تكن عنايتهم برجال الحديث ورواته وحملته بأقل نصيبا من عنايتهم بالمتون، كيف لا تكون عنايتهم بها كذلك وهم يعرفون أن الاسناد هو الطريق الموصل إلى المتن، وهو الوسيلة لمعرفة الصحيح المقبول، من الضعيف المردود من الأحاديث، وهم يعرفون أيضًا أن هذا الأسناد من الدين فهذا التابعى الكبير محمد بن سيرين يقول: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" (١) وهذا عبد اللَّه بن المبارك يقول: "الاسناد من الدين ولولا الاسناد لقال من شاء ما شاء" (٢).
نعم لقد كانت عناية السلف والخلف برواة الأحاديث والأسانيد على مر العصور عناية عظيمة وجليلة لدرجة أنهم عرفوا وأحصوا كل ما يتصل بهم فعرفوا الصحابة منهم والتابعين ومن بعدهم من الخالفين، وعرفوا اسماءهم وأنسابهم، وكناهم والقابهم والمؤتلف في ذلك والمختلف، والمتفق والمفترق، وعرفوا مواطنهم وبلدانهم، ومواليدهم ووفياتهم، وشيوخهم وطلابهم ورحلاتهم وأيامهم، وسيرتهم وأخلاقهم، وأحاديثهم ومروياتهم ودرجاتهم وأحوالهم.
وهكذا كانت عناية السلف والخلف بالسنة النبوية المشرفة سندا ومتنا عناية عظيمة، وان نظرة سريعة إلى ما بذله العلماء من جهود مشكورة وإلى ما خلفوه لنا في القديم والحديث من مؤلفات نافعة جليلة لأكبر دليل على تحقيق وعد اللَّه ﷾ حيث قال وهو أصدق القائلين ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (٣). وذلك لأن السنة هى شارحة ومفصلة ومقيدة لنصوص القرآن الكريم وحفظها حفظ له.
_________
(١) صحيح مسلم "المقدمة" (١/ ١٤).
(٢) صحيح مسلم "المقدمة" (١/ ١٥).
(٣) سورة الحجر الآية (٩).
1 / 14