اسلام اور انسانی تہذیب
الإسلام والحضارة الإنسانية
اصناف
وقد تجاوبت آفاق القارة الأوروبية من مشرقها إلى مغربها بسمعة الخلفاء المسلمين في طلب العلم والتحصيل والحرص على اقتناء الكتب النفيسة والمدونات النادرة، فكان «الكتاب» أعز الهدايا التي يخطب بها ود الخليفة بين ملوك القارة وأمرائها، وكانت السفارة الناجحة في بلاط قرطبة سفارة الملك الذي يزود رسوله بتحفة من تحف العلم والحكمة، ويقول المؤلف في سياق كلامه عن الكتب: «إن الرغبة في المعرفة كانت مستفيضة لا حدود لها، وقد حدث أن الإمبراطور البيزنطي أرسل إلى عبد الرحمن الثالث كتاب «ديو سقريدس، في العقاقير»، فعهد إلى جامعة الطب بترجمته وحل رموزه، وكان الحكم بن عبد الرحمن نفسه من كبار العلماء يشترك في البحث بالوفود إلى أطراف البلاد لشراء المخطوطات ودعوة العلماء إلى بلاطه؛ حيث يعاملون معاملة السخاء والحفاوة، فأصبحت إسبانيا قطبا قويا يجذب أساطين العلم من كل مكان.»
وظل الكتاب في المغرب الإسلامي ذخيرة مضنونا بها على الضياع حتى في أيام الإدبار والأفول بعد زوال الدولة في شبه الجزيرة الأندلسية. فلما استولى الإفرنج على سفينة محملة بالكتب والأمتعة لمولاي زيدان المراكشي في القرن السابع عشر، أرسل الأمير يطلب الكتب، ولم يحفل بما عداها من حمولة السفينة، ويقول المؤلف: إن المسألة أحيلت على محكمة التفتيش، وأرادت هذه المحكمة أن تبدي بعض السماحة في جوابها على الأمير المغربي، فقررت أن ترد إليه كتب العلم والجغرافيا وما إليها، وأن تحجز الكتب الدينية التي قد تعزز سطوة الإسلام، ورفع الأمر إلى مجلس الوزراء فرفض أكثر أعضائه اقتراح محكمة التفتيش، وأشاروا بإحراق الكتب العلمية والدينية على السواء، وتوسط النبيل المستنير المركيز دي فيلادا
De Velada
عند الملك؛ لإنقاذ هذه الذخيرة، فأمر الملك بحبسها وإغلاق الأبواب عليها في مكان حصين.
ويفيض المؤلف في استقصاء أخبار المكتبة الأندلسية من مصادرها، ولكنه يعنى في شرحه لآثارها وتعاليمها بجانب يقل المعنيون به من المؤرخين الغربيين، فلا يدع القارئ يفهم من الإفاضة في ذكر الكتب والمطلعين عليها أن المدرسة الأندلسية مدرسة معقولات ومحفوظات، قصاراها أن تخرج الفقهاء والحكماء وتحشو أذهانهم بمسائل العلم والأدب أو بمسائل الطب والهندسة وصناعات المرافق النافعة، ولا يدع القارئ يفهم أن المقبلين على المطالعة في إبان الدولة كانوا من تلك الزمرة التي يطلق عليها الأوروبيون اسم «ديدان الأوراق»، بل المفهوم من نوادر الكتاب وطرائفه أن الاطلاع على تلك الأوراق قد كان زادا من أزواد المعيشة الصالحة، والحياة الإنسانية: حياة الحس والعاطفة، وحياة السلوك المهذب والكياسة العلمية وما توحيه من آداب المعاشرة الطيبة في البيئة الإسلامية وغيرها من البيئات الأوروبية، ولعل السياسة التي اشتغل بها المؤلف في مهام القناصل والرسل المحنكين الذين يتولون أعمالهم بين الأعداء والأصدقاء في أيام الحروب والقلاقل التي اتجهت به إلى البحث عن نصيب «الأندلسي المثقف» من مهام «الدبلوماسية» في تلك العصور المحفوفة بالظلمات والأخطار.
نقل المؤلف عن مخطوطة وجدت بمدينة فاس مما اطلع عليه المستشرق ليفي بروفنسال أخبار أول سفارة تبودلت بين الإمبراطور البيزنطي تيوفيلوس والخليفة عبد الرحمن الثاني، فقال في فصل العلاقات الخارجية:
أراد تيوفيلوس أن يثير حفيظة عبد الرحمن الثاني فذكره بذبح العباسيين لآبائه وأحب أن يرضيه بالزراية من خلفاء بغداد، فلم يسمهم بالأسماء التي اشتهروا بها كالمأمون والمعتصم، بل نسبهم إلى أمهاتهم من جواري القصور، ولكن الزناد لم ينقدح؛ لأن آباء عبد الرحمن نفسه لم يكونوا ممن ينكرون التسري بالإماء، فأجابه جوابا مفرغا في قالب المجاملة مع التحفظ والاحتجاز، ووكل أمر السفارة إلى الشاعر النابه يحيى بن الحكم البكري الذي كان لرشاقته وجماله يلقب بالغزال ...
قال المؤلف:
وقوبل الوفد في القسطنطينية بالحفاوة الملكية، ولكن الإمبراطور أضمر في نيته أن يضطر الغزال إلى الانحناء بين يديه على الرغم مما هو معلوم من تعذر ذلك. فأمر بفتح باب صغير في غرفة العرش لا يدخله القادم قائما. فلما أقبل الغزال جلس عند الباب وتقدم زاحفا حتى بلغ ساحة العرش فنهض على قدميه، وكان الإمبراطور قد أحاط نفسه بعرض حافل بالأسلحة والنفائس يريد أن يروع السفير ويهوله، ولكنه لم يرع ولم يستهول ما رآه بل مضى على أثر وقوفه في إلقاء رسالته، وسلم الإمبراطور خطاب مولاه وودائع التحف والهدايا من المصنوعات والآنية الفاخرة، فكان لها أجمل الوقع في نفس الإمبراطور وكفلت للوفد الأندلسي طيب المقام وحسن الخدمة.
واهتم السفير اهتمامه الخاص بأهل البلد فحير علماءهم بالمشكلات الفكرية والمناقشات الذكية، وكال الضربات الموفقة لقادتهم وفرسانهم، وشاع خبره حتى انتهى إلى مسامع الملكة فأرسلت تستدعيه إلى حضرتها ومثل أمامها فسلم منحنيا وأمعن النظر إليها كالمشدوه، فأمرت الترجمان أن يسأله: أتراه يمعن النظر إليها لجمالها أو لغرابة مرآها؟ فكان جوابه الحاضر: أنه قد رأى الحسان حافات بمليكه فلم ير منهن من تضارعها في جمالها، ودار الحديث بعد ذلك على هذه النغمة المحبوبة، واستجابت الملكة لرجاء الغزال أن تسمح له برؤية الحسان من خواتين المملكة، فجعل ينظر إليهن من الفروع إلى الأقدام، ثم قال ليلقي بحكمه المنتظر: إنهن في الحق لجميلات، ولكن لا وجه للمقارنة بينهن وبين الملكة التي تتنزه محاسنها وشمائلها عن النظيرات، ولا يحسن وصفها غير المجيدين من الشعراء، وعرض عليها أن ينظم هذا الوصف في قصيد من شعره يتغنى به الأندلسيون، فوثبت الملكة فرحا ومنحته هدية نفيسة من حلاها، فأبى أن يأخذها وقال: إنه على نفاستها وعلى اعتزازه بما تمنحه الملكة من هدية كائنة ما كانت، يحسب أنها قد وفته فوق حقه من النعمة، ومنحته غاية ما في الوسع أن تمنحه بسماحها له أن يتملى النظر إلى طلعتها، وأنها شاءت أن تضاعف له العطاء فحسبها أن تزيده حظا من النظر إليها. ولم تكن الملكة تنتظر ما هو أحب إليها من ذلك، فلم تزل تدعوه إلى مجلسها كل يوم لتسأله عن مشاهداته ورحلاته وما وعاه من التواريخ والقصص، ثم تبعث إليه بعد انصرافه بالتحف الثمينة من الأنسجة والعطور ... •••
نامعلوم صفحہ