وبقريب من هذا الكلام يبطل قول الباطنية؛ لأن مذهبهم يضاهي مذهب الفلاسفة؛ لإثباتهم علة قديمة صدر عنها السابق وعن السابق تالي، وعن التالي نفس كلية، كما أن الفلاسفة أثبتت علة قديمة وصدر عقل عنها، فالكلام متقارب وإن اختلفت العبارة.
وأما الطبائعية فيبطل قولهم: أن الطبع الذي نسبوا إليه التأثير غير معقول وأن من حق ما ينسب إليه التأثير أن يكون أمرا معقولا مميزا موجودا.
وأما الطبع: الذي أثبته أهل اللغة فهو وإن كان معقولا فهو ليس بأمر وجودي بل أمر اعتباري، ومعناه العادة والسجية، وأيضا فالطبع شيء واحد، فما الأمر الذي اقتضى وقوع الأشياء على هذا الترتيب البديع والحكمة الباهرة، ووقوعها بحسب المصالح في كل وقت؟ وأيضا فالطبع إما موجود أو معدوم، والموجود إما قديم أو محدث، القسمة الأولى بعينها في أول المسألة.
وأما أصحاب النجوم: وهم فرقة من الفلاسفة وغيرهم، فالنجوم عند المسلمين جمادات سخرها الله تعالى بأمره ودبر حركاتها بمشيئته، خلقها تعالى حكمة لمنافع عبيده لما فيها من الألطاف لهم، وزينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها كما حكى الله تعالى، فالذي يبطل قول من جعلها فاعلة مختارة أنها غير حية، ولا قادرة والفعل لا يصح إلا من حي قادر ضرورة فبطل ما قاله المخالف، والنجوم التي زعموها مؤثرة سبعة هي: زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر، على اختلاف بينهم، فمنهم من يقول: تأثيرها على جهة الإيجاب ولا قدرة لها، ومنهم من يقول: بل على جهة الصحة والاختيار، وهي حية قادرة عالمة، وهذه دعوى لا دليل عليها، ولا يصح تأثير جسم في إيجاد جسم ولا إحداثه، فإذا بطل قولهم لم يبق إلا أن المؤثر هو الصانع المختار، والحمد لله.
صفحہ 25