ولهذه الخصلة أسباب كثيرة منها: الطمع، فإذا طمع في مال، أو صورة حسنة، أو غير ذلك كرهها لمن قد أنعم الله عليه بها، وقد يكون سببه الكبر، وطلب الترفع، وكثير ما يقع من هذا القبيل في أهل المدارس والكتاب وأجناسهم، فإذا علم أحدهم بمن يشاركه في علمه أو في كتابته حسده ذلك، طلبا للترفع والتكبر ليكون أوحد زمانه، وإنسان عصره، وربما يكثر ذلك في أهل الفن الواحد، فالمتكلم لا يحسد الفقيه على فقهه، ولا الفقيه يحسده على كلامه، ولكن باعتبار آخر، وهو طلب الإنفراد في عز العلم وجلالته، ولكن لابد من انفتاح هذا الباب بمفتاح الطمع، فإنما لا يطمع فيه المرء لا يحبه ولا يحسد عليه غيره، وهذه الخصلة من أردأ الخصال وأكثرها ضررا لصاحبها في الدنيا والآخرة، وأقلها ضررا للمحسود، والحاسد هو المغبون المقهور فإنه قد كفي بنفسه في معاقبتها، وهو بخيل بما لا يملكه، ومغتاض على من لا ذنب له قبله، وغير ضار لمن حسده، ولبعضهم شعرا:
الأ قل لمن كان لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله لأنك لم ترض لي ما وهب
فحظي منه الزيادات لي وحظك منه العنا والتعب
فجازاك عني بأن زادني وقد سد عنك وجوه الطلب
وفي حديث النبي (إن الحسد لياكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)(1).
صفحہ 98