اسلام شریکاں
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
اصناف
5
من الأمور البديهية الواضحة إذن، أنه ليس من الواجب على المسلم طاعة السلطة إلا إذا كانت أوامرها في إطار الشرع، بل ربما لا تجب عليه هذه الطاعة إلا إذا كانت هذه السلطة مطيعة لله بوجه عام لا في الأحوال الخاصة فحسب. أما ما هي الطاعة لله وما هي المعصية، فذلك ما يستطيع كل مؤمن أن يحدده. ومن أهم الواجبات الاجتماعية للمسلم أن يراقب مدى الالتزام بالشرع، وأن «يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر». صحيح أن هذه هي في المقام الأول مهمة السلطة، ولكن السلطة أيضا، ووفقا للمبدأ نفسه، تخضع لرقابة الجماعة وتصحيحها لها.
6
ويقيم علماء الدين على هذه الأسس العقائدية كيانا مثاليا يثبت - من الناحية النظرية - اعتماد السلطة على الجماعة بشكل قانوني. والواقع أن التصور الملتزم بالدين التزاما حرفيا لم تتم صياغته أبدا بشكل موحد، ومع ذلك يمكننا أن نبين معالمه على الوجه التالي:
7
إن الخليفة، وهو رمز السلطة، يتبوأ منصبه بناء على تعاقد منظم. ويحدد علماء الدين الشروط التي يجب توافرها في المرشح لمنصب الخلافة؛ فلا بد أن يكون حائزا خصالا أخلاقية وعقلية وجسدية عالية، وأن يكون من قريش. ومن بين الذين يلبون هذه الشروط يكون تعيين الخليفة عن طريق الانتخاب. ويشترط كذلك في الناخبين أن تتوافر فيهم بعض الصفات البسيطة: الأهلية الشرعية الكاملة، معرفة شروط منصب الخلافة والحكمة الضرورية لانتخاب المرشح الصالح له. وبعد انتخاب الخليفة يكتمل التعاقد بإعلان الجماعة بيعتها له. ويكون على الخليفة في هذه الحالة أن يؤدي عددا من المهام المحددة: المحافظة على الدين، تنفيذ الشرع والأحكام الشرعية، حماية النظام والأمن، التنظيم الداخلي للدولة، الدفاع عن أراضي الدولة والتوسع فيها. وعليه في كل هذه المهام ألا يتخذ قراراته بمفرده، بل يستشير فيها أهل الرأي والمشورة. ومن جهة أخرى يجب على المؤمنين طاعته وتأييده، فإن لم يفعلوا كان من حقه إجبارهم عليهما. ويلزم عن مبدأ التعاقد أن يسقط التعاقد عندما يخل أحد الطرفين بالالتزام بشروطه، أي إن الخليفة يمكن إعفاؤه من منصبه إذا فرط في واجبات منصبه أو قام بها بصورة غير مرضية.
لا شك في أن مبدأ الانتخاب والتعاقد يمد جذوره التاريخية في ممارسات القبائل العربية التي كانت تقضي بأن يقوم أعضاء القبيلة المرموقون بانتخاب شيخ القبيلة أو رئيسها الأعلى الذي كان يكلف كذلك بمهام محددة.
8
أضف إلى ذلك الأساس الاعتقادي الذي تقوم عليه المساواة بين جميع المؤمنين أمام الله والشرع. وخضوع الخليفة خضوعا مطلقا للشرع مع الرقابة المفروضة عليه من الجماعة، وانتخاب الخليفة، وقيام منصبه على أساس التعاقد مع إمكان خلعه، والتزام الخليفة بأخذ مشورة أهل المشورة المستقلين؛ كل هذا لا يعني أبدا أن الدولة الإسلامية المثالية كانت ديموقراطية بالمعنى الحديث الذي نفهمه من هذه الكلمة. فالخليفة لا يصبح عن طريق الانتخاب ممثلا للشعب، والمنتخبون هم في الحقيقة أدوات لله ينفذون مشيئته بانتخابهم للخليفة، كما أن الخليفة في حكمه لا ينفذ بدوره إلا إرادة الله ومشيئته. ومع ذلك كان من الممكن على أساس المبادئ المذكورة أن تقوم دولة ذات سلطة مقيدة ومحدودة القوة، وتخضع أيضا لتأثيرات لا يستهان بها من جانب المواطنين.
لكن هذا المثل الأعلى للدولة لم يكن من الممكن أن يتحقق في الواقع التاريخي؛ فالضرورات المترتبة على حكم دولة إسلامية شاسعة الأرجاء، وطموحات القوة وأطماع السلطة عند من تولوا أمورها، قد حالت دون تحقيقها. ولما كان هذا المثل الأعلى يستند إلى الوحي الإلهي، فلا يستطيع المؤمنون أن يسلموا بعدم إمكان تحقيقه. ولما كانت دولة الخلافة هي التجسيد الاجتماعي الوحيد للدين، وكان من الضروري أن يطبق فيها الشرع الإلهي، فلا بد من أن تكون تلبية الدولة لمطالب الدين، وتحقيقها لتعاليمه، وشرعية السلطة الحاكمة، من القضايا الملحة عند المسلمين. ومن هنا كانت الاتجاهات السياسية المختلفة في العصر الإسلامي المبكر ذات طابع ديني على الدوام، كما ارتبطت الاتجاهات الدينية المختلفة باستمرار بحركات سياسية متنوعة. ومن هنا يتضح أيضا أن مثال الدولة يجب أن يفسر منذ البداية من خلال الممارسة العملية، وأن العلماء الذين عهد إليهم القيام بهذه المهمة، وجدوا أنفسهم منذ البداية أيضا مضطرين لإنقاذ المثال عن طريق التوفيق بينه وبين الواقع. والمثال الذي يتغير بهذه الصورة يؤثر بدوره من خلال وعي الناس على التاريخ السياسي. والواقع أن تطور الدولة الإسلامية من الناحيتين العملية والنظرية لا يمكن أن يفهم إلا عن طريق هذا التأثير المتبادل.
نامعلوم صفحہ