فَمن سمع الحَدِيث يدع النّسخ وَلَيْسَ فِيهَا فهاتيك دَعْوَى ثمَّ قَالَ وَقد تدبرته فَإِذا هِيَ أحد وَعِشْرُونَ حَدِيثا فَإِذا كَانَ الْعَاميّ يسوغ لَهُ الْأَخْذ بقول الْمُفْتِي بل يجب عَلَيْهِ مَعَ احْتِمَال خطأ الْمُفْتِي كَيفَ لَا يسوغ الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ فَلَو كَانَت سنة رَسُول الله ﷺ لَا يجوز الْعَمَل بهَا بعد صِحَّتهَا حَتَّى يعْمل بهَا فلَان وَفُلَان لَكَانَ قَوْلهم شرطا فِي الْعَمَل بهَا وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل وَلذَا أَقَامَ الله تَعَالَى الْحجَّة بِرَسُولِهِ ص دون آحَاد الْأمة وَلَا يفْرض احْتِمَال خطأ لمن عمل بِالْحَدِيثِ وَأفْتى بِهِ بعد فهمه إِلَّا وأضعاف أضعافه حَاصِل لمن أفتى بتقليد من لَا يعلم خطأه من صَوَابه وَيجوز عَلَيْهِ التَّنَاقُض وَالِاخْتِلَاف وَيَقُول القَوْل وَيرجع عَنهُ ويحكى عَنهُ عدَّة أَقْوَال وهذاكله فِيمَن لَهُ نوع أَهْلِيَّة وَأما إِذا لم يكن لَهُ أَهْلِيَّة ففرضه مَا قَالَ الله تَعَالَى ﴿فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾ وَإِذا جَازَ اعْتِمَاد المستفتي على مَا يكْتب لَهُ من كَلَامه أَو كَلَام شَيْخه وان علا فلَان يجوز اعْتِمَاد الرجل على مَا كتبه الثِّقَات من كَلَام رَسُول الله ﷺ أولى بِالْجَوَازِ وَإِذا قدر أَنه لم يفهم الحَدِيث فَكَمَا لم يفهم فَتْوَى الْمُفْتِي فَيسْأَل من يعرف مَعْنَاهَا فَكَذَلِك الحَدِيث انْتهى
وَقَالَ ابْن الْعِزّ أَيْضا وَمَا يَقع لأئمة الْفَتْوَى من هَذَا أَي من ترك الْعَمَل بِالْحَدِيثِ فهم مأجورون مغْفُور لَهُم وَمن تبين لَهُ شَيْء من ذَلِك لَا يعْذر فِي التَّقْلِيد فَإِن أَبَا حنيفَة وَأَبا يُوسُف ﵀ قَالَا لَا يحل لأحد أَن يَأْخُذ بقولنَا مالم يعلم من أَيْن أخذناه فَإِن كَانَ الرجل مُتبعا لأبي حنيفَة أَو مَالك أَو الشَّافِعِي أَو أَحْمد ﵏ وَرَأى فِي بعض الْمسَائِل أَن مَذْهَب غَيره أقوى مِنْهُ فَاتبعهُ كَانَ قد أحسن فِي ذَلِك وَلم يقْدَح ذَلِك فِي دينه وَلَا فِي عَدَالَته بِلَا نزاع بل هَذَا أولى بِالْحَقِّ وَأحب إِلَى الله تَعَالَى وَرَسُوله ﷺ فَمن يتعصب لوَاحِد معِين غير رَسُول الله ﷺ وَيرى أَن قَوْله هُوَ الصَّوَاب الَّذِي يجب اتِّبَاعه دون الْأَئِمَّة الْمُتَأَخِّرين فَهُوَ ضال جَاهِل بل قد يكون كَافِرًا يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل فَإِنَّهُ مَتى اعْتقد أَنه يجب على النَّاس اتِّبَاع وَاحِد بِعَيْنِه من هَذِه الْأَئِمَّة ﵃ دون الآخرين فقد جعله بِمَنْزِلَة النَّبِي ﷺ وَذَلِكَ كفر بل غَايَة مَا يُقَال إِنَّه يسوغ أَو يجب على الْعَاميّ أَن يُقَلّد وَاحِدًا من الْأَئِمَّة من غير تعْيين زيد وَلَا عَمْرو أما من كَانَ محبا للأئمة مواليا لَهُم يُقَلّد كل وَاحِد مِنْهُم فِيمَا يظْهر لَهُ أَنه مُوَافق للسّنة فَهُوَ محسن فِي ذَلِك وَالصَّحَابَة وَالْأَئِمَّة بعدهمْ كَانُوا مؤتلفين متفقين وَإِن تنازعوا فِي بعض فروع الشَّرِيعَة فإجماعهم حجَّة قَاطِعَة وَاخْتِلَافهمْ رَحْمَة وَاسِعَة وَمن تعصب لوَاحِد بِعَيْنِه من الْأَئِمَّة دون التَّابِعين فَهُوَ بِمَنْزِلَة من يتعصب لوَاحِد من الصَّحَابَة دون البَاقِينَ كالرافضي والناصبي والخارجي فَهَذِهِ طرق أهل الْبدع والأهواء الَّذين ثَبت بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع أَنهم مذمومون خارجون عَن الشَّرِيعَة وَمن تبين لَهُ من الْعلم مَا كَانَ خفِيا عَلَيْهِ فَاتبعهُ
1 / 53