اشتقاق اسماء نطق بها القرآن

ابن عزیز سجستانی d. 330 AH
82

اشتقاق اسماء نطق بها القرآن

كتاب معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن وجاءت بها السنن والأخبار وتأويل ألفاظ مستعملة

اصناف

الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، لكل ناعق أتباع (¬1) ، فقسم الناس ثلاثة أقسام ، وجعل للعالم والمتعلم حظا في العلم ، وألغى الثالث وسماه همجا ، ولو أن هذا الهمج تعلم لصار في طبقة المتعلمين ، ولما كان العلم محظورا عليه ، لأن العلم بالاكتساب ، قال : وسمي العلم علما لأنه علامة يهتدي بها العالم إلى ما قد جهله الناس ، وهو بمنزلة العلم المنصوب على الطريق ، والمنار المضروب على الحدود ، والعلم والعلم والعلامة مخرجها واشتقاقها من لفظ واحد ، لأن كل علم من العلوم في فن من الفنون هو علامة تدل العالم إلى ذلك الفن ، حتى يعرفه ويعلمه / ويصير إلى حقيقته ، بمنزلة 50 ب السمة والعلامة التي يوسم بها الشيء ، ويعلم بها عليه ، يقال : علمت على الثوب علامة ، وعلمت الرجل علما ، فصار العلم للإنسان بمنزلة العلامة ، ففرق بينه وبين الجاهل ، قرئ [وإنه لعلم للساعة ] (¬2) بفتح العين وكسرها ، وهما بمعنى واحد ، إذا كان علما لها ، فهو علم لنا ، والجهل ضد العلم ، وقال الخليل : الجهل نقيض العلم ، يقال : جهل فلان حق فلان ، وجهل علي فلان ، وجهل بهذا الأمر ، والجهالة أن يفعل فعلا بغير علم ، والجاهلية الجهلاء زمن الفترة ، إذ لا نبي ، ولا إسلام ، وسئل بعض العلماء فقيل له : متى يكون الإنسان خارجا عن حد الجهل إلى حد العلم ، قال : إذا علم أنه لا يعلم ، ألا ترى أن اللفظ قد أخرجه من حد الجهل حين علم أنه لا يعلم ، وإذا جهل أنه لا يعلم ، فهو في حد الجهل ، لأنه لا يعلم أنه لا يعلم ، فنفى عن نفسه العلم وثبت على الجهل ، والجاهلية هو نعت للخصلة والفعلة التي اجتمعت عليها أمة من الناس ، كما قالوا : المجوسية ، واليهودية ، والنصرانية ، وكما قالوا : الحنيفية ، لأن أمة من الناس اجتمعوا على هذه الخصلة والسنة والفعلة ، وصاروا لها أهلا ، وقولهم الجاهلية الجهلاء ، فهو على الغاية والمبالغة ، كما قالوا السوءة السوءاء ، أي / أنها غاية الجاهلية التي 51 أليس وراءها منتهى ، والفرق بين الجاهلية والجهل أن الجاهلية تكون بأمة من الناس ، يقال : هم أهل جاهلية ، والجهل ينفرد به الرجل الواحد ، يقال : رجل جاهلي من أهل الجاهلية ، ورجل جاهل إذا جهل أمرا ، وربما علم شيئا وجهل شيئا ، ويكون جاهلا بذلك الشيء ، عالما بغيره ، فأما الجاهلية فهو نعت لأمة قد جهلت الحق كله ، فلم تعرف منه شيئا 0 المعرفة والإنكار : يقال : رجل عارف بالشيء ، وله معرفة بالأمر ، إذا كان يميزه من ضده ، وخلافه بالمشاهدة والمعاينة ، ويقال : إن المعرفة جبلة في الخلق ، والعلم بالاكتساب والتعلم ، ومن أجل ذلك اشتركت البهائم ، وسائر الحيوان مع الناس في المعرفة ، وخص الناس بالعلم دون البهائم ، ويقال : سميت بهائم لأنها أبهمت عن كل شيء ، إلا عن معرفة الله ، فالإنسان يعرف ويعلم ، والبهيمة تعرف ولا تعلم ، لأن الإنسان يكتسب العلم ، والبهيمة لا اكتساب لها ، والبهيمة معرفتها تميز بين الضار والنافع لها في أمر معاشها ، وتتقي المهالك ، وتألف من ينفعها ، وتفر ممن يؤذيها ويضرها ، كالشاة تألف / الكلب ، وتفر من الذئب ، وتميز51ب بينهما ، وكالطير يفر من الجوارح ، ويألف اللواقط والبغاث ، فهذا من جهة المعرفة وضد المعرفة الإنكار ، كما أن ضد العلم الجهل، يقال : عرف الشيء وأنكره ، والمعرفة بالشيء هي المشاهدة التي تزيل الشك والمرية ، وهو التمييز بين الشيئين ثم اشتقوا من المعرفة المعروف ، ومن النكرة المنكر ، فقالوا : يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، فالأمر بالمعروف هو الأخذ بما لا مرية فيه ، ولا شك من أمر الدين ، فهو معرفة لا يحتاج إلى علامة تعرف به ، والنهي عن المنكر هو النهي عن التقحم في الجهالات والشبهات ، التي لا يعرف حقها من باطلها ، فكل مشتبه المعنى منكر ، وكل واضح المعنى معروف ، والمعروف والعرف لغتان ، وكذلك النكر والمنكر لغتان ، قال النابغة : " من الطويل "

صفحہ 130