (فتلقين الدليل شئ والاستقلال ........... ) والبحث فيه (شئ آخر بعيد عنه) وهذا ظاهر (ثم الصبى اذا وقع نشؤه) اى مبدأ حاله (على هذه العقيدة) وتمكنت من قلبه (ان اشتغل بكسب الدنيا) كالتجارة والفلاحة وغيرهما من الصنائع والحرف (لم ينفتح له غيرها) لعدم انتقاله منها الى حالة اخرى منها (ولكنه سلم فى الآخرة) عن المؤاخذة والمعاتبة (باعتقاد الحق) المطابق للواقع اشار لذلك غير واحد من الائمة (اذ لم يكلف الشرع اجلاف العرب) من اهل البوادى (اكثر من التصديق الجازم) القاطع (بظاهر هذه العقيدة) ثم تم (فاما البحث والتفتيش) وامعان النظر واجالة الفكر (وتكلف نظم الادلة) وتنسيق البراهين (فلم يكلفوه اصلا) ومن شاهد احوال الأولين انكشف له الامر قال المصنف فى الاملاء اعلم ان اهل الاعتقاد المجرد عن تحصينه بالعلم وتوثيقه بالادلة ينقسمون من وجه على ثلاث حالات الاولى ان يعتقد احدهم جميع اركان الايمان على ما يكمل عليه فى الغالب لكنه على طريق التقليد الثانية ان لايعتقد الا بعض الاركان مما فيه خلاف اذا انفرد ولم ينضاف اليه فى اعتقاده سواء هل يكون به مؤمنا او مسلما مثل ان يعتقد وجود الواحد فقط او يعتقد انه موجود حى لا غير وأمثال هذه التقريرات ويخلو عن اعتقاد باقى الصفات خلوا كاملا لا يعتقد فيها حقا ولا باطلاالثالثة ان يعتقد الوجود كما قلناه او الوجود والوحدانية والحياة وفى باقى الصفات على مالا يوافق الحق بما هو بدعة او ضلالة وليس بكفر صراح والذى يدل عليه العلم ويستنبط من ظواهر الشرع ان ارباب الحالة الاولى والله اعلم على سبيل نجاة ووصف ايمان واسلام واما اهل الحالة الثانية فالمتقدمون من السلف لم يشتهر عنهم فى صورة هذه المسئلة ما يخرج صاحب هذه العقيدة عن حكم الايمان والاسلام والمتأخرون متخلفون وكثير خاف ان يخرج من اعتققد وجود الله تعالى واظهار الاقرار به ونبيه صلى الله عليه وسلم من الاسلام ولايبعد ان يكون كثير ممن اسلم من الاحلاف والرعيان وضعفاء النساء والاتباع هذا عقده بلا مزيد عليه ولو سئلوا واستكشفوا عن الله عزوجل هل له ارادة او كلام او بقاء او ماشا كل ذلك وهل له صفات معنوية ليست هى هو ولا هى غيره ربما وجدوا يجهلون ذلك ولايعقلون وجه ما يخاطبون به وكيف يخرج من اعتقد وجود الله تعالى ووحدانيته تعالى مع الاقرار بالنبوة من حكم الاسلام والنبى صلى الله عليه وسلم قد رفع القتال والقتل عنهم فاوجب حكم الايمان والاسلام لمن قال لااله الا الله وعقد عليها وهذه الكلمة لاتقتضى اكثر من اعتقاد الوجود والوحدة فى الظاهر وعلى البديهة من غير نظر ثم سمعنا عمن قالها فى صدر الاسلام ولم يعلم بعدها الا فرائض الوضوء والصلاة وهيئات الاعمال البدنية والكف عن اذى المسلم ولم يبلغنا انهم تدارسوا علم الصفات واحوالها ولا هل الله عالم بعلم او عالم بنفسه او هو باق ببقاء او بنفسه واشباه هذه المعارف ولايدفع ظهور هذا الا معاند او جاهل بسيرة السلف وما جرى بينهم ويدل على قوة هذا الجانب فى الشرع ان من استكشف منه على هذه الحالة وتحققت منه وابى ان يذعن الى تعلم مازاد على ماعنده لم يفت احد بقتله ولا باسترقاقه والحكم عليه بالخلود فى النار عسير جدا وخطر عظيم مع ثبوت الشرع بان من قال لا اله الا الله دخل الجنة ........ المقصود منه (وان اراد ان يكون من سالكى طريق الآخرة) وقطع عنه شواغل الدنيا (وساعده) مع ذلك (التوفيق) الالهى (حتى اشتغل بالعمل) بما علمه (ولازم@ التقوى) والخشية (ونهى النفس) الامارة (عن الهوى) عن كل ما تستلذه تميل اليه (واشتغل بالرياضة) الشرعية (والمجاهدة) المعنوية (انفتحت له ابواب) وطرق (من الهداية) ما (تكشف عن حقائق) هذه (العقيدة) وتفصح عن رموزها واسرارها (بنور الهى يقذف فى قلبه بسبب) تلك (المجاهدة تحقيقا لوعده تعالى) السابق (اذ قال) فى كتابه العزيز (والذين جاهدوا فينا) اى اعداءهم لاجلنا (لنهديهم سبلنا) اى الطرق الموصلة الينا (وان الله لمع المحسنين) بالنصر والاعانة والتوفيق وقد تقدم اقسام الجهاد وما يتعلق بهذه الآية فى كتاب العلم (وهو الجوهر النفيس الذى هو غاية ايمان الصديقين والمقربين) اما المقربون فهم ارباب المقام الثالث فى التوحيد وهؤلاء رأوا علامة الحدوثفى المخلوقات لائحة وعاينوا حالات الافتقار الى الله عز وجل واضحة وسمعوا جميعها تدل على التوحيد راشدة ناصحة ثم رأوا الله عزوجل بايمان قلوبهم وشاهدوه بغيب ارواحهم ولاحظوا جلاله جماله بخفى اسرارهم وهم مع ذلك فى درجات القرب على قدر حظ كل واحد منهم فى اليقين وصفاء القلب واما الصديقون فهم اهل المرتبة الرابعة فى التوحيد وهؤلاء رأوا الله عزوجل ثم رأوا الاشياء بعد ذلك فلم يروا فى الدار من غيره ولا اطلعوا فى الوجود على سواه والمريدون فى الغالب لابد لهم ان يحلوا فى المرتبة الثالثة وهى توحيد المقربين ومنها ينتقلون وعليها يعبرون الى المرتبة الرابعة واما المرادون فهم فى الغالب مبتدؤن بمقامهم الاخير وهى المرتبة الرابعة ومتمكنون فيها ومن اهل هذا المقام يكون القطب والاوتاد البدلاء ومن اهل المرتبة الثالثة يكون النقباء ............. والشهداء والصالحون (واليه الاشارة بالسر الذى وقر فى قلب ابى بكر الصديق رضى الله عنه حيث فضل به الخلق) لما تقدم فى كتاب العلم ما سبقكم ابو بكر بكثرة صلاة ولا بكثرة صيام ولكن بسر وقر فى صدره (انكشاف ذلك السر) الذى سبق حضرة الصديق به فى سيرة الناس هو رؤية الله وحده وعدم رؤية الاشياء قبله (بل تلك الاسرار) التى تنشأ لأرباب المقام الثالث (له درجات) متنوعة لأهله فى القرب والبعد (بحسب درجات المجاهدةو) بحسب (درجات الباطن فى النظافة والطهارة) بتفريغه (عمن سوى الله وفى الاستضاءة بنور اليقين) والمعرفة والعقل وفى عمارة السر بمشاهدة المحبوب (وذلك كتفاوت الخلق فى اسرار الطب والفقه وسائر العلوم اذ يختلف ذلك باختلاف الاجتهاد) والرياضات (واختلاف الفطرة) التى فطر عليها (فى الذكاء والفطنة) واتقاد الباطن وانقسام كل منهم فى الحالين كانقسام حفاظ القرآن مثلا فمن حافظ لبعضه ويكون ذلك البعض اكثر او كثيرا منه دون كماله ومن حافظ لجميعه لكنه متلعثم فيه ومن حافظ له ماهر فى تلاوته غير متوقف فيه (فكما لاتنحصر تلك الدرجات فكذلك هذه) وكل على قدر حظه منه بما اتيح له من الازل وبسبب اختلاف تلك الدرجات اختلفت احوالهم والحاصل مما سبق من كلام المصنف ان الصبيان والعوام لا ينبغى ان يلقنوا باكثر مما ذكر فى العقيدة المختصرة فان فيها مقنعا لهم وزجرا عن الوقوع فيما يضرهم وفى معنى العوام كل من لا يوصف بهذه الصفات وهى التجرد لطلب المعرفة والاستعداد لها والخلو عن الميل الى الدنيا والشهوات والتعصبات للمذاهب وطلب المباهاه بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام كما ستأتى الاشارة اليها فى كلام المصنف فيما بعد فالحق الصريح الذى لا مراء فيه عند اهل البصائر هو مذهب السلف اعنى مذاهب الصحابة والتابعين وقد قال المصنف فى الجام العوام ان حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا ان عوام الخلق يجب عليهم فى معتقدهم سبعة امور احدها التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الكف ثم الامساك ثم التسليم لاهل المعرفة اما التقديس فاعنى به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها واما التصديق فهو الايمان بما قاله صلى الله عليه وسلم وان ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق وانه حق على الوجه الذى قاله واراده واما الاعتراف بالعجز فهو ان يقر بان معرفة مراده ليس على قدر طاقته وان@ ذلك ليس من شأنه وحرفته واما السكوت فانه لايسال عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم ان سؤاله عنه بدعة وانه فى خوضه فيه مخاطر بدينة وانه يوشك ان يكفر ان خاض فيه من حيث لا يشعر واما الامساك فهو ان لا يتصرف فى تلك الالفاظ الواردة بالتصريف والتبديل بلغة اخرى والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق بل لا ينطق الا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الايراد والاعراب والتصريف والصيغة واما الكف فان يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر والتصرف فيه واما التسليم لاهله فان يعتقد ان ذلك وان خفى عليه لعجزه فقد لا يخفى على الرسول صلى الله عليه وسلم او على الانبياء او على الصديقين والاولياء فهذه سبعة وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على كل العوام لا ينبغى ان يظن بالسلف الخلاف فى شئ منها (مسئلة فان قلت تعلم الجدل والكلام) هل هو (مذموم كعلم النجوم) وما يجرى مجراه (او هو مباح) لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه (او) هو (مندوب اليه) ما الجواب عن ذلك (فاعلم ان للناس فى هذا) المبحث (غلوا) اى تجاوزا عن الحد (واسرافا) اى ابعادا فى المجاوزة عنه (فى اطراف فمن قائل انه بدعة) قبيحة (وحرام) لايحل الاشتغال به (وان العبد ان لقى الله بكل ذنب سوى) وفى نسخة ماخلا (الشرك خير له من ان يلقاه بالكلام) وهو قول الشافعى كما سيأتى سنده (ومن قائل انه واجب) تعلمه (وفرض اما على الكفاية) وهو قول اكثر المتأخرين من المتكلمين (او على الاعيان) وهو ابعد الاقوال فان الله سبحانه وتعالى لم يفرض على كل انسان ان يكون متكلما جدليا والقائلون بوجوبه يقولون (انه افضل الاعمال) اى الاعتقادية (واعلى القربات) الى الله تعالى (فانه تحقيق لعلم التوحيد) الذى هو متضمن على معرفة وحدانية الله تعالى بما يليق بذاته وصفاته (ونضال) اى دفاع (عن دين الله تعالى) برد شبه المخالفين وابطال براهين الزائغين والواجب العينى فى التوحيد ما يخرج المكلف من التقليد الى التحقيق واقله معرفة كل عقيدة بدليل ولو جميلا والكفائى فيه ما يقتدر معه علي تحقيق مسائله واقامة الادلة التفصيلية عليها وازالة الشبه عنها اذ يجب كفاية على اهل كل قطر يشق الوصول منه الى غيره ان يكون فيهم من هو متصف بذلك ولا يخفى ان حصول ذلك متوقف على تعلم علم الكلام (والى التحريم ذهب الائمة) الاربعة ابو حنيفة و(الشافعى ومالك واحمد بن) محمد بن (حنبل وسفيان) الثورى وابو يوسف (وجميع اهل الحديث من السلف) الصالحين (قال ابو عبد الاعلى) هكذا فى النسخ وهو يونس بن عبد الاعلى بن موسى بن ميسرة الصوفى ابو موسى المصرى الفقيه المقرى ولد سنة 170 وسمع الحديث عن ابن عيينة وابن وهب والوليد بن مسلم ومنصور بن عيسى والشافعى واختص به روى عنه مسلم والنسائى وابن ماجه وابو عوانة وابو الطاهر المدينى وخلق (سمعت الشافعى رحمه الله تعالى يقول يوما وقد ناظر حفصا الفرد وكان من متكلمى المعتزلة) قلت حفص هذا يلقب بالفرد تفقه على الامام ابى يوسف وكان من اصحابه ثم مال الى رأى المعتزلة وصار يناضل عنهم حتى صار من متكلميهم وقال الربيع كان الشافعى يقول له حفص المنفرد ولايقول الفرد (لان يلقى الله تعالى العبد بكل خطيئة ماخلا الشرك خير له من ان يلقاه بشئ من الكلام) روى هذا القول عن الامام من وجوه اخرجه ابن ابى حاتم فى كتاب المناقب له قال سمعت الربيع قال اخبرنى من سمع الشافعى يقول لان يلقى الله المرء بكل ذنب ماخلا الشرك بالله خير له من ان يلقاه بشئ من الاهواء رواه غير واحد عن الربيع انه سمع الشافعى يقول وقال ابن خزيمة سمعت الربيع لما كلم الشافعى حفصا الفرد فقال حفص القرآن مخلوق فقال له الشافعى كفرت بالله العظيم ورواه ابن ابى حاتم عن الربيع حدثنى من اثق به وكنت حاضرا فى المجلس فساقه (ولقد سمعت من حفص كلاما ما اقدر ان احكيه) وهو قوله ان القرآن مخلوق (وقال ايضا قد اطلعت من اهل الكلام على شئ ما ظننته قط) اخرجه اللالكائى من رواية عبد الرحمن بن ابى حاتم حدثنا يونس بن عبد الاعلى قال قال لى @ الشافعى تعلم ياابا موسى لقد اطلعت من اصحاب الكلام على شئ ما ظننت ان مسلما يقول ذلك (لان يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ماعدا الشرك خير له من ان ينظر فى الكلام) اخرجه اللالكائى من رواية ابى نعيم عبد الملك بن محمد الجرجانى يقول سمعت الربيع يقول سمعت الشافعى يقول وناظره رجل من اهل العراق فخرج الى شئ من الكلام فقال هذا من الكلام دعه قال وسمعت الشافعى يقول لان يبتلى الله المرء بكل ذنب نهى الله عنه ماعدا الشرك به خير له من الكلام (وحكى) الحسين ابن على ابو على (الكرابيسى ان الشافعى سئل عن شئ من الكلام فغضب وقال سل عنه هذا يعنى حفصا لفرد واصحابه اخزاهم الله) وكان الكرابيسى من متكلمى اهل السنة استاذا فى علم الكلام كما هو استاذ فى الحديث والفقه وكان الامام احمد يتكلم فيه بسبب مسئلة اللفظ وهوايض كان يتكلم فى احمد لذلك تجنب الناس الاخذ عنه (و) يروى انه (لما مرض الشافعى دخل عليه حفص الفرد وقال من انا قال حفص الفرد لاحفظك الله ولا رعاك حتى تتوب مما انت فيه) اى من القول بخلق القرآن واخرج اللالكائى فى السنة من رواية محمد بن يحيى بن آدم المصرى اخبرنا الربيع قال سمعت ابا شعيب قال حضرت الشافعى وحفص الفرد سأل الشافعى فاحتج عليه بان كلام الله غير مخلوق وكفر حفص المنفرد قال الربيع ولقيته فقال اراد الشافعى قتلى (وقال ايضا لو علم الناس ما فى الكلام من الاهواء لفروا منه فرارهم من الاسد) رواه محمد بن عبدالله بن عبد الحكم قال سمعت الشافعى يقول فساقه الا انه قال فى الاهواء بدل من الاهواء هكذا هو فى نسخة ابن كثير واخرج اللالكائى من رواية عبد الرحمن بن ابى حاتم قال قال الحسن بن عبد العزيز الجروى قال كان الشافعى ينهى النهى الشديد عن الكلام فى الاهواء ويقول احدهم اذا خالفه صاحبه قال كفرت والعلم فيه انما يقال اخطات وقال ابن كثير قال محمد ابن اسماعيل الكرابسى يقول قال الشافعى كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد وما سواه فهو هذيان (وقال ايضا اذا سمعت الرجل يقول الاسم هو المسمى او غير المسمى فاشهد بانه من اهل الكلام ولا دين له) اخرجه بن عبد البر فى كتاب العلم ولفظه قال يونس بن عبد الاعلى سمعت الشافعى يقول اذا سمعتم الرجل يقول الاسم غير المسمى او الاسم المسمى فاشهدوا عليه انه من اهل الكلام ولادين له قال ابن السبكى وهذا وامثاله مما روى فى ذم الكلام وقد روى ما يعارضه وللحافظ ابن عساكر فى التبيين على امثاله هذه الكلمة كلام لامزيد على حسنه (وقال الزعفرانى) هو الحسن بن محمد ابن الصلاح ابو على البغدادى (قال الشافعى حكمى فى اصحاب الكلام ان يضربوا بالجريد) اى جريد النخل تعزيزا (ويطاف بهم فى العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة واخذ فى الكلام) وهذا قد رواه ايضا ابو ثور عن الشافعى الا انه فيه واقبل على الكلام مكان واخذ فى الكلام واخرجه الخطيب فى شرف اصحاب الحديث من رواية زكريا بن يحيى البصرى حدثنا محمد بن اسماعيل سمعت ابا ثور والحسين بن على يقولان سمعنا الشافعى يقول فساقه وزاد بعد قوله بالجريد ويحملوا على الابل وقال ابو نعيم بن عدى وغيره قال داود بن سليمان عن الكرابيسى سمع الشافعى يقول حكمى فى اهل الكلام حكم عمر فى ضبيغ واخرج اللالكائى من رواية احمد بن اصرم المعقلى قال قال ابو ثور سمعت الشافعى يقول ماتردى احد بالكلام قد افلح واخرج ايضا من رواية ابن ابى حاتم حدثنا الربيع قال رأيت الشافعى وهو نازل من الدرجة وقوم فى المسجد يتكلمون بشئ من الكلام فصاح فقال اما ان تجاورونا بخير واما ان تقوموا عنا فهذه الآثار وغيرها دالة على ان الشافعى كان شديد النهى عن علم الكلام (وقال احمد بن) محمد بن (حنبل) الشيبانى رحمه الله تعالى (لايفلح صاحب الكلام ابداولاتكاد ترى احدا نظر فى) علم (الكلام الا وفى قلبه غل) وهو تدرع الخيانة والعداوة (وبالغ فيه) اى فى ذمه (حتى هجر الحرث بن اسد بن عبدالله المحاسبى) شيخ الجنيد (مع زهده وورعه) وتقواه وجمعه بين @ علمى الظاهر والباطن (بسبب تصنيفه كتابا فى الرد على المبتدعة) من المعتزلة والرافضة فان الامام احمد كان يشدد النكير على من يتكلم فى علم الكلام خوفا ان يجر ذلك الى ما لا ينبغى ولاشك ان السكوت عنه ما لم تدع اليه الحاجة اولى والكلام فيه عند فقد الحاجة بدعة وكان الحرث قد تكلم فى مسائل من علم الكلام قال ابو القاسم النصر اباذى بلغنى ان الامام احمد هجره بهذا السبب وقال له الامام احمد لما انكر عليه تلك المقالات واجابه الحرث بانه انما ينصر السنة ويرد على البدعة (ويحك ألست تحكى بدعتهم اولا) اى اقوالهم التى احدثوهابدلائلها وبراهينها (ثم ترد عليهم) بعد ذلك بنقض ادلتها (ألست تحمل الناس بتصنيفك) هذا (على مطالعة) اقوال (البدع) والتفكر فى تلك الشبهات (فيدعوهم فعلهم ذلك الى) احداث (الرأى) فى الدين (والبحث) فى مسائل الاعتقاد فكأنه قصد بذلك سد هذا الباب رأسا وكل منهما من رؤساء الائمة وهداه هذه الامة والظن بالحرث انه انما تكلم حيث دعت الحاجة ولكل مقصد والله يرحمهما (وقال احمد ) ايضا (علماء الكلام زنادقة) قال صاحب البارع زنديق وزنادقة وزنادق وزناديق وليس ذلك من كلام العرب فى الاصل وقال الازهرى زندقة الزنديق انه لايؤمن بالآخرة ولا بوحدانية الخالق وقال غيره المشهور ان الزنديق هو الذى لا يتمسك بشريعة ويقول بدوام الدهر وتعبر العرب عن هذا بقولهم ملحد اى طاعن فى الاديان (وقال مالك) بن انس الامام (ارايت ان جاء من هو اجدل منه) اى اكثر جدلا (ايدع دينه) الذى اعتقده (كل يوم لدين جديد يعنى ان اقوال المتجادلين تتقاوم) اى فلا يعتمد على تلك الاقوال لكونها فى معرض الازالة بما هو اقوى واخرج اللالكائى فى السنة من رواية الحسن بن على الحلوانى قال سمعت اسحق بن عيسى يقول قال مالك بن انس كلما جاءنا رجل اجدل من رجل تركنا مانزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله واخرج من رواية محمد بن حاتم بن بزيع قال سمعت ابن الطباع يقول جاء رجل الى مالك بن انس فسأله عن مسئلة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فقال ارايت لو كان كذا قال مالك فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم قال وقال مالك او كلما جاء رجل اجدل من رجل اخر رد ما انزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم واخرج ايضا من رواية القضى عن مالك قال مهما تلاعبت به من شئ فلا تلاعبن بامر دينك (وقال مالك) ايضا (لا تجوز شهادة اهل البدع والاهواء) اذا كانت بدعتهم تحمل على الكفر والخروج من الدين وفى كتاب معين الحكام لابن عبد الرفيع من المالكية وقع فى البسوط من قول عبد الله بن وهب انه لاتجوز شهادة القارئ على القارئ لانهم اشد الناس تحاسدا وتباغضا ولعل هذا الذى رواه ابن وهب هو الذى اقتضاه قول مالك (فقال بعض اصحابه فى تاويله انه اراد باهل الاهواء) والبدع (اهل الكلام على اى مذهب كانوا) اى لما ينشأ منه من التحاسد والتباغض والعصبية والاغراض الفاسدة وهذا الذى ذكره المصنف من السياقين انما دلالتهما على المقصود بطريقق المفهوم كما لا يخفى وقد قال اللالكائى فى كتاب السنة قال مصعب بلغنى عن مالك بن انس انه كان يقول الكلام فى الدين كله اكرهه ولم يزل اهل بلدنا يعنى اهل المدينة ينهون عن الكلام فى الدين ولااحسب الكلام الا فيما كان تحته عمل واما الكلام فى الله فالسكوت عنه (وقال ابو يوسف) يعقوب بن ابراهيم القاضى الانصارى وهو الامام المقدم من اصحاب الامام ابى حنيفة (من طالب العلم بالكلام تزندق) اخرجه اللالكائى فى السنة فقال اخبرنا احمد بن محمد بن ميمون النهر سابسى بها حدثنا ابو بكر احمد بن محمد بن موسى الخطيب اخبرنا ابو جعفر بن ابى الدسيك قال سمعت بشر بن الوليد الكندى يقول سمعت ابا يوسف يقول من طلب المال بالكيمياء افلس ومن طلب الدين بالكلام تزندق واورده الذهبى فى تاريخ والخطيب فى شرف اصحاب الحديث من رواية بشر بن الوليد بزيادة من تتبع غريب الحديث كذب (وقال الحسن) بن يسار ابو سعيد البصرى (لاتجالسوا اهل الاهواء) يعنى اهل البدع (ولاتجادلوهم) اى لاتفتحوا لهم باب المجادلة فى الدين@ (ولا تسمعوا منهم) اى مقالاتهم فكل من ذلك مضر (وقد اتفق اهل الحديث) من السلف الصالحين (على هذا) الذى ذكر من ذم علم الكلام والنهى عن الاشتغال به واجمعوا عليه (ولاينحصر مانقل عنهم من التشديدات) والتهديدات (فيه وقالوا) مستدلين بان (ما سكت عنه الصحابة) رضوان الله عليهم (مع انهم اعرف بالحقائق) اللغوية والشرعية (وافصح بترتيب الالفاظ) بعضها مع بعض (من غيرهم) ممن اتى بعدهم (الا لعلمهم بما يتولد منه من الشر) فمن ذلك ما اخرجه اللالكائى فى السنة من رواية يونس بن عبد الاعلى حدثنا ابن وهب اخبرنا عبدالله بن محمد بن زياد ومالك بن انس عن ابى الزناد عن الاعرج عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذرونى ما تركتكم فانما اهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم فما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما امرتكم به فاتوا منه ما استطعتم اخرجه البخارى من رواية مالك ومسلم من رواية سفيان عن ابى الزناد واخرج من رواية ابى العوام عن قتادة ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم قال صاحب بدعة يدعو الى بدعته (ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون هلك المتنطعون ثلاث مرات) هكذا اخرجه مسلم فى القدر من صحيحه قال قال ذلك ثلاثا واخرجه الامام احمد فى القدر ايضا وابو داود فى السنة وليس عندهما ذكره ثلاث مرات كلهم عن ابن مسعود رضى الله عنه رفعه (اى المتعمقون) المتقعرون (فى البحث والاستقصاء يقال تنطع الرجل اذا تنطس فى عمله قال الزمخشرى فى الفائق اراد النهى عن التمادى والتلاحى فى القراآت المختلفة وان مرجعها الى واحد من الحسن والصواب اه وقال النووى فيه كراهة التقعر فى الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة واستعمال وحشى اللغة ودقائق الاعراب فى مخاطبة العوام ونحوهم اه وقال غيره المراد بالحديث الغالبون فى خوضهم فيما لا يعنيهم وقيل المتعنتون فى السؤال من عويص المسائل التى يندر وقوعها وقيل المبالغون فى العبادة بحيث تخرج عن قوانين الشريعة ويسترسل مع الشيطان فى الوسوسة وقال الحافظ ابن حجر قال بعض الائمة التحقيق ان البحث عما لايوجد فيه نص قسمان احدهما ان يبحث فى دخوله فى دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على على من تعين عليه الثانى ان يدقق النظر فى وجوه الفروق فيفرق بين المتماثلين بفرق ولا اثر له فى الشرع مع وجود وصف الجمع او بالعكس بأن يجمع بين منتفرقين بوصف طردى مثلا فهذا الذى ذمه السلف وعابه وعليه ينطبق خبر هلك المتنطعون فرأوا ان فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الاكثار من التفريغ على مسئلة لا اصل لها فى كتاب ولا سنة ولا اجماع وهى نادرة الوقوع فيصرف فيها زمنا كان يصرفه فى غيرها اولى سيما ان لزم منه اغفال التوسع فى بيان ما يكثر وقوعه واشد منه البحث عن امور معينة ورد الشرع بالايمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما يكون له شاهد فى عالم الحس كالسؤال عن الساعة والروح ومدة هذه الامة الى امثال ذلك مما لا يعرف ذلك الا بالنقل الصرف واكثر ذلك لم يثبت فيه شئ فيجب الايمان به بغير بحث (واحتجوا ايضا بان ذلك لو كان من) جملة (الدين لكان ذلك اهم ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) اصحابه اذ هو مأمور بتبليغ امور الدين (ويعظم طريقه) الموصل اليه (ويثنى على اربابه) اى حملته وفى نسخة عليه وعلى اربابه (فقد علمهم الاستنجاء) فيما اخرجه مسلم فى صحيحه عن سلمان رضى الله عنه (وندبهم الى علم الفرائض) فيما اخرجه ابن ماجة والحاكم والبيهقى عن ابى هريرة رضى الله عنه تعلموا الفرائض وعلموه الناس فانه نصف العلم وهوينسى وهو اول شئ ينزع من امتى قال الحافظ الذهبى فيه حفص بن عمر بن ابى العطاف واه بمرة وقال ابن حجر الحافظ مداره على حفص وهو متروك وقال البيهقى تفرد به حفص وليس بقوى وفى رواية فانه من الدين واخرج احمد والترمذى والنسائى والحاكم وصحيحه بلفظ تعلموا الفرائض وعلموها الناس فانى امرؤ مقبوض وان العلم سيقبض حتى يختلف اثنان فى الفريضة فلا يجد ان من يفصل بينهما قال الحافظ فى الفتح رواته موثقون الا انه اختلف فيه على عوف@ الاعرابى واخرج الترمذى من حديث انس وافرضهم زيد بن ثابت (واثنى عليهم) حيث قال خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وقال فى افتراق الامم الناجية منهم واحدة فقيل من هم فقال ما انا عليه واصحابى (ونهاهم عن الكلام فى القدر وقال امسكوا) فيما اخرجه الطبرانى فى الكبير عن ابن مسعود وعن ثوبان وابن عدى فى الكامل عن عمر بن الخطاب رفعوه اذ اذكر اصحابى فامسكوا اذ اذكرت النجوم فامسكوا واذ اذكر القدر فامسكوا اى لما فى الخوض فى الثلاثة من المفاسد التى لا تحصى وقدم هذا الحديث فى كتاب العلم واشبعنا الكلام عليه من جهة الصناعة الحديثية قال البغوى القدر سر الله لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا لايجوز الخوض فى البحث عنه من طريق العقل بل يعتقد انه تعالى خلق الخلق فجعلهم فريقين اهل يمين جعلهم للنعيم فضلا واهل شمال خلقهم للجحيم عدلا (وعلى هذا استمر الصحابة) رضى الله عنهم يروى انه سأل رجل عليا كرم الله وجهه عن القدر فقال طريق الظلم لاتسلكه فاعاد فقال بحر عميق لاتلجه فاعاد فقال سر الله قد خفى عليم لا تفتشه (فالزيادة على الاسناذ) بضم الهمزة وآخره ذال معجمة رئيس الصنعة اعجمى اشتهر استعماله فى الشيخ الكامل (طغيان) وتجاوز عن الحد (وظلم) اى وضع فى غير موضعه (وهم) اى الصحابة رضى الله عنهم (الاستاذون) الكاملون (والقدوة) لمتبعيهم (ونحن الاتباع التلامذة) جمع تلميذ بالكسر قيل اعجمى معرب وقيل اصله من التلم وهو شق الارض ووضع البذر فيها لينبت وبالجملة فعلم الكلام والجدل كما افصح عنه المصنف فى املائه على هذا الكتاب انه علم لفظى واكثره احتمال وهمى وهو عمل النفس وتخليق الفهم وليس بشدة المشاهدة والكشف ولاجل هذا كان فيه الثمين والغث وشاع فى حال المناضلة فيه ايراد القطعى وما هو فى حكمه من غلبة الظن وابداء الصحيح والزام مذهب الخصم وسياتى لذلك زيادة ايضاح قريبا ان شاءالله تعالى (واما الفرقة الاخرى) القائلون بوجوب الاشتغال به (احتجوابات المحذور) اى الممنوع (من الكلام) وما يتعلق به (ان كان هو فى لفظ الجوهر والعرض) والهيولى والماهية والتحيز (وهذه الاصطلاحات الغريبة) كالموضوع والمحمول وهذا مركب من الشكل الفلانى والملازمة ممنوعة والصغرى والكبرى والمقدمة والنتيجة (التى لم يعهدها الصحابة) رضوان الله عليهم ولا التابعون لهم باحسان (فالامر قريب) اى سهل (اذ ما من علم الا وقد احدث فيه اصطلاحات لاجل التفهيم) والتعليم (كالحديث والتفسير والفقه) واصول كل من ذلك (فلو عرض عليهم عبارة النقض والكسر والتركيب والتعديد وفساد الوضع) وما اشبه ذلك (لما كانوا يفهمونه) اذ لم يعهدوا ذلك ولا الفوه (فاحداث عبارة للدلالة بها على مقصود صحيح) لاينكر (كاحداث آنية على هيئة جديدة) لم تسبق (لاستعمالها فى مباح) شرعى (وان كان المحذور هو المعنى) المقصود لذاته (فنحن لانعنى به الا معرفة الدليل على حدوث العالم ووحدانية الخالق جل وعز و) معرفة (صفاته كما جاء به الشرع فمن اين تحرم معرفة الله تعالى بالدليل) بل هو مطلوب بهذا الوجه (وان كان المحذور هو التشعب) اى المخاصمة ورفع الاصوات (والتعصب) فى ذلك (والعداوة والبغضاء وما يفضى اليه الكلام) من الزام مذهب الخصم وتكثير الآراء الوهمية فيه (فلذلك محرم) اتفاقا لا نقول بجوازه فى حال من الاحوال بل (يجب الاحتراز منه) والاجتناب عنه (كما ان الكبر والرياء وطلب الرياسة) والتكالب عليها (ايضا مما يفضى اليه علم الحديث والتفسير والفقه وهو محرم ايضا يجب الاحتراز منه ولكن لا يمنع عن العلم) والاشتغال به والسعى فى تحصيله (لاجل ادائه اليه) وكونه مفضيا اليه وقد الم بهذا البحث ابو الوفاء اليوسى فى شرحه على الكبرى تحقيقا لمطلوبه الذى هو ان العلوم كلها وسائل الى المقصود لايقال فيها مذموم ولا محرم ومن جرء بعضها فليحرم جميعها والا فمن اين التخصيص ومن انكر ان يكون بعض ذلك وسيلة فالعيان يكذبه فقال ولما تكاثرت الاهواء والبدع وافترقت الامة على فرق وعظمت على الحق شبه المبطلين انتهض علماء الامة الى مناضلتهم باللسان كمناضلة السلف بالسنان فاحتاجوا الى مقدمات كلية @ وقواعد عقلية واصطلاحات واوضاع يجعلونها على النزاع وينطقون بها مقاصد القوم عند الدفاع فدونوا ذلك وسموه علم الكلام واصول الدين ليكون بازاء اصول الفقه ثم قال فان قيل ان الكلام والمنطق مبتدعان وكل بدعة يجب اجتنابها قلنا لانسلم ان كل بدعة تجتنب اذ منها ما يستحسن ولو سلمناها فغيرهما من العلوم كالحساب والطب والتنجيم وصناعتى الاصول والحديث والادب ونحوها كذلك فان قال السلف كانوا يحسبون ويعالجون ويجتهدون ويحدثون وانما احدث فى هذه الصناعة الالقاب قلنا وكذلك كانوا يفسرون ويستدلون ويعللون ولا معنى للمنطق الا هذا كيف وهو الذى فى الطباع مركوز ولا ينفك عنه عاقل فمن حرمه اما ان يحرمه لكونه ..... حراما بوجه اخر فان اراد الاول قلنا لا نسلم ان مركوزيته توجب حصوله وعدم الفائدة فى تعلمه اذ النفس غافلة حتى تتنبه والمركوز انما هو العقل الفطرى والوجدان حاكم بأن النفس خالية عن العلوم بل وعن الاستعداد حتى تشحذ بالقوانين نعم لاننكر ان يكون ذو فطرة سليمة لايحتاج الى تعلمه كالعربى المستغنى عن تعلم العربية فان زعم هذا المنكر ان فطرته هكذا لايحصل له ان يقبس سائر العقول بعقله ولا ان يسد الباب على غيره اذ وجد انه لا ينهض دليلا على ما اراد وان اراد الثانى قلنا ما وجه حرمته فان قال لكونه بدعة قلنا تقدم جوابه وان كان لشئ اخر فعليه بيانه اه كلام اليوسى اما ادعاؤه ان العلوم كلها نافعة ووسائل الى المقصود فهو على الاطلاق غير متجه كما سياتى بيانه فى سياق المصنف فان فيه مقنعا واما غلوه فى الثناء على المنطق وكونه مركوزا فى الطباع السليمة فعجيب وتقدم ما يتعلق به فى شرح كتاب العلم عند ذكر العلوم المحمودة والمذمومة ما يغنى عن اعادته هنا وانما اوردنا كلامه هنا لمناسبته مع كلام الفرقة الثانية بان علم الكلام غاية ما فيه ذكر الحجة والمطالبة بالدليل والنقض والمنع (وكيف يكون ذكر الحجة والمطالبة والبحث عنها محظورا) اى ممنوعا (وقد قال) الله (تعالى) فى كتابه العزيز (قل هاتوا برهانكم) ان كنتم صادقين فطلب منهم البرهان (وقال عزوجل ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حى عن بينة) فجعل الهلاك الذى هو كناية عن الانهزام والمغلوبية والحياة التى هى كناية عن الظفر بالغلبة مقصورين على البينة (وقال تعالى فلله الحجة البالغة) اى الكافية او المنتهية فى التوكيد والبلاغ وقيل المراد بالحجة هنا الكلام المستقيم (وقال تعالى الم تر الى الذى حاج ابراهيم فى ربه) اى خاصمه فيه بطلب الاحتجاج على ربوبيته جل وعز (الى قوله فبهت الذى كفر) اى الآيات بتمامها والبهت والتحير والدهش والمراد هنا انقطاع الحجة (اذ ذكر احتجاج ابراهيم ) عليه الصلاة والسلام (ومجادلته وافحامه) اى اسكاته (خصمه) وهو النمروذ ملك زمانه وكان يدعى الالهية (فى معرض الثناء عليه) والمدح له واعلم ان لإبراهيم عليه السلام فى الاحتجاج مقامات احدها مع نفسه وهو قوله تعالى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى الى اخر الاية وهذه طريقة المتكلمين فانه استدل بافولها وتغيرها على حدوثها ثم استدل بحدوثها على وجود محدثها وثانيها حاله مع ابيه وهو قوله ياابت لم تعبد ما لايسمع ولا يبصر الى اخر الايات وثالثها حاله مع قومه تارة بالقول وتارة بالفعل اما القول فهو قوله ما هذه التماثيل التى انتم لها عاكفون واما الفعل فقوله فجعلهم جذاذا الا كبيرا لهم ورابها حال مع ملك زمانه وهو الذى ذكره المصنف ثم انه عليه السلام لما استدل بحدوثها على وجود محدثها كما اخبر الله تعالى عنه فى قوله ياقوم انى برئ مما تشركون انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض عظم شأنه بذلك (وقال وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه) نرفع درجات من نشاء فهذه رفعة بعلم الحجة (وقال تعالى) حكاية عن الكفار انهم (قالوا يانوح قد جادلتنا فاكثرت جدالنا) ومعلوم ان مجادلة الرسول مع الكفار لاتكون فى تفاصيل الاحكام الشرعية فلم يبق الالنها كانت فى التوحيد والنبوة (وقال تعالى فى قصة) موسى عليه السلام ومباحثته مع (فرعون) قال (ويارب العالمين الى قوله اولو جئتك بشئ مبين) واعلم ان موسى عليه السلام ما كان يقول فى@ الاستدلال زيادة على دلائل ابراهيم عليه السلام وذلك لانه حكى الله تعالى عنه فى سورة طه ان فرعون قال له ولهرون فمن ربكما ياموسى قال ربنا الذى اعطى كل شئ خلقه ثم هدى وهذا هو الدليل الذى ذكره ابراهيم عليه السلام حيث قال الذى خلقنى فهو يهدين ثم حكى الله تعالى عن موسى فى الشعراء انه قال لفرعون ربكم ورب آبائكم الاولين وهذا هو الذى عول عليه ابراهيم عليه السلام فى قوله ربى الذى يحيى ويميت فلما لم يكتف فرعون بذلك طالبه بدليل اخر قال موسى رب المشرق والمغرب وهذا هو الذى عول عليه ابراهيم عليه السلام فى قوله فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ثم ان موسى عليه السلام لما فرغ من تقرير دلائل التوحيد ذكر بعد دلائل النبوة فقال اولو جئتك بشئ مبين وهذا يدل على انه عليه السلام فرع بيان النبوة على بيان التوحيد والمعرفة فان قيل ابراهيم وموسى عليهما السلام قدما دلائل النفس على دلائل الافلاك فان ابراهيم عليه السلام قال اولا ربى الذى يحيى ويميت ثم قال فان الله يأتى بالشمس من المشرق وموسى عليه السلام قال اولا ربكم ورب آبائكم الاولين ثم قال رب المشرق والمغرب فلم عكس سيدنا سليمان عليه السلام هذا الترتيب فقدم دلائل السموات على دلائل النفس فقال الذى يخرج الخبءفى السموات والارض قلنا ان ابراهيم وموسى عليهما السلام كان مناظرتهما مع من ادعى الهية البشر فان نمروذ وفرعون كل واحد منهما كان يدعى الالهية فلا جرم انهما عليهما السلام ابتدآ بابطال الهية البشر ثم انتقلا الى ابطال الهية الافلاك والكواكب واما سليمان عليه السلام فانه كان مناظرته مع من يدعى الهية الشمس فان الهدهد قال رأيتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله فلا جرم ابتدأ بذكر السموات ثم ذكر الارضيات ثم لما تمم دلائل التوحيد قال بعده لا اله الا هو رب العرش العظيم ثم ان المصنف ذكر البرهان والبينة والحجة وفى معناها السلطان وقد سمى الله الحجة العملية سلطانا قال ابن عباس كل سلطان فى القرآن فهو حجة كقوله تعالى ان عندكم من سلطان بهذا اى ماعندكم من حجة بما قلتم وقوله تعالى ماانزل الله بها من سلطان اى حجة ولا برهانا بل من تلقاء انفسكم وقوله تعالى ام لكم سلطان مبين يعنى حجة واضحة وانما سمى علم الحجة سلطانا لانها توجب تسلط صاحبها واقتداره فله بها سلطان على الجاهلين بل سلطان العلم اعظم من سلطان الجهل ولهذا ينقاد الناس للحجة مالا ينقادون لليد فان الحجة تنقاد لها القلوب ومن لم يكن له اقتدار فى عمله فهو اما لضعف حجته وسلطانه واما لقهر سلطان اليد والسيف له والا فالحجة ناصرة نفسها ظاهرة على الباطل قاهرة له والفرق بين الحجة والبينة هو ان الحجج هى الادلة العلمية التى يعقلها القلب وتسمع بالآذان والحجة هى اسم لما يحتج به من حق وباطل واذا اضيفت الى الله فلا تكون الا حجة حق وقد تكون بمعنى المخاصمة كقوله تعالى لا حجة بيننا وبينكم اى قد ظهر الحق واستبان فلا خصومة بيننا بعد ظهوره ولا مجادلة فان الجدال شريعة موضوعة للتعاون على اظهار الحق فاذا ظهر الحق ولم يبق به خفاء فلا فائدة فى الخصومة والبينة اسم لكل ما يبين الحق من علامة منصوبة او امارة او دليل علمى فالبينات هى الآيات التى اقامها الله دلالة على صدقهم من المعجزات وكان القاء العصا واقلابها حية هو البينة وجرت سنة الله فى خلقه ان الكفار اذا طلبوا آية واقترحوها واجيبوا ولم يؤمنوا وجلوا بعذاب الاستئصال واليه يشير قوله تعالى وما منعنا ان نرسل بالآيات الا ان كذب الاولون بخلاف الحجج فانها لم تزل متتابعة يتلو بعضها بعضا وهى كل يوم فى مزيد وقد اشرنا الى ذلك فى كتاب العلم (وعلى الجملة فالقرآن من اوله الى اخره) توحيد صرف واحكام وقصص وامثال و(محاجة الكفار) مملوء من الحجج والادلة والبراهين فى مسائل التوحيد واثبات الصانع والمعاد وارسال الرسل وحدوث العالم فلا يذكر المتكلمون وغيرهم دليلا صحيحا على ذلك الا وهو فى القرآن بأفصح عبارة واوضح بيان واتم معنى وابعده عن الايراد والاسئلة وقد اعترف بهذا حذاف@ المتكلمين من المتقدمين والمتأخرين (فعمدة ادلة المتكلمين فى التوحيد) اى فى اثبات وحدانية الله تعالى (قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدنا) وسيأتى الكلام على هذه الاية فى شرح الرسالة القدسية (وفى البعث) والحشر (قوله) تعالى (قل يحييها الذى انشأها اول مرة) وسيأتى الكلام عليها ايضا (الى غير ذلك من الادلة) بجميع انواعها والاقيسة الصحيحة وقد تقدم للمصنف فى كتاب العلم ما حاصله ان حاصل ما يشتمل عليه الكلام من الادلة فالقرآن والاخبار مشتملة عليه وما خرج عنها فهو اما مجادلة مذمومة واما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق وتطويل بنقل المقالات التى اكثرها توهمات الى اخر ماقال ومر الكلام هناك وذكرنا هناك ايضا كلام الفخر الرازى فى كتابه اقسام اللذات لقد تأملت الكتب الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تروى غليلا ورأيت اقرب الطريق طريق القرآن اقرأ فى الاثبات اليه يصعد الكلم الطيب الرحمن على العرش استوى واقرا فى النفى ليس كمثله شئ ومن جرب مثل تجربتى عرف مثل معرفتى اه قال ابن القيم وهذا الذى اشار اليه بحسب ما فتح له من دلالة القرآن بطريق الخبر والا فدلالته البرهانية العقلية التى يشير اليها ويرشد اليها فتكون دليلا سمعيا عقليا امر تميز به القرآن وصار العالم به من الراسخين فى العلم وهو العلم الذى يطمئن اليه القلب وتسكن عنده النفس ويزكو به العقل وتستنير به البصيرة وتقوى به الحجة ولا سبيل لاحد من العالمين الى قطع من حاج به بل من خاصم به فلحت حجته وكسر شبهة خصمه وبه فتحت القلوب واستجابت لله ولرسوله ولكن اهل هذا العلم لاتكاد الاعصار تسمح منهم الا بالواحد بعد الواحد فدلالة القرآن سمعية عقلية قطعية يقينية لاتعترضها الشبهات ولا تتداولها الاحتمالات ولاينصرف القلب عنها بعد فهمها ابدا وقال بعض المتكلمين افنيت عمرى فى الكلام اطلب الدليل واذا انا لا ازداد الا بعدا منه فرجعت الى القرآن أتدبره واتفكر فيه واذا انا بالدليل حقا معى وانا لا اشعر به وقد اشرنا الى بقية هذا الكلام فى كتاب العلم (ولم تزل الرسل) عليهم الصلاة والسلام (يحاجون المنكرين ويجادلونهم) اولهم آدم عليه السلام وقد اظهر الله الحجة على فضله بان اظهر عمله على الملائكة وذلك محض الاستدلال وتقدم محاجة نوح وابراهيم وموسى عليهم السلام ولسيدنا سليمان عليه السلام مقامان احدهما فى اثبات التوحيد والآخر فى اثبات النبوة وقد تقدمت الاشارة الى ذلك وعيسى عليه السلام فانه اول ما تكلم شرح امر التوحيد فقال انى عبدالله وشهادة حاله كانت دالة على صدق مقالته وقد دلت على التوحيد والنبوة وبراءة امه رادا بذلك على اليهود الطاعنين فيها واما نبينا صلى الله عليه وسلم فمحاجته مع الكفار اظهر من ان يحتاج فيه الى مزيد تقرير كالدهرية ومثبتى الشريك على اختلاف الانواع ونافى القدرة والطاعنين فى اصل النبوة وخاصته فى نبوته صلى الله عليه وسلم بجميع انواعه ومنكرى الحشر (قال تعالى) ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة (وجادلهم بالتى هى احسن) وليس المراد منه المجادلة فى فروع الشرائع لأن من انكر نبوته فلا فائدة فى الخوض معه فى تفاريع الاحكام ومن اثبت نبوته فلا يخالفه ولايحتاج الى الجدال فعلمنا ان هذا الجدال المأمور كان فى تقرير مسائل الاصول واذا ثبت هذا فى حقه صلى الله عليه وسلم ثبت فى حق امته واليه اشار بقوله (والصحابة) رضوان الله عليهم (ايضا كانوا يجادلون عند الحاجة) اى لافى كل وقت (وكانت الحاجة اليه قليلة فى زمانهم) وقد اشار لذلك المصنف فى كتاب العلم بقوله ولم يكن شئمنه مألوفا فى العصر الاولولكن لما تغير الان حكمه اذ حدثت البدع الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة لفقت لها شبها ورتبت لها كلاما مؤلفا فصار ذلك المحذور بحكم الضرورة مأذونا فيه وقد اشار الى مثل ذلك فى كتابه الاملاء ايضا وكذلك قوله تعالى ولاتجادلوا اهل الكتاب الا بالتى هى احسن والمقصود ان مناظرات القرآن مع الكفار موجودة فيه وكذا مناظراته صلى الله عليه وسلم واصحابه لخصومهم واقامة الحج @ عليهم لاينكر ذلك الا جاهل مفرط فى الجهل (وأول من سن دعوة المبتدعة بالمجادلة الى الحق) امير المؤمنين (على) بن ابى طالب (رضى الله عنه اذ بعث) عبدالله (بن عباس) رضى الله عنهما (الى الخوارج) وهم الحرورية الذين خرجوا على على رضى الله تعالى عنه (يكلمهم فقال ما تنقمون على امامكم) يعنى عليا رضى الله عنه (قالوا قاتل ولم يسب ولم يغنم) اى ان كان قتاله حقا فلم ترك السبى والغنيمة ونهى عن ذلك (قال) ابن عباس فى الجواب (ذلك) مخصوص (فى قتال الكفار) لا المسلمين بعضهم مع بعض (ارأيتم لو سبى عائشة) رضى الله عنها (فى يوم الجمل) وهى وقعة مشهورة مذكورة فى السير (فوقعت عائشة فى سهم احدكم كنتم تستحلون منها ما تستحلون من ملككم وهى امكم فى نص الكتاب) حيث قال وازواجه امهاتهم (فقالوا لا ورجع منهم الى الطاعة) والانقياد (بمجادلته الفان) منهم وهذه القصة اوردها المصنف مختصرة وهى بطولها فى كتاب الحلية لابى نعيم قال حدثنا سليمان بن احمد حدثنا على بن عبد العزيز حدثنا ابو حذيقة موسى بن مسعود النهدى ح وحدثنا سليمان حدثنا اسحق حدثنا عبد الرازق قالا حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا ابو زميل الحنفى عن عبدالله بن عباس قال لما اعتزلت الحرورية قلت لعلى ياامير المؤمنين ابرد عن الصلاة لعلى آتى هؤلاء القوم فاكلمهم قال انى اتخوفهم عليك قال قلت كلا ان شاءالله فليست احسن مااقدر عليه من هذه اليمانية ثم دخلت عليهم وهم قائلون فى نحر الظهيرة فدخلت على قوم لم ار قوما قط اشد اجتهادا منهم ايديهم كأنها ثفن الابل ووجوههم معلبة من آثار السجود قال فدخلت فقالوا مرحبا بك ياابن عباس ما جاء بك قال جئت احدثكم عن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الوحى وهم اعلم بتأويله فقالق بعضهم لا تحدثوه قال بعض لنحدثنه قال قلت اخبرونى ماتنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه واول من آمن به من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ننقم عليه ثلاثا قلت ما هن قالوا اولاهن انه حكم الرجال فى دين الله وقد قال الله ان الحكم الا الله قال قلت وماذا قالوا قاتل ولم يسب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت له اموالهم ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم قال قلت وماذا قالوا ومحا نفسه من امير المؤمنين فان لم يكن امير المؤمنين فهو امير الكافرين قال قلت ارايتم قولكم انه حكم الرجال فى دين الله فان قرأت عليكم فى كتاب الله المحكم وحدثتكم عن سنة نبيكم ما تنكرونه اترجعون قالوا نعم قلت اما قولكم انه حكم الرجال فى دين الله فانه يقول ياايها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وانتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاءالى قوله ذوا عدل منكم وقال فى المرأة وزوجها وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها انشدكم الله أفحكم الرجال فى حقن دمائهم وانفسهم وصلاح ذات بينهم أحق ام فى ارنب ثمنها ربع درهم قالوا اللهم فى حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم قال اخرجت من هذه قالوا اللهم نعم قال واما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم اتسبون امكم ام تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فقد كفرتم وان زعمتم انها ليست بامكم فققد كفقرتم وخرجتم من الاسلام ان الله تعالى يقول النبى اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم تترددون بين ضلالتين فاختاروا ايتهما شئتم اخرجت من هذه قالوا اللهم نعم قال واما قولكم محا نفسه من امير المؤمنين فان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على ان يكتب بينه وبينهم كتابا فقال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا والله لو نعلم انك رسول الله ماصددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبدالله فقال والله انى لرسول الله وان كذبتمونى اكتب باعلى محمد بن عبدالله رسول الله كان افضل من على اخرجت من هذه قالوا اللهم نعم فرجع معه عشرون الفا وبقى اربعة الاف فقتلوا اه ثم ان قول المصنف اول من سن الخ ظاهره يخالف مانقله اليوسى فى شرحه على الكبرى ان ممن نظر فى علم الكلام من السلف عمر بن الخطاب وابنه عبدالله بن عمر والحق انه لاخلاف فى العبارتين @ كما يظهر فى بادئ الرأى فان النظر فيه شئ ودعوة المبتدعة بالمجادلة شئ اخر فتأمل (وروى ان الحسن) البصرى رحمه الله (ناظر قدريا ) اى رجلا ممن ينكر القدر (فرجع عن) انكار (القدر و) يروى ايضا انه (ناظر على بن ابى طالب) رضى الله عنه (رجلا من القدرية) فيما روى انه سأله رجل من الشام عن مسيره اليه أكان بقضاء الله وقدره فقال رضى الله عنه والذى فلق الحبة وبرأ النسمة ما قطعنا واديا ولاعلونا تلعسة الا بقضاء وقدر فقال الشامى عندى احتسب عناك ماارى لى من الاجر شيئا فقال على بلى ايها الشيخ قد عظم لكم الامر على مسيركم وانتم سائرون وعلى منصرفكم وانتم منصرفون ولم تكونوا فى شئ من حالاتكم مكرهين ولا اليها مضطرين فقال الشيخ فكيف ذلك والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا فقال على لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والامر والنهى من الله تعالى ولما كانت تأتى محمدة من الله لمحسن ولامذمة لمسئ ولما كان المحسن بثواب الاحسان اولى من المسئ والمسئ بعقوبة الذنب اولى من المحسن تلك مقالة عبدة الاوثان وجنود الشيطان وخصماء الرحمن ان الله لم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل الرسل هزلا ولم ينزل القرآن عبثا ولم يخلق السموات والارض وعجائب الامور باطلا فويل للذين كفروا فقال الشيخ ما القضاء والقدر اللذان ما وطئنا موطئا الا بهما فقال على الامر من الله والحكم فنهض الشيخ وهو مسرور هكذا وجدت السياق فى بعض الكتب ولم اطلع على سنده وانما ظن الشيخ ان عليا رضى الله عنه اراد ان الله تعالى اجبرهم على المسير والانصراف بقضاء الله وقدره وقال لم تكونوا فى شئ من حالاتكم مكرهين ولا اليها مضطرين فاستنبه الشيخ وقال كيف ذلك والقضاء والقدر ساقانا يريد انهما ساقانا سوقا لا امتناع عنه فنفى على رضى الله عنه ذلك وانهم ليسوا بمجبورين وقال ظننت قضاء لازما وقدرا حتما اى انما وقع ذلك باختيار منكم ولو كنتم مجبرين لبطل الثواب والعقاب الى اخر كلامه ويروى انه مر بقوم فقال له رجل منهم ياامير المؤمنين ان هذا يزعم انه يصنع شيئا فاقبل على رضى الله عنه على الرجل فقال له هل ملكك الله شيئا فأنت تملكه فقال ملكنى صلاتى وصومى وعتق رقيقى وطلاق امرأتى وحجى وعمرتى وما افترض على فقال له على هذا زعمت انك تملكه أتملكه من دون الله او تملكه مع الله قال له الرجل ما ادرى ما تقول فقال اكلمك بلسان عربى وتقول ما ادرى ماتقول فاعادها على رضى الله عنه فلم يجبه الرجل فقال له على ان زعمت انك تملكه من دون الله فقد جعلت نفسك من دون الله مالكا وان زعمت انك تملكه مع الله فقد جعلت نفسك مع الله شريكا ومالكا الا فالملك لله الواحد القهار (وناظر عبدالله بن مسعود) رضى الله عنه (يزيد بن عميرة) بفتح العين المهملة الزبيدى ويقال الكلبى ويقال الكندى السكسكى الحمصى قال الحافظ فى تهذيب التهذيب روى عن ابى بكر وعمر ومعاذ بن جبل وابن مسعود ومعاوية وعنه ابو ادريس وعطية بن قيس وابو قلابة الجرمى وراشد بن سعد ومعبد الجهنى وشهر بن حوشب ذكره ابو زرعة الدمشقى فى الطبقة العليا التى تلى الصحابة وذكره ابن سميع فيمن ادرك الجاهلية من اصحاب معاذ وقال العجلى شامى تابعى ثقة من كبار التابعين وذكره ابن حبان فى الثقات وقال البخارى قدم الكوفة وسمع ابن مسعود قلت وهو من رجال ابى داود والترمذى والنسائى (فى الايمان فقال عبدالله لو قلت انى مؤمن لقلت انى من اهل الجنة فقال ابن عميرة ياصاحب رسول الله هذه زلة منك) اى سقطة (وهل الايمان الا ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والميزان وتقيم الصلاة والصوم والزكاة والحج ولنا ذنوب لو عملنا انها تغفر لنا لعلمنا اننا من اهل الجنة فمن اجل ذلك نقول انا مؤمنون ولانقول انا من اهل الجنة فقال ابن مسعود صدقت والله انها منى زلة) فرجع رضى الله عنه الى قوله معترفا على نفسه وهذا من انصافه وميله الى الحق الذى جبل عليه (فينبغى ان يقال كان خوضهم فيه قليلا) بحسب @ الحاجة
صفحہ 56