وقال الله جل وعلا: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون}، وقال تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبح وهمه الآخرة جمع الله عليه أمره وحفظ عليه ضيعته وأتته الدنيا وهي راغمة» الحديث.
وحقيقة الزهد خروج حب الدنيا والرغبة فيها من القلب.
وهوان الدنيا على العبد حتى يكون إدبار الدنيا وقلة الشيء أحب إليه وآثر عنده من إقبالها وكثرتها هذا من حيث الباطن.
وأما من حيث الظاهر فيكون متجافيا عنها مع القدرة عليها.
ويكون مقتصرا من سائر أمتعتها مأكلا وملبسا ومسكنا وغير ذلك على ما لابد نه، قلت: هذا في عصرنا نادرا الوجود كالكبريت الأحمر.
كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب».
يا بني، لا تفرح بطول العافية، واكتم البلوى فإنه من كنوز البر، واصبر عليها فإنه ذخر لك في المعاد.
يا بني، عليك بالصبر واليقين ومجاهدة نفسك، واعلم أن الصبر فيه الشوق (أي الشرف)، وفيه الشفقة والزهادة والترقب.
فإذا صبرت عن محارم الله وزهدت في الدنيا وتهاونت بالمصائب (أي مصائب الدنيا) لم يكن أحب إليك من الموت وأنت تترقبه.
وإياك والغفلة، خف الله ولا تعلم بذلك الناس، ولا يغرنك الناس بما لا تعلم من نفسك ، لا تغتر بقول الجاهل إن في يدك لؤلؤة وأنت تعلم أنها بعرة.
يا بني، كن لين الجانب، قريب المعروف، كثير التفكر قليل الكلام إلا في الحق، كثير البكاء قليل الفرح.
ولا تمازح ولا تصاخب ولا تمار، وإذا سكت فاسكت في تفكر، وإذا تكلمت فتكلم بحكم.
يا بني، لا تضيع مالك وتصلح مال غيرك، فإن مالك ما قدمت لنفسك، ومال غيرك ما تركت وراء ظهرك.
صفحہ 21