وأما الحقيقة فلأنه لو كان معلولًا كان معلولًا بعلة الإزالة، وهذا لا يجوز، لأن معنى الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وصفة تطهيره لغيره إنما توجد عند اتصاله بذلك الغير، كقولنا: ضارب للغير وشاتم للغير ومكلم للغير، إنما يوصف بهذا عند اتصاله شتمه وضربه بالغير، وإذا اتصل بالمحل النجس امتزج بالنجس، والماء الممتزج بالنجس نجس، وما لا يكون طاهرًا في نفسه لا يكون مطهرًا لغيره فدل تعليل الطهورية به بالإزالة باطل، فبقى أنه طهور شرعًا لا لمعنى، وبطل إلحاق سائر المائعات به.
فإن قالوا: إذا قلتم إن الماء بامتزاجه بالنجس يصير نجسًا فكيف يزيل النجاسة؟ وبالإجماع إنه يزيل النجاسة عند استعماله في المحل غسلا.
قلنا: إنما يزيل النجاسة شرعًا لا لمعنى الإزالة، على هذا إن عندنا يبقى الماء طهورًا بعد وروده على النجاسة ثبوت صفة الطهورية له.
والحرف أن الطهورية منصوص عليها للماء، ووقت ظهور الطهورية عند غسل المحل النجس فبقيت هذه الصفة للماء وإن امتزج بالنجس ليحصل العمل بالنص ولا يتعطل، ولم يكن لمعنى حتى يلحق غيره به.
وهذا لأن الضرورة ارتفعت بالماء فبقى غيره على أصل ما عقلنا من المعنى وهو أن المائع الوارد امتزج بالنجس وتنجس وإزالة النجاسة بالنجس غير معقول، ولأن غير الماء ليس في معنى الماء حتى يلحق به، لأن الماء خلق ليكون طهورًا، وقد ورد الإنزال بمعنى الخلق في القرآن مثل قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَاسٌ شَدِيدٌ﴾.
ومثل قوله: ﴿وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾.
1 / 43