اسلام اور انسانی تہذیب
الإسلام والحضارة الإنسانية
اصناف
وفهم المسلمون أن هذه الأسرار لا يعقل أن تودع في التوراة ولا تودع في القرآن؛ لأن الله لم يفرط في الكتاب من شيء، وإنما تبذل هذه الأسرار لأهلها، وإنما سبيلهم في معرفتها أن يتوسلوا بالتقوى، ويستعينوا بمن سبقهم من أحبار الأمم الأولى، ويستدرجوهم بالمحاسنة والنصيحة إلى الكشف عنها، فلم يكن لطلاب المعرفة بد من الدخول في معترك الفرق الدينية بين من يزعم أنه على الحق، ومن يقال إنه على الضلال.
ولما انتشر الإسلام كان انتشاره في الرقعة التي جمعت كل هذه الفرق والمذاهب، وشهدت بينها مجالس المناظرة ومصارع النزاع والقتال، وكانت الفلسفة الإغريقية قد بلغت أوجها في آسيا الغربية، ومدرسة الإسكندرية، وترددت أقاويلها ومناقضاتها ما بين مصر وسورية والعراق وأطراف البلاد الفارسية، حيث يتصدى للتعليم أطباء النساطرة ومعهم كتب الإغريق في الحكمة والتصوف والمنطق والجدل وأشباه هذه الموضوعات، فلم يبق سبب من الأسباب التي تنشئ الفرق والمذاهب إلا وقد تهيأ للظهور من جميع نواحيه عند قيام الإسلام.
على أن السبب الذي طوى كل هذه الأسباب جميعا هو قيام الدولة مع قيام الدين الإسلامي في وقت واحد، وهو ما لم يحدث في بني إسرائيل ولا في عالم المسيحية، وعليه تدور الخلافات بين الفرق جميعا من قريب أو بعيد.
فالنزاع على الدولة بين علي ومعاوية مرتبط بنشوء الخوارج ونشوء الشيعة، ومرتبط كذلك بنشوء القدرية والمرجئة، والقائلين بالرجعة وتناسخ الأرواح، ومذهب أهل الحقيقة وأهل الشريعة، وما استتبعه من فرق الباطنية وأصحاب الرموز والأسرار، على تفاوت نصيبهم من الحكمة الدينية، أو الحكمة الفلسفية.
ويستطاع رد الخلاف هنا إلى محور واحد، وهو الخلاف بين أنصار الواقع وأنصار التغيير، أو بين أنصار المحافظة وأنصار التجديد حيث كان.
روي عن يزيد بن معاوية وقد حمل إليه رأس الحسين أنه سأل من حوله وهو يشير إلى الرأس الشريف: «أتدرون من أين أتي هذا؟ إنه قال: أبي علي خير من أبيه، وأمي فاطمة خير من أمه، وجدي رسول الله خير من جده، وأنا خير منه، وأحق بهذا الأمر، فأما أبوه فقد تحاج أبي وأبوه إلى الله، وعلم الناس أيهما حكم له، وأما أمه فلعمري فاطمة بنت رسول الله خير من أمي ، وأما جده فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى لرسول الله فينا عدلا ولا ندا، ولكنه أتي من قبل فقهه، ولم يقرأ:
قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء [آل عمران: 26].»
فمن خدمه الواقع هذه الخدمة الجلى لا جرم يؤمن بأن «الواقع» هو قدر الله وقضاؤه الذي يدان به العباد.
ومن خالفه في ذلك لا جرم يعتصم بالرأي والتفسير؛ ليفهم القدر الإلهي على الوجه الذي ينهض به دليله، ويسقط به دليل خصمه.
ومن ثم تنفرج الطريق بين طلاب الواقع وطلاب التغيير في كل مجال.
نامعلوم صفحہ