ـ[الإشراف على مذاهب العلماء]ـ
المؤلف: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (المتوفى: ٣١٩هـ)
المحقق: صغير أحمد الأنصاري أبو حماد
الناشر: مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة - الإمارات العربية المتحدة
الطبعة: الأولى، ١٤٢٥هـ - ٢٠٠٤ م
عدد الأجزاء: ١٠ (٨ ومجلدان للفهارس)
تنبيهان:
١ - حذفنا من الكتاب ما أضافه المحقق اختصارا من الأوسط أو جمعا من كتب أخرى كالمغني والمجموع، فاقتصر هذا الكتاب الإلكتروني على ما ورد في مخطوطات الإشراف لابن المنذر
٢ - في المجلد السادس وجدنا صفحات ساقطة من جميع النسخ الورقية التي وقفنا عليها لهذه الطبعة، فأكملنا السقط من طبعة قطر تحقيق محمد نجيب سراج الدين، ونبهنا على ذلك في موضعه (انظر مثلا: كتاب المضاربة)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
نامعلوم صفحہ
الإشراف
على مذاهب العلماء
لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر
النيسابوري ٣١٨هـ
المجلد الأول
حققه وقدم له وخرج أحاديثه
د. أبو حامد صغير أحمد الأنصاري
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
الإشراف
على مذاهب العلماء
1 / 3
حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
١٤٢٥هـ - ٢٠٠٤ م
الناشر
مكتبة مكة الثقافية
هاتف: ٢٣٦١٨٣٥ - ٧ - ٠٠٩٧١
فاكس: ٢٣٦٢٨٣٦ - ٧ - ٠٠٩٧١
ص. ب. ٢٣٢٦
رأس الخيمة - الإمارات العربية المتحدة
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الإشراف
بين يدي الكتاب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ الآية (١).
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ الآية (٢).
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الآية (٣).
_________
(١) سورة آل عمران: ١٠٢.
(٢) سورة النساء: الآية الأولى.
(٣) سورة الأحزاب: ٧٠ - ٧١.
1 / 5
أما بعد ...
فإن الاشتغال بعلوم الدين من أهم الفضائل والأعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته الدنيا، ومن ثم يطمع فيها منال رضا الله ﷾ في الآخرة، ولذا تواترت النصوص والأخبار في الحث على طلبها وتعلمها وتعليمها، لا سيما علمي الفقه والحديث، وكتابنا هذا "الإشراف على مذاهب العلماء" لأبي بكر محمد ابن إبراهم بن المنذر المتوفى ٣١٨ هـ يجمع بين هذين العلمين إذ صاحبه مفسر، محدث، فقيه، وكان يلقب بشيخ الحرم، وفقيه مكة في عصره، ولست بحاجة إلى تعريف القراء بأهمية هذا الكتاب، فجميع كتب الفقه، وخاصة كتب الخلاف تعتبر من المصادر القيمة لدى الباحثين في تطور الحياة الاجتماعة في مختلف العصور الإسلامة وإننا لنجد في هذا الكتاب من الفوائد، والمواد، والبيان ما لا نجده في أي مصدر آخر يعني بهذا الموضوع.
ولا شك أن هذا الكتاب مختصر اختصره المؤلف من كتابه "الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف"، ومع هذا فإنه أكمل كتاب في موضوعه، وهو يجمع أصول الشريعة من الآيات القرآنية، والآحاديث الصحيحة، ويجمع إجماع العلماء واختلافهم من عصر الصحابة إلى أتباع التابعين ومن بعدهم إلى عصره، ويرجح ما يتبين له راجحا بالدليل دون تقيد بآراء الرجال ولا بأقوالهم.
وهذا ما دفعني لإكمال تحقيق هذا الكتاب الذي بدأت به في سنوات عديدة، وقد تأخر تحقيقه ونشره بسبب عدم الحصول على النسخة الخطية من أول الكتاب.
1 / 6
وإن هذا الكتاب يحتوي على جميع الأبواب الفقهية من أولها إلى آخرها، التي تساعد في معرفة الكتب والأبواب الناقصة في "كتاب الأوسط" الأصل لكتاب "الإشراف".
وأن تحقيق هذا الكتاب وفهرسته الفنية، لا سيما فهرسة تفصيلية أبجدية للمسائل الفقهية الخلافية، على طريقة المعاجم اللغوية، التي هي بمثابة مقدمة تعينني على إعداد "المعجم الفقهي" الذي يدل على كل مسأله فقهية، ويدل على أقوال الفقهاء فيها، ويدل على مصدر المسألة ومصدر آقوال الفقهاء من الكتب المختارة من أمهات الكتب، وقد بدأت في إعداده، أرجو من الله تعالى العون والتوفيق لإكماله، وهو على كل شيء قدير.
قد سبق أن طبع كتاب "الإشراف على مذاهب العلماء" (المجلد الرابع) بتحقيى الذي يبدأ بكتاب النكاح، إلى أول كتاب البيوع، وبتحقيق الدكتور نجيب سراج الذي يبدأ بكتاب الشفعة إلى آخر كتاب الغصب في مجلدين، في رسالته الدكتوراه، ثم ضمت هذه المجلدات الثلاثة وظهرت في طبعه جديدة بدعوى تحقيق جديد خادع، مع بقاء الترتيب، ثم ظهرت طبعة جديدة أخرى بتحقيق محقق جاهل فاضل مع تغيير الترتيب، وسأتناول الحديث عن هاتين الطبعتين في مبحث خاص في المقدمة.
وهذا الصنيع المؤلم لهذين المحققين الذي يوسم وسمة سوداء على جبين المحققين دفعني أن أنهض لكتاب الإشراف، وأكمل ما سقط من النسخة المخطوطة بعد الاختصار مني من "الأوسط" إن وجد، وبالاستعانة بكتب أخرى مثل المجموع للنووي، والمغني لابن قدامة، والمحلى لابن حزم.
وإنني أحمد الله على ما يسره من إتمام هذا العمل، وأتوجه بالشكر لكل من ساهم به، لا سيما اولادي بنين وبنات، الذين ساهموا بمقابلة النصوص،
1 / 7
والفهرسة، والطباعة على الحاسوب، فبارك الله في جهودهم، ورزقهم علمًا نافعًا ووفقهم لما يحب ويرضى، والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، حرر ذلك في أول محرم ١٤١٩ هـ، الموافق ٢٧/ ٤/ ١٩٩٨ م.
د. أبو حماد صغير أحمد الأنصاري
أستاذ مساعد
بمعهد العلوم الإسلامية والعربية- رأس الخيمة- سابقًا
أستاذ مساعد
بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا- العين- حاليًا
يوم الاثنين ٢٨/ رمضان المبارك/ ١٤٢٣ هـ
٢/ ديسمبر/٢٠٠٢ م
1 / 8
١ - ابن المنذر النيسابوري
١ - مولده ونشأته:
هو أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر بن الجارود النيسابوري، الحافظ، العلامة، الفقيه، المجمع على إمامته وجلالته، ووفور علمه، ولد بنيسابور عاصمة خراسان في ذلك الزمان، قال الذهبى ولد في حدود موت أحمد بن حنبل (١)، وقال الزركشى: ولد سنة اثنين وأربعين ومائتين من الهجرة (٢)، ونشأ وتعلم، وسمع طائفة من شيوخ التفسير، والحديث، والفقه، حتى برع فيها، وبدت نجابته، وذاع صيته، وعلت منزلته، حتى جلس مجلس المحدثين، وبدأ التحديث من موطنه الأصلى، قال تلميذه أبو بكر الخلال الحنبلي: حدثنا الأكابر بخراسان منهم محمد بن المنذر (٣).
٢ - رحلاته العلمية:
برز الإِمام ابن المنذر في أنواع كثيرة من العلوم الشرعية، وقد استحق مسند التدريس في نيسابور في أثناء إقامته بها، ولم يستقر به المقام هناك، حتى نزل مكة شوقًا في طلب العلم وحرصًا على استيعابه، وسكنها، فكان يعرف بفقيه مكة، وشيخ الحرم، وقد طاف في البلاد للعلم والمعرفة، فسافر إلى بغداد وسمع من المشايخ، يقول ابن المنذر: حدثنا كثير بن شهاب ببغداد حدثنا
_________
(١) سير أعلام النبلاء ١٤/ ٤٩٠.
(٢) الأعلام ٥/ ٢٩٤، وحيث كانت وفاة الإمام أحمد سنة ٢٤١ هـ، فكان هذا التحديد تقريبًا مقتبسًا من قول الإِمام الذهبى السابق.
(٣) ط. الحنابلة ١/ ٣٨.
1 / 9
محمد بن سعيد بن سابق حدثنا عمرو يعني ابن أبي قيس عن عاصم قال: أغمى على أنس بن مالك فلم يقض صلاتة (١).
ورحل إلى مصر وسمع هناك من الربيع وغيره من العلماء، يقول ابن المنذر: حدثنا بكار بن قتيبة بمصر حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا محمد بن العجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: "إنما أنا لكم مثل الوالد للولد، ون يأمرنا بثلانة أحجار" (٢).
قال الذهبي: لم يذكره الحاكم في تاريخه، نسيه، ولا هو في تاريخ بغداد، ولا تاريخ دمشق، فإنه ما دخلها (٣).
٣ - شيوخه:
إن ابن المنذر عاصر الثقافة الإسلامية في أيمن وأزهى عصورها، حين رسخت أصولها، وامتدت فروعها، وظهر فيها كثر من المحققين والبارعين والنبلاء من العلماء، كل فن من فنون العلم، وفي كل فرع من فروع المعرفة.
فأخذ ابن المنذر العلم، والفقه، والحديث من مثل هؤلاء العلماء الكثيرين المنتمين إلى مختلف الأقطار، وإن كثرة شيوخة، واختلاف أقاليمهم، وتنوع مذاهبهم وثقافهم، أفادته معرفة فقه المذاهب المخَتلفة، والتبحر فيه بكل دقة، وإحكام.
_________
(١) الأوسط ٣٩١: ٤ رقم الأثر ٢٣٣٣.
(٢) الأوسط ١/ ٣٤٤ رقم الحديث ٢٩٥.
(٣) سير أعلام النبلاء.
1 / 10
ومن أشهر شيوخه في الفقه والحديت:
أ- محمد بن إسماعيل البخاري ٢٥٦ هـ إمام الحفاظ، صاحب الصحيح.
٢ - الحسن بن محمد الزعفراني البغدادي ٢٥٩ هـ أحد رواة مذهب الشافعي القديم.
٣ - محمد بن عبد الله المصري المالكي ٢٦٨ هـ من أصحاب الإمام الشافعي.
٤ - الربيع بن سليمان المرادي ٢٧٠ هـ صاحب الإمام الشافعي وراوية كتبه.
٥ - محمد بن عبد الوهاب العبدي ٢٧٢ هـ النيسابوري، الفقيه الأديب.
٦ - محمد بن إسماعيل الصائغ ٢٧٦ هـ أبوجعفر، محدث مكة في زمانه.
٧ - محمد بن إدريس الرازي ٢٧٧ هـ أبو حاتم، الحافظ، إمام النقاد.
٨ - محمد بن عيسى بن سوره الترمذي ٢٧٩ هـ الإِمام الحافظ، صاحب الجامع.
٩ - إسحاق بن إبراهيم الديري ٢٨٥ هـ صاحب عبد الرزاق، وراوية كتبه.
١٠ - علي بن عبد العزيز البغوي ٢٨٦ هـ الحافظ الأديب المجاور بمكة المكرمة.
1 / 11
٤ - تلاميذه:
لا شك أن فرصة الإقامة بمكة المكرمة تغني عن أسفار كثيرة، طويلة أو قصيرة، حيث أنها كانت أول منبع نور الهداية ثم صارت مرد جمع المسلمين من أطراف العالم، لوجود بيت الله فيها، ولأداء فريضة الحج والعمرة كل سنة، وتذكر لنا كتب التاريخ، وكتب التراجم أن علماء المسلمين قد كانوا يكثرون الحج والعمرة لكسب الأجر والثواب، ولتلقي العلم من العلماء الواردين إليها، والمشايخ الساكنين بها.
وإن سكنى ابن المنذر بلد الله الحرام كما هيأت له السماع من شيوخ كثيرين من أقطار العالم، فقد هيأت له طلاب العلم الذين سمعوا منه الحديث والفقه عند قدومهم مكة المكرمة، ثم هم نشروا علمه في أرجاء بلاد المسلمين.
ومن أشهرهم:
أ- أبو مروان عبد الملك بن العاصي بن محمد السعدي ٣٣٠ هـ: من علماء الأندلس، رحل إلى مكة وسمع من ابن المنذر كثيرًا (١).
٢ - أبو عمر أحمد بن عبادة الرعيني٣٣٢ هـ نشأ في قرطبة، ورحل إلى مكة، وسمع ابن المنذر وتفقه عليه (٢).
٣ - محمد بن أحمد بن إبراهيم البلخي، روى عن ابن المنذر كتابي الإشراف والإقناع بمكة في الحرم سنة ٣١٥ هـ (٣).
٤ - أبو حاتم محمد بن حبان البستي ٢٥٤ هـ، سمع من ابن المنذر بمكة (٤).
_________
(١) تاريخ علماء الأندلس١/ ٢٧٣ (٨٢٠).
(٢) تاريخ علماء الأندلس ١/ ٣٤ (١٠٥).
(٣) الإقناع ٢/ ألف.
(٤) معجم البلدان ١/ ٤١٦.
1 / 12
٤ - سعيد بن عثمان بن عبد الملك الأندلسي رحل إلى المشرق فسمع من ابن المنذر بمكة كتاب الإقناع، وأجاز له (١).
٥ - محمد بن إبراهيم بن علي المقري ٣٨١ هـ سمع من ابن المنذر بمكة كتاب اختلاف العلماء (٢).
٦ - محمد بن عبد الله بن يحيى الليثي ٣٣٩ هـ، رحل سنة ٣١٢ هـ فسمع من ابن المنذر بمكة (٣).
٧ - عبد البر بن عبد العزيز بن مخارق، رحل إلى المشرق ولقي ابن النذر، وحدث عنه كتاب الإقناع (٤).
٨ - محمد بن إبراهيم بن أحمد أبوطاهر الأصبهاني، ابن عم نعيم الأصبهاني (٥).
٩ - محمد بن يحيى بن عمار الدمياطي (٦).
وممن سمع كتاب الإشراف من ابن المنذر ورواه عنه:
١ - أحمد بن إسحاق الغافقي أبو عمر ٣٧٢ هـ (٧).
٢ - أحمد بن عبادة بن علكدة أبو عمر الرعيني ٣٣٢ هـ، من أهل قرطبة (٨).
٣ - إساعيل بن الفضل أبو الفتح السراج.
_________
(١) تاريخ علماء الأندلس ١/ ١٧٠ (٥٠٦).
(٢) اختلاف العلماء الورقة الأولى /ألف.
(٣) تاريخ علماء الأندلس ٢/ ٥٨ (١٢٥٣)، والديباج المذهب ٢/ ٢٢٤.
(٤) تاريخ علماء الأندلس١/ ٢٩٤ (٨٧٠).
(٥) لسان الميزان ٥/ ٢٨.
(٦) تذكرة الحفاظ ٣/ ٧٨٢، سير أعلام النبلاء ١٤/ ٤٩٠، ط. السبكي ٣/ ١٠٢، العقد الثمين ١/ ٤٠٧.
(٧) تاريخ علماء الأندلس ١/ ٥١ رقم ١٧٠.
(٨) تاريخ علماء الأندلس ١/ ٣٤ رقم ١٠٥.
1 / 13
٤ - الحسن بن علي بن شعبان المصري.
٥ - عبد الله بن أبي زيد النفزى القيرواني أبو محمد الفقيه المالكي ٣٨٦ هـ.
٦ - محمد بن يحيى بن عمار الدمياطي أبو بكر ٣٨٤ هـ (١).
٧ - منذر بن سعيد أبو الحكم البلوطي ٣٥٥ هـ، من أهل قرطبة (٢).
٨ - محمد بن عبد الله بن يحيى أبو عبد الله الليثي ٣٣٩ هـ، من أهل قرطبة (٣).
٩ - محمد بن أحمد بن إبراهيم بن بانيك البلخي أبو عبد الله (٤).
١٠ - محمد بن إبراهيم بن المقري ٣٨١ هـ (٥).
٥ - مذهبه:
كان محدثًا ثقة، فقيهًا عالمًا، مطلعًا مجتهدًا، إلا أنه كان كثير الميل إلى مذهب الشافعية، وهو معدود في أصحابه، كذا قال تقي الدين الفاسي (٦)، وقال السبكى: المحمدون الأربعة: محمد بن نصر، ومحمد بن جرير، وابن خزيمة، وابن المنذر من أصحابنا، وقد بلغوا درجة الاجتهاد المطلق، ولم يخرجهم ذلك عن كونهم من أصحاب الشافعي، والمتخرجين على أصوله، المتمذهبين بمذهبه، لو فاق اجتهادهم اجتهاده (٧) وعده الشيرازي من أصحاب الشافعي، وذكره كثيرا في المهذب، وفي طبقات الفقهاء وقال: صنف
_________
(١) لسان الميزان ٥/ ٢٨.
(٢) تاريخ علماء الأندلس ٢/ ١٤٤ رقم ١٤٥٤، قضاة الأندلس/٧٤.
(٣) تاريخ علماء الأندلس ٢/ ٥٨ رقم ١٢٥٣، الديباج المذهب ٢/ ٢٢٤.
(٤) ابن عطية/١٠٢، الإقناع ٢/ ألف.
(٥) التحبير في المعجم الكبير ١/ ١٠٣.
(٦) العقد الثمين ١/ ٤٠٧.
(٧) ط. الشافعية الكبرى ٢/ ١٠٢ - ١٠٣.
1 / 14
في اختلاف العلماء كتبا لم يصنف أحد مثلها، واحتاج إلى كتبه الموافق والمخالف (١).
وقال النووي: ولا يلتزم التقيد في الاختيار بمذهب أحد بعينه، ولا يتعصب بأحد، ولا على أحد، على عادة أهل الخلاف، بل يدور مع ظهور الدليل ودلالة السنة الصحيحة، ويقول بها مع من كانت، ومع هذا فهو عند أصحابنا معدود من أصحاب الشافعي، مذكور في جميع كتبهم في الطبقات (٢).
وذكر الذهبى قول النووي وقال: قلت: ما يتقيد بمذهب واحد إلا من هو قاصر في التمكن من العلم كأكثر علماء زماننا، أو من هو متعصب (٣).
والحق كما قال الذهبي، فإنه كان يأخذ بالقول الذي يؤيده الدليل، ولا يتعصب لقول أحد، ولا على أحد، وكان إذا خالف قول أحد من الفقهاء الدليل رده، وبين مخالفته للدليل، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولذا قال الذهبى: كان غاية في معرفة الاختلاف والدليل، وكان مجتهدا لا يقلد أحدًا (٤).
٦ - مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
لقد بلغ ابن المنذر ذروة العلم في الفقه والحديث، فإن يعرف بفقيه مكة وشيخ الحرم، ومؤلفاته التي أتقنها وأجاد فيها تشهد بذلك.
والمؤلف ﵀ قد غلب عليه الجانب الفقهي، والتخصص في فن الخلاف حتى صار إمام هذا الفن بحق، ونهج في هذا الفن منهجًا لم أره في كلب معاصريه، فقد توسع ذكر أقوال أهل العلم، وفي الاستدلال لها بالكتاب والسنة وأقوال
_________
(١) ط. الفقهاء /٨٩.
(٢) تهذيب الأسماء واللغات ١ق ٢/ ١٩٧.
(٣) سير أعلام النبلاء ١٤/ ٤٩١.
(٤) تذكرة الحفاظ ٣/ ٧٨٢.
1 / 15
الصحابة والتابعين، حتى صارت كتبه الفقهية والحديثية مصدرًا للفقهاء والمحدثين على حد سواء.
قال النووي: الإمام المشهور، أحد أئمة الإسلام المجمع على إمامته وجلالته، ووفر علمه، وجمعه بين التمكن في علمى الحديث والفقه، وله المصنفات المهمة النافعة في الإجماع، والخلاف، وبيان مذاهب العلماء، منها الأوسط، والإشراف، وكتاب الإجماع وغيرها، واعتماد علماء الطوائف كلها في نقل المذاهب ومعرفتها على كتبه، وله من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه أحد، وهو في نهاية من التمكن في معرفة صحيح الحديث وضعيفه (١)، وقال في المجموع بعد أن نقل عبارات من قوله: هذا كلام ابن النذر، الذي لا شك في إتقانه وتحقيقه، وكثرة اطلاعه على السنة، ومعرفته بالدلائل الصحيحة، وعدم تعصبه (٢).
وقال ابن القطان: كان ابن المنذر فقيها، محدثا ثقة (٣) وقال الداؤدي: أحد الأعلام، وممن يقتدي بنقله في الحلال والحرام، كان إمامًا مجتهدًا، حافظً ورعًا (٤) وقال ابن شهبة: ابن النذر النيسابوري الفقيه، نزيل مكة، أحد الأئمة الأعلام، وممن يقتدي بنقله في الحلال والحرام، صنف كتبًا معتبرة عند أئمة الإسلام (٥).
وقال ابن الهمام: والذين يعتمد على نقلهم وتحريرهم مثل ابن المنذر، كذلك ذكروا، فحكى ابن المنذر عنهما (أبو يوسف، ومحمد) أنه يحد في ذات
_________
(١) تهذيب الأسماء واللغات ١ق ٢/ ١٩٦.
(٢) المجموع ١/ ٥٧.
(٣) مختصرطبقات علماء الحديث ١٣١/ ٢.
(٤) ط. المفسرين ٢/ ٥٥.
(٥) ط. الشافعية ١/ ٦٠.
1 / 16
المحرم، ولا يحد في غير ذلك، قال: مثل أن يتزوج المجوسية، أو خامسة، أو معتدة (١).
ونقل النووي كلام ابن المنذر في نقض الوضوء بخروج شيء من غير السبيلين كدم الغصد، والحجامة، والقىء، والرعاف، وقال: وقال أبو بكر ابن المنذر: لا وضوء في شيء من ذلك، لأني لا أعلم مع من أوجب الوضوء فيه حجة، ثم قال النووي: هذا كلام ابن المنذر الذي لا شك في إتقانه، وتحقيقه، وكثرة اطلاعه على السنة، ومعرفته بالدلائل الصحيحة، وعدم تعصبه. والله أعلم (٢).
٧ - مؤلفاته:
ألف ابن المنذر كتبا كثرة مهمة نافعة في شتى العلوم، فمنها ما بقي تداوله العلماء، وتذكره الكتب، ومنها ما ذهب به كر الدهر ومر الزمان، فلم يترك لنا حتى اسمه، وكانت كتب ابن المنذر مصدرا وثيقا للمفسرين، والمحدثين، والفقهاء، والأصوليين وغيرهم ممن جاء بعده، فاعتمدوا على روايته للأحاديث، وفي تصحيحها وتضعيفها، وعلى نقله لأقوال الصحابة وأهل العلم من بعدهم في المسائل الفقهية الخلافية، فلا تكاد تجد كتابا من كتب التفسير، أو شروح الحديث، أو كتب الفقه التي تهتم بإجماع العلماء وخلافهم، إلا وفيه نقل من بعض مؤلفاته، وأذكر مثالًا واحدًا، فإن الحافظ ابن حجر قد ذكر اسم ابن المنذر في فتح الباري أكثر من ٥٩٠ مرة في نقله عنه.
_________
(١) فتح القدير ٥/ ٢٦٠.
(٢) المجموع ٢/ ٧٥.
1 / 17
أما مؤلفات ابن المنذر التي وصلت إلينا، أو تذكره الكتب فهي كالآتي:
(١) تفسير القرآن الكريم (١).
(٢) المبسوط (٢).
(٣) كتاب السنن والإجماع والاختلاف (٣).
(٤) الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (٤).
(٥) مختصر كتاب السنن والإجماع والاختلاف (٥).
(٦) اختلاف العلماء (٦).
(٧) الإشراف على مذاهب العلماء (٧).
(٨) كتاب الإجماع (٨).
_________
(١) يوجد جزء منه في مكتبة "جوتا" بألمانيا برقم ٥٢١، تاريخ الأدب العرب ٣/ ٣٠٠.
(٢) ذكره ابن خلكان وغيره، وفيات الأعيان ٤/ ٢٠٧، سير أعلام النبلاء ١٤/ ٤٩٠.
(٣) ذكره السبكي في ط. الشافعية الكبرى ٣/ ١٠٢، ١٠٥، ونقله عنه غيره، وقد صرح به المؤلف في الأوسط ١/ ٢١٩، ٣٦٠.
(٤) كتاب حافل في المسائل الفقهية، وهو مختصر من كتاب المبسوط، طبع منه خمس مجلدات فقط بتحقيقها، وسيصدر قريبا بإذن الله تعالى الأجزاء الأخرى.
(٥) صرح به المؤلف في كتابه الإشراف ٢/ ٤٠٣ رقم المسألة ١٧٨١.
(٦) ذكره العلماء، وقد وجدت منه قطعتين، الأولى: من أول الكتاب إلى أثناء باب الجمعة، والثانية: من أول الكتاب إلى منتصف كتاب الحيض، وهو المختصر الأول لكتاب الأوسط، حيث لا يوجد بينهما إلا فارقان، الأول: حذف الآثار المسندة في اختلاف العلماء، والثاني: حذف شرح الكلمات الغريبة فيه أيضا، راجع مقدمة الأوسط ١/ ٢٤، ٤٠ - ٤٤.
(٧) وهو كتابنا هذا الذي نحن في صدد تقديمه، وهو المختصر الثاني لكتاب الأوسط.
(٨) طبع الكتاب بتحقيقنا عام ١٩٨٢م، وأعيد طبعه الآن بعد زيادات في التحقيق والتنقيح.
1 / 18
(٩) الإقناع (١).
(١٠) إثبات القياس (٢).
(١١) أدب العباد.
(١٢) تشريف الغني على الفقر.
(١٣) جامع الأذكار.
(١٤) الإقتصاد في الإجماع والخلاف.
(١٥) كتاب السياسة.
(١٦) جزء ابن المنذر عن ابن النجار وابن دينار.
(١٧) كتاب المناسك.
(١٨) رحلة الإمام الشافعي إلى المدينة المنورة.
(١٩) زيادات على مختصر المزني إسماعيل بن يحيى (٣)
(٢٠) كتاب أحكام تارك الصلاة (٤).
(٢١) كتاب مختصر الصلاة (٥).
(٢٢) مختصر كتاب الجهاد (٦).
_________
(١) وهو المختصر الثالث لكتاب الأوسط، حيث حذف فيه المؤلف الآثار المسندة، وذكر بعض الأحاديث مسندا، وذكر أحكاما مجردة عن الأدلة، وعن أقوال الفقهاء كثير منها، وقد طبع الكتاب بتحقيق فضيلة الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين في رسالته الدكتوراه، وتحقيقنا أيضًا.
(٢) ذكره ابن نديم في الفهرست / ٢١٥.
(٣) راجع مقدمة الأوسط ١/ ٣٧ - ٣٩.
(٤) ذكره المؤلف في كتاب الإقناع، راجع تحت رقم الحديث ٧١٠.
(٥) ذكره المؤلف في محاب الإقناع، راجع تحت رقم المسألة ٣٩٠.
(٦) ذكره المؤلف في محاب الإقناع، راجع تحت رقم المسألة ١٩٨٠.
1 / 19