وأجازوا النّظر فِي اخْتِلَاف أهل مصر وَغَيرهم من أهل الْمغرب فِيمَا خالفوا فِيهِ مَالِكًا من غير أَن يعرفوا وَجه قَول مَالك وَلَا وَجه قَول مخالفه وَلم يبيحوا النّظر فِي كتب من خَالف مَالِكًا إِلَى دَلِيل يُبينهُ وَوجه يقيمه لقَوْله وَقَول مَالك جهلا مِنْهُم وَقلة نصح وخوفا من أَن يطلع الطَّالِب على مَا هم فِيهِ من النَّقْص والقصور فيزهد فيهم وهم مَعَ مَا وَصفنَا يعيبون من خالفهم ويغتابونه ويتجاوزون الْقَصْد فِي ذمه ليوهموا السَّامع أَنهم على حق وَأَنَّهُمْ أولى باسم الْعلم وهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مَاء حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجده شَيْئا وَأَن اشبه الْأُمُور بِمَا هم عَلَيْهِ مَا قَالَه مَنْصُور الْفَقِيه ... خالفوني وأنكروا مَا أَقُول ... قلت لَا تعجلوا فَإِنِّي سئول
مَا تَقولُونَ فِي الْكتاب فَقَالُوا ... هُوَ نور على الصَّوَاب دَلِيل
وَكَذَا سنة الرَّسُول وَقد أَفْلح ... من قَالَ مَا يَقُول الرَّسُول
واتفاق الْجَمِيع أصل وَمَا يُنكر ... هَذَا وَذَا وَذَاكَ الْعُقُول
وَكَذَا الحكم بِالْقِيَاسِ فَقُلْنَا ... من جميل الرِّجَال يَأْتِي الْجَمِيل
فتعالوا نرد من كل قَول ... مَا نفى الأَصْل أَو نفته الْأُصُول
فَأَجَابُوا فنوظروا فَإِذا الْعلم ... لديهم هُوَ الْيَسِير الْقَلِيل ...
فَعَلَيْك يَا أخي بِحِفْظ الْأُصُول والعناية بهَا وَاعْلَم أَن من عني بِحِفْظ السّنَن وَالْأَحْكَام المنصوصة فِي الْقُرْآن وَنظر فِي أقاويل الْفُقَهَاء فَجعله عونا لَهُ على اجْتِهَاده ومفتاحا لطريق النّظر وَتَفْسِير لمجمل السّنَن المحتملة للمعاني وَلم يُقَلّد أحدا مِنْهُم تَقْلِيد السّنَن الَّتِي يجب الانقياد إِلَيْهَا على كل حَال وَدون نظرا وَلم يرح نَفسه مِمَّا أَخذ الْعلمَاء بِهِ أنفسهم من حفظ السّنَن وتدبرها واقتدائهم فِي الْبَحْث والتفهم وَالنَّظَر وَالشُّكْر لَهُم سَعْيهمْ فِيمَا أفادوه ونبهوا عَلَيْهِ وحمدهم على صوابهم الَّذِي هُوَ أَكثر أَقْوَالهم وَلم يبرئهم من الزلل عَمَّا لم يبرءوا أنفسهم مِنْهُ فَهَذَا الطَّالِب المتمسك بِمَا عَلَيْهِ السّلف الصَّالح وَهُوَ الْمُصِيب لحظه والمعاين لرشده والمتبع لسنة نبيه ص وهدي صحابته وَمن أعفى نَفسه من النّظر وأضرب عَمَّا ذكرنَا وعارض السّنَن بِرَأْيهِ ورام أَن يردهَا إِلَى مبلغ نظره فَهُوَ ضال مضل وَمن جهل ذَلِك كُله أَيْضا وتقحم فِي الْفَتْوَى فَهُوَ أَشد عمى وأضل سَبِيلا ... لقد أسمعت لَو ناديت حَيا ... وَلَكِن لَا حَيَاة لمن تنادي ...
وَلَقَد علمت أَنِّي لَا اسْلَمْ من جَاهِل معاند لَا يعلم ... وَلست بناج من مقَالَة طَاعن ... وَلَو كنت فِي غَار على جبل وعر
وَمن ذَا الَّذِي ينجو من النَّاس سالما ... وَلَو غَابَ عَنْهُم بَين خافيتي نسر ...
1 / 83