الإشراف على نكت مسائل الخلاف القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي المتوفى سنة ٤٢٢هـ قارن بين نسخه وخرج أحاديثه وقدم له الحبيب بن طاهر دار ابن حزم الطبعة الأولى ١٤٢٠هـ- ١٩٩٩م

نامعلوم صفحہ

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد باب الطهارة [المياه] [١] مسألة: وصف الماء وغيره بأنه طهور، يفيد أنه طاهر مطهر، خلافًا لأبي حنيفة في قوله: إنه يفيد كونه طاهرا، ولا يفيد كونه مطهرا، لقوله تعالى: ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورا﴾ فوصف أنه طهور، ثم قال تعالى: ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به﴾. فكان ذلك تفسيرا لكونه طهورا، فدل على أن معناه أنه طاهر مطهر، وقوله ﷺ: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)، وقد علم أنه لم يخص بكونها طاهرة، لأنها كانت طاهرة قبله فدل أنه خص بكونها مطهرة، وقوله ﵇ وقد سئل عن الوضوء بماء البحر فقال: (هو الطهور ماؤه)،

1 / 107

فلو كان الطهور معناه الطاهر لم يكن مجيبا لهم. ومثله قوله ﵇: (دباغ الأديم طهوره) معناه يطهره، ولأن أهل اللغة والشرع قصروا هذا الاسم على الماء دون سائر المائعات، فلم يصفوا الخل واللبن ولا غيرهما أنه طهور، ووصفوا الماء بذلك فدل على اختصاصه بمعناه، ولا يصح ذلك في الطهارة وحدها، لأن سائر المائعات شركة فيها فتزول فائدة تخصيصه فصح أنها الطهارة والتطهير، لأن هذه الصيغة مبنية للمبالغة، ومفيدة للتكرار، كقولهم: سيف قطوع، ورجل صبور وشكور، وذلك لا يتصور في الطهارة دون التطهير. [٢] (فصل) وهذا الذي ذكرناه من تضمنه للتكرار، خلافًا للشافعي، في قوله: إنه لا يتكرر التطهير به، لما ذكرناه من أن هذه الصيغة مبنية للمبالغة، وأنها لا تستعمل إلا فيما يتكرر منه الفعل المبالغ فيه، كقولهم: رجل صبور وشكور وضروب وسيف قطوع وما أشبه ذلك، وفي القول سبب يمنع التكرار استعماله فيما لم يستعملوه فيه، وإبطال معنى المبالغة في الصيغة. [٣] مسألة: يقال ما أصل الطهارة؟ وما حدها؟ وما أركانها؟ وما شروطها؟ وما حكمها؟ وما نواقضها؟ [٤] مسألة: لا يزال حكم النجس على الأبدان والثياب بمائع غير الماء، خلافًا لأبي حنيفة. لقوله ﵇ في دم الحيض: (حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء) والمعين لا يقع الامتثال إلا به. ولأن التعيين

1 / 108

يمنع التخير، ولأنها طهارة شرعية فلم تصح باللبن والخل كطهارة الحدث، ولأنها مائع لا يرفع الحدث، فلم يطهر المحل بغسله به أصله المائع النجس. ولأن المائع لما لم يرفع النجاسة عن نفسه لم يرفعها عن غيره عكسه الماء. [٥] مسألة: ماء البحر طاهر مطهر خلافًا لمن منع. لقوله تعالى: ﴿فلم تجدوا ماء فتيمموا﴾ فعم، وقوله ﵇ وقد سئل عن المتوضيء بمائه: (هو الطهور ماؤه). ولأنه نوع من المياه فأشبه سائرها. [٦] مسألة: لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر، لقوله تعالى: ﴿فلم تجدوا ماء فتيمموا﴾، فلم يجعل بين الماء والصعيد واسطة، ولأنه مائع لا يجوز الوضوء به حضرا فلم يجز به سفرا كاللبن ولأنه مائع لا يرفع الحدث كسائر المائعات، ولأنه على أصلنا نجس. [٧] مسألة: إذا تغير أحد أوصاف الماء بزعفران أو عصفر أو غيره مما ينفك منه غالبا فلا يجوز الوضوء به، خلافًا لأبي حنيفة، لأن كل ما لو تغير الماء به عن طبخ منع الوضوء به، فكذلك إذا تغير من غير طبخ، أصله ماء الباقلاء، ولأنه تغير بما ليس بقرار له، وبما ينفك عنه غالبا، فأشبه إذا أغلي فيه.

1 / 109

[إزالة النجاسة] [٨] مسألة: السيف إذا أصابه دم أجزأ مسحه عن غسله، خلافًا للشافعي، لأنه صقيل متكاتف الأجزاء لا يتخلله النجاسة، ولأن الضرورة تدعو إلى ذلك، لئلا يفسد متى تكرر غسله. [٩] (فصل) وفي غسل الخف من أرواث الدواب روايتان: إحداهما: أنه يغسل اعتبارا بالثياب. والأخرى: يمسح، لأن غسله فساد له مع كون الأرواث مكروهة غير نجسة. [١٠] مسألة: في جلود الميتة إذا دبغت روايتان: إحداهما: أنها باقية على النجاسة لا تطهر بالدباغ، وهو قول أحمد بن حنبل، والأخرى: أنها تطهر، وهو قول ابن وهب، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهذه الرواية تخرج. فوجه الأولى وهو عدم الطهارة قوله تعالى: ﴿حرمت عليكم الميتة﴾، وقوله ﵇: (لا تنتفعوا من الميتة بشيء). وفي حديث ابن عكيم قال: (أتانا كتاب رسول الله ﷺ إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا أتاكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب). ولأنه جزء من الميتة، نجس بالموت، فوجب أن تتأبد نجاسته كاللحم؛ ولأنه لو قطع حال حياتها كان نجسا فوجب أن لا يطهر بعد

1 / 110