اسلام اور انسانی تہذیب
الإسلام والحضارة الإنسانية
اصناف
أما الجديد الذي يهدد الناس في مصالحهم وأرزاقهم فلا غرابة في نفورهم منه قبل اطمئنانهم إليه. ونحن اليوم يخيل إلينا أن أمم العالم وقفت في التاريخ تدق الطبول فرحا واستبشارا باختراع البخار، ولكن الواقع أن الملاحين حطموا أول سفينة سارت بالبخار، ولما ساد البخار وكثرت الآلات التي تدار به لم يعد فيه جديد، ودخل في عداد المألوفات، وتبين يومئذ أن البخار لا يعرقل الأيدي العاملة كما خطر للمتخوفين منه عند ظهوره، وأن الأيدي التي تعمل فيه أضعاف الأيدي التي كانت تعمل في السفن والمركبات.
إلا أن المخترعات الجديدة قد تمس هذا النفر فتكون ثورتهم عليها أشد من ثورتهم على تغيير عادات المعيشة وتهديد المصالح والأرزاق، والمشاهد بالتكرار أن المخترعات الجديدة ليست كلها مما يثير الأوهام أو يرى فيه الجهلاء مساسا بالعقائد ومناقضة لأحكام الدين، لكن الغالب على العقول أنها تهاب كل ما يتعلق بتكوين الإنسان، أو يتعلق بنظام الأفلاك، أو نظام السماء؛ لأن خلق الإنسان وتسيير الفلك من أمر الله.
في القرون الوسطى كان الموت عقابا عاجلا لكل من يحاول أن يشرح جسم الإنسان؛ لأنهم اعتقدوا في تلك العصور أن المشرحين يختلسون سر الحياة وينازعون الله جل وعلا في أمر الروح. وفي العصور الحديثة، فزع الجهلاء من سماع صوت الإنسان خارجا من آلات الحديد والخشب، وحدث في بعض قرى الريف عند ظهور الجراموفون أن دعيا من أدعياء الدين حطم الجراموفون وأوشك أن يبطش بسامعيه؛ لأنهم يستمعون إلى الشيطان.
وفي بعض البلدان ذهب فريق من الفضوليين إلى دار الإذاعة، وحاولوا إغراء المذيع ليطلعهم على المكان الذي يخبئ فيه الشياطين وينقل منه أصواتهم من وراء الستار، وكان ولي الأمر حكيما عاقلا فأراد أن يقضي على هذا الوهم بدليل محسوس لا يمتري فيه السامعون، قال: «هل يقرأ الشيطان آيات الله؟»
قالوا: «كلا». فأسمعهم من المذياع القرآن الكريم ومحا بذلك ظنونهم في خديعة الإذاعة الأثيرية، فهي على التحقيق ليست من عمل الشياطين.
ومسألة النفس وتنشيط الصدر باستنشاق الهواء وتنبيه القلب بالنبض بعد فتوره، وفتح الدماغ لتصحيح عيوبه وأمراضه؛ كل أولئك كان في عصر الجهلاء افتراء على قدرة الله أو ادعاء للقدرة الإلهية، ثم تعلموا بالخبرة وفهموا حقيقة هذه التجارب العلمية، ففهموا أنها من علم الله وأن الله هو الذي علم الإنسان ما لم يعلم، فلا يكون علم الإنسان إلا دليلا على قدرة الله.
وفي الأيام الأخيرة يتحدث الناس بالأقمار الصناعية، فكان من الممكن أن تسمى بغير هذا الاسم، فيقال عنها كما يقال في لغة الفلك إنها توابع صناعية للأرض، وتنتهي المشكلة باختلاف الأسماء، ولكن تسمية الجسم الطائر في الفضاء باسم القمر أوهمت فئة من الجهلاء أن هذا الاختراع ادعاء لقدرة الله ومشاركة له سبحانه وتعالى في ملك السماء.
ويسرنا أن نقول: إن هؤلاء المتوهمين قليلون، بل جد قليلين، فلا نظن أنهم يبلغون عشر أمثالهم قبل مائة سنة أو قبل مائتين، لو أن هذا الجسم المسمى بالقمر ظهر في تلك الأيام، وهذه علامة من علامات التقدم في مدى جيلين أو ثلاثة أجيال. •••
سألت بائعا في دكان بدال، هل رأيت القمر الذي تحدثوا عنه في الصحف؟
قال في غضب: «لم أره، ولن أراه، ولا أريد أن أراه».
نامعلوم صفحہ