308

واعلم أيها الطالب للنجاة أن الأمراض الأخروية وهي الذنوب على مثال الأمراض الدنياوية، فكما أنها تعرض في الأجساد الجسمانية ؛ لأنها محالها، فكذلك الأمراض الأخروية التي هي الذنوب ؛ فإنها لا تعرض إلا في الأجساد الجسمانية ؛ لأنها محالها، وبها تقع وتحصل، وكما عود الله تعالى أن الأمراض الدنياوية قد تكون بمواد وأسباب، كما يقال: موادها وأسبابها هيجان أحد أربعة أشياء، وهي الصفراء، والبلغم، والسوداء، والدم، فكذلك الأمراض الأخروية وهي الذنوب فإنها تهيج بسبب أربعة أشياء، وهي موادها وأسبابها، وهي: الجهل الذي هو نقيض العلم، وحب الدنيا، وطول الأمل، وقلة التأمل للجزاء على العمل، وحب الدنيا وطول الأمل، وقلة التأمل للجزاء على العمل، فإن بسبب هذه الأربعة تهيج الذنوب، ولكل واحد منها تأثير في جنس من السيئات، ينطوي على أنواع كثيرة، كما ذكرنا في القسم الأول من هذا الكتاب، وكما أن الأجساد تفتقر من الأمور الدنياوية إلى غذاء ودواء، فكذلك تفتقر من الأمور الأخروية إلى غذاء، وهي الطاعة لرب العالمين، وإلى دواء وهو ما يزول معه الداء الدفين، على ما نبينه إن شاء الله تعالى.

فانظر إلى راهب وهو يخرج إلى الجبل فقيل: أين تريد ؟ فقال: أطلب العيش. قالوا: خلفت العيش وراء ك في المدينة. قال: وما تعدون العيش فيكم ؟ قالوا: الطعام والشهوات. قال: ليس هو عندنا هكذا، إنما العيش أن تدعو نفسك إلى طاعة فتجيبك.

فأخبر الراهب أن الغذاء هو الطاعة كما ذكرت لك.

وكما أن الداء يمنع من مواصلة الغذاء، ويصرف عن شهوته فكذلك الذنب يصرف عن فعل الطاعة، ويقع الخذلان بسببه.

صفحہ 315