Issues (Permission)
مسائل (إذن)
ناشر
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ایڈیشن نمبر
العدد ١١٩-السنة ٣٥
اشاعت کا سال
١٤٢٣هـ
اصناف
مقدَّمة
الْحَمد لله وَحده وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من لَا نبيّ بعده.
وَبعد؛ فقد كَانَ من جملَة مَا اعتنى بِهِ عُلَمَاء الْعَرَبيَّة دراسة النَّحْو الْعَرَبِيّ عَامَّة، وأدوات الْمعَانِي خَاصَّة، فقد تتبعوا أَحْوَال الأدوات ودرسوها من مُخْتَلف جوانبها:
أَصْلهَا، عَملهَا، شُرُوط عَملهَا، إهمالها، زيادتها، حذفهَا، أقسامها، مَعَانِيهَا، لغاتها، اسميتها، حرفيتها، اتصالها بغَيْرهَا، بساطتها أَو تركيبها، ....
وَقد سلك النحويون فِي دراستهم أدوات الْمعَانِي ثَلَاثَة مناهج:
الْمنْهَج الأول: درس النُّحَاة الأدوات ضمن أَبْوَاب النَّحْو ومباحثه ومسائله، كأمثال سِيبَوَيْهٍ فِي "الْكتاب"، والمبرد فِي "المقتضب"، وَالْفراء فِي "مَعَاني الْقُرْآن"، وَابْن السراج فِي "الْأُصُول فِي النَّحْو"، والزّجاجيّ فِي "الجُمل"، والفارسيّ فِي "الْإِيضَاح العضدي، وَكتب الْمسَائِل"، وَابْن جنّى فِي "اللمع" والزمخشريّ فِي "المفصّل"، وَابْن الْحَاجِب فِي "الكافية"، وَابْن مَالك فِي "التسهيل" وَغَيرهم مِمَّن تنَاول الْكتب السَّابِقَة بالشرح.
الْمنْهَج الثَّانِي: درس بعض النُّحَاة أدوات الْمعَانِي دراسة مُسْتَقلَّة، إذْ أفردوها بكتب متخصصة تتناولها بالدراسة وَالِاسْتِقْصَاء من مُخْتَلف جوانبها، من هَذِه المؤلفات: حُرُوف الْمعَانِي" للّزجاجيّ، و"مَعَاني الْحُرُوف" للرّماني، و"الأُزهيّة" للهرويّ، و"رصف المباني" للمالقيّ، و"الجنى الداني" للمراديّ، و"جَوَاهِر الْأَدَب" للإربلّيّ، و"مُغنِي اللبيب" لِابْنِ هِشَام الأنصاريّ، وَغَيرهَا.
الْمنْهَج الثَّالِث: سلك بعض النُّحَاة مسلكًا آخر فِي دراسة أدوات الْمعَانِي،
1 / 409
هَذَا المسلك يتَمَثَّل فِي دراسة أداةٍ واحدةٍ، إذْ تُدْرَسُ من مُخْتَلف جوانبها، وممّن سلك هَذَا الْمنْهَج الزّجاجيّ فِي "كتاب اللامات"، وَأحمد بن فَارس فِي "مقَالَة كلاّ"، وَأَبُو جَعْفَر الطبريّ فِي "رِسَالَة كلاّ فِي الْكَلَام وَالْقُرْآن"، وَابْن هِشَام الأنصاريّ فِي رسَالَته "المباحث المَرْضِيّة الْمُتَعَلّقَة بمَنْ الشرطيّة" وَعُثْمَان النجديّ فِي رِسَالَة "أيّ الْمُشَدّدَة" وغَيرهم من النَّحْوِيين.
لذَلِك أردْت أَن أقوم بدراسة "إِذَنْ" من مُخْتَلف جوانبها، وَالَّذِي شجعني لدراستها، أنّني كنت أَقرَأ (بَاب إِذَنْ) فِي كتاب (المقتضب) للمبرد (٢/١٢)، واستوقفني قَوْله: (فَهَذِهِ حَال "إذَنْ" إِلَى أَنْ نُفرِدَ بَابا لمسائلها إِن شَاءَ الله)، علّق عضيمة على الْمَسْأَلَة بقوله: (لم يُفرد بَابا لمسائل "إِذَنْ"، وإنّما استعرض النواصب فِي الْجُزْء الرَّابِع) .
عندئذ شمرت عَن ساعد الجدّ، وعقدت الْعَزْم على تتبع مسائلها فِي بطُون أمّات الْكتب النحوية، وَكتب أدوات الْمعَانِي، والمعاجم، وَالتَّفْسِير، وعلوم الْقُرْآن، والقراءات.
وَبعد جمع الْمسَائِل، ودراستها، تمّ تقسيمها على ثَلَاث عشرَة مَسْأَلَة، يسبقها مقدمةٌ، ويتلوها الخاتمة، ثمَّ فهرس المصادر والمراجع، ثمَّ فهرس الموضوعات.
وَقد جعلت هَذِه الدراسة بعنوان: (مسَائِل "إِذَنْ") .
أمّا الْمسَائِل الَّتِي درستها فَهِيَ على النَّحْو التَّالِي:
الْمَسْأَلَة الأولى: أصل "إِذَنْ".
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: عَملهَا.
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة: شُرُوط عمل "إِذَنْ".
1 / 410
الْمَسْأَلَة الأولى: أصل "إِذَنْ":١
اخْتلف النحويون فِي أصل (إِذَنْ)، هَل هِيَ حرفٌ أَو اسمٌ؟ وَهل هِيَ بسيطةٌ أَو مركبةٌ؟ ذهب الْجُمْهُور إِلَى أنّها حرفٌ، وَذهب بعض الْكُوفِيّين إِلَى أنّها اسمُ ظرفٍ، وَأَصلهَا "إِذا" الظَّرْفِيَّة لحقها التَّنْوِين عوضا من الْجُمْلَة المحذوفة، إِذْ الأَصْل فِي (إِذَنْ أكرمَك) أَن تَقول: (إِذا جئتني أكرمُك)، حُذف ماتضاف إِلَيْهِ "إِذا"، وعُوّض مِنْهُ التَّنْوِين كَمَا عَوّضوا فِي (حينئذٍ)، وحُذفت الْألف لالتقاء الساكنين، ونُقلت إِلَى الجزائية فبقى فِيهَا معنى الرَّبْط وَالسَّبَب.
وَذهب رضيّ الدّين إِلَى ماذهب إِلَيْهِ بعض الْكُوفِيّين، فَقَالَ: "الَّذِي يلوح لي فِي "إِذَنْ" ويغلب فِي ظنّي أنّ أَصله "إذْ" حذفت الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا، وعُوّض مِنْهَا التَّنْوِين لمّا قُصد جعله صَالحا لجَمِيع الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة بَعْدَمَا كَانَ مُخْتَصًّا بالماضي، وَذَلِكَ أنّهم أَرَادوا الْإِشَارَة إِلَى زمَان فعلٍ مذكورٍ فقصدوا إِلَى لفظ "إذْ" الَّذِي هُوَ بِمَعْنى مُطلق الْوَقْت لخفة لَفظه، وجرّدوه عَن معنى الْمَاضِي وجعلوه صَالحا للأزمنة الثَّلَاثَة، وحذفوا مِنْهُ الْجُمْلَة الْمُضَاف هُوَ إِلَيْهَا، لأنّهم لمّا قصدُوا أَن يشيروا بِهِ إِلَى زمَان الْفِعْل الْمَذْكُور، دلّ ذَلِك الْفِعْل السَّابِق على الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا، كَمَا يَقُول لَك شخصّ مثلا: "أَنا أزورك"، فَتَقول: "إِذَنْ أكرمَك"، أَي: "إذْ تزورني أكرمك"، أَي: وَقت زيارتك لي أكرمك،
_________
١ - ينظر نتائج الْفِكر ١٣٤، وَشرح التسهيل ٤/٢٠، وَشرح الكافية للرضي ٢/٢٣٥، ٢٣٨، ورصف المباني ١٥٧، والارتشاف ٤/١٦٥٠، والجنى الداني ٣٦٣، وتوضيح الْمَقَاصِد ٤/١٩٠، وجواهر الْأَدَب ٣٣٩، وَمُغْنِي اللبيب ١٥، والمساعد ٣/٧٤، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٤، والهمع ٢/٦، والأشموني ٣/٢٩٠، والنحو الوافي ٤/٣٠٨.
1 / 412
وعُوّض التَّنْوِين من الْمُضَاف إِلَيْهِ؛ لأنّه وُضع فِي الأَصْل لَازم الْإِضَافَة، فَهُوَ كـ"كلٍّ وبعضٍ"، إلاّ أنّهما معربان و"إذْ" مبنيّ..."١.
ويؤكد على اسميتها فِي أَكثر من موضعٍ بقوله: "وَإِذا جَازَ لَك إِضْمَار "أَنْ" بعد الْحُرُوف الَّتِي هِيَ: الْوَاو، وَالْفَاء، وأو، وَحَتَّى، فهلاّ جَازَ إضمارها بعد الِاسْم – يَعْنِي إِذَنْ - وإنّما لم يجز إِظْهَار "أَنْ" بعد "إِذَنْ" لاستبشاعهم للتلفظ بهَا بعْدهَا"٢.
وَقَالَ فِي موضعٍ آخر: "و"إِذَنْ" كنواصب الْفِعْل الَّتِي لَا يُفصل بَينهَا وَبَين الْفِعْل، إلاّ أنّ "إِذَنْ" لمّا كَانَ اسْما بِخِلَاف أخواته جَازَ أَن يُفصل بَينه وَبَين الْفِعْل" ٣.
بل إِنّه رجّح اسميتها بقوله: "وقَلْبُ نونها فِي الْوَقْف ألفا يُرجّح جَانب اسميّتها"٤.
وَاخْتلف النحويون أَيْضا فِي بساطتها وتركّبها، فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أنّها بسيطة لامركبة من (إذْ وأنْ) أَو (إِذا وأنْ) .
وَذهب الْخَلِيل فِي أحد أَقْوَاله فِيمَا حكى عَنهُ غير سِيبَوَيْهٍ إِلَى أنّها حرفٌ مركبٌ من "إذْ" و"أَنْ"، وغَلب عَلَيْهَا حكم الحرفية، ونُقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى الذّال، ثمّ حُذفت والتُزم هَذَا النَّقْل.
وَمِمَّنْ ذهب إِلَى هَذَا الرَّأْي بعض الْكُوفِيّين، وَابْن مَالك، فَقَالَ: "...
_________
١ - شرح الئكافية ٢/٢٣٥.
٢ - شرح الكافية ٢/٢٣٧.
٣ - شرح الكافية ٢/٢٣٧.
٤ - شرح الكافية ٢/٢٣٨.
1 / 413
وَلَيْسَ فِي هَذَا نصٌّ على أنّ انتصاب الْمُضَارع بعد "إِذَنْ" عِنْد الْخَلِيل بـ"أَنْ" مضمرة، لجَوَاز أَن تكون مركبة مَعَ "إذْ" الَّتِي للتَّعْلِيل، و"أَنْ" محذوفا همزتها
بعد النَّقْل، والقولُ بِهِ على ضعفه أقربُ من القَوْل بأنّ "إِذَنْ" غيرُ مركبة".
ويؤكّد ابْن مَالك تركّبها بقوله: "والقولُ بأنّ "إِذَنْ" مركبةٌ من "إذْ" و"أَنْ" أسهلُ مِنْهُ" ١.
وَذهب أَبُو عليّ الرُّنديّ تلميذ السهيليّ إِلَى أنّها مركبةٌ من "إِذا" و"أَنْ"، حُذفت همزَة "أَنْ"، ثمَّ حُذفت ألف "إِذا" لالتقاء الساكنين، ثمّ تُعطى مَا تُعطى كلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا، فتعطى الرّبط كـ (إِذا)، والنّصب كـ (أنْ) ٢.
وَقد ردّ المالقيّ على من زعم أنّ "إِذَنْ" مركبةٌ، بقوله: "وَهَذَا فاسدٌ من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أنّ الأَصْل فِي الْحُرُوف البساطة، وَلَا يُدّعى التَّرْكِيب إلاّ بدليلٍ قاطعٍ.
وَالثَّانِي: أنّها لَو كَانَت مركبة من "إذْ" و"أَنْ" لكَانَتْ ناصبةً على كلّ حالٍ، تقدّمت أَو تَأَخَّرت، وعدمُ الْعَمَل فِي الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة قبلُ دليلٌ على عدم التَّرْكِيب" ٣.
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: عَملهَا: اخْتلف النحويون أَيْضا فِي عمل "إِذَنْ" إِذا جَاءَ الْفِعْل الْمُضَارع مَنْصُوبًا بعْدهَا، مَا النّاصب لَهُ؟ هَل النّاصب لَهُ "إِذَنْ" أَو "أَنْ" مضمرة بعْدهَا؟. _________ ١ - شرح التسهيل ٤/٢٠، وَانْظُر شرح الكافية للرضيّ ٢/٢٣٨، ورصف المباني ١٥٧. ٢ - الارتشاف ٤/١٦٥٠، والهمع ٢/٦. ٣ - رصف المباني ١٥٧.
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: عَملهَا: اخْتلف النحويون أَيْضا فِي عمل "إِذَنْ" إِذا جَاءَ الْفِعْل الْمُضَارع مَنْصُوبًا بعْدهَا، مَا النّاصب لَهُ؟ هَل النّاصب لَهُ "إِذَنْ" أَو "أَنْ" مضمرة بعْدهَا؟. _________ ١ - شرح التسهيل ٤/٢٠، وَانْظُر شرح الكافية للرضيّ ٢/٢٣٨، ورصف المباني ١٥٧. ٢ - الارتشاف ٤/١٦٥٠، والهمع ٢/٦. ٣ - رصف المباني ١٥٧.
1 / 414
ذهب سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر النَّحْوِيين إِلَى أنّها تنصب بِنَفسِهَا، وَهُوَ ماسمعه عَن الْخَلِيل، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: "اعْلَم أنّ "إِذَنْ" إِذا كَانَت جَوَابا، وَكَانَت مُبتَدأَة عملت فِي الْفِعْل عمل "أُرى" فِي الِاسْم إِذا كَانَت مُبتَدأَة، وَذَلِكَ قَوْلك:
"إِذَنْ أجيئَك" و"إِذَنْ آتيَك"١.
وَذهب الْخَلِيل بن أَحْمد فِي أحد قوليه إِلَى أنّها لَيست ناصبةً بِنَفسِهَا، بل الْفِعْل بعد "إِذَنْ" مَنْصُوب بـ"أَنْ" مضمرة، وَهُوَ مارواه عَنهُ أَبُو عُبَيْدَة.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: "وَقد ذكر لي بَعضهم أنّ الْخَلِيل قَالَ: "أَنْ" مضمرة بعد "إِذَنْ"، وَلَو كَانَت مِمَّا يُضمر بعده "أَنْ" فَكَانَت بِمَنْزِلَة اللاّم وحتّى لأضمرتها إِذا قلت: "عبدُ الله إِذَنْ يَأْتِيك"، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن تَنصب "إِذَنْ يأتيَك"؛ لأنّ الْمَعْنى وَاحِد، وَلم يُغيَّر فِيهِ الْمَعْنى الَّذِي كَانَ فِي قَوْله: "إِذَنْ يأتيَك عبدُ الله"، كَمَا يَتغيّر الْمَعْنى فِي حتّى فِي الرّفْع وَالنّصب، فَهَذَا مارَووا، وأمّا ماسمعتُ مِنْهُ فالأوّلُ" ٢.
وَمِمَّنْ ذهب إِلَى مَذْهَب الْخَلِيل الزّجاج، والفارسيّ٣، ورضيّ الدّين الاستراباذيّ.
قَالَ الزّجاج بعد أَن حكى رأيَ سِيبَوَيْهٍ ورأيَ الْخَلِيل: "وكلا الْقَوْلَيْنِ حسنٌ جميلٌ إلاّ أنّ الْعَامِل – عِنْدِي – النصبَ فِي سَائِر الْأَفْعَال "أَنْ"، وَذَلِكَ أَجود، إمّا أَن تقع ظَاهِرَة أَو مضمرة".
_________
١ - الْكتاب ٣/١٢.
٢ - الْكتاب ٣/١٦، والنكت فِي تَفْسِير الْكتاب ١/٦٩٨.
٣ - ينظر رأيهما فِي الارتشاف ٤/١٦٥٠، والجنى الداني ٣٦٤، وتوضيح الْمَقَاصِد ٤/١٩٠، والهمع ٢/٦.
1 / 415
وَقَالَ فِي تَأْوِيل "إِذَنْ أكرمَه": "تَأْوِيله إنْ كَانَ الأمرُ على مَا تصِفُ وَقَعَ إِكْرامُه، فـ"أَنْ" مَعَ "أُكرمُه" مقدرةٌ بعد "إِذَنْ" "١.
أَمّا الفارسيّ فَذهب إِلَى أنّها العاملةُ بِنَفسِهَا، وَهُوَ مخالفٌ لما نُسب إِلَيْهِ، فَقَالَ: "وممّا ينْتَصب الْفِعْل بعده من الْحُرُوف الَّتِي لاتضمر "إِذَنْ"، وإنّما تعْمل فِي الْفِعْل إِذا كَانَت جَوَابا، ..."٢، وربّما قَالَ بِهِ فِي كتاب آخر، أَو أنّه يَقُول بهما.
أَمّا الرضيّ فقد دَافع عَن مَذْهَب الْخَلِيل وردّ على سِيبَوَيْهٍ بقوله: "وَيُمكن تَوْجِيه هَذَا القَوْل على ماذكرنا" ثمّ قَالَ: "وَإِذا جَازَ لَك إِضْمَار "أَنْ" بعد الْحُرُوف الَّتِي هِيَ: الْوَاو، وَالْفَاء، وأو، وحتّى، فهلاّ جَازَ إضمارها بعد الِاسْم، وإنّما لم يجز إِظْهَار "أَنْ" بعد "إِذَنْ" لاستبشاعهم للتلّفظ بهَا بعْدهَا"
ويؤكّد ذَلِك أَيْضا بقوله: "فَلَمَّا احْتمل "إِذَنْ" الَّتِي يَليهَا الْمُضَارع معنى الْجَزَاء، فالمضارع بِمَعْنى الِاسْتِقْبَال، وَاحْتمل معنى مُطلق الزَّمَان، فالمضارع بِمَعْنى الْحَال، وَقصد التَّنْصِيص على معنى الْجَزَاء فِي "إِذَنْ"، نصب الْمُضَارع بـ"أَنْ" الْمقدرَة؛ لأنّها تُخلّص الْمُضَارع للاستقبال، ...".
ويُبرهن بأنّها غيرُ عاملة بِنَفسِهَا بقوله: "وتجويز الْفَصْل بَينهَا وَبَين منصوبها بالقسم، والنِّداء، وَالدُّعَاء، يُقوِّى كَونهَا غيرَ ناصبة بِنَفسِهَا، كـ"أَنْ"، و"لَنْ"، إذْ لايُفصل بَين الْحَرْف ومعموله بِمَا لَيْسَ من معموله" ٣.
أمّا ابْن مَالك فَيرى أنّه لايوجد نصٌّ على أنّ الْخَلِيل يذهب إِلَى أنّ الْفِعْل
_________
١ - مَعَاني الْقُرْآن ٢/٦٣.
٢ - الْإِيضَاح ٣٢٠، والمقتصد ١٠٥٤.
٣ - شرح الكافية ٢/٢٣٧، ٢٣٨.
1 / 416
الْمُضَارع منصوبٌ بـ"أَنْ" مضمرة بعد "إِذَنْ"، وَمَا رَوَاهُ عَنهُ أَبُو عُبَيْدَة لانصَّ فِيهِ على مَذْهَب الْخَلِيل، إذْ قَالَ: "وَمَا عزاهُ إِلَى الْخَلِيل من أنّ الْفِعْل بعد "إِذَنْ" منصوبٌ بـ"أَنْ" مضمرة، إِنّما مُسْتَنده فِيهِ قَول السيرافيّ فِي أوّل شرح الْكتاب: ١ "روى أَبُو عُبَيْدَة عَن الْخَلِيل أنّه قَالَ: "لاينصب شَيْء من الْأَفْعَال إلاّ بـ"أَنْ" مظهرة أَو مضمرة فِي: كي، ولَنْ، وإِذَنْ، وَغير ذَلِك"، وَلَيْسَ فِي هَذَا نصّ على أنّ انتصاب الْمُضَارع بعد "إِذَنْ" عِنْد الْخَلِيل بـ"أَنْ" مضمرة، لجَوَاز أَن تكون مركبة مَعَ "إذْ" الَّتِي للتَّعْلِيل، و"أَنْ" محذوفًا همزتها بعد النَّقْل، على نَحْو مايراه فِي انتصابه بعد "لَنْ"، وَالْقَوْل بِهِ على ضعفه أقرب من القَوْل بأنّ "إِذَنْ" غيرُ مركبةٍ، وانتصاب الْمُضَارع بعْدهَا بـ"أَنْ" مضمرة؛ لأنّه لايستقيم إلاّ على أنْ يكون مابعد "إِذَنْ" فِي تَأْوِيل مبتدأٍ لازمٍ حُذف خَبره، أَو "إِذَنْ" قبله لَيست حرفا بل ظرفا مخبرا بِهِ عَن الْمُبْتَدَأ، وَأَصلهَا "إِذا" فقُطعت عَن الْإِضَافَة وعُوّض عَنْهَا التَّنْوِين، وَكِلَاهُمَا فِي غايةٍ من التَّكَلُّف، وَالْقَوْل بأنّ "إِذَنْ" مركبة من "إذْ وأَنْ" أسهل مِنْهُ " ٢.
هَذِه آراء وأدلة الْقَائِلين بأنّ "إِذَنْ" لَيست ناصبة بِنَفسِهَا، وأَنّ "أَنْ" بعْدهَا مقدّرةٌ، ماعدا ابْن مَالك فقد دَافع عَن مَذْهَب الْخَلِيل وبيّن وجهة نظره.
أَمّا جُمْهُور النَّحْوِيين فيرون أنّها الناصبة للمضارع بِنَفسِهَا، لَا "أَنْ" مضمرة بعْدهَا، وَقد انتصر المالقيّ لمَذْهَب الْجُمْهُور مدلّلا على فَسَاد الْمَذْهَب الآخر بقوله: "وكأنّ من نصب بإضمار "أَنْ" قاسها على "حَتَّى، وكي، ولامها، وَلَام الْجُحُود"، وَلَا يصحُّ الْقيَاس على ذَلِك؛ لأنّ حَتَّى، وكي، ولامَها، ولامَ الْجُحُود
_________
١ - شرح الْكتاب للسيرافي ١/٨٤.
٢ - شرح التسهيل ٤/٢٠.
1 / 417
إنّما تنصب بإضمار "أَنْ"؛ لجَوَاز دُخُولهَا على المصادر، وَرُبمَا ظَهرت "أَنْ" مَعَ بَعْضهَا فِي بعض الْمَوَاضِع على مَا يُبيّن بعد، وَلما كَانَت "إِذَنْ" لايصحُّ دُخُولهَا على مصدرٍ ملفوظٍ بِهِ وَلَا مقدّرٍ، ولايصحُّ إِظْهَار "أَنْ" بعْدهَا فِي موضعٍ من الْمَوَاضِع، لم يجز الْقيَاس فِي نصب مابعدها على ماذُكر" ١.
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة: شُرُوط عمل "إِذَنْ"٢: ذهب أَكثر النَّحْوِيين إِلَى أنّ "إِذَنْ" حرف ينصب الْمُضَارع بِثَلَاثَة شُرُوط، وَبَعض النُّحَاة جعلهَا أَرْبَعَة، وَبَعْضهمْ فصّل الشُّرُوط فَجَعلهَا خَمْسَة، وَمن النُّحَاة من اشْترط فِي نصبها المضارعَ ستةَ شروطٍ: الأول: أَن تكون "إِذَنْ" وَاقعَة فِي صدر الْكَلَام: أَي: فِي أوّل الْكَلَام؛ لأنّها حينئذٍ فِي أشرف محالها، فَإِن تَأَخَّرت أُلغيت حتما نَحْو: "أكرمُك إِذَنْ" بِلَا خلاف؛ لأنّ الْفِعْل الْمَنْصُوب لايجوز تَقْدِيمه علىناصبه، أَمّا إِذا توسطت، أَي: وَقعت حَشْوًا فِي الْكَلَام وَذَلِكَ بِأَن اعْتمد مابعدها على ماقبلها، مثل أَن تتوسط بَين الشَّرْط وجزائه، وَبَين الْقسم وَجَوَابه، وَبَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره، وَجب إلغاؤها فِي الصُّور كلّها. _________ ١ - رصف المباني ١٥٧. ٢ - ينظر الْأُصُول ٢/١٤٨، وَشرح الْكتاب للسيرافي ١/٨٤، والإيضاح ٣٢٠، والمقتصد ٢/١٠٥٤، وَشرح الملحة للحريري ٣٤٢، وكشف الْمُشكل ١/٥٤٠، وَابْن يعِيش ٩/١٤، والملخّص ١٣٨، وَشرح الكافية للرضيّ ٢/٢٣٧، وتوضيح الْمَقَاصِد ٤/١٨٧، والجنى الداني ٣٦١، وجواهر الْأَدَب ٣٣٩، وَشرح قطر الندى ٦٢، وَالْمُغني ١٦، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٤، والهمع ٢/٦، والأشباه والنظائر ٢/١٣٥.
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة: شُرُوط عمل "إِذَنْ"٢: ذهب أَكثر النَّحْوِيين إِلَى أنّ "إِذَنْ" حرف ينصب الْمُضَارع بِثَلَاثَة شُرُوط، وَبَعض النُّحَاة جعلهَا أَرْبَعَة، وَبَعْضهمْ فصّل الشُّرُوط فَجَعلهَا خَمْسَة، وَمن النُّحَاة من اشْترط فِي نصبها المضارعَ ستةَ شروطٍ: الأول: أَن تكون "إِذَنْ" وَاقعَة فِي صدر الْكَلَام: أَي: فِي أوّل الْكَلَام؛ لأنّها حينئذٍ فِي أشرف محالها، فَإِن تَأَخَّرت أُلغيت حتما نَحْو: "أكرمُك إِذَنْ" بِلَا خلاف؛ لأنّ الْفِعْل الْمَنْصُوب لايجوز تَقْدِيمه علىناصبه، أَمّا إِذا توسطت، أَي: وَقعت حَشْوًا فِي الْكَلَام وَذَلِكَ بِأَن اعْتمد مابعدها على ماقبلها، مثل أَن تتوسط بَين الشَّرْط وجزائه، وَبَين الْقسم وَجَوَابه، وَبَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره، وَجب إلغاؤها فِي الصُّور كلّها. _________ ١ - رصف المباني ١٥٧. ٢ - ينظر الْأُصُول ٢/١٤٨، وَشرح الْكتاب للسيرافي ١/٨٤، والإيضاح ٣٢٠، والمقتصد ٢/١٠٥٤، وَشرح الملحة للحريري ٣٤٢، وكشف الْمُشكل ١/٥٤٠، وَابْن يعِيش ٩/١٤، والملخّص ١٣٨، وَشرح الكافية للرضيّ ٢/٢٣٧، وتوضيح الْمَقَاصِد ٤/١٨٧، والجنى الداني ٣٦١، وجواهر الْأَدَب ٣٣٩، وَشرح قطر الندى ٦٢، وَالْمُغني ١٦، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٤، والهمع ٢/٦، والأشباه والنظائر ٢/١٣٥.
1 / 418
فَإِن تقدمها كَلَام وتمّ دونهَا جَازَ أَن تسْتَأْنف بهَا، وتنصب وَيكون جَوَابا، كَمَا لَو لم يتقدمها شَيْء، وَذَلِكَ نَحْو قَول عبد الله بن عَنَمة الضبيّ:
اُرْدُدْ حِمَارَكَ لاتُنْزَعْ سَوِيَّتُهُ إِذَن يُرَدَّ وقَيْدُ العَيرِ مَكْروبُ١
قَالَ ابْن السراج: "فَهَذَا نصْبٌ؛ لأنّ ماقبله من الْكَلَام قد اسْتغنى وتمَّ، أَلا ترى أنّ قَوْله: "اُرْدُدْ حِمَارك لاتُنزعْ سَوِيَّتُهُ" كلامٌ قد تمَّ، ثمّ اسْتَأْنف كأنّه أجَاب من قَالَ: لَا أفعلُ ذَاك، فَقَالَ: "إِذَنْ يُردَّ وقَيدُ العَيرِ مكروبُ" "٢.
الثَّانِي: أَن يكون الْفِعْل الْمُضَارع بعْدهَا مُسْتَقْبلا:
فَإِن كَانَ حَالا فَلَا يُنصب، كَقَوْلِك لمن يُحدّثك: "إِذَنْ أظنُّكَ صَادِقا" فَترفع؛ لأنّه حالٌ، وَالْفِعْل الْمَنْصُوب لايكون إلاّ مُسْتَقْبلا.
قَالَ أَبُو عليّ الشلوبين: "وَهُوَ ألاّ تدخل إلاّ على مُسْتَقْبل، فَإِذا أدخلناها على فعل حالٍ لم تعْمل أصلا وَإِن كَانَت مُتَقَدّمَة؛ لأنّه لَيْسَ فِي الدُّنيا ناصب يدْخل على فعل حالٍ، فَوَجَبَ لَهَا هُنَالك الإلغاء" ٣.
الثَّالِث: ألاّ يُفصل بَين "إِذَنْ" وَالْفِعْل بفاصل:
أَي: أَن يكون الْمُضَارع مُتَّصِلا بهَا لِضعْفِهَا مَعَ الْفَصْل عَن الْعَمَل فِيمَا
_________
١ - الْبَيْت فِي المفضليات ٣٨٣، وَهُوَ من شَوَاهِد الْكتاب ٣/١٤، والمقتضب ٢/١٠، وَالْأُصُول ٢/١٤٨، وَشرح الْكتاب للسيرافي ١/٨٤، والتعليقة ٢/١٣٢، وَشرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ ٢/١٠٠، والصّاحبي ١٩٨، والنكت ١/٦٩٩، وَابْن يعِيش ٧/١٦، وَشرح التسهيل ٤/٢١، وَشرح الكافية ٢/٢٣٨، وَشرح الجزولية ٢/٤٧٨، ورصف المباني ١٥٢.
٢ - الْأُصُول ٢/١٤٨، وَينظر التَّبْصِرَة والتذكرة ١/٣٩٦.
٣ - شرح الجزولية ٢/٤٧٧.
1 / 419
بعْدهَا، فإنْ فُصلت بفاصل بَطل عَملهَا، إلاّ أَن تُفصل بواحدٍ من اثْنَيْنِ، فإنّ الْفَصْل بذلك كَلا فصلٍ، وهما: "الْقسم" و"لَا"، وَأَجَازَ بعض النَّحْوِيين الْفَصْل بِغَيْر ماسبق ذكره، وَهُوَ ماسنوضحه بالتفصيل فِي مَوْضِعه.
وَإِلَى الشُّرُوط الثَّلَاثَة الَّتِي سبق ذكرهَا أَشَارَ ابْن مَالك بقوله١:
وَنَصَبُوا بـ"إِذَنِ" الْمُسْتَقْبلاَ إِنْ صُدِّرَتْ، والْفِعْلُ بَعْدُ مُوصَلاَ
الرَّابِع: أَن تكون جَوَابا أَو فِي تَقْدِير الْجَواب:
قَالَ الزمخشريّ: " و"إِذَنْ" جوابٌ وجزاءٌ، يَقُول الرجل: "أَنا آتِيك"، فَتَقول: "إِذَنْ أُكرمَك"، فَهَذَا الْكَلَام قد أَجَبْته بِهِ وصيرت إكرامَك جَزَاء لَهُ على إِتْيَانه؛ وَقَالَ الزّجاج: (تَأْوِيلهَا إنْ كَانَ الْأَمر كَمَا ذكرت فإنّي أكرمُك"٢.
وَقَالَ السيرافيّ: "وإنّما أردْت إِكْرَاما تُوقِعُه فِي الْمُسْتَقْبل، فَصَارَت بِمَنْزِلَة "أَنْ" فِي وُقُوعهَا للمستقبل من الْأَفْعَال" ٣.
وَقَالَ ابْن هِشَام: "وَالْأَكْثَر أَن تكون جَوَابا لـ"إنْ أَو لَوْ" ظاهرتين أَو مقدرتين" ٤.
الْخَامِس: ألاّ يكون الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا مُعْتَمدًا على مَا قبلهَا٥:
قَالَ الفارسيّ: "فإنِ اعتمَدْتَ بِالْفِعْلِ على شيءٍ قبلهَا رفعْتَ، وَذَلِكَ
_________
١ - ألفية ابْن مَالك ٦٠، وَشرح الألفية لِابْنِ النَّاظِم ٦٦٥، وتوضيح الْمَقَاصِد ٤/١٨٧.
٢ - الْمفصل ٣٢٣، وَابْن يعِيش ٩/١٢، وَانْظُر الْأُصُول ٢/١٤٨، والإيضاح ٣٢٠، والمقتصد ٢/١٠٥٤، وَشرح الملحة للحريري ٣٤٢، وجواهر الْأَدَب ٣٣٩.
٣ - شرح الْكتاب ١/٨٤.
٤ - مُغنِي اللبيب ١٥.
٥ - الْقَائِلُونَ بِهَذَا الشَّرْط هم الْقَائِلُونَ بِالشّرطِ الَّذِي قبله.
1 / 420
قَوْلك: "أَنا إِذَنْ أكرمُك"، تُرفع؛ لأنّ الْفِعْل مُعْتَمد على الِابْتِدَاء الَّذِي هُوَ "أَنا"، وَكَذَلِكَ: "إنْ تكرِمْني إِذَنْ أُكرمْك" "١.
السَّادِس: ألاّ تقع "إِذَنْ" بعد حرف عطف٢:
فَإِن وَقعت بعد حرف عطف كالواو أَو الْفَاء، نَحْو: "وإِذَنْ آتِيك" أَو "فإِذَنْ آتِيك"، جَازَ فِيهَا الْوَجْهَانِ: الإلغاء، والإعمال، والإلغاء أَجود وَأكْثر، وَبِه قَرَأَ القُرّاء.
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة: مَعْنَاهَا٣: قَالَ سِيبَوَيْهٍ: "وأمّا "إِذَنْ" فجوابٌ وجزاءٌ" ٤. قَالَ أَبُو حيّان: "وتحرير معنى "إِذَنْ" صعبٌ، وَقد اضْطربَ النّاس فِي مَعْنَاهَا، وَقد نصَّ سِيبَوَيْهٍ على أنّ مَعْنَاهَا: "الجوَابُ والجزاءُ"، وَاخْتلف النحويون فِي فهم كَلَام سِيبَوَيْهٍ" ٥. نعم اخْتلف النحويون فِي فهم مَعْنَاهَا، وَالَّذِي يظْهر من لَفظه أنّها حَيْثُمَا _________ ١ - الْإِيضَاح ٣٢٠. ٢ - اشْترط هَذَا الشَّرْط الحيدرة اليمني فِي كشف الْمُشكل ١/٥٤٠، والأندلسيّ فِي شرح الْمفصل، ينظر الْأَشْبَاه والنظائر ٢/١٣٥. ٣ - ينظر الْكتاب ٤/٢٣٤، وَابْن يعِيش ٩/١٣، وَشرح الْجمل لِابْنِ عُصْفُور ٢/١٧٠، ١٧١، وَشرح الجزولية ٢/٤٧٧، وَشرح الكافية ٢/٢٣٦، والارتشاف ٤/١٦٥٤، ورصف المباني ١٥١، والجنى الداني ٣٦٤، وَالْمُغني ١٥، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٤، والهمع ٢/٦، ودراسات لأسلوب الْقُرْآن ١/٦٤. ٤ - الْكتاب ٤/٢٣٤، وَينظر الصّاحبي ١٩٨. ٥ - الْبَحْر الْمُحِيط ١/٤٣٤.
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة: مَعْنَاهَا٣: قَالَ سِيبَوَيْهٍ: "وأمّا "إِذَنْ" فجوابٌ وجزاءٌ" ٤. قَالَ أَبُو حيّان: "وتحرير معنى "إِذَنْ" صعبٌ، وَقد اضْطربَ النّاس فِي مَعْنَاهَا، وَقد نصَّ سِيبَوَيْهٍ على أنّ مَعْنَاهَا: "الجوَابُ والجزاءُ"، وَاخْتلف النحويون فِي فهم كَلَام سِيبَوَيْهٍ" ٥. نعم اخْتلف النحويون فِي فهم مَعْنَاهَا، وَالَّذِي يظْهر من لَفظه أنّها حَيْثُمَا _________ ١ - الْإِيضَاح ٣٢٠. ٢ - اشْترط هَذَا الشَّرْط الحيدرة اليمني فِي كشف الْمُشكل ١/٥٤٠، والأندلسيّ فِي شرح الْمفصل، ينظر الْأَشْبَاه والنظائر ٢/١٣٥. ٣ - ينظر الْكتاب ٤/٢٣٤، وَابْن يعِيش ٩/١٣، وَشرح الْجمل لِابْنِ عُصْفُور ٢/١٧٠، ١٧١، وَشرح الجزولية ٢/٤٧٧، وَشرح الكافية ٢/٢٣٦، والارتشاف ٤/١٦٥٤، ورصف المباني ١٥١، والجنى الداني ٣٦٤، وَالْمُغني ١٥، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٤، والهمع ٢/٦، ودراسات لأسلوب الْقُرْآن ١/٦٤. ٤ - الْكتاب ٤/٢٣٤، وَينظر الصّاحبي ١٩٨. ٥ - الْبَحْر الْمُحِيط ١/٤٣٤.
1 / 421
تُوجد يكون مَعْنَاهَا الْجَواب وَالْجَزَاء مَعًا، وَهَذَا مَا فهمه الْأُسْتَاذ أَبُو عليّ الشلوبين١، حَيْثُ حمل كَلَام سِيبَوَيْهٍ على ظَاهره، وتكلّف فِي كلّ مَكَان وَقعت فِيهِ أنّها جوابٌ وجزاءٌ.
أمّا أَبُو عليّ الفارسيّ فإنّه فهم من كَلَام سِيبَوَيْهٍ أنّها قد تَرِدُ لَهما، وَهُوَ الْأَكْثَر، وَقد تتمحض للجواب فَقَط، نَحْو: أَن يَقُول لَك الْقَائِل: "أحبُّك"، فَتَقول: "إِذَنْ أَظُنُّكَ صَادِقا" فَلَا يتصوّر هُنَا الْجَزَاء٢.
قَالَ المالقيّ: "وَالصَّحِيح أنّها شَرط فِي موضعٍ، وَجَوَاب فِي موضعٍ، وَإِذا كَانَت شرطا فَلَا تكون إلاّ جَوَابا، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُوم من كَلَام سِيبَوَيْهٍ، لأنّه لم ينصّ على أنّهما مَعًا فِي موضعٍ واحدٍ".
وَقد ردَّ ابْن عُصْفُور على شَيْخه الْأُسْتَاذ أبي عليّ الشلوبين فِي تكلّفه لِمَعْنى "إِذَنْ"، بقوله: "ففهم الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ الشلوبين هَذَا على أنّه شَرط وَجَوَاب، وَأخذ الْجَزَاء بِمَعْنى الشَّرْط، وَالْجَوَاب جَوَابه فَحَيْثُمَا جَاءَت قدرهَا بفعلي الشَّرْط وَالْجَزَاء؛ فَإِذا قلت لمن قَالَ لَك: "أَنا أزورُك"، "إِذَنْ أُكرمَك"، فَمَعْنَاه: إِنْ تَزُرْني أكرمْك.
فلمّا أَخذهَا هَذَا المأخذ اضْطر إِلَى هَذَا التَّقْدِير فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ ٣، فَلَمَّا قدّر: إِن كنتُ فعلتُها فَأَنا ضالٌّ، جَاءَهُ إِثْبَات الضلال لمُوسَى ﵇؛ قَالَ: وَلم يرد إِثْبَات الضلال لنَفسِهِ، فأثار إشْكَالًا
_________
١ - شرح الجزولية ٢/٤٧٧.
٢ - التكملة ٥٦٣، وَينظر رصف المباني ١٥١.
٣ - سُورَة الشُّعَرَاء، آيَة "٢٠".
1 / 422
على فهمه، فَكَانَ انْفِصَاله عَن هَذَا بأنْ قَالَ: معنى قَوْله: ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ ١، أَي: بأنعمي، فَقَالَ لَهُ مُوسَى ﵇: إنْ كنتُ فعلتُها كَافِرًا بنعمتك فَأَنا من الضَّالّين، أَي: من الْجَاهِلين بأنّ الوكزة تقضي على القبطيّ".
ثمَّ قَالَ ابْن عُصْفُور: "وَكَلَامه معترَضٌ فِي هَذَا بيِّنُ الِاعْتِرَاض؛ لأنّه بنى الْأَمر على أنّ " إِذَنْ" شَرط وَجَوَاب، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إنّما هِيَ جوابٌ بِمَعْنى أنّها لاتقال مُبتَدأَة، ولابدّ أَن يتقدمها كَلَام، فَلَا تَقول أبدا: "إِذَنْ أزورَك" ابْتِدَاء، فَهِيَ جَوَاب وَتَكون جَزَاء، وَلَا يلْزم أَن يكون ذَلِك فِيهَا مجموعًا" ٢.
وَقد بيّن ابْن هِشَام الأنصاريّ مَتى تكون "إِذَنْ" جَوَابا؟ بقوله: "وَالْأَكْثَر أَن تكون جَوَابا لـ"إِنْ" أَو "لَو" ظاهرتين أَو مقدرتين" ٣.
وخلاصة القَوْل إنّ "إِذَنْ" تكون جَوَابا وَجَزَاء، فقد يجْتَمع فِيهَا هَذَانِ، وَقد ينْفَرد أَحدهمَا، فَإِذا قلت لمن قَالَ لَك: "أَنا أزورُك"، "إِذَنْ أُكرمَك"، فَهَذَا جوابٌ وجزاءٌ؛ وَإِذا قَالَ لَك: "أُحبُّك"، فَتَقول لَهُ: "إِذَنْ أظنُّك صَادِقا"، فَهَذَا جَوَاب لاجزاء مَعَه، فعلى هَذَا لاتخلو من الجوابِ، وَتَكون فِي بعض الْمَوَاضِع جَزَاء.
_________
١ - سُورَة الشعرا، آيَة "١٩".
٢ - شرح الْجمل لِابْنِ عُصْفُور ٢/١٧٠، ١٧١.
٣ - الْمُغنِي ١٥، ١٦.
1 / 423
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة: حكم "إِذن" إِذا وَقعت بَين شَيْئَيْنِ متلازمين
...
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة:
حكم"إِذَنْ"إِن وَقعت بَين شَيْئَيْنِ متلازمين١:
اشْترط النُّحَاة فِي عمل "إِذَنْ" أَن تكون فِي صدر الْكَلَام، فَإِن وَقعت حَشْوًا فِي الْكَلَام بأَنِ اعْتمد مابعدها على ماقبلها أُهملت، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: "وَاعْلَم أنّ "إِذَنْ" إِذا كَانَت بَين الْفِعْل وَبَين شيءٍ الفعلُ معتمدٌ عَلَيْهِ فإنّها مُلغاةٌ لاتَنصب الْبَتَّةَ، كَمَا لاتَنصب "أُرى" إِذا كَانَت بَين الْفِعْل وَالِاسْم فِي قَوْلك: "كَانَ أُرى زيدٌ ذَاهِبًا"، وكما لاتعمل فِي قَوْلك: "إنّي أُرى ذاهبٌ"، فـ"إِذَنْ" لاتصل فِي ذَا الْموضع إِلَى أَن تنصب كَمَا لاتصل "أُرى" هُنَا إِلَى أَن تنصب، فَهَذَا تَفْسِير الْخَلِيل، وَذَلِكَ قَوْلك: "أَنا إِذَنْ آتِيك"، فَهِيَ هَهُنَا بِمَنْزِلَة "أُرى" حَيْثُ لاتكون إلاّ ملغاةً، وَمن ذَلِك أَيْضا قَوْلك: "إنْ تأتني إِذَنْ آتِك"؛ لأنّ الْفِعْل هَهُنَا معتمدٌ على ماقبل "إِذَنْ" "٢.
وَقد حدد النُّحَاة إهمالها فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع:
الأول: أَن يكون مابعدها جَوَابا للشّرط الَّذِي قبل "إِذَنْ"، نَحْو: "إنْ تأتِني إِذَنْ أكرمْك"، فتجزم "أكرمْك" لأنّه جَوَاب الشَّرْط، وَلَا تَأْثِير لـ"إِذَنْ".
وَمن ذَلِك أَيْضا جعل الرّضيّ الْبَيْت السَّابِق: (اُرْدُدْ حِمَارَكَ.. إِذَنْ يُرَدّْ..)؛ إِذْ قَالَ: "يجوز على مَذْهَب الكسائيّ أَن يكون "لايرتعْ" مَجْزُومًا بِكَوْن
_________
١ - ينظر الْكتاب ٣/١٤، والمقتضب ٢/١١، والتبصرة والتذكرة ١/٣٩٦، وَابْن يعِيش ٧/١٦، وَشرح الجزولية ٢/٤٧٩، وَشرح الكافية ٢/٢٣٨، ورصف المباني ١٥٤، والارتشاف ٤/١٦٥٢، والتذكرة ٥٥٩، والجنى الداني ٣٦١، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٤، والهمع ٢/٧.
٢ - الْكتاب ٣/١٤.
1 / 424
"لَا" فِيهِ للنَّهْي لَا أنّه جَوَاب الْأَمر، و"يُردّْ" مَجْزُومًا لَا مَنْصُوبًا بِكَوْنِهِ جَوَابا للنَّهْي كَمَا هُوَ مذْهبه فِي نَحْو قَوْلك: "لَا تكفرْ تدخلِ النّار" أَي: إنْ تكفرْ تدخلِ النّار، فَيكون الْمَعْنى: لايرتعْ إِنْ يرتعْ يُردّْ" ١.
الثَّانِي: أَن يكون مابعدها جَوَابا للقسم الَّذِي قبلهَا، إمّا مَذْكُور، نَحْو: "وَالله إِذَنْ لَا أفعلُ"، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: "وَمن ذَلِك أَيْضا: "وَالله إِذَنْ لَا أفعلُ"، من قِبَلِ أنّ "أفعلُ" معتمدٌ على الْيَمين، و"إِذَنْ" لغوٌ " ٢.
وإمّا مُقَدّر، كَقَوْل كُثَيِّر عَزَّةَ:
لَئِنْ عَادَ لي عبدُ الْعَزِيز بمثْلِها ... وأمْكَنَنِي مِنْهَا إِذَنْ لَا أَقِيلُها٣
فـ (لَا أقيلُها) مَرْفُوع؛ لأنّ "إِذَنْ" لم تتصدر لكَونهَا جَوَاب الْقسم الْمُقدر الْمُوَطَّأ عَلَيْهِ بِاللَّامِ الدَّاخِلَة على "أَنْ" فِي أول الْبَيْت، وَالتَّقْدِير: وَالله لَئِنْ.
الثَّالِث: أَن يكون مابعدها خَبرا للمبتدأ الَّذِي قبلهَا، نَحْو: "أَنا إِذَنْ أكرمُك"
قَالَ المالقيّ: "وَتقول فِي الْمُبْتَدَأ: "زيدٌ إِذَنْ يكرمُك"، فـ"يكرمُك"، مَرْفُوع؛ لأنّه خبر عَن "زيد"، وَكَذَلِكَ حكمه فِي خبر مايدخل على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، من "كَانَ" أَو "إِنّ" وشبههما، كَقَوْلِك: "كَانَ زيدٌ إِذَنْ يكرمُك" و"إنّ زيدا إِذَنْ يكرمُك"، و"ظَنَنْت زيدا إِذَنْ يكرمُك"؛ لأنّ الْمَفْعُول الثَّانِي فِي "بَاب ظَنَنْت" حكمه أَن يكون خَبرا للمبتدأ فِي الأَصْل، فَهُوَ كَخَبَر "كَانَ" و"إنّ" "٤.
_________
١ - شرح الكافية ٢/٢٣٨ - ٢٣٩.
٢ - الْكتاب ٣/١٤.
٣ - فِي ديوانه٣٠٥، وَهُوَ من شَوَاهِد الْكتاب٣/١٥، وَابْن يعِيش٩/١٣، ورصف المباني ١٥٤، وَشرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ ٢/١٤٤، والجُمل ١٩٥، وَشرح الألفية لِابْنِ النَّاظِم ٦٦٩ وَالْمُغني١٥، وَالتَّصْرِيح٢/٢٣٤، والهمع٢/٧، وشواهد الْمُغنِي للسيوطي١/٦٣، والأشموني ٣/٢٨٨،.
٤ - رصف المباني ١٥٤.
1 / 425
وَهَذِه الصُّورَة موضِعُ خِلافٍ بَين الْبَصرِيين والكوفيين، فمذهب الْبَصرِيين أنّه لايجوز الإعمال، وفصّل الْكُوفِيُّونَ فَأجَاز هِشَام النصب وَالرَّفْع بعد الْمُبْتَدَأ، وأجازهما الكسائيّ بعد اسْم "إنّ"، وَبعد اسْم "كَانَ"، وَوَافَقَهُ الْفراء فِي "إنّ"، وَخَالفهُ فِي "كَانَ" فَأوجب الرّفْع، ونصّ الْفراء على وجوب الرّفْع بعد "ظنّ"، قَالَ أَبُو حَيَّان: " وَقِيَاس قَول الكسائيّ جَوَاز الْوَجْهَيْنِ " ١، لذَلِك اخْتلف الْفَرِيقَانِ فِي قَول الشَّاعِر:
لاتَترُكَنِّي فِيهُمُ شَطِيرا ... إِنّي إِذَنْ أَهْلِكَ أَو أَطِيرا٢
فتأوّله البصريون على أنّه شاذٌّ، أَو إِنْ صحت الرِّوَايَة فإنّه على أحد وَجْهَيْن:
إمّا أَن يَجْعَل "إِذَنْ أَهْلِكَ" جملَة فِي مَوضِع خبر "إنّ"، وإمّا أَن يكون خبر "إنّي" محذوفًا، أَي: إنّي لاأستطيع، أَو لَا أقدر عَلَيْهِ، أَو إنّي أُذلّ، ثمَّ اسْتَأْنف بـ"إِذَنْ" فنصب الْفِعْل بعد تَمام الأول بِخَبَرِهِ؛ أَمّا الْكُوفِيُّونَ فبنوا على هَذَا الْبَيْت مسائلهم.
قَالَ رضيّ الدّين فِي نِهَايَة هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة الَّتِي تقع فِيهَا "إِذَنْ" حَشْوًا: "وَلَا يَقع الْمُضَارع بعد "إِذَنْ" فِي غير هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة مُعْتَمدًا على مَا قبلهَا بالاستقراء، بل تقع متوسطة فِي غير هَذِه الْمَوَاضِع، نَحْو: "يقتلُ إِذَنْ
_________
١ - الارتشاف ٤/١٦٥٢، وَينظر التَّذْكِرَة ٥٥٩، والهمع ٢/٧.
٢ - الْبَيْت بِلَا نِسْبَة وَهُوَ فِي مَعَاني الْقُرْآن للفراء ٢/٣٣٨، وَشرح الْكتاب للسيرافي ١/٨٦، وَشرح الجزولية ٢/٤٧٩، وَابْن يعِيش ٧/١٧، والمقرب ١/٢٦١، وَشرح الكافية ٢/٢٣٨، وَشرح التسهيل٤/٢١، ورصف المباني ١٥٤، والارتشاف ٤/١٦٥٣، والجنى الداني ٣٦٢، والمساعد ٣/٧٦، وَالْمُغني ١٦، وَشرح الكافية الشافية ٣/١٥٣٧، والهمع ٢/٧، وشواهد الْمُغنِي للسيوطي ١/٧٠.
1 / 426
زيدٌ عمرا"، و"لِبئْسَ الرجلُ إِذَنْ زيدٌ" وَنَحْوه" ١.
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة: حكم "إِذن" إِذا فصل بَينهمَا وَالْفِعْل بفاصل ... الْمَسْأَلَة السَّادِسَة: حكم "إِذَنْ" إِذا فُصل بَينهَا وَالْفِعْل بفاصلٍ٢: ذهب النُّحَاة إِلَى أنّه لايجوز الْفَصْل بَين "إِذَنْ" ومنصوبها؛ لِضعْفِهَا مَعَ الْفَصْل عَن الْعَمَل فِيمَا بعْدهَا، إلاّ أنّهم اغتفروا الْفَصْل بالقسم، نَحْو: "إِذَنْ وَالله أجيئَك"، وَمِنْه قَول حسان بن ثَابت: إِذَنْ واللهِ نرميَهُمْ بحربٍ تُشيبُ الطّفلَ من قبْلِ المَشيبِ٣ أَو الْفَصْل بـ"لَا" النافية، نَحْو: "إِذَنْ لاأكرمَك"، وَمِنْه قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود: ﴿ِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ ٤. وَمَا عدا ذَلِك اخْتلف النُّحَاة فِيهِ، فَأجَاز ابْن بابشاذ٥ الفصلَ بالدّعاء، والنِّداء، وَوَافَقَهُ الرضيّ٦، نَحْو: "إِذَنْ – يَغفِرُ اللهُ لكَ – يُدخِلَك الجنّة"، وَنَحْو: _________ ١ - شرح الكافية ٢/٢٣٩. ٢ - ينظر شرح التسهيل ٤/٢٢، وَشرح الكافية ٢/٢٣٧، والمقرب ١/٢٦٢، ورصف المباني ١٥٣، والارتشاف ٤/١٦٥٣، والتذكرة ٥٥٩، والجنى الداني ٣٦٢، وَالْمُغني ١٦، والمساعد ٣/٧٤، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٥، والهمع ٢/٦، والملخّص ١٣٨. ٣ - فِي ديوانه ٣٧١، وَهُوَ من شَوَاهِد الارتشاف ٤/١٦٥٣، وَشرح شذور الذَّهَب ٢٩١، وَشرح قطر الندى ٦٢، وشواهد الْمُغنِي للسيوطيّ ٢/٩٧٠، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٥، والأشموني ٣/٢٨٩. ٤ - سُورَة النِّسَاء آيَة ٥٣، وَانْظُر مُخْتَصر شواذ الْقُرْآن ٢٩. ٥ - ينظر الارتشاف ٤/١٦٥٣، والجنى الداني ٣٦٢. ٦ - شرح الكافية ٢/٢٣٧.
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة: حكم "إِذن" إِذا فصل بَينهمَا وَالْفِعْل بفاصل ... الْمَسْأَلَة السَّادِسَة: حكم "إِذَنْ" إِذا فُصل بَينهَا وَالْفِعْل بفاصلٍ٢: ذهب النُّحَاة إِلَى أنّه لايجوز الْفَصْل بَين "إِذَنْ" ومنصوبها؛ لِضعْفِهَا مَعَ الْفَصْل عَن الْعَمَل فِيمَا بعْدهَا، إلاّ أنّهم اغتفروا الْفَصْل بالقسم، نَحْو: "إِذَنْ وَالله أجيئَك"، وَمِنْه قَول حسان بن ثَابت: إِذَنْ واللهِ نرميَهُمْ بحربٍ تُشيبُ الطّفلَ من قبْلِ المَشيبِ٣ أَو الْفَصْل بـ"لَا" النافية، نَحْو: "إِذَنْ لاأكرمَك"، وَمِنْه قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود: ﴿ِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ ٤. وَمَا عدا ذَلِك اخْتلف النُّحَاة فِيهِ، فَأجَاز ابْن بابشاذ٥ الفصلَ بالدّعاء، والنِّداء، وَوَافَقَهُ الرضيّ٦، نَحْو: "إِذَنْ – يَغفِرُ اللهُ لكَ – يُدخِلَك الجنّة"، وَنَحْو: _________ ١ - شرح الكافية ٢/٢٣٩. ٢ - ينظر شرح التسهيل ٤/٢٢، وَشرح الكافية ٢/٢٣٧، والمقرب ١/٢٦٢، ورصف المباني ١٥٣، والارتشاف ٤/١٦٥٣، والتذكرة ٥٥٩، والجنى الداني ٣٦٢، وَالْمُغني ١٦، والمساعد ٣/٧٤، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٥، والهمع ٢/٦، والملخّص ١٣٨. ٣ - فِي ديوانه ٣٧١، وَهُوَ من شَوَاهِد الارتشاف ٤/١٦٥٣، وَشرح شذور الذَّهَب ٢٩١، وَشرح قطر الندى ٦٢، وشواهد الْمُغنِي للسيوطيّ ٢/٩٧٠، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٥، والأشموني ٣/٢٨٩. ٤ - سُورَة النِّسَاء آيَة ٥٣، وَانْظُر مُخْتَصر شواذ الْقُرْآن ٢٩. ٥ - ينظر الارتشاف ٤/١٦٥٣، والجنى الداني ٣٦٢. ٦ - شرح الكافية ٢/٢٣٧.
1 / 427
"إِذَنْ – يازيدُ – أحسنَ إِلَيْك"، وَوَافَقَهُمَا ابْن أبي الرّبيع القرشيّ فِي النِّداء فَقَط١.
وَأَجَازَ بعض النَّحْوِيين مِنْهُم ابْن عُصْفُور٢، والمالقيّ٣، والأبّديّ٤ الْفَصْل بالظرف، أَو الْمَجْرُور، نَحْو: "إِذَنْ - يومَ الْجُمُعَة - أُكرمَك"، وَنَحْو: "إِذَنْ - فِي الدَّار - آتيَك".
وَأَجَازَ الكسائيّ، وَالْفراء، وَهِشَام، الْفَصْل بَين "إِذَنْ" وَالْفِعْل بمعمول الْفِعْل، نَحْو: "إِذَنْ زيدا أُكرمَُ"، و"إِذَنْ فِيك أرغبَُ"، فَفِي الْفِعْل حينئذٍ وَجْهَان: الرّفْع وَاخْتَارَهُ الْفراء وهشامٌ، وَالنّصب وَاخْتَارَهُ الكسائيّ٥.
وَجُمْهُور النَّحْوِيين لايرون فِي هَذَا وَنَحْوه إلاّ الرفعَ لوُجُود الْفَصْل، واغتفروا الْفَصْل بالقسم، وبـ"لَا" النافية كَمَا سبق ذكره.
تَنْبِيه: قَالَ أَبُو حيّان: "لَو قدمت مَعْمُول الْفِعْل على "إِذَنْ" نَحْو: "زيدا إِذَنْ أُكرمَُ" جَازَ ذَلِك عِنْد الكسائيّ وَالْفراء، إلاّ أنّ الْفراء يُبطل عَملهَا، والكسائيَّ يُجِيز الْإِبْطَال والإعمال، وَلَا نصَّ عِنْد الْبَصرِيين أحفظه فِي ذَلِك، وَالَّذِي تَقْتَضِيه قواعدهم الْمَنْع" ٦.
_________
١ - الملخّص ١٣٨.
٢ - المقرب ١/٢٦٢.
٣ - رصف المباني ١٥٣.
٤ - ينظر الارتشاف ٤/١٦٥٣، والمساعد ٣/٧٤.
٥ - ينظر الارتشاف ٤/١٦٥٤، والجنى الداني ٣٦٣، وَالْمُغني ١٦، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٥، والهمع ٢/٧.
٦ - الارتشاف ٤/١٦٥٤.
1 / 428
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة:
حكم"إِذَنْ"الْوَاقِعَة بَين حرف الْعَطف وَالْفِعْل الْمُسْتَقْبل١:
اعْلَم أنّ "إِذَنْ" إِن وَقعت بَين حرف الْعَطف وَالْفِعْل الْمُسْتَقْبل، كنت فِيهَا بِالْخِيَارِ، إِن شِئْت أعملتها، وَإِن شِئْت ألغيتها، وَهُوَ الْأَكْثَر والأجود، وَفِي الْمَسْأَلَة صُورَتَانِ:
الأولى: نَحْو قَوْلك: "فإِذَنْ أُحسنُ إِلَيْك" جَوَابا لمن قَالَ: "أزورُكَ"، جَازَ فِيهَا الْوَجْهَانِ، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: "وَاعْلَم أنّ "إِذَنْ" إِذا كَانَت بَين "الْفَاء وَالْوَاو" وَبَين الْفِعْل، فإنّك فِيهَا بِالْخِيَارِ، إِن شِئْت أعملتها ...، وَإِن شِئْت ألغيت "إِذَنْ" ...، فأمّا الِاسْتِعْمَال فقولك: "فإِذَنْ آتيَك، وإِذَنْ أُكرمَك" ...، وأمّا الإلغاء فقولك: "فإِذَنْ لَا أجيئُك" "٢.
فالإلغاء بِالرَّفْع على اعْتِبَار كَون مابعد العاطف من تَمام ماقبله بِسَبَب ربطِ حرفِ العطفِ الْكَلَام بعضه ببعضٍ، فَصَارَت "إِذَنْ" بذلك متوسطةً.
والإعمال وَهُوَ نصب الْفِعْل بِاعْتِبَار كَون مابعد العاطف جملَة مُسْتَقلَّة، وَالْفِعْل فِيهَا بعد "إِذَنْ" غير مُعْتَمد على ماقبلها، وعَلى هَذَا الْوَجْه خرّج النُّحَاة
_________
١ - ينظر الْكتاب ٣/١٣، والمقتضب ٢/١١، ومعاني الْقُرْآن للفراء ١/٢٧٣، والكشاف ٢/٣٧١، والتبصرة والتذكرة ١/٣٩٧، والإيضاح فِي شرح الْمفصل ٢/٢٦٤، وَابْن يعِيش ٧/١٦، وَشرح التسهيل ٤/٢١، وَشرح الكافية ٢/٢٣٧، ٢٣٩، وَشرح الجزولية ٢/٤٨٠، وجواهر الْأَدَب ٣٤٠، ورصف المباني ١٥٥، والارتشاف ٤/١٦٥١، وَالتَّصْرِيح ٢/٢٣٥، ودراسات لأسلوب الْقُرْآن ١/٥٥، ٥٦.
٢ - الْكتاب ٣/١٣.
1 / 429