واعلم: أن هذه الأدلة إنما توجه إلى من يثبت له الجسمية حقيقة، فأما من يخالف في العبارة فالمرجع في إبطال كلامه إلى الوضع، وقد وجدنا أهل اللغة لا يستعملون الجسم إلا فيما كان طويلا عريضا عميقا، ولو سلمنا استعماله في غيره لمنعنا إطلاقه على الله تعالى؛ لإيهامه الخطأ، وليس إذا صح أن نقول: شيء لا كالأشياء صح أن نقول: جسم لا كالأجسام؛ لاختلاف الفائدة، فإن فائدة قولنا: شيء ما يصح العلم به والخبر عنه، وفائدة قولنا: جسم أنه طويل عريض عميق، فإذا قلنا: شيء فالمراد أنه يصح العلم به والخبر عنه، وإذا قلنا: لا كالأشياء فمرادنا أنه لا يشبه سائر الأشياء والذوات المحدثة، وإذا قلنا: جسم فقد أفاد أنه طويل عريض عميق، وإذا قلنا: لا كالأجسام نفينا بذلك الطول والعرض والعمق عنه، فيكون في ذلك محض المناقضة والله أعلم.
(فصل: وإذا ثبت أنه تعالى لا يشبه الأشياء لم يجب عليه ما يجب عليها من التحيز في الجهة وشغل المكان والنزول والصعود والزيادة والنقصان) والاستراحة، والغم والسرور، والألم واللذة، وهذا مذهب أهل العدل وأكثر الفرق الإسلامية.
وحكي عن الفلاسفة القول بأنه ملتذ بإدراك ذاته وكماله، وقد حكي عن الغزالي وحاشاه.
وروي عن بعض قدماء المعتزلة أنه تعالى يجوز عليه الغم والسرور والأسف والغيرة، وتعلق بما ورد من أنه تعالى يفرح بتوبة العبد، وبما ورد في الأخبار: ((لا أغير من الله تعالى)) وبقوله تعالى: {ياحسرة على العباد}[يس: 3] والصحيح خلاف ذلك جميعا؛ (لأن ذلك من توابع الجسمية والتحيز، وهو تعالى ليس بجسم ولا متحيز) وأن هذه ألفاظ وردت في حقه على سبيل المجاز.
واعلم: أن من أثبت التجسيم أثبت توابعه من الكون في جهة، والاستقرار على مكان، ومن نفاه فمن حقه أن ينفي توابعه كلها.
صفحہ 42