وهكذا يرفع إسماعيل يديه بالدعاء إلى جنب أبيه الخليل ويتضرع بخشوع لله الأحد أن يتقبل الله العمل الصالح وأن يريهما مناسكهما وأن يفتح الله لهما طريق الهداية والإسلام ، وأن يجعل من ذريتهما امة مسلمة لله توحده وتعمل برسالته ، وتحمل دعوة الهدى والخير للبشرية كافة ويشتد شوقهما لامتداد نور النبوة ، وخلود رسالة الهدى والرشاد واستمرار شريعة الله ، كي ينعم الإنسان بالخير والسلام ، ويعيش في ظلال العدل والأمن والاستقرار ، ويحيا حياة الطهر والكرامة ، فيدعوان للأجيال القادمة ولامتداد البشرية ، بقلب النبوة الكبير الذي يفيض على الإنسان حبا وحنانا وعناية ، يدعوان أن يبعث الله فيهم رسولا ليطهرهم ويعلمهم الحكمة والهداية وطريق الحياة السعيدة: (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ). ( البقرة / 129 ) ويستجيب الله نداءهما ، ويبعث في أهل مكة ، من أبناء إسماعيل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ويأتي الجواب لدعائهما واضحا بقوله تعالى : (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ).( الجمعة / 2 )
ويوضح الرسول الكريم هذه الحقيقة الكامنة في طي الغيب فيقول: « أنا دعوة أبي إبراهيم » .
ويصدع إسماعيل النبي بدعوته ويبشر برسالته نبيا ورسولا للعرب : جرهم والعماليق وأهل اليمن ، ويبني امة وجيلا مسلما حنيفيا ، وحين شعر إسماعيل بدنو الأجل ، وفترة الفراق أوصى لأخيه إسحاق وطلب أن تزوج ابنته (نسمة) لابن أخيه (العيص) بن إسحاق ، فنفذ إسحاق الوصية ، وزوج ابنة أخيه لولده العيص .
اختار الله نبيه إسماعيل والتحق بالرفيق الأعلى بعد أن عاش عمر النبوة الخصب الفياض بالعلم والعمل والهداية مدة «137» سنة، وكانت وفاته بعد وفاة أبيه - على ما نقل المؤرخون - ب «48» عاما ، ودفن بالحجر إلى جوار امه ، حيث هوى فؤاده وانصبت حياته وخلد ذكره ، واستمرت امة الخليل على دين إسماعيل امة مسلمة موحدة حتى أدخلت خزاعة الخرافة والوثنية ، وشوهت عقيدة التوحيد ومنهاجها القويم في الحياة .
صفحہ 50