الْمسَائِل الْمُجَرَّدَة عَن النّظر الْمُؤَلّفَة على مَحْض التَّقْلِيد فَجمعُوا بذلك بَين فروع الْفِقْه وأحواله وَكَيْفِيَّة بِنَاء الْفُرُوع على الأول فَلَا يفرغ الطَّالِب الْمُجْتَهد من الْمسَائِل الخلافيات إِلَّا وَقد أشرف على وَادي الْفَلاح وَمد يَده إِلَى حوز قصب السَّبق هَذَا وَإِن استبعده الْجَاهِل واستغلاه فَهُوَ بَين أربابه مستقرب مسترخص إِذا وجد محلا يقبله فَإِن كل تركيب لايحتمله وكل قريحة لَا تصلح لَهُ وَالْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو لفضل الْعَظِيم
مَعَ أَن الْمُفْتِي لَا يشْتَرط فِي وَصفه أَن يكون متمهرا فِي علم الْكَلَام وَقد اخْتلف هَل يشْتَرط فِيهِ أصل هَذَا الْعلم أَولا فَاشْترط ذَلِك أَبُو الطّيب وأباه غَيره وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين وَقَالُوا لَا يشْتَرط أَكثر من كَونه عَالما بِحكم الْحَادِثَة الَّتِي يُفْتى فِيهَا وَعلم الْكَلَام لَا تعلق لَهُ بالحوادث وَإِنَّمَا تعلقه بِصِحَّة الِاعْتِقَاد وَصِحَّة الِاعْتِقَاد ثبتَتْ للعامة من غير إمعان نظر على ماسلف بَيَانه
وَلَئِن قَالَ الْمُقَلّد إِن بعض مَا ذكرتموه يعسر تنَاوله على كل النَّاس قُلْنَا صدقت وَوجه الْإِمَامَة يخص الله تَعَالَى بهَا بعض النَّاس لَا كل النَّاس فليعرف لكل ذِي فضل فَضله وكل ذِي رُتْبَة رتبته وَلَا يجوز التَّقْلِيد وَالْأَخْذ بِهِ إِلَّا للجاهل لقَوْله تَعَالَى ﴿فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾ فَأوجب الله تَعَالَى على كل من لَا يعلم بِأَن يسْأَل اهل الْعلم وَمَفْهُوم الْأَمر وجوب اتِّبَاع أهل الْعلم وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون﴾ مَفْهُومه وجوب اتِّبَاع الْمُنْذرين وَأخذ الحذر مِمَّا يحذرونهم مِنْهُ وَجعل الْمُنْذرين منعوتين بنعت الْفِقْه إِذْ لم يبلغ هَذَا الْمُقَلّد قَول مَالك الَّذِي قَالَه لَا يُفْتِي الْعَالم حَتَّى يرَاهُ النَّاس أَهلا للْفَتْوَى قَالَ سَحْنُون يَعْنِي بِالنَّاسِ الْعلمَاء فَأثْبت لَهُ الْعلم ثمَّ مَنعه من الْفتيا حَتَّى يستظهر على أمره بِرَأْي الْعلمَاء
وَقد زِدْنَا من الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب لما رَأينَا من ركون أَكثر النَّاس إِلَى الْبِدْعَة فيتمسكون بالتقليد عصمَة ويزعمون أَنه الْحق الَّذِي مَا عداهُ بِدعَة وتعب لَا يُفِيد وَلَا غرو فَلَقَد قَالَ الفاطر الْحَكِيم فِي كِتَابه الْعَزِيز ﴿وَإِذ لم يهتدوا بِهِ فسيقولون هَذَا إفْك قديم﴾ وَقَالَ عَليّ ﵁ من جهل شَيْئا عَادَاهُ انْتهى كَلَام سَنَد فِي طراز الْمجَالِس وفكهة الْمجَالِس
قلت وَلَقَد صدق سَنَد ﵀ فِيمَا ذكره من ذمّ التَّقْلِيد للشَّخْص الْمعِين واتخاذ رَأْيه دينا ومذهبا وَلَو خَالف نَص السّنة وَالْكتاب الْمُبين وَلَا شكّ فِي كَون هَذَا بِدعَة مذمومة وخصلة شنيعة احتال
1 / 77