Issues in Which the Messenger of Allah Contradicted the People of Ignorance
مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية
اصناف
الرد على المجوزين لدعاء الأولياء باسم التوسل
فيرد عليهم من وجوه: الأول: في هذه الآية نحن نوافقكم على التقعيد الذي قعدتموه في هذه الآية، ودائمًا أهل البدع -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - لهم رونق في الكلام، فيؤثرون على الناس بحلو الكلام، وأيضًا لهم تقعيدات علمية.
فقد قعدوا قاعدة نحن نتفق عليها معهم، وهي: أن الأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد، فنقول لهم: هذه القاعدة نحن نوافقكم عليها، لكن لا نوافقكم على التطبيق، فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة:٢٧٨] فالتقوى تأتي منفردة وتأتي مجتمعة، فإذا أتت منفردة فلها معنى، وإذا أتت مجتمعة مع الأمر بالطاعات فلها معنى آخر.
فإذا جاءت منفردة فهي: ترك المحظور وفعل المأمور، أما إذا جاءت مجتمعة مع الأمر بالطاعات فيكون الأمر بالطاعات مستقلًا بذاته، والتقوى: ترك المحظور.
فالتقوى في هذه الآية جاءت مجتمعة مع الأمر بالطاعات، والدليل قوله تعالى بعدها: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة:٣٥]، فيكون المعنى: انتهوا عن المحظور وافعلوا الطاعات، والذي يدل على ذلك هو التأكيد على فرد من أفراد العموم، وهو قوله تعالى: «وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ»، فهذا فرد من أفراد العموم، فإن من أفعال الطاعات الصلاة والزكاة والجهاد في سبيل الله وقيام الليل وغيرها.
فنرى هنا أن هذه الآية ذكرت فيها التقوى مقترنة مع الطاعة، فيكون معناها: ترك المحظور فقط، ولا نوافقكم على ما قلتم من أن معناها: ترك المحظور وفعل المأمور.
هذا الوجه الأول من الرد على استدلالهم بهذه الآية، فلا دليل فيها على مسألة التوسل بالذات.
الوجه الثاني في الرد عليهم: أن هذه الآية نزلت على رسول الله ﷺ، ثم قرئت على الصحابة، فلو كان الفهم الذي فهمتموه قد فهمه رسول الله ﷺ لبين لنا هذا التفسير، وإلا فقد قصر رسول الله ﷺ عن البيان، فإن الله جل في علاه أمره أمرًا حازمًا بقوله: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل:٤٤]، فلو كان الأمر على ما فهمتم لكان لزامًا وواجبًا وحتمًا على رسول الله أن يبين لنا هذا الأمر، فيقول: قول الله تعالى: «وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» أي: بالذات، لكن النبي ﷺ لم يقل ذلك.
وأيضًا لو فهم الصحابة هذا الفهم كحبر الأمة ابن عباس أو علي بن أبي طالب الفقيه أو عمر بن الخطاب أو أبو بكر ﵃ لنقل عن واحد منهم ولو بسند ضعيف أنه قال هذا القول، أو فهم هذا الفهم، فنقعد هنا قاعدة وهي: أنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه، فيكون إذًا هذا الفهم فهمًا خلفيًا لا يمكن أن نأخذ به دون الفهم السلفي، وأما الفهم السلفي فهو أن نتوسل لله بالدعاء كما بين النبي ﷺ، أو أن نتوسل بالله، أي: بذاته أو أسمائه الحسنى أو صفاته العلى أو بفعاله.
الوجه الثالث من الرد عليهم: إن الله جل في علاه قد أمر رسوله بالتوحيد، وأمرنا بحفظ جناب التوحيد، وقد حذر النبي ﷺ أمته أيما تحذير من أساليب الشرك وأسبابه، وحسم كل هذه المواد، حتى إنه سمع رجلًا يقول: (من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى)، فغضب النبي ﷺ من أجل جناب التوحيد، وقال: (بئس خطيب القوم أنت، أجعلتني لله ندًا؟) يعني: في الذكر، وهو ما جعل النبي ﷺ ندًا، وإنما جمعهما في ضمير واحد فقط لما قال: ومن يعصهما، فقال: (بئس خطيب الأمة أنت أجعلتني لله ندًا؟!) حفظًا لجناب التوحيد.
ولما جاء إلى القوم وقالوا له: (أنت سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، قال ﷺ: قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان)، وقال ﷺ: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم) كل ذلك حفظًا لجناب التوحيد.
فنقول: هذا فعل النبي ﷺ، وهذا وحي الله جل في علاه بين أيدينا لنحفظ جناب التوحيد، فإذا قلنا بقولكم لم نحفظ جناب التوحيد؛ لأنه من اللوازم الباطلة لهذا التفسير: أننا سنتخذ وسائل ووسائط بيننا وبين الله جل في علاه، فنجعل هذا الميت وسيطًا بيننا وبين الله، فنذهب إليه ونقول: يا بدوي! استغفر لي، ويا بدوي! ادع الله أن يرزقني، يا بدوي! ادع الله أن يكشف عني الغمة والكربة، فهذا لازم تفسيركم، فلو أن الرجل ذهب إلى البدوي اليوم وغدًا وبعد الغد فإنه سيعتقد في البدوي ما لا يُعتقد إلا في الله، فيعتقد أن البدوي هو الذي يكشف عنه الكربات لا سيما إذا أراد الله به فتنة، اللهم اعصمنا من كل الفتن، فإن كثيرًا ممن يختبرهم الله من العباد ممن يذهب يدعو عند الميت يستجيب الله لهم الدعاء عند الميت؛ استدراجًا منه جل في علاه، فيستهويه الشيطان حتى يعتقد بأن البدوي هو الذي يكشف الكربة، وأن البدوي هو الذي يرزق، ثم بعد ذلك يسجد للبدوي دون الله جل في علاه، فأصبح لهذا التفسير لوازم باطلة، وهو ذريعة إلى الشرك بالله جل في علاه، فيبطل بذلك الاستدلال بهذه الآية على ذلك.
الدليل الثاني الذي استدلوا به: قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء:٦٤].
فنقول: هذه الآية لها سبب نزول، وهو: أن الله جل في علاه تكلم عن المنافقين فقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [النساء:٦٠].
فالمنافقون هم الذين أنزل الله فيهم هذه الآية.
فإذا قال المخالف: نعم لها سبب نزول ولكن القاعدة الأصولية تقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قلنا: نعم، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فإذا قال: إذًا أنا آخذ بهذا العموم «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا» فهي تعم المنافقين وغير المنافقين الذين يأتون إلى النبي فيقولون: يا رسول الله! استغفر لنا ربك، فيستغفر لهم فيغفر الله لهم.
قلنا: الرد على هذا من خمسة وجوه، ونلخصها في ثلاثة: أولًا: إن (إذ) إذ ظرف زمان للماضي، فلا دليل لكم فيه؛ فحيث كانت ظرف زمان للماضي فلا يجوز لكم أن تذهبوا إلا في حياة النبي ﷺ ليستغفر لكم.
الوجه الثاني: صحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن القاعدة الثانية وهي أهم تقول: إن السياق من المفسرات والمقيدات، فسياق الآية وهو قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا﴾ [النساء:٦٠]، فمقدمة الآية عن المنافقين، ومؤخرة الآية قوله تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ [النساء:٦٣] تتحدث عن المنافقين، فهذا السياق في المقدمة والمؤخرة يبين أن كل هذا الكلام عن المنافقين الذين نافقوا في عصر النبي ﷺ، فالسياق يقيد هذا العموم ويخصصه؛ لأن السياق حاكم، بل إن بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية يقولون: إن السياق أقوى في الدلالة من اللفظ نفسه، فالسياق ابتدئ بالكلام عن المنافقين، وانتهى الكلام عن المنافقين، فدل ذلك على أن هذه الآية تختص بهؤلاء المنافقين، وأنهم لو جاءوا في حياة النبي ﷺ واستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا.
الوجه الثالث في الرد عليهم: فهم الصحابة، فلو كان ما فهمتوه خيرًا لسبقونا إليه.
الوجه الرابع: أننا لو فسرنا الآية بتفسيركم هذا للزم من ذلك لوازم باطلة، بل من أبطل الباطل، منها: أن الله يأمر بما نهى عنه النبي ﷺ، فيقول: تعالوا إلى الرسول وهو ميت ليستغفر لكم، والنبي ﷺ قال: (لا تجعلوا قبري وثنًا يعبد) وهذا محال؛ ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ﴾ [النجم:٤]، فالقرآن والسنة صنوان، قال ﷺ: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)، ويقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء:٨٧]، ويقول: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء:١٢٢]، فلا يمكن أن يأمر بأمر ثم يأتي بالمضاد على لسان نبيه ﷺ.
واللازم الثاني من اللوازم الباطلة: أنه يهدم جناب التوحيد؛ لأننا لو قلنا بقولكم فإن الإنسان إذا حج أو اعتمر يجوز له أن يذهب إلى قبر النبي ﷺ فيقول: السلام عليك يا رسول الله! السلام عليك يا أبا بكر! السلام عليك يا عمر! ثم يرجع إلى النبي ﷺ فيقول: يا رسول الله! استغفر لي ربي، وافعل كذا وكذا؛ فأنت من النور مخلوق وأنت وأنت ثم يتذكر قول القائل: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم فيكون لا حاجة لله؛ لأن كل شيء للنبي ﷺ، فيتذكر ذلك فيقع في الغلو في رسول الله ﷺ، ويقع في هدم جناب التوحيد، وفي النهي الذي نهاه النبي صلى بقوله: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم).
وأما الرد على الحديث: فلو قالوا: إن قولهم هذا هو ما فهمه الصحابة، وهو أن: عثمان بن عفان في خلافته جاءه رجل أعمى
4 / 8