Issues in Which the Messenger of Allah Contradicted the People of Ignorance
مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية
اصناف
حال الصحابة مع الحكام والظلمة والفسقة
السؤال الثاني: فإن قلنا: إنها مقيدة، فكيف إذا ظهر منه الفسق والمعصية؟
و
الجواب
أنه يطاع وإن أعلن الفسق والمعاصي، فهذا هدي نبينا ﷺ؛ لأن النبي ﷺ بيّن أنكم ستعرفون وتنكرون، وأنهم سيأتون بالمعاصي، فقالوا: يا رسول الله! ماذا نفعل؟ قال: (من أنكر فقد سلم، ومن كره فقد برئ)، أو قال العكس ومعناهما واحد: وهو الإنكار بلطف ولين كما سنبين في كيفية الإنكار.
فالمقصود: أن من فعل ذلك فقد برئ وسلم أمام الله جل في علاه، فلا يشق عصا الطاعة بحال من الأحوال؛ لأن الفساد سيستشري بشق هذه العصا كما سنبين بعد ذلك.
ومن الصور التي تجسد هذا المعنى: أن خالد بن الوليد كان أميرًا على جيش فلما انتصر عليهم أخذ السبي وقتلهم، وكان عمرو بن العاص ﵁ وأرضاه تحت رايته مأمورًا، فقال له: لم تقتل أسرى قالوا: لا إله إلا الله ودخلوا في الإسلام؟ وكان خالد يجتهد فيهم وأنهم ما قالوا ذلك إلا تعوذًا، فلم يسمع له عمرو بن العاص ولم يطع، وفي نفس الوقت لم يشق عصا الطاعة؛ لأنه رأى أن هذه معصية وإن كانت اجتهادًا، فلما رآها معصية لم يسمع له ولم يطع، ولكنه لم يشق عصا الطاعة، ومع ذلك لما بلغ رسول الله ﷺ ما فعل خالد قال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)، ومع ذلك لم يعزله؛ لأنه رآه مجتهدًا متأولًا.
وقد كان كثير من الصحابة والتابعين تحت راية الفساق والظلمة، ومع ذلك لم يخرجوا عليهم بحال من الأحوال، وما شقوا لهم عصا الطاعة، فهذا عقبة بن أبي معيط كان قريبًا لـ عثمان بن عفان ﵁ وأرضاه، وكان واليًا عليهم في الكوفة، وكان من معه أخير منه وأفضل كترجمان القرآن ابن مسعود ﵁ وأرضاه، وكان هذا الأمير يشرب الخمر، فصلى بهم ذات مرة الفجر أربعًا، ثم استدار وقال لهم: أزيدكم؟ فقال: عبد الله بن مسعود: ما زلنا معك في زيادة، يعني: لعل الله يذهبك عنا! وقد جلده عثمان بن عفان الحد، وأمر عليًا أن يجلده، ومع ذلك لم يشقوا عصا طاعته؛ لأنهم علموا أن التفرق والتشتت يكون بعدم السمع والطاعة، والجهل هو الذي يضع الناس في هذه الظلمات، وهو الذي يجرئ الناس الذين يحبون الإسلام على الخروج على شرع الله؛ لأنهم يهرفون بما لا يعرفون.
إذًا: ولو كان فاسقًا فلا بد من السمع والطاعة، ثم له علينا النصيحة فحسب.
وأقول في الختام: إن كل من يريد العمل للإسلام لن ينجح في المنشط والمكره، وفي المسرة والبلاء، إلا بالتمسك والعض بالنواجذ على هذه التأصيلات الدينية التي أصلها رسول الله ﷺ، ومن ذلك: السمع والطاعة لولاة الأمور، وأن تؤدي ما عليك وتسأل الله ما لك؛ ولذلك نهى النبي ﷺ نهيًا شديدًا وزجر زجرًا كبيرًا في مسألة الخروج على الحكام، وبين هذه المسألة تفصيليًا بالحكم والعلل والآثار.
18 / 7