اشتقاق اسماء نطق بها القرآن

ابن عزیز سجستانی d. 330 AH
49

اشتقاق اسماء نطق بها القرآن

كتاب معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن وجاءت بها السنن والأخبار وتأويل ألفاظ مستعملة

اصناف

والملائكة يذكر ويؤنث في القرآن ، وقال الأخفش : الملائكة جمع ملك ، وحقه في الأصل ملأك بلا هاء ، ولكن الهاء تأتي لتبيين تأنيث الجمع، كقولك : المناذرة ، والكواسجة ، وكأن الملائكة هو مأخوذ من المألكة ، وهي الرسالة ؛ لأن الله أرسل الملائكة إلى الأنبياء بالرسالة ، ويكون معنى الملائكة الرسالة ، وبهذا وصفهم ، فقال الله : [ يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ] (¬2) فالله يوحي إلى الملك ، والملك يوحي إلى النبي ، ولا يقدر النبي أن يرى ملكا ، حتى يتمثل له في صورة النسر ، وقيل : إن جبريل كان يأتي رسول الله في صورة دحية الكلبي (¬3) ، وقال حكاية عن قوم [وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا] (¬1) ، فقال : [ولو أنزلنا (¬2) ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ] لأنهم لا يقدرون أن يروا الملائكة إلا في الآخرة ، فأما في الدنيا فلا يقدرون على ذلك ، وجبريل وميكائيل هما الملكان اللذان أيد بهما رسول الله صلى الله عليه ، وبهما كان يؤيد الأنبياء ، وقال ابن عباس : جبريل وميكائيل ، كما يقال عبد الله وعبد الرحمن ، قال : وهما منسوب إلى ايل ، وايل اسم من أسماء الله ، فكان ابن عباس يذهب إلى أن هذه الأسماء منسوبة إلى الله ، وكل ما / جاء على 30أ هذا فهي أسماء مضافة إليه ، مثل : إسماعيل ، وإسرافيل وعزازيل ، وعزريائيل ، وما أشبهها مضافة إلى ايل ، وهو الله ، كما قلنا عبد الله ، ورسول الله ، ونبي الله ، وخليل الله ، وإسرافيل صاحب الصور ، وقيل : إن الصور كهيئة القرن، فيه ثقب بعدد أرواح الخلائق ، كذا ذكر في الخبر ، وقال أبو عبيدة (¬1) : الصور : جمع صورة ، يذهب إلى أن الله ينشئ صور الخلائق في المعاد ، ثم ينفخ فيها ، فإذا هم قيام ينظرون ، وملك الموت هو الموكل بأرواح بني آدم ، والملائكة خلق من خلق الله روحاني ، على ما رواه العلماء ، وإنما سموا ملائكة لإرسال الله إياهم إلى الأنبياء ، على ما دلت عليه اللغة من المألكة ، وهي الرسالة ، وقال بعض أهل اللغة : سموا ملائكة لأن الله خلقهم ، ووكل كل ملك بأمر من الأمور، واستحفظه ، واسترعاه ، وجعل تدبيره إليه ، وملكه منه ، فسمي ملكا ، وفتحت اللام منه فرقا بينه وبين الملك البشري ، وقد وكل الله بالريح ملكا ، وبالشمس ملكا ، وبالقمر ملكا ، وبالمطر ملكا وبالنبات ، وملك ذلك التدبير ، وسخر له ذلك الشيء الذي وكل به ، كما قيل ملك الموت ، سمي بذلك لأن الله ملكه أرواح العباد ، والملائكة الكرام الكاتبون قد وكلوا بكتب أعمال بني آدم ، ومنهم منكر ونكير ، روي عن النبي عليه السلام / أنه قال : ( إذا وضع العبد في قبره جاءه ملكان ، 30 ب يقال لأحدهما منكر، وللآخر نكير ، فيسألانه ، فإن كان كافرا، أو منافقا ، فيقال له : ما تقول في هذا الرجل يعني محمدا فيقول : لا أدري ، وسمعت الناس يقولون شيئا قلته ، فيقال له : لا دريت ، ولا تليت ، ولا اهتديت ) (¬1) ، وقال بعض أهل المعرفة : إنما سمي الملكان منكر ونكير لما يقع من إنكار العبد عند مسائلتهما إياه فهو ينكر ما يسألانه عنه ، فسؤالهما إياه منكر عنده ، وقوله عندهما منكر ، فمنكر في معنى مفعل ، ونكير فعيل في معنى فاعل ؛ لأن الإنكار وقع من العبد عند المسائلة ؛ لإنكاره قولهما ، ومن الملكين قوله فأحدهما فعيل في معنى فاعل ، والآخر مفعل في معنى مفعول ، ويصدق هذا قوله في حديث آخر : ( هما للكافر منكر ونكير ، وللمؤمن مبشر وبشير ) (¬2) ، يعني أن العبد استبشر بما يسألانه عنه ، فيبشراه بالجنة عند المساءلة ، فأحدهما مبشر ، والآخر بشير ، ويقال لصنف من الملائكة ( كروبيين ) (¬3) ولصنف روحانيين ، والملائكة في الأصل روحانية ، ولكن لما ذكر الكروبيون ، ذكر الروحانيون ، وهو مأخوذ من الروح والكرب ، فمعناه : ملائكة الرحمة ، وملائكة العذاب ؛ لأن العبد يستروح إلى ما يورده عليه ملايكة الرحمة من الرحمة ، وإلى ما يعرفه مما له عند الله ، والكافر يجد الكرب والغم ، مما يورده عليه ملائكة العذاب ، فقيل لملائكة الرحمة روحانيون ، ولملائكة العذاب كروبيون / ويقال للملك الموكل بالنار مالك ، كأنه الذي ملك النار كلها ، 31 أووكل بعذاب أهلها ، ويقال للملك الموكل بالجنة رضوان ، وهو خازن الجنة ، فكأن الله وكله بمجازاة من رضي عنه من عباده ، فاشتق اسمه من الرضا ، والزبانية هم الموكلون بعذاب أهل النار ، واشتق اسمهم من الزبن ، والزبن الدفع ، سموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النار في النار ، ويرمونهم فيها ، يقال : زبنه إذا دفعه ، وقال الله تعالى : [يوم يدعون إلى نار جهنم دعا] (¬1) فالدع الدفع ، وكذلك قوله : [فذلك الذي يدع اليتيم ] (¬2) أي يدفعه ، والزبن الدفع ، فسموا بذلك 0

الجن والإنس : الجن في اللغة مأخوذ من الاجتنان ، وهو التستر ، والاستخفاء ، يقال : جنين ومجنون ، أي مستور ، وقال الله تعالى : [وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ] (¬3) وسمي الجنين جنينا لاستتاره ، وقال الله تعالى : [فلما جن عليه الليل] (¬4) أي جعله في جنة من سواده ، قال لبيد : " من الكامل "

صفحہ 86