الفرق بين الهجر لحق الله والهجر لحق النفس بين الأماكن التي كثرت فيها البدع كما كثر القدر في البصرة والتنجيم بخراسان والتشيع بالكوفة وبين ما ليس كذلك ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه وإذا عرف هذا فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله فالطاعة لابد أن تكون خالصه لله أن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صوابا فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجرا غير مأمور به كان خارجا عن هذا وما اكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله والهجر لأجل حظ الإنسان لا يجوز اكثر من ثلاث كما جاء في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه (( قال لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )) فلم يرخص في هذا الهجر اكثر من ثلاث كما لم يرخص في إحداد غير الزوجة اكثر من ثلاث وفى الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ((تفتح أبواب الجنة كل أثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا )) فهذا الهجر لحق الإنسان حرام وإنما رخص في بعضه كما رخص للزوج إن يهجر امرأته في المضجع إذا نشزت وكما رخص في هجر الثلاث فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق نفسه فالأول مأمور به والثاني منهي عنه لأن المؤمن أخوة وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح (( لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله أخوانا المسلم أخو المسلم )) وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي في السنن (( ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين فان فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين )) وقال في الحديث الصحيح (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)) وهذا لأن الهجر من باب العقوبات الشرعية فهو من جنس الجهاد في سبيل الله وهذا يفعل لأن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله والمؤمن عليه أن يعادى في الله ويوالى في الله فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وان ظلمه فان الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية قال تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } "الحجرات:9" إلى قوله { إنما المؤمنون إخوة } "الحجرات: من الآية10" فجعلهم أخوة مع وجود القتال والبغي والأمر بالإصلاح بينهم فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وان ظلمك واعتدى عليك والكافر تجب معاداته وان أعطاك وأحسن إليك [يعني أن الإحسان في المعاملة الدنيوية لا يصح أن يكون سببا لموالاة الكافر موالاة دينية كما عدته على كفره أو استحسانه منه وإقراره عليه ..
صفحہ 24