فهز السيد المحروقي رأسه أسفا وقال: «حقا، لقد طغى علي بك وتجبر ولم يقف في مطامعه عند حد، ولكنه مع هذا كان خيرا من أبي الذهب، فهذا وإن تظاهر بإعادة البلاد إلى حوزة الدولة العلية دولة الخلافة، يسعى في الخفاء لكي يأخذها لنفسه، وليس في مصر من يحبه؛ لما عرف عنه من الميل إلى الغدر والخيانة.»
فقال علي: «وماذا يرى السيد في استنجاد علي بك بالشيخ ضاهر حاكم عكا والأسطول الروسي الموجود فيها الآن، وهو يضم ثلاثة آلاف من الجنود الألبانيين (الأرناءوط ) للهجوم من البر، عدا من فيه من الجنود البحريين؟»
فقال السيد المحروقي: «مهما يكن من أمر، فلا شك في أن الدولة الروسية لا تعاون هؤلاء الجهلة حبا في معاونتهم، ولكنها تفعل ذلك، لتحارب بهم الدولة العلية وتشغلها بما يقومون به من فتن ودسائس وثورات داخلية.»
قال: «وهل ترون أن أبقى في القاهرة أم أعود إلى عكا لأخبر سيدي بما كان والبحث عن سيدتي هناك؟»
فقال: «إن سفرك وحدك لا يخلو من الخطر، فانتظر هنا إلى أن تصحب قافلة أو حملة ذاهبة إلى هناك.» ثم أمر بإعداد غرفة خاصة له في منزله يقيم بها، ودعا الله أن يختم مأساة أسرة صديقه السيد عبد الرحمن بما يسعدها وينسيها ما قاسته من شقاء وعذاب. •••
عاد السيد المحروقي إلى داره بعد أيام، فدعا إليه عليا خادم السيد عبد الرحمن وقال له: «لقد جاءت الأنباء بقدوم علي بك إلى الصالحية في جيش كبير من الألبانيين التابعين للأسطول الروسي ومن جنود الشيخ ضاهر حليفه، وقد تغلبوا هناك على جنود أبي الذهب، ودخلوا البلدة فاتحين، وقد جند أبو الذهب جيشا كبيرا واعتزم الخروج به إلى الصالحية لصد علي بك. وعلمت أن هذا عاد من عكا مريضا لا يستطيع الإشراف على المعارك.»
قال: «وكيف أقدم على المجيء للحرب وهو مريض؟»
قال: «لم يكن راغبا في المجيء قبل أن يشفى، ولكن أبا الذهب احتال لاستقدامه وهو في هذه الحالة من المرض والضعف ليسهل عليه صده، وكانت الحيلة التي استخدمها لذلك أن كتب إليه على لسان المعلم رزق الذي كان كاتبا لحساباته ومن خاصة مستشاريه، وبقي في مصر بعد خروجه منها، مستمرا في الدعاية له ومكاتبته سرا. وقال أبو الذهب لعلي بك في هذا الكتاب الموقع عليه بإمضاء المعلم رزق: «عليك أن تعجل بالقدوم لمحاربة أبي الذهب، فلا شك في أن أهل القاهرة وجميع أحزابها يودون عودتك وينتظرونك بفارغ الصبر»، إلى غير ذلك مما يحبب إليه القدوم. وقد نجحت الحيلة، وجاء علي بك إلى الصالحية وأخذها، ولكني لا أدري عاقبة الأمر على كل حال؛ فإن أبا الذهب مسافر غدا في حملة لمحاربة علي بك في الصالحية، فإذا أفقت الحملة إلى قرب الصالحية فيمكنك التحول من هناك إلى حيث تشاء؛ إذ تكون قد وصلت إلى مأمنك، والرأي لك.»
فقال علي: «وكيف يمكنني مرافقة الحملة وأنا لست منها، فقد يستغشونني؟»
قال: «يمكنك مرافقتها بصفتك بائع مأكولات.»
نامعلوم صفحہ