اشتقاق اسماء نطق بها القرآن
كتاب معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن وجاءت بها السنن والأخبار وتأويل ألفاظ مستعملة
اصناف
فقلت له ارفعها إليك وأحيها بروحك يصف نارا قدحها له صاحبه ، فالروح النفس هاهنا ، يقول : ارفق بالنار إذا نفختها لا تنطفئ ، وقد نسب الروح في القرآن إلى نفسه ، وذكرها بالقدس والطهارة ، فقال : [فإذا سويته ونفخت فيه من روحي] (¬1) وقال للمسيح : روح الله ، وقال : [أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا] (¬2) وذكر النفس في القرآن ، وجعلها مضافة إلى بني آدم ، وجعلها المثابة المعاقبة ، فقال : [ كل نفس بما كسبت رهينة ] (¬3) وقال : [يا أيتها النفس المطمئنة] (¬4) وقال : [أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت] (¬5) وقال :[ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها] (¬6) ، فأعلمنا أن الثواب والعقاب على النفس ، ولم يخاطب الروح بشيء من ذلك ، بل ذكرها بالشرف والقدس والطهارة ، ولم ينسب النفس إلى ذاته كما نسب الروح ، وكلام الناس المتفق عليه أن الإنسان خصوصيته وذاته هي النفس ، يقولون : جئت بنفسي / وذهبت بنفسي ، ونصحت فلانا بنفسي ، ولم يقولوا: جئت بروحي 48 ب ولا ذهبت بروحي ، فصارت النفس ذاتا للإنسان ، والروح منسوب إلى الله ، فالفرق بين الروح والنفس واضح ، وأن الروح أعلى وأشرف من النفس ، وروي عن النبي عليه السلام إنه قال : ( إني أجد نفس ربكم من قبل اليمن) (¬7) ، وهذا معناه أن الأنصار من اليمن ، وأن الله نفس عن نبيه الكرب بهم ، وكما يقال في الدعاء : اللهم نفس عني كربي ، ونحوه الحديث (لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن ) (¬8) يريد : إنه يفرج بها الكرب ، ويذهب بها الجدب ، وقد نصر الله نبيه بالصبا ، ونفس عنه يوم الأحزاب بالريح ، فقال : [فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها] (¬1) وقال النبي عليه السلام لعمر بن الخطاب : (الريح من روح الله تأتي بالرحمة والعذاب فلا تسبوها ) (¬2) ، وقال قوم : الريح الدولة ، في تفسير قوله : [وتذهب ريحكم] (¬3) قال : دولتكم ، والعرب تسمي الدم نفسا ؛ لأن الإنسان إذا مات ذهب دمه ، وأما الحكماء من الأوائل فإنهم جعلوا النفس ثلاث جواهر ، فقالوا : نفس نامية ، وسموها نباتية ، وسموها حسية ، والنفس الأخرى النفس البهيمية ، والنفس الثالثة المنطقية / وهي أعلاها وأشرفها عندهم ، فحياة الإنسان 49 أعندهم لهذه الأنفس الثلاثة 0 العقل : روي في الحديث عن النبي عليه السلام أنه قال : ( أول ما خلق الله العقل فقال له أقبل ، فأقبل ، ثم قال له أدبر ، فأدبر ، فقال : بك آخذ ، وبك أعطي ، وبك أثيب ، وبك أعاقب ) (¬1) ، واختلفوا في مسكنه ، فقال قوم : مسكنه القلب ، واستدلوا بقوله : [ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ] (¬2) فذكر هاهنا القلب ، لأن العقل مسكنه ، وقال : [فتكون لهم قلوب يعقلون بها] (¬3) وقال قوم : مسكنه الدماغ ، ورووا عن علي عليه السلام أنه قال : تطهير الفم لأنه سبيل القرآن ، وتطهير الأنف لأنه سبيل تنفس الروح ليلا ، يرتد إلى الدماغ راجعا ، فيزاحم العقل في مكانه فيشغله عما قيض له ، فإن العقل مسكنه في الدماغ ، وتدبيره في القلب ، وعلى هذا دلت اللغة ؛ لأن الدماغ في أعلى الجسد ، وفي الرأس ، ويقال لرؤوس الجبال معاقل وللحصون معاقل ، وكل موضع ارتفع عن مسيل الماء معقل ، قال النابغة : " من الطويل "
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل (¬4)
عاقل : أي متحرز متحصن في رأس جبل ، فكأن العقل مشتق من ذلك ، لأنه صار في أعلى الجسد بمنزلة الذي صار في أعلى الجبل / الذي يقال له معقل 49 ب ، والعقيل الشريف من الرجال ، والعقيلة كذاك ، ونساء عقائل ، وعقيلة المال : خياره قال طرفة : " من الطويل"
صفحہ 125