Introduction to the Prophet of Mercy
التعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم
اصناف
التعريف بنبي الرحمة ﵌ (١):
فإذا تبين لك، يا رعاك الله، أن الله تعالى يختص بفضله من يشاء من عباده، ليكرمهم، ويشرفهم بفهم معاني آيات القرآن، ويجعل منهم أئمة، يهدون للهدى، يكشف عن قلوبهم ظلمات الجهل المُدْلَهمَّة، ويطهرها من أدناسِ الرَّيْنِ وأجناسِ الرَّيْبِ، ويملؤها إيمانًا وحِكْمَة، ويخصهم بالقِسْمِ الأسْنى، والشَّرَفِ الأَبْهى، والقدح الأعلى، وأن الناس يتفاوتون في هذا الفضل، فيرفع الله منهم أقواما لأعلى الدرجات، ويجعل منهم أحبارا، حتى يكون واحدهم ترجمانا للقرآن (٢)، فيفتح الله عليه من حقائق العلوم، وخَوارق الفُهوم، ما لا رقت إليه من سواه هِمَّةٌ، ولا تحركت نحوه من غيره عَزْمَةٌ، ولا شك أنه ما بلغ هذه المنزلة إلا بفضل الله، لعلو همته، ورفعة مكانته عند الله تعالى حتى اختصه بهذا الفضل، فيكون ترجمانا لكلام الله،
_________
(١) فصل من كتاب تفسير كتاب الله تعالى المسمى: البيان والتبيان في تفسير كتاب الرؤوف الرحمن، لأبي مالك، ثائر سلامة، غفر الله له ولوالديه، ولزوجه ولذريته ولمن له حق عليه، وللمسلمين والمسلمات، بفضل رحمة الله تعالى وتفضله وواسع كرمه.
(٢) وقد كانت الصحابة ﵃ علماء كل منهم مخصوص بنوع من العلم كعلي ﵁ بالقضاء وزيد بالفرائض ومعاذ بالحلال والحرام وأُبي بالقراءة فلم يُسَمَّ أحدٌ منهم بحرًا إلا عبد الله بن عباس لاختصاصه دونهم بالتفسير وعلم التأويل، وقال فيه علي بن أبي طالب: كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق. وقال فيه عبد الله بن مسعود: نِعْمَ تُرجمان القرآن عبد الله بن عباس، وقد مات ابن مسعود في سنة ثنتين وثلاثين، وعمّر بعده ابن عباس ستًا وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود نعم كان لعلي فيه اليد السابقة قبل ابن عباس وقال ابن عطية: فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب ويتلوه ابن عباس.
1 / 1
ولكن، ما حال من اختصه الله بفضل أن يُنَزِّلَ عليه هذا الكلام، -كلام الله-، فيكون هُوَ هُوَ من يُبَيِّنُ للناس ما نُزِّلَ إليهم، ويبعثه الله شَهِيدًا عَليهم، أعظم الناس شرفا ومقدارا، على يديه قامت الحجة، وترك الناس على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتنكبها إلا ضال، لا شك أنه سيد ولد بني آدم جميعا، وأعلاهم منزلة، فلا بد من أن نقدم بمقدمة نعرف بها القارئ بنبي الرحمة صلوات ربي وسلامه عليه، وأن نصفه له كأنما يراه، وسنرجؤ وصف أخلاقه، وجميل فعاله، ورجاحة عقله، وصفاته القيادية، وهديه، وعدله، وعلاقاته، وسلمه وحربه، وصبره، وحكمته، لموضعه من التفسير، وسنقتصر الآن على أن نقول إنه:
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، رسول الله، ونبيه،
صاحبُ الجَمَالِ المُسَرْبَلِ بالجَلالِ، المَكْسُوِّ بجَمِيلِ الخِصَالِ وحَمِيدِ الخِلالِ، ظَاهِرُ الوَضَاءَةِ، أَبْلَجُ (١)، مَلِيحُ الوَجْهِ مُشْرِقُهُ، أَبْيَضُ اللَّوْنِ أَزْهَرُهُ (٢)،
_________
(١) البُلوجُ: الإشراق. تقول: بَلَجَ الصبحُ يَبْلُجُ بالضم، أي أضاء. وانْبَلَجَ وتَبَلَّجَ مثله. وتبلَّج فلانٌ، إذا ضحك وهشَّ.
(٢) وفي رواية: مُشْرَبًَا حُمْرَةً، وليسَ بِالْأبْيَضِ الأَمْهَقِ، ولا بِالْآدَمِ، ومعنى: وليس بالأبيض الأمهق: أي ليس بالذي بياضه خالص لا يشوبه حمرة ولا غيرها كلون الثلج واللبن. فالمراد أنه كان نيِّر البياض أزهر. وقد جاء في رواية: أنه «كان بياضه مشوبًا بالحمرة». وهو أحسن أنواع الألوان المستحسنة عند الطباع الموزونة، وهذا معنى قوله: (ولا بالآدم) أي الشديد السمرة، وقد كان عيسى عليه سلام الله آدم، أي شديد السمرة.
1 / 2
مُسْتَدِيْرُ الوَجْهِ (١) وَسِيمٌ (٢) قَسِيمٌ (٣) حَسَنٌ وَضِيْءٌ (٤)،
وَكَانَ ﷺ فَخْمًا (٥) مُفَخَّمًا (٦)، يَتَلأْلأُ وَجْهُهُ (٧) كَتَلألُؤِ القَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ، لا عَابِسٌ وَلا مُفَنَّدٌ (٨)، إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّ وَجْهَهُ ﷺ قِطْعَةُ قَمَرٍ، (قال:) أي جَابِرُ (لا بَلْ كَانَ) أَيْ وَجْهُهُ (مِثلَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ) أَيْ في قُوَّةِ الضِّيَاءِ وَكَثْرَةِ النُّورِ،
_________
(١) (وكان) أي وجهه (مستديرًا) أي مائلًا إلى التدوير، إذ ورد في شمائله أنه لم يكن مكلثم الوجه.
(٢) الوسيمُ الثابتُ الحُسْنِ كأَنه قد وُسِمَ
(٣) القَسامُ: الحسنُ. وفلانٌ قَسيمُ الوجهِ ومُقَسَّمُ الوجه، أي حسن الوجه جميل، ورجل مُقَسَّم الوجهِ أَي جميل كله كأَن كل موضع منه أَخذ قِسْمًا من الجمال.
(٤) الوَضاءةُ: الحُسْنُ والنظافةُ، والوَضَاءة الحُسْنُ والبَهْجةُ.
(٥) أي عظيمًا في نفسه
(٦) روي في حديث ابن أبي هالة أن النبي ﷺ كان فَخْمًا مُفَخَّمًا أَي عظيمًا مُعَظَّمًا في الصدور والعيون ولم تكن خِلْقته في جسمه الضخامة، وقيل [معناها] الفَخامة في وجهه: نُبْلُه وامْتِلاؤه مع الجمال والمهابة وأتيْنا فلانًا فَفَخَّمْناه أي عَظَّمْناه ورفعنا من شأْنه، أي كان معظمًا في صدور الصدور وعيون العيون لا يستطيع مكابر أن لا يعظمه وإن حرص على ترك تعظيمه كان مخالفًا لما في باطنه.
(٧) أي يضيء ويتوهج
(٨) غير عابس الوجه، والمُفَنَّدُ: الضعيفُ الرأْي، أَي الذي لا فائدة في كلامه لكبرٍ أَصابه، فأم معبد إذ تصفه عليه سلام الله تقول بأنه ليس من ضعاف الرأي، ولا من الذين يخرفون في الكلام لكِبَرٍ أَصابَهُمْ.
1 / 3
وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ (١)
_________
(١) المُطَهَّمُ: القليلُ لَحْم الوَجْه عن كراع: ووَجْهٌ مُطَهَّمٌ أي مُجْتَمِعٌ مُدَوَّرٌ والمُطَهَّمُ المُنْتَفِخُ الوجهِ ضِدُّ، وقيل المُطَهَّمُ السمينُ الفاحشُ، ووصَف عليٌّ ﵇ سَيِّدَنا رسول الله ﷺ فقال لم يكن بالمُطَهَّمِ ولا بالمُكَلْثَمِ قال ابن سيده هو يحتمل أن يُفسَّرَ بالوجوه الثلاثة وفي الصحاح أي لم يكن بالمُدَوَّرِ الوجْه ولا بالمُوَجَّنِ ولكنه مَسْنُونُ الوجْهِ [والمسنون اللطيف الدقيق الأَنف] [أقول: في نفس الخبر عن علي ﵁ بعد قوله: ولا بالمكلثم: قال: وكان في الوجه تدوير، فهذا يعني عدم دقة ما ذهب إليه الجوهري في الصحاح من أنه لم يكن مدور الوجه] الأزهري: سئل أَبو العباس عن تفسير المُطَهَّم في هذا الحديث فقال المُطَهَّم مُخْتَلَفٌ فيه فقالت طائفة هو الذي كلُّ عُضْوٍ منه حسَنٌ على حِدته وقالت طائفة المُطَهَّمُ السمينُ الفاحِشُ السِّمَنِ فقد تَمَّ النفْيُ في قوله لم يكن بالمُطَهَّم وهذا مَدْحٌ ومن قال إنه النَّحافةُ فقد تَمَّ النفي في هذا لأَن أُمَّ مَعْبَدٍ وصَفَتْه بأَنه لم تَعِبْه نُحْلةٌ ولم تَشِنْه ثُجْلة أي انتفاخُ بَطنٍ قال وأما من قال التَّطْهِيمُ الضِّخَمُ فقد صح النَّفْي فكأَنه قال لم يكن بالضَّخْم قال وهكذا وصفه عليٌّ رِضْوانُ الله عليه فقال كان بادنًا مُتماسِكًا قال ابن الأثير لم يكن بالمُطَهَّمِ وهو المُنْتَفِخُ الوَجهِ وقيل الفاحشُ السِّمَنِ وقيل النحيفُ الجِسْمِ وهو من الأضداد انتهى من لسان العرب، والذي أراه، والعلم عند الله، أن أدق المعاني هو نفي أن يكون منتفخ الوجه، أو نفي أن يكون قليل لحم الوجه إذ أن الكلمة من الأضداد، فهذا معنى: ليس بالمطهم، أما نفي أن يكون مكلثما، فمعناه أن وجهه لم يكن قصير الحنك، داني الجبهة، بل كان ﵇ ممتلئ الوجه، كما نفهم من الروايات الأخرى، ولكنه ليس منتفخا، وكان ﵇ مستدير الوجه، ومن وصف: أسيل الوجه نفهم أن في الوجه اقتراب من الاستطالة، فهو ما بين المستدير والمائل للاستطالة قليلا، فخبرٌ قال: كان مدور الوجه، وآخر قال: وفي الوجه تدوير، ولعل الثاني أقرب للدقة، إذ أنه قال: فيه تدوير، وأوصافه الأخرى أثبتت أنه كان أسيل الوجه، فلهذا جمعنا بينها بهذا الجمع، والعلم عند الله تعالى.
1 / 4
وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ (١) وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ (٢)، أَبْيَضُ مُشْرَبٌ (٣)،
كَثِيفُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ كَثُّها (٤) حَسَنُها، لِحْيتُهُ غَيرُ مُسْبَلَةٍ (٥)،
_________
(١) قال شمر قال أَبو عبيد في صفة النبي ﷺ إنه لم يكن بالمُكَلْثَم قال معناه أَنه لم يكن مستدير الوجه ولكنه كان أَسِيلًا ﷺ وقال شمر المُكَلْثَمُ من الوجوه القَصِيرُ الحنكِ الدّاني الجَبهة المستدير الوجه وفي النهاية لابن الأَثير مستدير الوجهِ مع خفة اللحم قال ولا تكون الكَلْثَمة إلاَّ مع كثرة اللحم انتهى، فهو عليه سلام الله لم يكن مكلثما، ولا مطهما، بل كان أسيل الوجه أي في وجهه استطالة ونعومة.
(٢) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْإِسَالَةِ وَالِاسْتِدَارَةِ
(٣) روى البخاري أن ابْنَ عُمَرَ كان يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ:
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
قَوْله: (ثِمَال) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم هُوَ الْعِمَاد وَالْمَلْجَأ وَالْمُطْعِم وَالْمُغِيث وَالْمُعِين وَالْكَافِي.
(٤) كث اللحية: الكثوثة: أن تكون اللحية غير دقيقة ولا طويلة، ولكن فيها كثافة من غير عظم ولا طول، وفي القاموس كثت كثرت أصولها وكثفت وقصرت وجعدت ولذا روي كانت ملتفة وفي شرح المقامات للشريشي كثة كثيرة الأصول بغير طول ويقال للحية إذا قُصَّ شعرها وكثر إنها لكثة.
(٥) في لسان العرب: والسَّبَلة عند العرب مُقَدَّم اللحية وما أَسْبَل منها على الصدر يقال للرجل إِذا كان كذلك رجل أَسْبَلُ ومُسَبَّل إِذا كان طويل اللحية، انتهى، فالمعنى إذن أن لحيته ﷺ لم تكن طويلة، لذا قال في الروايات الأخرى: غَيْرُ دَقِيقِها ولا طَويلِها، فطول شعر لحيته إذن متوسط.
1 / 5
حَسَنُ الثَّغْرِ (١)، (ضَلِيعُ الفَمِ (٢)
_________
(١) حُلْوُ المَبْسَمِ، وروى الترمذي حديثا: مَا كَانَ ضَحِكُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا تَبَسُّمًا"
(٢) وروى مسلم عن شُعْبَة عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ضَلِيعَ الْفَمِ أَشْكَلَ الْعَيْنِ مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ لِسِمَاكٍ مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ، قَالَ قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ، [والعَقِب، بكسر القاف: مؤخَّر القدم].
وَأَمَّا قَوْله فِي ضَلِيع الْفَم فَكَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ الْأَظْهَر. قَالُوا: وَالْعَرَب تَمْدَحُ بِذَلِكَ، وَتَذُمُّ صِغَر الْفَم، وَهُوَ مَعْنَى قَوْل ثَعْلَب فِي ضَلِيع الْفَم وَاسِع الْفَم.
وَأَمَّا قَوْله فِي أَشْكَل الْعَيْن فَقَالَ الْقَاضِي هَذَا وَهْم مِنْ سِمَاك بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء، وَغَلَطٌ ظَاهِرٌ، وَصَوَابه مَا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاء، وَنَقَلَهُ أَبُو عُبَيْد وَجَمِيع أَصْحَاب الْغَرِيب أَنَّ الشُّكْلَة حُمْرَة فِي بَيَاض الْعَيْنَيْنِ، وَهُوَ مَحْمُود، وَالشُّهْلَة بِالْهَاءِ حُمْرَة فِي سَوَاد الْعَيْن. وَأَمَّا (الْمَنْهُوس) فَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة. هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُور. وَقَالَ صَاحِب التَّحْرِير وَابْن الْأَثِير: رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَة، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَمَعْنَاهُ قَلِيل لَحْم الْعَقِب كَمَا قَالَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
1 / 6
حَسَنُهُ) (١)، أَشْنَبُ (٢)، مُفَلَّجُ الأَسْنَانِ، (٣)
_________
(١) أي وسيعه، وهو كناية عن غاية الفصاحة ونهاية البلاغة. وقال النووي: أي عظيمه. هكذا قاله الأكثرون. وهو الأظهر. قالوا: والعرب تمدح بذلك وتذم صغر الفم، في القاموس: رجل ضليع الفم أي عظيمه أو واسعه، أو عظيم الأسنان متراصفها.
(٢) أشنب: أي أبيض الأسنان مع بريق وتحديد فيها أو هو رونقها وماؤها أو بردها وعذوبتها
(٣) مفلج الأسنان: أي مفرج ما بين الثنايا، وفَلَجُ الأَسنان تباعُدٌ بينها، ورجل أَفْلَجُ إِذا كان في أَسْنانِه تَفَرُّقٌ، والفَلَجُ في الأَسنان تباعد ما بين الثّنايا والرَّباعِيات خِلْقةً فإِن تُكُلِّفَ فهو التفليجُ، ورجل مُفَلَّجُ الثنايا أَي مُنْفَرِجُها وهو خلاف المُتراصِّ الأَسنان وفي صفته ﷺ أَنه كان مُفَلَّجَ الأَسنانِ وفي رواية أَفْلَجَ الأَسنانِ وفي الحديث أَنه لَعَنَ المُتَفَلِّجاتِ للحُسْنِ أَي النساءَ اللاتي يَفْعَلْنَ ذلك بأَسنانهن رغبة في التحسين، وأما الثنايا والرباعيات: والرَّباعِيةُ مثل الثمانية إِحدى الأَسنان الأَربع التي تلي الثَّنايا بين الثَّنِيّة والنّاب تكون للإِنسان وغيره والجمع رَباعِياتٌ قال الأَصمعي للإِنسان من فوق ثَنِيّتان ورَباعِيتان بعدهما ونابانِ وضاحِكان وستةُ أَرْحاء من كل جانب وناجِذان وكذلك من أَسفل انتهى، فالمعنى إذن: أن مقدم أسنانه ﷺ، التي بين النابين، كانت مفلجة، أي مفروقة فرقا جميلا، وفي الخبر الآخر: كان ضليع الفم، ومعناه كما مر يومي بتراصف أسنان الفم، وفي الخبر أيضا أنه كان أشنب، أي لأسنانه بريق وتحديد، فهذه صفة أسنانه عليه سلام الله ..
1 / 7
تَامُّ الأُذُنَيْنِ، أَسِيلُ الْجَبِينِ صَلْتُ (١) الْجَبِينِ، أَسِيلُ الْخَدَّيْنِ (٢)، سَهْلُهُمَا (٣)، مُفَاضُهُمَا (٤)، يُقْبِلُ جَمِيعًَا، وَيُدْبِرُ جَمِيعًَا،
_________
(١) الصَّلْتُ: البارِزُ المُسْتَوي، ورجل صَلْتُ الجَبين واضحُه وفي صفة النبي ﷺ أَنه كان صَلْتَ الجبين قال خالدُ بن جَنْبَةَ الصَّلْتُ الجبينِ الواسعُ الجَبينِ الأَبيضُ الجَبينِ الواضحُ وقيل الصَّلْتُ الأَمْلَس وقيل البارزُ يقال أَصْبَحَ صَلْتَ الجَبين يَبْرُقُ، وقال أَبو عبيد الصَلْتُ الجبينِ المُسْتَوي وقال ابن شميل الصَّلْتُ الواسعُ المُسْتَوي الجميل وفي حديث آخر كان سَهْلَ الخَدَّيْنِ صَلْتَهما.
(٢) ورجلٌ أَسيلُ الخدِّ، إذا كان ليِّن الخدّ طويلَه، وكلُّ مسترسلٍ أَسِيلٌ، كذا في الصحاح، وفي لسان العرب: والأَسِيلُ الأَمْلس المستوي وقد أَسُل أَسالة وأَسُل خَدُّه أَسالة امَّلَسَ وطال، وخدٌّ أَسِيل وهو السهل الليِّن وقد أَسُل أَسالة أَبو زيد من الخدود الأَسِيلُ وهو السهل اللين الدقيق المستوي.
(٣) ليس فيهما نتوء ولا ارتفاع وهو بمعنى خبر البيهقي وغيره كان أسيل الخدين وذلك أعذب عند العرب.
(٤) مستويهما، مع شيء من الامتلاء.
1 / 8
أَكْحَلُ، عظيمُ الْعَيْنَيْنِ، في عينيه دُعجٌ (١)، أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ (٢) طويلُ شَعْرِ الأَجْفَانِ، أَزَجُّ (٣) أقْرَنُ (٤)،
_________
(١) وفي الخبر الآخر: أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ،، والدَّعَجُ شدَّة سواد سواد العين وشدة بياض بياضها، وقيل شدة سوادها مع سعتها، وهو الأصح هنا، إذ أن بياض عينيه شابتهما حمرة، وعن محمد بن علي ﵁ عن أبيه قال: «كان رسول الله ﷺ ضخم الرأس، عظيم العينين، هدب الأشفار، مشرب العين بحمرة، كثّ اللحية، أزهر اللون، إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صُعُد، وإذا التفت التفت جميعًا، شثن الكفين والقدمين». وفي رواية أخرى: فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ.
(٢) الأشكل على ما في القاموس ما فيه حمرة وبياض مختلطة، أو ما فيه بياض [يضرب] إلى حمرة، (قيل: ما أشكل العينين. قال: طويل شق العين) بفتح الشين. قال القاضي عياض: تفسير سماك اشكال العينين وهم منه وغلط ظاهر. وصوابه ما اتفق عليه العلماء ونقله أبو عبيدة وجميع أصحاب الغريب، وهو أن الشكلة حمرة في بياض العين، وهو محمود.
(٣) والزَّجَجُ رِقَّة مَحَطِّ الحاجبين ودِقَّتُهُما وطولهما وسُبُوغُهما واسْتِقْواسُهُما وقيل الزَّجَجُ دِقَّة في الحاجبين وطُولٌ والرجل أَزَجُّ وحاجب أَزَجُّ ومُزَجَّجٌ وزَجَّجَتِ المرأَةُ حاجبها بالمِزَجِّ دققته وطوّلته وقيل أَطالته بالإِثمد.
(٤) مرققهما مع تقوس، أَزِجَ وأَزَجَ العُشْبُ طالَ، والقَرَنُ التقاء طرفي الحاجبين .. فالمعنى أن حاجبيه طويلان ورقيقان ومقوسان ومتصلان، وفي الخبر الآخر في غير قرن، فيجمع بينهما أنهما كادا يلتقيان، ولم يلتقيا، وإنما فرق بينهما عِرْقٌ، جاء في لسان العرب: والقَرَنُ التقاء طرفي الحاجبين وقد قَرِنَ وهو أَقْرَنُ ومَقْرُون الحاجبين وحاجب مَقْرُون كأَنه قُرِن بصاحبه وقيل لا يقال أَقْرَنُ ولا قَرْناء حتى يضاف إِلى الحاجبين وفي صفة سيدنا رسول الله ﷺ سَوابِغَ في غير قَرَنٍ: القَرَن بالتحريك التقاء الحاجبين قال ابن الأَثير وهذا خلاف ما روته أُم معبد فإِنها قالت في صفته ﷺ أَزَجُّ أَقْرَنُ أَي مَقْرُون الحاجبين قال والأَول الصحيح في صفته ﷺ وسوابغ حال من المجرور وهو الحواجب أَي أَنها دقت في حال سبوغها. انتهى
1 / 9
أَزَجُّ الحَواجِبِ، سَوَابِغ (١)، في غَيْرِ قَرْنٍ، بينَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الغَضَبُ (٢)
_________
(١) شيء سابغٌ أَي كامِلٌ وافٍ، وسَبَغَتِ النِّعْمةُ تَسْبُغُ سُبُوغًا اتسعت وإِسْباغُ الوُضوءِ المُبالَغة فيه وإتْمامُه وأَسْبَغَ الله عليه النِّعْمةَ أَكْمَلَها وأَتَمَّها ووسَّعَها.
(٢) (سوابغ) بالسين أفصح من الصاد جمع سابغة أي كاملات. قال الزمخشري: حال من المجرور وهو الحواجب وهي فاعلة في المعنى إذ تقديره أزج حواجبه أي زجت حواجبه (في غير قرن) بالتحريك أي اجتماع يعني أن طرفي حاجبيه قد سبقا أي طالا حتى كادا يلتقيان ولم يلتقيا (بينهما) أي الحاجبين (عرق) بكسر فسكون (يدره) أي يحركه نافرًا (الغضب) كان إذا غضب امتلأ ذلك العرق دمًا كما يمتلئ الضرع لبنًا إذا در فيظهر ويرتفع. فالحاصل إذن: أن حواجبه كادت تلتقي وتجتمع فيما بين العينين، إلا أنها لم تلتق، وبينها شريان دم ظاهر عند الغضب.
1 / 10
أهْدَبُ أَشْفَارِ العَيْنَيْنِ، في أَشْفَارِهِ (١) وَطَفٌ (٢)، وفي صَوْتِهِ صَحَلٌ (٣) وحُسْنٌ، وفي عُنُقِهِ سَطَعٌ (٤)، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيْدُ دُمْيَةٍ (٥)، في صَفَاءِ الفِضَّةِ.
_________
(١) شُفْرُ العين منابت الأَهداب من الجفون الجوهري: الأَشْفارُ حروف الأَجفان التي ينبت عليها الشعر وهو الهدب.
(٢) الوطَفُ كثرة شعر الحاجبين والعينين والأَشفار مع اسْترخاء وطول.
(٣) في صوته صَحَلٌ أَي بُحُوحة وفي صفة رسول الله ﷺ حين وصَفَتْه أُمّ مَعْبَد وفي صوته صَحَلٌ هو بالتحريك كالبُحَّة وأَن لا يكون حادًّا.
(٤) وعُنُق سَطْعاءُ: التي طالت، ويقال في رفعه عنقه سَطَعَ يَسْطَعُ، وقد سَطِعَ سَطَعًا وسَطَعَ يَسْطَعُ رفع رأْسه ومدَّ عُنقه.
(٥) كأن عنقه بضم المهملة وبضم النون وتسكن (جيد) بكسر فسكون وهما بمعنى وإنما عبر به تفننًا وكراهة للتكرار اللفظي (دمية) كعجمة بمهملة ومثناة تحتية الصورة المنقوشة من نحو رخام أو عاج شبه عنقه بعنقها لأنه يتأنق في صنعتها مبالغة في حسنها وخصها لكونها كانت مألوفة عندهم دون غيرها (في صفاء الفضة) حال مقيدة لتشبيهه به أي كأنه هو حال صفائه قال الزمخشري: وصف عنقه بالدمية في الاستواء والاعتدال وظرف الشكل وحسن الهيئة والكمال وبالفضة في اللون والإشراق والجمال.
1 / 11
أَقْنَى (١) العِرْنَيْنِ (٢) له نُورٌ يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم.
_________
(١) أقنى العرنين، يعني: الأنف، والقنا أن يكون فيه دقة مع ارتفاع في قصبته، يقول منه: رجل أقنى، وامرأة قنواء، والأشم: أن يكون الأنف دقيقا لا قنا فيه. والقَنا مصدر الأَقْنَى من الأُنوف والجمع قُنْوٌ وهو ارتفاع في أَعلاه بين القصبة والمارنِ من غير قبح، ابن سيده والقَنا ارتفاع في أَعلى الأَنف واحْديدابٌ في وسطه وسُبُوغٌ في طرَفه وقيل هو نُتوء وسَطِ القصبة وإشْرافُه وضِيقُ المَنْخَرَيْن رجل أَقْنَى وامرأَة قَنْواء بَيِّنة القَنا وفي صفة سيدنا رسول الله ﷺ كان أَقْنَى العِرْنين القَنا في الأنف طوله ودِقَّة أَرْنبته مع حدَب في وسطه والعِرْنينُ الأَنف، أقنى بقاف فنون مخففة من القنا وهو ارتفاع أعلى الأنف واحد يدأب وسطه (العرنين) أي طويل الأنف مع دقة أرنبته وهو بكسر فسكون الأنف أو ما صلب منه أو أوله حيث يكون الشم والقنا فيه طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه (له) أي للعرنين أو للنبي ﷺ وهو أقرب (نور) بنون مضمومة (يعلوه) يغلبه من حسنه وبهاء رونقه (يحسبه) بضم السين وكسرها أي النبي أو عرنينه (من لم يتأمله) أي يمعن النظر فيه (أشم) مرتفعًا قصبة الأنف قال محقق: وذا يفيد أن قناه كان قليلًا فمن عكس انعكس عليه ومن قال المشهور كان أشم فالكتب المشهورة تكذبه اهـ. ومراده الدلجي والشمم ارتفاع قصبة الأنف وإشراف الأرنَبَةِ.
(٢) وعِرْنَينُ كل شيء أَوَّله وعِرْنينُ الأَنف تحت مُجْتَمَع الحاجبين وهو أَول الأَنف حيث يكون فيه الشَّمَمُ يقال هم شُمُّ العَرانينِ والعِرْنينُ الأَنف كله وقيل هو ما صَلُبَ من عَظْمِه قال ذو الرمة تَثْني النِّقابَ على عِرْنِينِ أَرْنَبةٍ شَمّاءَ مارِنُها بالمِسْكِ مَرْثُومُ وفي صفته ﷺ أقْنى العِرْنينِ أَي الأَنف وقيل رأْس الأنف.
1 / 12
ضَخْمُ الرَّأْسِ (١) شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، وكانَ شعرُ رسولِ الله ﷺ إلى أنصافِ أُذنيهِ (٢). وفي رواية: بينَ أُذنيهِ وعاتقِه. «وعن أنس: كان يَضْرِبُ (٣)
_________
(١) ضَخْمُ الرَّأْسِ: أَيْ عَظِيمُهُ، وفي رواية للبخاري، قال: (كان ضخم الرأس) أي عظيمه وهو ممدوح عند العرب لدلالته على عظمة صاحبه وسعادته وإشارته إلى كمال رياسته وسيادته، ووصفت أعضاؤه ﷺ بالعَظَمَةِ والضخامة، فناسب أن يكون الرأس متناسبا معها.
(٢) كان غالب أحواله أن يكون شعره ﷺ إلى قرب منكبيه، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص وضفائر كما أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أم هانىء قالت: «قدم رسول الله ﷺ مكة وله أربع غدائر» وفي لفظ «أربع ضفائر» وفي رواية ابن ماجه «أربع غدائر يعني ضفائر» والغدائر بالغين المعجمة جمع غديرة بوزن عظيمة، والضفائر بوزنه. فالغدائر هي الذوائب والضفائر هي العقائص، فحاصل الخبر أن شعره طال حتى صار ذوائب فضفره أربع عقائص، وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهده شعره فيها وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه والله أعلم. وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: أتيت النبي ﷺ ولي شعر طويل فقال ذناب ذباب، فرجعت فجززته، ثم أتيت من الغد فقال: «إني لم أَعْنِكَ» وهذا أحسن انتهى من فتح الباري، والمعنى أنه لم يعنه بقوله: ذناب ذباب، ولم يذم طول شعره.
(٣) قد جاء في صفته ﷺ أَشْعَر الذراعَيْن والمَنْكِبَين وأَعْلى الصَّدرِ، وفي صفة سيدنا رسول الله ﷺ فَسِيحُ ما بين المَنْكِبَينِ أَي بعيد ما بينهما يصفه ﷺ بسعة صدره ..
1 / 13
شَعرُ رأس النبي (١) ﷺ مَنكِبَيه (٢)» وكان شعره «دُونَ الجُمَّةِ وفَوْقَ الوَفْرَةِ» (٣). إن انْفَرَقَتْ عَقِيْقَتُهُ (٤) فَرَقَ، وإلا فلا، وَكَانَ حَسَنَ الشَّعَرِ رَجِلَهُ (٥)،
_________
(١) روى مسلم عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ
(٢) «عن قتادةَ قال: سألت أنسَ بن مالِك ﵁ عن شعر رسولِ الله ﷺ فقال: كان شعرُ رسولِ الله ﷺ رَجِلًا، ليس بالسَّبطِ ولا الْجَعدِ بينَ أُذنيهِ وعاتقهِ». وجمع ابن بطال بين اللفظين المختلفين في الحديث بأن ذلك إخبار عن وقتين، فكان إذا غفل عن تقصيره بلغ قريب المنكبين وإذا قصه لم يجاوز الأذنين وجمع غيره بأن الثاني كان إذا اعتمر يقصر والأول في غير تلك الحالة وفيه بعد، «له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه» وحاصله أن الطويل منه يصل إلى المنكبين وغيره إلى شحمة الأذن.
(٣) والجمة من شعر الرأس ما سقط على المنكبين، والوفرة شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن. ولعل اختلاف الروايات باعتبار اختلاف الحالات.
(٤) أي إن انقلبت عقيقته أي شعر رأسه انفرق بسهولة لخلفة شعره حينئذ (فرق) بالتخفيف أي جعل شعره نصفين نصفًا عن يمينه ونصفًا عن شماله سمي عقيقة تشبيهًا بشعر المولود قبل أن يحلق فاستعير له اسمه (وإلا) بأن كان مختلطًا متلاصقًا لا يقبل الفرق بدون ترجل (فلا) يفرقه بل يتركه بحاله معقوصًا أي وفرة واحدة والحاصل أنه إن كان زمن قبول الفرق فرقه وإلا تركه غير مفروق
(٥) أي فيه تكسر يسير، يقال رجل شعره إذا مشطه فكان بين السبوطة والجعودة، وشعر مرجل أي مسرح وكان شعره عليه سلام الله بأصل خلقته مسرحًا ..
1 / 14
وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ (١) الْقَطِطِ وَلَا بِالسَّبِطِ (٢) بل كَانَ جَعْدًا رَجِلًا،
_________
(١) الجعد من الشعر خلاف السبط وقيل هو القصير، والسَّبْطُ الشعر الذي لا جُعُودة فيه وشعر سَبْطٌ وسَبِطٌ مُسْتَرْسِلٌ غير جَعْدٍ وفي الحديث في صفة شعره ليس بالسَّبْطِ ولا بالجَعْدِ القَطِطِ السَّبْطُ من الشعر المُنْبَسِطُ المُسْتَرْسِلُ والقَطِطُ: الشدِيدُ الجُعُودةِ أَي كان شعره وسَطًا بينهما.
(٢) الشعر الجعد هو الذي يتجعد كشعور السودان، والسبط هو الذي يسترسل فلا يتكسر منه شيء كشعور الهنود، والقطط - بفتح الطاء - البالغ في الجعودة بحيث يتفلفل، فالمعنى إذن أن شعره ﷺ كان رجلا، لم يكن مسترسلا شديد النعومة، بل كان ما بين ذلك وبين أن يكون جعدا.
1 / 15
أَجْرَدُ (١) طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ (٢)، موصولُ ما بين اللُّبَّةِ والسُّرَّةِ بشعر يجري كالخطِّ، عاري اليدين والبطن مما سوى ذلك، أَشْعَرُ الذِّرَاعَينِ والمنْكِبَيْنِ وأَعَالي الصَّدْرِ، أنْوَرُ المُتَجَرَّدِ (٣)، أجْمَلُ النَّاسِ وأبهاهُمْ من بَعيدٍ، وأجْلاهُمْ وأحْسَنُهُمْ من قَريبٍ، إن صَمَتَ فَعَلَيْهِ الوَقَارُ، وإنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلَاهُ البَهَاءُ، وَفِيهِ حَيَاءٌ (٤)، حُلْوُ المنْطِقِ ِِ، فَصْلٌ (٥)
_________
(١) قال ابن الأَثير الأَجرد الذي ليس على بدنه شعر ولم يكن ﷺ كذلك وإِنما أَراد به أَن الشعر كان في أَماكن من بدنه كالمسربة والساعدين والساقين فإِن ضدَّ الأَجْرَد الأَشعرُ وهو الذي على جميع بدنه شعر.
(٢) طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ الشَّعْرُ الْمُسْتَدَقُّ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ الصَّدْرِ إِلَى السُّرَّةِ، (أجرد) أي الذي ليس على بدنه شعر. ولم يكن كذلك، وإنما أراد به أن الشعر كان في أماكن من بدنه كالمسربة والساعدين والساقين. فإن ضد الأجرد هو الأشعر الذي على جميع بدنه شعر. وقد بين بقوله: (ذو مسربة) أنه لم يكن أجرد على الإطلاق، وفي بعض ... الروايات: طويل المشربة، ولعله خطأ طباعي، فبعد البحث الطويل، استقر رأيي على أن الصواب هو طويل المسربة، والله أعلم.
(٣) في اللسان: والتجرُّدُ التعرِّي وفي صفته ﷺ أَنه كان أَنورَ المتجرِّدِ أَي ما جُرِّدَ عنه الثياب من جسده وكُشِف يريد أَنه كان مشرق الجسد.
(٤) روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَالَ- واللفظ لمسلم- كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ.
(٥) كلامه فصل .. روى الترمذي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ.
1 / 16
لا نَزْرٌ ولا هَذَرٌ (١)، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتٍ نُظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، أُوتيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، أَفْصَحُ النَّاسِ لِسَانًَا، وأقْوَاهُمْ حُجَّةً وَبُرْهَانًَا، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَرِيضُ الصَّدْرِ لم تعبه ثجلة ولم تُزْرِ به صُقْلةٌ (٢) (وفي رواية) صَعْلَةٌ (٣)، كان بَادِنًا مُتَمَاسِكًا، سَواءَ الْبَطْنِ (٤)
_________
(١) كلامه بيِّنٌ وسطٌ ليس بالقليل ولا بالكثير، وفي حديث أُمِّ مَعْبَد لا نَزْر ولا هَذَر النَّزْر القليل أَي ليس بقليل فيدُلَّ على عِيٍّ ولا كثيرٍ فاسد.
(٢) أَي لم تَعِبْهُ دِقَّة ونُحُول، ورواه بعضهم ولم تَعِبْه ثُجلةٌ ولم تُزْرِ به صَعْلةٌ فالثُّجْلة استرخاء البطن والصَّعْلة صِغَرُ الرأْس وبعضهم يَرْويه لم تَعِبْه نُحْلة
(٣) الثجلة: كبر البطن، والصعلة: صغر الرأس، يعني أنه ﷺ لم يكن كبير البطن ولا صغير الرأس، لم تُزْرِ به ثُجْلة أَي ضِخَمُ بَطْن ويروى بالنون والحاء أَي نُحُول ودِقَّة، الجوهري: الثُّجْلة بالضم عِظَم البطن وسَعَتُه، ورواه بعضهم ولم تَعِبْه ثُجلةٌ ولم تُزْرِ به صَعْلةٌ فالثُّجْلة استرخاء البطن والصَّعْلة صِغَرُ الرأْس وبعضهم يَرْويه لم تَعِبْه نُحْلة، فالمعنى إذن: لم يكن نحيلا، ولا صاحب بطن مسترخية.، وأما الصعلة، ففي وصف علي ﵁ لرأسه الشريفة، ضخم الرأس، فنجمع بين وصف أم معبد بأنه لم يعبه صغر رأس، مع وصف علي بأنه كان ضخم الرأس، بأن حجم رأسه الشريفة أقرب للعظم، منها للصغر، بما يملؤ العين مهابة، وإنما وصف بضخم الرأس لأن هذا الوصف من البلاغة للدلالة على العظمة والسعادة وكمال الرياسة.
(٤) وفي صفته ﷺ مُفاض البطنِ أَي مُسْتَوي البطنِ مع الصَّدْرِ وقيل المُفاضُ أَن يكون فيه امْتِلاءٌ ..
1 / 17
وَالصَّدْرِ (١)، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ (٢)
_________
(١) قال البيهقي: كان بطنه غير مستفيض فهو مساو لصدره وظهره عريض فهو مساو لبطنه أو العريض بمعنى الوسيع أو مجاز عن احتمال الأمور
(٢) ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ: هِيَ رُءُوسُ الْعِظَامِ وَأَحَدُهَا كُرْدُوسٌ وَقِيلَ هِيَ مُلْتَقَى كُلِّ عَظْمَيْنِ ضَخْمَيْنِ كَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ أَرَادَ أَنَّهُ ضَخْمُ الْأَعْضَاءِ.
1 / 18
بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ (١) وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ كَفَّا وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرًا وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ يَقُولُ نَاعِتُهُ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
(ورأيت الخاتم) بفتح التاء ويكسر، أي خاتم النبوّة. (عند كتفه مثل بيضة الحمامة.) أي مدوّرًا (يشبه) أي لونه (جسده) أي لون سائر أعضائه. والمعنى لم يخالف لونه لون بشرته،
_________
(١) روى الترمذي عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَعْنِي الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ غُدَّةً حَمْرَاءَ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وروى البخاري عَنْ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقَعَ فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتِمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. وَجَزَمَ التِّرْمِذِيّ بِأَنَّ الْمُرَاد بِالْحُجْلَةِ الطَّيْر الْمَعْرُوف، وَأَنَّ الْمُرَاد بِزِرِّهَا بَيْضهَا، وَيُعَضِّدهُ ما عِنْد مُسْلِم عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة " كَأَنَّهُ بَيْض حَمَامَة ".
1 / 19
سَمِينُ الكَفَّيْنِ (١) والقَدَمَيْنِ، (٢) شَثْنُ الْكَفَّيْنِ (٣) وَالْقَدَمَيْنِ (٤)، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، شَبْحُ الذِّرَاعَيْنِ (٥)،
_________
(١) (وكان سبط الكفين) أي غليظهما. قال أبو عبيدة: يعني أنهما إلى الغلظ والقصر أميل. وقال غيره: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر. ويحتمل أن يكون كناية عن الجود، لأن العرب تقول للبخيل جعد الكف، وفي ضده سبط الكف.
(٢) قال ابن بطال: كانت كفه ﷺ ممتلئة لحمًا، غير أنها مع ضخامتها كانت لينة كما تقدم في حديث أنس.
(٣) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالنُّونِ اي لم يكن نحيف الكفين والقدمين مع ليونتهن وقِيلَ اللِّينُ فِي الْجِلْدِ وَالْغِلَظُ فِي الْعِظَامِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ نُعُومَةُ الْبَدَنِ مَعَ الْقُوَّةِ
(٤) للإيماء إلى الشجاعة والثبات والقوّة في العبادات، ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم وأدل على قوّتهم، ويذم في النساء لفوات المطلوب منهن وهو الرعانة. ثم المراد غلظ العضو في الخلقة لا خشونة الجلد لما صح عن أنس: ما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله ﷺ، وفي صفته ﷺ: شَثْنُ الكفين والقدمين أَي أَنهما تميلان إلى الغِلَظِ والقِصَر وقيل هو الذي في أَنامله غلظ بلا قصر ويحمد ذلك في الرجال لأَنه أَشدُّ لقَبْضِهم ويذم في النساء.
(٥) أَي عريضهما وفي صفة النبي ﷺ أَنه كان مَشْبُوحَ الذراعين أَي طويلَهما وقيل عريضهما وفي رواية كان شَبْح الذراعين ..
1 / 20