وَكَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر أَن إِمَامًا من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام مهما بلغ من الْعلم وَالْحِفْظ والضبط والإتقان وَالْفضل والوجاهة يسْتَقلّ بالحكم على الشَّيْء ويستبد بِرَأْيهِ ويفرضه على الآخرين فرضا قَالَ الله ﷿ ﴿نرفع دَرَجَات من نشَاء وَفَوق كل ذِي علم عليم﴾ يُوسُف ٧٦ ﴿وَقَالَ﴾ ﴿قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا﴾ الْإِسْرَاء ٨٥ وَإِنِّي أعتقد وأدين بِأَن الْأَئِمَّة كَانُوا أبعد من أَن يتصفوا بِهَذِهِ الصّفة الكريهة من الاستبداد بِالرَّأْيِ وفرضه على الآخرين وَكَانُوا يدورون حَيْثُ دَار الْحق بِكُل أَمَانَة وإخلاص فَالْحق لَيْسَ محصورا فِي رَأْي أحد قطعا إِلَّا النَّبِي الْمَعْصُوم ﷺ وَمَا أحسن مَا ورد عَن الإِمَام أبي حنيفَة من قَوْله عِنْد الْإِفْتَاء هَذَا رَأْي النُّعْمَان بن ثَابت يَعْنِي نَفسه وَهُوَ أحسن مَا قدرت عَلَيْهِ فَمن جَاءَ بِأَحْسَن مِنْهُ فَهُوَ أولى بِالصَّوَابِ وَنقل عَن الإِمَام الشَّافِعِي أَنه قَالَ مَا ناظرت أحدا إِلَّا قلت اللَّهُمَّ أجر الْحق على قلبه وَلسَانه فَإِن كَانَ الْحق معي اتبعني وَإِن كَانَ الْحق مَعَه اتبعته انطلاقا من هَذَا المبدأ الْعَادِل من حريَّة التفكير وَتَقْدِير رَأْي الآخرين اخْتلفت الْأَئِمَّة فِيمَا بَينهم فِي الْأُصُول وَاخْتلف أَصْحَابهم مَعَهم أَيْضا فِي الْأُصُول كَمَا اخْتلفُوا مَعَهم فِي الْفُرُوع
1 / 14