اسلام شریکاں
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
اصناف
لقد انطلق أول وأكبر انقسام في الإسلام من النزاع حول الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين. ومما يؤكد بوضوح أن الأمر لم يكن مجرد خلاف سياسي خالص، أن هذا النزاع قد أدى إلى نشأة حركتين غير ملتزمتين بالسنة (أو بالروح المعتدلة والملتزمة بحرفية النص وظاهره وبجوهر التدين الأصلي) وهما الشيعة والخوارج، ولكل من هاتين الحركتين تصورها الديني والسياسي للدولة. فالشيعة تلتف حول الإمام الروحي الذي تجلله هالة من السحر والكرامة،
9
ولا بد أن يكون من سلالة الرسول، عليه السلام، كما أن الله سبحانه قد وهبه العصمة. ويفترض مونتجومري وات افتراضا لا يخلو من جاذبية آسرة، عندما يرجح أن يكون هذا التصور مستمدا من القبائل العربية الجنوبية التي كان لديها تراث عريق من تقديس الملكية والملوك.
10
وعلى العكس من ذلك يرى الخوارج أن الجماعة أكثر أهمية من الإمام، وأنها هي حاملة السحر والكرامة والجلال والعصمة. وهناك فريق من الخوارج الذين لا يرون أي ضرورة على الإطلاق في وجود خليفة، كما يتفق جميع الخوارج في أن الانتماء لقريش ليس شرطا لازما للتعيين في منصب الخلافة، وأن الأهم من ذلك هو اختيار أصلح الناس له أيا كان الأصل الذي يتحدر منه. والواقع أن هذا الرأي يتفق أتم اتفاق مع مبدأ المساواة في الإسلام، وعندما يعلن الخوارج أن الثورة أو الخروج على الخليفة الظالم ليس مجرد حق بل واجب حتمي على الجماعة، وعندما يصل الأمر بهم إلى حد المطالبة بإعدامه، فإن هذا كله يعد تطورا منطقيا، وإن يكن حاسما ومتطرفا، للمثل الإسلامي الأعلى للدولة.
11
ولما كانت هذه الآراء تتعارض بسبب تطرفها الشديد مع واقع الحياة السياسية الإسلامية تعارضا شديدا، فقد اتهمت كذلك بالخروج على الدين، وبأنها من البدع، شأنها في ذلك شأن التصور الشيعي الأغرب منها.
وقد سبق ذلك الانقسام إلى شيعة وسنة انقسام ديني وسياسي خطير في أوساط المسلمين المعتدلين الذين يوصفون بأهل السنة. وقد بدأت بوادر هذا الانقسام بعد عودة النبي، عليه السلام، من المدينة إلى مكة وإدماجه لمدينته وموطنه الأصلي (مكة) في الدولة الإسلامية الجديدة، وكانت هذه خطوة مهمة على الطريق إلى الدولة الإسلامية الكبرى، بمعنى أنها أدخلت في بنية الدولة عناصر عملت بالتدريج على طبعها بالطابع الدنيوي أو العالمي. ومن المسلم به أن أثرياء مكة الأرستقراطيين لم يعلنوا إيمانهم بالإسلام عن دوافع انتهازية فحسب،
12
بل لأنهم كذلك قد تأثروا تأثرا حقيقيا بالدين الجديد وأخذوا بحيويته الرائعة. وإذا كانوا قد اهتموا قبل كل شيء بانتشار الإسلام في العالم، فإنما أكدوا بذلك عنصرا قائما في الدعوة المحمدية. ولكنهم وضعوا أنفسهم بذلك في مواجهة دينية وسياسية حادة مع الصحابة الأولين أو أهل الورع الذين كانوا يعيشون في المدينة ويوجهون أبصارهم إلى الآخرة فيشتد حرصهم على الشرع واهتمامهم بالمحافظة على الشريعة.
نامعلوم صفحہ