هجرة واغتراب
تغيرت أجواء البيت .. بيت الخليل، وخيمت عليه مشاعر الشحناء والاضطراب العائلي ، وأصبحت سارة لا تطيق هاجر ومولودها الجديد.. فما عسى أن يكون ، وما عسى أن يفعل رب اسرة تتعرض اسرته لمثل هذا الوضع ؟ إن قصارى ما يمكن أن يكون هو أن يفرد لزوجته بيتا إلى جوار بيته ، أو في منطقة قريبة من داره ، ولكن الذي حدث لم يخطر على بال أحد ، ولم يفكر به انسان .. يؤمر الخليل أن يحمل هاجر وإسماعيل إلى أرض الحجاز (9).
أصغى الخليل إلى كلمة الرحمن ، رغم ما في نفسه من لوعة الفراق وحرارة الغربة ، فقد كان مطمئنا إلى رعاية الله ، واثقا من عطفه وحنانه ، موقنا أن سيكون لهذا الرضيع شأن عظيم .
ويأتي إبراهيم إلى هاجر وإسماعيل يدعوهما إلى الهجرة والمسير ، وتستجيب هاجر ويحملان متاع السفر وليس بينهما سوى عيني إسماعيل ترنوان إلى الطريق وتشيعان أرض الشام برضى ووداعة ، وتستقبلان باحة البيت الحرام ، وقبلة الموحدين ، فقد شاء الله أن تكون تلك الأرض مدرج صباه ومرتع طفولته ، وموضع تأمله في الكون والوجود ، ومسرح تاريخه وميدان نبوته ودعوته ، وأرض مناسكه وعبادته.. سار الموكب المهاجر يطوي الارض، ويفتح صفحات جديدة في سجل التاريخ، حتى وافى مكة ، وصل المكان الموعود فتوقف فيه .. هنا .. انزلي هنا يا هاجر واسكني الارض الحرام أنت وولدك إسماعيل .. تلفتت هاجر .. سرحت بنظرها في صعيد الارض ، لم تر انسا ، ولم تسمع صوتا ، ولم تشاهد بشرا .. إذن كيف تتركنا يا إبراهيم .. ؟ مع من نقيم .. ؟ وكيف نحيا في هذا الوادي الجديب .. ؟
استولى الاحساس بالغربة والوحدة على هاجر ، وشعرت بقسوة الصحراء ، وجدب الوادي الغريب ، وأحست أن الوادي ينظرها بعين التساؤل والاستغراب .
صفحہ 19