مذهب أهل السنة في الصحابة وإمامة أبي بكر الصديق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدليل الذي يجعلك تقول بأن الإمام علي ﵇ لم يكن ليصبح القائد بعد النبي محمد ﵇؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًا: من أصول أهل السنة والجماعة، سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله ﷺ، سلامة القلب من البغض والغل والحقد والكراهة، وسلامة ألسنتهم من كل قولٍ لا يليق بهم؛ لقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم﴾ سورة الحشر/١٠.
وطاعةً للنبي ﷺ في قوله: " لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده؛ لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبًا ما بلغ مدُّ أحدهم ولا نصيفه " رواه البخاري (٣٦٧٣) ومسلم (٢٥٤١) .
ومن أصول أهل السنة قبول ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل، لقول الله تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ سورة الحديد/١٠.
ويقدمون المهاجرين على الأنصار؛ لقول الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ سورة التوبة/١٠٠. فقدم المهاجرين على الأنصار.
ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاث مئة وبضعة عشر ـ: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؛ لقول النبي ﷺ: " لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " رواه البخاري (٣٠٠٧) ومسلم (٢٤٩٤) من حديث علي بن أبي طالب.
ويؤمنون بأنه لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة؛ كما أخبر به النبي ﷺ، بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربع مئة؛ لقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ الفتح/١٨. ولقول النبي ﷺ: " لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها " رواه مسلم (٢٤٩٦) فكان من جملة المبايعين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ﵃ أجمعين.
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله ﷺ كالعشرة، وثابت بن قيس بن شماس، وغيرهم من الصحابة ﵃، فقد قال النبي ﷺ: " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ " رواه أبو داود (٤٦٤٩) والترمذي (٣٧٤٧) وصححه الألباني.
ويُقرون بما تواتر به النقل عن علي ابن أبي طالب ﵁ وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر. فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ قُلْتُ لأَبِي (علي ابن أبي طالب) أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا إِلا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ " رواه البخاري (٣٦٧١)، ويُثلثون بعثمان، ويربعون بعلي، ﵃.
أنظر الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية مع شرحها.
ثانيًا: ومن مذهب اهل السنة أن أحق الناس بالخلافة بعد رسول الله ﷺ هو أبو بكر الصديق ﵁. وإليك الأدلة على إمامة أبي بكر ﵁:
١ـ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ ﷺ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ قَالَتْ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تَقُولُ الْمَوْتَ قَالَ ﷺ إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ " رواه البخاري (٣٦٥٩) .
٢ـ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ " رواه الترمذي (٣٨٠٥) وصححه الألباني.
٣ـ عنَ ابن عُمَرَ ﵄ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ " رواه البخاري (٣٦٧٦) قال ابن حجر في شرح هذا الحديث:
" قَوْله: (بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْر) أَيْ فِي الْمَنَام. قَوْله: (أَنْزِع مِنْهَا) أَيْ أَمْلأ الْمَاء بِالدَّلْوِ. قَوْله: (فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ) الذنوب: الدَّلْو الْكَبِيرَة إِذَا كَانَ فِيهَا الْمَاء، وَالَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا فُتِحَ فِي زَمَانه مِنْ الْفُتُوح الْكِبَار وَهِيَ ثَلاثَة، وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّض فِي ذِكْر عُمَر إِلَى عَدَد مَا نَزَعَهُ مِنْ الدِّلاء وَإِنَّمَا وَصَفَ نَزْعه بِالْعَظَمَةِ إِشَارَة إِلَى كَثْرَة مَا وَقَعَ فِي خِلافَته مِنْ الْفُتُوحَات وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيّ تَفْسِير هَذَا الْحَدِيث فِي " الأُمّ " فَقَالَ بَعْد أَنْ سَاقَهُ: وَمَعْنَى قَوْله: " وَفِي نَزْعه ضَعْف " قِصَر مُدَّته وَعَجَلَة مَوْته وَشُغْله بِالْحَرْبِ لأَهْلِ الرِّدَّةِ عَنْ الافْتِتَاح وَالازْدِيَاد الَّذِي بَلَغَهُ عُمَر فِي طُول مُدَّته، اِنْتَهَى.
قَوْله: (وَاَللَّه يَغْفِر لَهُ) قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا دُعَاء مِنْ الْمُتَكَلِّم، أَيْ أَنَّهُ لا مَفْهُوم لَهُ. وَقَالَ غَيْره: فِيهِ إِشَارَة إِلَى قُرْب وَفَاة أَبِي بَكْر، وَهُوَ نَظِير قَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ﵇ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) فَإِنَّهَا إِشَارَة إِلَى قُرْب وَفَاة النَّبِيّ ﷺ. قُلْت: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ قِلَّة الْفُتُوح فِي زَمَانه لا صُنْع لَهُ فِيهِ، لأَنَّ سَبَبه قِصَر مُدَّته، فَمَعْنَى الْمَغْفِرَة لَهُ رَفْع الْمَلامَة عَنْهُ.
قَوْله: (فَاسْتَحَالَتْ فِي يَده غَرْبًا) أَيْ دَلْوًا عَظِيمَة. قَوْله: (فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا) وَالْمُرَاد بِهِ كُلّ شَيْء بَلَغَ النِّهَايَة، قَوْله (فَرِيَّهُ) وَمَعْنَاهُ يَعْمَل عَمَله الْبَالِغ. "
٤ـ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي مَرَضِهِ ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ " رواه مسلم (٢٣٨٧) .
٥- أنه ﷺ في مرض موته عين أبا بكر الصديق إمامًا للمسلمين في الصلاة ولم يرض بغيره بدلًا منه فكان استخلافه في الإمامة الصغرى تنبيهًا على استخلافه في الإمامة الكبرى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
1 / 49