اشتقاق أسماء الله
لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي
المتوفى سنة ٣٤٠ هـ
﵀
تحقيق
الدكتور عبد الحسين المبارك
مؤسسة الرسالة
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، وقرأه عليه: الحمد لله الملك الحق، المبين، ذي القدرة والجلال، والبهاء، والعزة، والعظمة، والسلطان الحكيم القديم، الأحد، الفرد الصمد، العليم، ذي الأسماء الحسنى، والصفات العلا، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، خالق الخلق بقدرته، ومصرفه على إرادته ومفنيه عند انقضاء مدته. أحمده على ما أبلى وأنعم وأولى، وأسأله العون على طاعته، والتوفيق لما يحب ويرضى. وصلى الله على سيد المرسلين وأفضل النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما.
هذا كتاب أفردته لشرح اشتقاق أسماء الله تعالى ﷿، وصفاته المذكورة في الأثر، أن من أحصاها دخل الجنة. حسب ما رواها تأهل العلم، واستنبطوها بعد الرواية بشواهد من كتاب الله ﷿، فاستخرجوها منه لئلا يعارض فيها شك، ولا يختلج في الصدور زيغ في التصديق بها، على مذاهب، [أهل]
العربية العلماء باللغة، العارفين بأساليب كلام العرب واشتقاقه وتصاريفه، غير عادل عن مذاهب العرب في ذلك خاصة. وأختم الكتاب بالفرق بين الاسم والنعت. ووجوه النعت في كلام العرب، ومجاري صفات الله ﷿، وموقعها من ذلك وذكر من قال بالاشتقاق ومن أبى ذلك والرد عليه، وبالله التوفيق فهو حسبنا ونعم الوكيل.
حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الرازي الفقيه قال: حدثني أبو بكر
1 / 19
محمد بن عمير الرازي قال: حدثني أبو الفضل عبد الرحمن بن معاوية العتبي بمصر قال: حدثني حبان بن نافع بن صخر بن جويرية قال: حدثني سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة».
قال حبان: فحدثني داود بن عمرو بن قنبل المكي قال: سألنا سفيان أن يملي علينا التسعة والتسعين اسمًا التي لله ﷿ من القرآن فوعدنا أن يخرجها لنا، لما أبطأ علينا اتينا أبا زيد فأملى علينا هذه الأسماء، فأتينا سفيان فعرضناها
1 / 20
عليه فنظر فيها أربع مرات فقال: هي هذه فقلنا له: اقرأها علينا، فقرأها علينا سفيان: في فاتحة الكتاب: يا الله، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، يا ملك، وفي البقرة ستة وعشرون اسمًا: يا محيط يا قدير، يا عليم، يا تواب، يا حكيم، يا بصير، يا واسع، يا بديع، يا سميع، يا كافي، يا رؤوف، يا شاكر، يا إله، يا واحد، يا غفور، يا حليم، يا قابض، يا باسط، يا لا إله إلا هو، يا حي، يا قيوم، يا علي، يا عظيم، يا ولي، يا غني، يا حميد. وفي آل عمران أربعة أسماء: يا قائم، يا وهاب، يا سريع، يا خبير. وفي النساء ستة أسماء: يا رقيب، يا حسيب، يا شهيد، يا عفو، يا مقيت، يا وكيل. وفي الأنعام خمسة أسماء: يا باطن، يا ظاهر، يا قدير، يا لطيف، يا خبير. وفي الأعراف اسمان: يا محيي، يا مميت، وفي الأنفال اسمان: يا نعم المولى، ويا نعم النصير. وفي «هود» سبعة أسماء: يا حفيظ، يا قريب، يا مجيب، يا قوي، يا مجيد، يا ودود، يا فعال. وفي الرعد اسمان: يا كبير، يا متعال. وفي «إبراهيم» اسم: يا منان. وفي «الحجر» اسم: يا خلاق. وفي «النحل» اسم: يا باعث. وفي «مريم» اسمان: يا صادق، يا وارث. وفي «المؤمنون» اسم: يا كريم. وفي «النور» ثلاثة أسماء: يا حق، يا مبين، يا نور. وفي «الفرقان» اسم: يا هادي. وفي «سبأ» اسم: يا فتاح. وفي «المؤمن» أربعة أسماء: يا غافر، يا قابل، يا شديد، يا ذا الطول. وفي «الذاريات» ثلاثة أسماء: يا رزاق، يا ذا القوة، يا متين. وفي «الطور» اسم: يا بار. وفي «اقتربت» اسم: يا مقتدر. وفي «الرحمن» ثلاثة أسماء: يا باقي، يا ذا الجلال، يا ذا الإكرام. وفي «الحديد» ثلاثة أسماء: يا أول، يا آخر، يا باطن. وفي «الحشر» عشرة أسماء: يا قدوس، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن، يا عزيز، يا جبار، يا متكبر، يا خالق، يا بارئ، يا مصور. وفي «البروج» اسمان: يا مبدئ، يا معيد. وفي «قل هو الله أحد» اسمان: يا أحد، يا صمد.
1 / 21
القول في اشتقاقها، وتصاريفها، واللغات
فيها، ومصادرها على مذاهب أهل العربية
الله
﷿ في اشتقاقه أربعة أقوال:
قال يونس بن حبيب، والكسائي، والفراء وقطرب، والأخفش: أصله الإله ثم حذفت الهمزة تخفيفًا فاجتمعت لامان، فأدغمت الأولى في الثانية فقيل:
1 / 23
«الله». فاله «فعال» بمعنى «مفعول» كأنه مألوه أي معبود مستحق للعبادة يعبده الخلق ويؤلهونه.
والتأله: التعبد. قال رؤبة:
لله در الغانيات المده ... سبحن واسترجعن من تألهي
أي من تعبدي، والمصدر من ألهت: الألوهة.
ونظير قولهم: غله والله في الحذف قولهم «أناس» ثم قالوا: «الناس» وأصله «الأناس» فحذفت الهمزة فقيل «الناس» فكان الألف واللام في الله عوض عن الهمزة المحذوفة، فلزمتا ولم تفارقا الاسم كأنهما بعض حروفه، فلذلك دخل عليه حرف النداء فقيل: «يا الله اغفر لنا». وحرف النداء لا يدخل على ما فيه الألف واللام، لا يقال: «يا الرجل اقبل» ولا يقال: «يا الغلام هلم»، لأن النداء يعرف الاسم بالإشارة والخطاب، والألف واللام يعرفان الاسم، فلا يجتمع على اسم تعريفان مختلفان. فلما
1 / 24
كانت الألف واللام في «الله» كأنهما من نفس الكلمة دخل عليه حرف النداء. وليست الألف واللام في «الله» كالألف واللام في «الذي» وإن كانت الألف واللام لا تفارقان «الذي» لأن «الذي» لم يحذف منه شيء فتكون الألف واللام عوضًا منه فلذلك لم يدخل حرف النداء على «الذي»، ولأن «الذي» نعت واقع على كل منعوت. تقول: «رأيت الرجل الذي في الدار، والثوب الذي عندك، والمال الذي عندك»، «ورأيت الحائط الذي بنيته»
وأما قول الشاعر:
من أجلك يا التي تيمت قلبي ... وأنت بخيلة بالود عني
فذكر أبو العباس المبرد ﵀ أنه غلط من قائله، ولا يقبل لغته الجماعة والقياس. وكذلك كان يقول في قوله:
فيا الغلامان اللذان فرا ... إياكما أن تكسبانا شرا
1 / 25
وكان يقول: لو روي «فيا غلامان» لاستقام وزن البيت. وليست الألف واللام في «الله» كالألف واللام في النجم إذا أردت الثريا لأن الألف واللام تخرجان منه فيصير نجمًا من النجوم نكرة، وهذا اسم ليس كمثله اسم، ولا معرفة أعرف منه لا يشارك فيه. وليست الألف واللام في «الله» بمنزلتها في «الناس» لأنه قد يقال: «الأناسُ» على الأصل.
وأنشدني أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري قال: أنشدني أبو عثمان المازني:
إن المنايا يطلعن ... على الأناس الآمنينا
وقد يجوز أن يكون «الناس» تعريف ناس لا تعريف أناس فيقال في تنكير «الناس» من هذا التقدير «ناس». كما قال:
وناس من سراة بني سليم ... وناس من بني سعد بن بكر
وقال الخليل بن أحمد: أصل إله ولاه من الوله والتحير وقد أبدلت الواو
1 / 26
همزة لانكسارها فقيل: «اله» كما قيل في وعاء اعاء، وفي شاح اشاح ثم أدخلت عليه الألف واللام وحذفت الهمزة فقيل «الله» على الشرح الذي مضى، وكأن معناه على هذا المذهب أن يكون الوله من العباد إليه كما كان في المذهب الأول أيضًا مألوهًا كذلك يكون في هذا المذهب أيضًا: الوله والتحير من العباد إليه.
والمذهب الثالث مذهب سيبويه بعد أن وافق الجماعة الأولين قال: وجائز أن يكون أصله «لاه» على وزن «فعل» ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف فقيل: «الله» واستدل على ذلك - على ما رواه ابن رستم عن المازني - يقول بعض العرب: «لهي أبوك» يريد: «لاه أبوك». قال: فتقديره على هذا القول «فعل» والوزن وزن باب ودار، وأنشد للأعشى.
كحلفة من أبي رباح ... يسمعها لاهله الكبار
وأنشد لذي الأصبع العدواني:
لاه ابن عمك لا افضلت في حسبت ... دوني ولا أنت دياني فتخزوني
1 / 27
تخزوني: تسوسني وتقهرني. يريد: لله ابن عمك، فقال المخالفون له: إنما هذا محذوف من الأول، ألا ترى أن تأويل: لاه ابن عمك: لله ابن عمك؟. وقد اختلفوا في اللام المحذوفة من «لاه ابن عمك» فقال قوم: المحذوفة اللام الأصيلة، والباقية لام الخفض لأن الاسم مخفوض بها، وحروف الخفض لا تضمر. وقال الآخرون: الباقية الأصلية لئلا يحذف حرف من أصل الكلمة، فقال الأولون: الحذف غير مستنكر في الكلام فقد قالوا: «لم يك»، «ولا أدر»، «ولم أبل»، يريدون: لم يكن، ولم أبال، ولا أدري. فقال الآخرون: وحرف الجر أيضًا قد أضمر في قول رؤبة حين قال له: كيف أصبحت؟
فقال: خير عافاك الله. يريد: بخير.
وكما قالوا: بكم درهم اشتريت ثوبك؟ فأضمروا «من». وإذا عرف الشيء وكثر استعماله في موضع فربما أضمر. وكلا المذهبين محتمل.
والمذهب الرابع مذهب أبي عثمان المازني: كان [يقول]
: إن قولنا «الله» إنما هو اسم هكذا موضوع لله ﷿ وليس أصله «إله» ولا «ولاه» ولا «لاه» كما فسرنا قبل.
1 / 28
قال: والدليل على ذلك إني أرى لقولي «الله» فضل مزية على «إله» وأني اعقل به ما لا اعقل بقوله «إله».
قال أبو إسحاق الزجاج: حدثني المبرد عن أبي عثمان المازني قال: ساءلني الرياشي فقال لي: ما أنكرت أن يكون أصل قولنا الله «الإله» فحذفت الهمزة وأدغمت اللام الأولى في الثانية كما أجزت في الناس أن يكون تخفيف الأناس ثم أدغم؟.
قال: فقلت له: من قبل إن الناس على معنى الاناس، وكذلك كل شيء خفف من الهمزة فهو على معناه محققًا. وأنت إذا قلت الإله فلم تعلم الله ﷻ على معنى إله. فلو كان الله مخففًا من إله لبقي على معناه.
وذكر قطرب وغيره من أصحاب العربية: إن هذا الاسم لكثرة دوره في الكلام واستعماله قد كثرت فيه اللغات. فمن العرب من يقول: «والله لا أفعل»، ومنهم من يقول: «لاه لا أفعل»، ومنهم من يقول: «والله» بإسكان الهاء وترك تفخيم اللام.
وأنشد:
أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغلة
1 / 29
ومنهم من يقول: «واه لا أفعل ذلك».
فإن قال قائل: فإذا كان معنى إله معنى معبود أفيجوز على هذا أن يسمى كل معبود إلاها كما يسمى معبودًا؟
قيل: ذلك على الحقيقة غير جائز لأن معنى الإله في الحقيقة: هو ذو الألوهية أي: المستحق للألوهية والعبادة. والمعبود إنما هو اسم المفعول من عبد فهو معبود، وإنما قيل: تألهنا أي: تعبدنا، فآله ليس بمنزلة معبود فقط، فمن عبد شيئًا فقد لزم من طريق اللغة أن يقال: عبده فهو عابد له، وذكر معبوده ولم يقل إلهة فيقال: مألوهه كما قيل: عبده فهو معبوده. لوضعه العبادة في غير موضعها ولا استحقاقها.
وأصل العبادة: الخضوع والتذلل من قولهم: «طريق معبد» إذا كان موطوءًا مذللًا لكثرة السير فيه، ومنه اشتقاق العبد لخضوعه وذلته لمولاه، والعبدة: الصلاية التي يسحق عليها الطيب، وليس كل من خضع لآخر قيل له: قد عبده إلا أن يخضع له ويذل موجبًا له ذلك على نفسه، ومقرًا له بأن مخالفة ذلك لا تسعه ديانة. فأما إن خضع له وذل على غير هذه الطريقة فجائز أن يقال: «فلان يتعبد لفلان» أي ينزل نفسه له منزلة العبد. يقال: عبدت الرجل وأعبدته: إذا استعبدته وأنزلته منزلة العبيد. قال الشاعر:
علام يعبدني قومي وقد كثرت ... فيهم اباعر ما شاءوا وعبدان
وقال موسى لفرعون: ﴿إن عبدت بني إسرائيل﴾.
1 / 30
ولإخراج هذا المعنى من إله وفرق ما بينه وبين غيره قيل: «الله» فأدخلت الألف واللام عليه وحذفت الهمزة، وفخم اللفظ به، والزم هذا البناء ليدل على أنه الإله المستحق للألوهية دون ما سواه، ألا ترى أنه قد استعمل إله في غيره ﷿ حكاية ومجازًا، فلم يستعمل «الله» في غيره كقول السامري: ﴿هذا إلهكم وإله موسى﴾ ولم يقل لهم: «هذا الله». ومثل قولهم: ﴿أآلهتنا خير أم هو﴾ ومثل قوله: ﴿قالوا: يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة﴾ ومثل قوله: ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾ وقد ادعى فرعون أنه رب وإله فقال: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾، وقال: ﴿ما علمت لكم من إله غيري﴾، ولم يدع مع هذا أنه الله جل الله عما يقول الظالمون [وتعالى]
علوًا كبيرًا.
فهذا يدل على أن إدخال الألف واللام في «الله» وحذف الهمزة منه وإلزامه هذا البناء إنما هو ليدل على أنه لا يستحق الألوهية في الحقيقة غيره، وخص ببناء لا يشرك فيه سواه، ولا يدعيه أحد.
وقال بعض أهل العلم: إنما فخم اللفظ به فقيل «الله» ولم تظهر اللام على لفظها ليفرق بينه وبين اللات والعزى لأن من العرب من كان يقول: اللات والعزى ثم إذا وقف قال: «اللاه» فوقف بالهاء قياسًا لأنها تاء التأنيث، وكذلك أيضًا كتب «الله» بحذف الألف التي بعد اللام الثانية ليفرق في الخط أيضًا بينهما
1 / 31
واختلف البصريون والكوفيون في قولهم: «اللهم اغفر لنا»، فقال سيبويه وأصحابه: زادوا الميم في آخره مثقلة عوضًا من حرف النداء في أوله فلا يجمع بينهما، لا يقال: «يا اللهم» لأن العوض والمعوض منه لا يجتمعان. قال: وجرى مجرى الأصوات فبني لذلك. ولذلك لا يوصف، فلا يقال: «اللهم العزيز». فأما قوله: ﴿قل اللهم فاطر السموات والأرض﴾ «هو عندهم على نداءين».
وقال الكسائي وأصحابه: أصله «يا الله أمنا بخير» فكثر به الكلام فحذفت الهمزة والمضمر، وخلطت الكلمتان فصارتا كلمة واحدة. وأجازوا إدخال حرف النداء عليه، وأنشدوا:
وما عليك أن تقولي كلما ... سبحت أو هللت يا الهلم ما
أردد علينا شيخنا مسلمًا
وقال البصريون: هذا شاذ جدًا لا يعمل عليه ولا يعرف قائله.
الرب
الربُّ: المصلح للشيء، يقال: «رببت الشيء أربه ربا وربابة»: إذا أصلحته وقمت عليه، ورب الشيء، مالكه، فالله ﷿ مالك العباد ومصلحهم. ومصلح شؤونهم. ومصدر الرب: الربوبية، وكل من ملك شيئًا فهو ربه، يقال: «هذا رب
1 / 32
الدار ورب الضيعة». ولا يقال: «الرب» معرفًا بالألف واللام مطلقًا إلا لله ﷿ لأنه مالك كل شيء.
ويقال من غير هذا: رببت الغلام أربه ربا، فأنا راب وهو مربوب بمعنى ربيته سواء. ومنه قيل: ربيب الرجل لابن إمرأته لأنه يربيه، وغزال ربيب: أي مربوب من هذا. قال سلامة بن جندل:
ليس بأسفي ولا أقنى ولا سغل ... يسقى دواء قفي السكن مربوب
أي مربى. ورب الرجل بالمكان، وأرب به: إذا أقام به، وربيت الأديم: دهنته بالرب، وأنشدنا ابن دريد:
فإن كنت مني أو تريدين صحبتي ... فكوني له كالسمن ربت به الادم
1 / 33
وسقاء مربوب: إذا أصلح بالرب، والربابة: العبد، والمعاهدون: اربه قال الهذلي:
كانت اربتهم بهز وغرهم ... عقد الجوار وكانوا معشرًا غدرا
والربابة أيضًا: الخريطة التي كانت تجعل فيها قداح الميسر. قال الهذلي:
فكأنهن ربابة وكأنه ... يسر يفيض على القداح ويصدع
وقال الأصمعي: الربابة: رقعة تجمع فيها القداح، قداح الميسر، وسميت بذلك من قولهم: «فلان يرب أمره ويجمعه» ولذل سميت «الرباب» لاجتماعهم
1 / 34
وتحالفهم وهم: ضبة بن أد، وتيم، وعدي، وعكل، وثور بنو عبد مناة بن أد.
قال: فأما الرباب في بيت أبي ذؤيب فالقداح نفسها سماها بالرقعة التي تضمها لأن العرب قد تسمى الشيء باسم الشيء إذا تعلق به أو جانسه أو ناسبه أو جاوره، فشبه أبو ذؤيب الاتن بالقداح لاجتماعهن، وشبه الحمار باليسر وهو صاحب الميسر وجمعه أيسار، وقوله: يفيض معناه: يدفع، ومنه الإفاضة من عرفات، وقوله: «يصدع» يقول: يفرق، وقوله: ﴿فاصدع بما تؤمر﴾: أي أفرق به وأظهره، والرباب بالفتح: سحاب دون السحاب. قال الشاعر:
كأن الربة دوين السحاب ... نعام يعلق بالارجل
والربة: ضرب من الشجر أو النبت، والربى: الشاة التي وضعت حديثًا، وإنما هي «فُعْلى» من ربيت بمعنى التربية.
ورب: حرف يقلل به وقوع الشيء.
قال المبرد: ورب للشيء قليلًا، يقع بعدها الاسم [إلا] منكورًا [لأنه واحد] يدل على أكثر منه، وفيه سبع لغات: يقال: رب، ورب بالتشديد، ورب
1 / 35
بالتخفيف، وربت، وربت، وتزاد فيه «ما» فيقال: ربما، وربما. أنشدنا ابن دريد:
وربت سائل عني حفي ... أعارت عينه أم لم تعارا
وقال آخر:
.............. أن ... رب هيضل لجب لففت بهيضل
وقال آخر:
رب من أنضجت غيظًا قلبه ... قد تمنى لي موتًا لم يطع
وقال المثقب العبدي:
أجدك ما يدريك أن رب بلدة ... إذ الشمس في الأيام طال ركودها
1 / 36
مسألة في رب من النحو:
يُقال: إذا كانت حروف الخفض صلات للأفعال وما تضمن معانيها فلم صارت حروف تتقدم وتتأخر إلا رب وحدها فإنها لا تقع إلا أولًا أبدًا، ألا ترى أنك تقول: «مررت بزيد»، «وبزيد مررت»، «ودخلت إلى أخيك»، «وإلى أخيك دخلت»، وكذلك سائر الحروف تتقدم وتتأخر إلا رب فإنها تكون في أول الكلام كقولك: «رب رجل جاءني»، ولو قلت «جاءني رب رجل» لم يجز، فما العلة في ذلك؟
الجواب في ذلك أن يقال: إن حروف الخفض إنما جاز تقديمها وتأخيرها لأنها صلات للأفعال والأسماء المشتقة منها، وإذا تصرف العامل تصرف المعمول فيه وما اتصل به. ورب ليست بصلة فعل ولا شيء متضمن معناه فلذلك لزمت موضعًا واحدًا لأن تأويلها أن تدل على الشيء الذي يقل وقوعه ولا يكون بعدها إلا ما يدل على أكثر منه.
وليس وقوع الشيء قليلًا هو الشيء الواقع ألا ترى أنك إذا قلت: رب رجل مررت به، فليست رب صلة مررت إنما الموصل لمررت [إلى]
ضمير الرجل الباء المتصلة بالهاء، ولا رب أيضًا صلة فعل مقدر قبلها ولا بعدها فلزمت مكانًا واحدًا لذلك، وخص بها أول الكلام كما خصصت حروف الجزاء وألف الاستفهام. وكذلك إذا قلت: «رب رجل قصدني» «ومر بي» فليس رب بموصلة للقصد والمرور إلى الرجل. ألا ترى أن المرور متصل بالباء، والقصد غير محتاج إلى حرف يوصله إلى الفعل. والدليل على ذلك وقوعها كما ترى قبل الأفعال التي لا تحتاج إلى حروف الخفض نحو «ضربت» و«قصدت» و«ظننت»، وما أشبه ذلك كقولك: «رب رجل ضربته»، «ورب رجل أعطيته درهمًا» وما أشبه ذلك.
وليست تقع حروف الخفض غير رب إلا بعد الأفعال المحتاجة إلى حروف الخفض لتوصلها إلى ما بعدها، وهذا بين واضح.
فإن قال قائل: فإذا لم تكن صلة فعل كسائر حروف الخفض فلم خفض بها؟.
قيل له: خفض بها لإضافتها المعنى الذي ذكرناه إلى المذكور بعدها ولم يجز رفع ما بعدها لأن رفع الاسم إنما يكون بمعنى الحديث عنه، وليس ما بعد رب بمحدث عنه
1 / 37
إنما الحديث عن فاعل الفعل المذكور بعدها: «ورب» وما اتصلت به من تمام الحديث. ولم يجز نصب ما بعدها لمنع الإضافة من النصب، فلم يبق إلا الخفض فخفض بها.
فإن قال قائل: فقد قلت: إن «رب» تدل على الشيء الذي يقع مثله قليلًا، وقد قال الله ﷿ ﴿ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين﴾ فهذا لما [لا]
يقع قليلًا.
فالجواب في ذلك: إن هذا إخبار عما يكون من الكافرين يوم القيامة من تمني كونهم في الدنيا مسلمين وهو تمن محال لأن تمنيهم يوم القيامة كونهم مسلمين في الدنيا غير نافع لهم، ولا جائز كونه لأنه قد فات. فكأنهم نبهوا على ذلك. وقيل لهم: كأن تمني مثل هذا في القيامة لا ينفعكم. وجائز أن يقع ذلك من بعضهم فيكون قليلًا بالإضافة إلى من لا يتمنى ذلك منهم لعلمه بإحالته. وجائز أن يكون إنما قلل على جهة التنبيه لهم. والله أعلم.
الرحمن الرحيم
صفتان لله ﷿ مشتقتان من الرحمة، فالرحمن فعلان، والرحيم فعيل.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قد يبنون الكلمتين من أصل واحد لمعنى واحد
1 / 38