Irshad Al-Fuhool Ila Tahqiq Al-Haqq Min Elm Al-Usul
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
تحقیق کنندہ
الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا
ناشر
دار الكتاب العربي
ایڈیشن نمبر
الطبعة الأولى ١٤١٩هـ
اشاعت کا سال
١٩٩٩م
وَالْعِلْمَ حَسَنَةٌ عِنْدَهُ، لَكِنَّ حَاصِلَ مَا يُدْرِكُهُ العقل من "قبيح هذا القبح"*، وَحُسْنِ هَذَا الْحَسَنِ هُوَ أَنَّ فَاعِلَ الْأَوَّلِ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ وَفَاعِلَ الثَّانِي يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ، وَأَمَّا كَوْنُ الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقًا لِلْعِقَابِ الْأُخْرَوِيِّ، وَالثَّانِي مُتَعَلِّقًا لِلثَّوَابِ الْأُخْرَوِيِّ فَلَا.
وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ لِلتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، بِأَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَوْ لَمْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَ الشَّرْعِ لَاسْتَحَالَ أَنْ يُعْلَمَا عِنْدَ وُرُودِهِ؛ لِأَنَّهُمَا إِنْ لَمْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَهُ فَعِنْدَ وُرُودِهِ بِهِمَا، يَكُونُ وَارِدًا بِمَا لَا يَعْقِلُهُ السَّامِعُ وَلَا يَتَصَوَّرُهُ، وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَ وُرُودِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الشَّرْعِ لَيْسَ تَصَوُّرَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، فَإِنَّا قَبْلَ الشَّرْعِ نَتَصَوَّرُ مَاهِيَّةَ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ وَالثَّوَابِ، وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ عَلَى الْفِعْلِ، وَنَتَصَوَّرُ عَدَمَ هَذَا التَّرَتُّبِ، فَتَصَوُّرُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ، إِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ هُوَ التَّصْدِيقُ، فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ؟ وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ إِلَّا بِالشَّرْعِ لَحَسُنَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَلَوْ حَسُنَ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ لَحَسُنَ مِنْهُ إِظْهَارُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ، وَلَوْ حَسُنَ مِنْهُ ذَلِكَ لَمَا أَمْكَنَنَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالْمُتَنَبِّئِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى بُطْلَانِ الشَّرَائِعِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمُعْجِزِ عَلَى الصِّدْقِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا خَلَقَ ذَلِكَ الْمُعْجِزَ لِلصِّدْقِ، وَكُلُّ مَنْ صَدَّقَهُ اللَّهُ فَهُوَ صَادِقٌ، وَبِأَنَّ الْعَقْلَ يَمْنَعُ مِنْ خَلْقِ الْمُعْجِزِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ خَلْقَهُ عِنْدَ الدَّعْوَى يُوهِمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّصْدِيقُ، فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا لَكَانَ ذَلِكَ إِيهَامًا لِتَصْدِيقِ الْكَاذِبِ، وَأَنَّهُ قَبِيحٌ، وَاللَّهُ لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ.
وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ حَسُنَ مِنَ اللَّهِ كُلُّ شَيْءٍ لَمَا قَبُحَ مِنْهُ الْكَذِبُ، وَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى اعْتِمَادٌ عَلَى وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا وَارِدٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَحْسُنُ فِي مِثْلِ الدَّفْعِ بِهِ عَنْ قَتْلِ إِنْسَانٍ ظُلْمًا، وَفِي مِثْلِ مَنْ تَوَعَّدَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ هُنَا يَحْسُنُ الْكَذِبُ وَيَقْبُحُ الصِّدْقُ.
ورُدَّ بِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنِ الْمُقْتَضِي الْمَانِعِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالنَّادِرِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ الدَّفْعُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَحِلُّ بِإِيرَادِ الْمَعَارِيضِ، فَإِنَّ فِيهَا مَنْدُوحَةً١ عَنِ الْكَذِبِ.
وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِلْعَاقِلِ: إِنْ صَدَقْتَ أَعْطَيْنَاكَ دِينَارًا، وَإِنْ كَذَبْتَ أَعْطَيْنَاكَ دِينَارًا، فَإِنَّا نَعْلَمُ -بِالضَّرُورَةِ- أَنَّ الْعَاقِلَ يَخْتَارُ الصِّدْقَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا لَمَا اختاره.
_________
* في "أ": قبيح هذا القبح.
_________
١ الندح بالضم: الأرض الواسعة، والجمع: أنداح، والمتندح: المكان الواسع، ولي عن هذا الأمر مندوحة ومنتدح، أي: سعة. يقال: "إن المعاريض لمندوحة عن الكذب". ا. هـ الصحاح مادة ندح.
1 / 30