إذا عرفت ذلك، وأن القرآن جنس من الكلام، فلنتكلم على ذكر حقيقة الكلام وفاعله وهو المتكلم.
أما الكلام: فهو ما انتظم من الحروف المسموعة المتميزة، قلنا: ما انتظم تشبيها بالنظام الحقيقي لتواليه على السمع، وقلنا: من الحروف؛ لأن الحرف الواحد لا يكون كلاما، وقلنا: المتميزة احترازا من صرير الباب وأصوات البهائم، وقلنا: المسموعة احترازا من الكتابة، ولا يعتبر فيه الإفادة؛ لأنها إنما تعتبر في الكلام الاصطلاحي لا اللغوي، وذلك متفق عليه.
وأما المتكلم: فهو عندنا فاعل الكلام بدليل أن من علمه فاعلا للكلام علمه متكلما ومن لم يعلمه فاعلا له لم يعلمه متكلما.
والخلاف في ذلك مع أبي الحسين وابن الملاحمي فقالا: المرجع بالكلام إلى صفة للجسم، وقال أبو علي: الكلام معنى زائد على الحروف والأصوات يسمع معها تقارن الملفوظ والمكتوب والمحفوظ، وقال بعض الأشعرية: بل الكلام معنى في نفس المتكلم، وتسمية هذا المسموع كلاما مجاز وهذه مباهتة.
وقال بعضهم: بأن هذا المسموع كلام، ويدعون إثبات كلام آخر قائم بالنفس ويجعلون هذا الاسم مشتركا بينهما، قال القرشي: وهذا بعيد عن التحصيل؛ لأن من ينفي الكلام النفسي كيف يسلم أن الاسم موضوع عليه بالاشتراك، وأيضا فالعرب لا يعقلون الكلام النفسي فضلا عن أن يضعوا له عبارة أو يشركوا بينه وبين غيره فيها، يوضحه أنه إذا أطلق لفظ الكلام فإنما يسبق أفهامهم إلى هذا المسموع.
واعلم: أنه لا خلاف في (أن هذا القرآن المتلو في المحاريب، الموجود بين المسلمين) هو القرآن، ومحل الخلاف هل هو (كلام الله تعالى دون أن يكون كلاما لغيره) أولا؟
صفحہ 78