شملهم فيما بلغنا عنهم على الخروج لهذه البلاد، والاستيلاء على أموال العباد.
مع أنه بلغنا أيضًا أن من استولوا عليه فهو في الجهد العظيم والعذاب الأليم، قد أُبدلوا بعد العزِّ والفرح غمًّا وحُزنًا، واستولى عليهم الكرب والقرح حِسًّا ومعنًى، قد وُثِّقوا بالسلاسل والحديد، وهم كل يوم في عذاب شديد، وصاروا من جملة المماليك والعبيد. كانوا بالأمس أغنياء آمنين، فأصبحوا فقراء خائفين؛ انتُهِبت أموالهم، وتغيَّرت أحوالهم، وفُرِّقت عنهم نساؤهم، وأُخذت منهم بناتهم وأبناؤهم، وصار الكفرة يتنافسون في بيعهم في الأثمان، وجعلوا يفرقونهم في سائر البلدان، ويريدون أن يفتنوهم عن دينهم، ويفسدوا عليهم قوَّة يقينهم.
فما هذه الغفلة عن إخوانكم يا معشر المسلمين؟ وهم منتظرون لكم في كل وقت وحين؛ لا يشبعون من طعام، ولا يجدون راحة في المنام.
فما حال مَن يَبيتُ في السلاسل مغلولًا؟! وبالقيود والأغلال معقولًا؟! لا يستخدمونهم إلاَّ بالانتهار والضرب، والشتم القبيح واللطم والسب؛ لا تُدركهم عليهم شفقة ولا رحمة، ولا يُبالون بما كلفوهم في ذلك من كربٍ أو نقمة؛ دموعهم على الوَجَنَات سائلة، وأحزانهم متوالية غير زائلة؛ لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا يقدرون على شيء من الأسباب سرًّا ولا جهرًا، إلاَّ البكاء والنَّحيب، والتضرُّع للسميع المجيب، العالِم بأحوالهم، القادر على خلاصهم من أغلالهم وأنكالهم.
فيا لها من حُرقةٍ ما أعظمها في القلوب، ويا لها من حسرةٍ يكاد القلب من سماع حكايتها يذوب؛ لا يغفل عنها إلاَّ من عَمِيتْ بصيرته وعظمت جريرته.
1 / 28