١ - الذامون لأَصْحَاب الحَدِيث صنفان
قد لهج بذم أَصْحَاب الحَدِيث صنفان أهل الْكَلَام وَأهل الرَّأْي فهم فِي كل وَقت يقصدونهم بالثلب وَالْعَيْب وينسبونهم إِلَى الْجَهْل وَقلة الْعلم وَاتِّبَاع السوَاد على الْبيَاض
وَقَالُوا غثاء وغثر وزوامل أسفار وَقَالُوا أقاصيص وحكايات وأخبار وَرُبمَا قرؤوا ﴿كَمثل الْحمار يحمل أسفارا﴾
1 / 1
وَفِي الْحَقِيقَة مَا ثلموا إِلَّا دينهم وَلَا سعوا إِلَّا فِي هَلَاك أنفسهم وَمَا للأساكفة وصوغ الْحلِيّ وصناعة الْبَز وَمَا للحدادين وتقليب الْعطر وَالنَّظَر فِي الْجَوَاهِر أما يكفيهم صدأ الْحَدِيد وَنفخ فِي الْكِير وشواظ الذيل وَالْوَجْه وغبرة فِي الحدقة وَمَا لأهل الْكَلَام وَنقد حَملَة الْأَخْبَار وَمَا أحسن قَول من قَالَ
(بلَاء لَيْسَ يُشبههُ بلَاء ... عَدَاوَة غير ذِي حسب وَدين)
(ينيلك مِنْهُ عرضا لم يصنه ... ويرتع مِنْك فِي عرض مصون)
لَكِن الْحق عَزِيز وكل مَعَ عزته يَدعِيهِ ودعواهم الْحق تحجبهم عَن مُرَاجعَة الْحق نعم إِن على الْبَاطِل ظلمَة وَإِن على الْحق نورا وَلَا يبصر نور الْحق إِلَّا من حشي قلبه بِالنورِ ﴿وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور﴾ فالمتخبط فِي ظلمات الْهوى والمتردي فِي مهاوي الهلكة والمتعسف فِي الْمقَال لَا يوفق للعود إِلَى الْحق وَلَا يرشد إِلَى طَرِيق الْهدى ليظْهر وعورة
1 / 2
مسلكه وَعز جَانِبه وتأبيه إِلَّا على أَهله ﴿كَذَلِك زينا لكل أمة عَمَلهم ثمَّ إِلَى رَبهم مرجعهم فينبئهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾
1 / 3
- ٢ بَاب الْحَث على السّنة وَالْجَمَاعَة والاتباع وَكَرَاهَة التَّفَرُّق والابتداع
-
اعْلَم أَن الله تَعَالَى أَمر خلقه بِلُزُوم الْجَمَاعَة ونهاهم عَن الْفرْقَة وندبهم إِلَى الِاتِّبَاع وحثهم عَلَيْهِ وذم الابتداع وأوعدهم عَلَيْهِ
وَذَلِكَ بَين فِي كِتَابه وَسنة رَسُوله ﷺ
قَالَ تَعَالَى ﴿واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا﴾ وَقَالَ ﴿شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصينا بِهِ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى أَن أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ﴾ وَقَالَ ﴿وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾ وَأمر تَعَالَى بِاتِّبَاع النَّبِي ﷺ فِي آيَات من كِتَابه
وَقد وَردت الْأَحَادِيث حاثة على لُزُوم سنته وَاجْتنَاب كل بِدعَة
وَإِذا ثَبت أَنا أمرنَا بالاتباع والتمسك بأثر النَّبِي ﷺ وَلُزُوم مَا شرعة لنا من الدّين وَالسّنة وَلَا طَرِيق لنا إِلَى الْوُصُول إِلَى هَذَا إِلَّا بِالنَّقْلِ والْحَدِيث بمتابعة الْأَخْبَار الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَات والعدول من هَذِه الْأمة عَن رَسُول الله ﷺ وَعَن الصَّحَابَة وَمن بعده
1 / 4
فنشرح الْآن قَول أهل السّنة إِن طَرِيق الدّين هُوَ السّمع والأثر وَأَن طَريقَة الْعقل وَالرُّجُوع إِلَيْهِ وَبِنَاء السمعيات عَلَيْهِ مَذْمُوم فِي الشَّرْع ومنهي عَنهُ وَنَذْكُر مقَام الْعقل فِي الشَّرْع وَالْقدر الَّذِي أَمر الشَّرْع بِاسْتِعْمَالِهِ وَحرم مجاوزته
وَقد سلك أهل الْكَلَام فِي رد النَّاس من الْأَحَادِيث إِلَى المعقولات طَرِيقا شبهوا بهَا على عَامَّة النَّاس قَالُوا
إِن أَمر الدّين أَمر لابد فِيهِ من وُقُوع الْعلم ليَصِح الِاعْتِقَاد فِيهِ فَإِن الْمُصِيب فِي ذَلِك عِنْد اخْتِلَاف الْمُخْتَلِفين وَاحِد والمخالف فِي أَمر من أُمُور الدّين الَّذِي مرجعه إِلَى الِاعْتِقَاد إِمَّا كَافِر أَو مُبْتَدع
وَمَا كَانَ أمره على هَذَا الْوَجْه فلابد فِي ثُبُوته من طَرِيق توجب الْعلم حَتَّى لَا يتداخل من حصل لَهُ الْعلم بذلك شُبْهَة وَشك بِوَجْه من الْوُجُوه
وَالْأَخْبَار الَّتِي يَرْوِيهَا أهل الحَدِيث فِي أُمُور الدّين أَخْبَار آحَاد وَهِي غير مُوجبَة للْعلم وَإِنَّمَا توجب الإعمال فِي الْأَحْكَام خَاصَّة
وَإِذا سقط الرُّجُوع إِلَى الْأَخْبَار فلابد من الرُّجُوع إِلَى دَلِيل الْعقل وَمَا يُوجِبهُ النّظر وَالِاعْتِبَار
1 / 5
فَهَذَا من أعظم شبههم فِي الْإِعْرَاض عَن الْأَحَادِيث والْآثَار وَسَيَأْتِي الْجَواب عَنْهَا
وَقد قَالَ عمر بن الْخطاب إِنَّه سَيَأْتِي أنَاس يأخذونكم بشبهات الْقُرْآن فخذوهم بالسنن فَإِن أَصْحَاب السّنَن أعلم بِكِتَاب الله
1 / 6
٣ - مَا ورد عَن الْأَئِمَّة فِي ذمّ الْكَلَام
وَنَذْكُر الْآن مَا ورد عَن الْأَئِمَّة فِي ذمّ الْكَلَام
عَن سُهَيْل بن نعيم قَالَ قَالَ الشَّافِعِي كل من تكلم بِكَلَام فِي الدّين أَو فِي شَيْء من هَذِه الْأَهْوَاء لَيْسَ لَهُ فِيهِ إِمَام مُتَقَدم من النَّبِي ﷺ وَأَصْحَابه فقد أحدث فِي الْإِسْلَام حَدثا
وَقد قَالَ النَّبِي ﷺ (من أحدث حَدثا أَو آوى مُحدثا فِي الْإِسْلَام فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا)
1 / 7
وَيَقُول إيَّاكُمْ وَالنَّظَر فِي الْكَلَام فَإِن رجلا لَو سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فِي الْفِقْه فَأَخْطَأَ فِيهَا أَو سُئِلَ عَن رجل قتل رجلا فَقَالَ دِيَته بَيْضَة كَانَ أَكثر شَيْء أَن يضْحك مِنْهُ وَلَو سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فِي الْكَلَام فَأَخْطَأَ فِيهَا نسب إِلَى الْبِدْعَة
فَهَذَا كَلَام الشَّافِعِي فِي ذمّ الْكَلَام والحث على السّنة وَهُوَ الإِمَام الَّذِي لَا يجارى والفحل الَّذِي لَا يُقَاوم
1 / 8
فَلَو جَازَ الرُّجُوع إِلَيْهِ وَطلب الدّين من طَرِيقه لَكَانَ بالترغيب فِيهِ أولى من الزّجر عَنهُ وبالندب إِلَيْهِ أولى من النَّهْي عَنهُ فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن ينصر مذْهبه فِي الْفُرُوع ثمَّ يرغب عَن طَرِيقَته فِي الْأُصُول
وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يبغض أهل الْأَهْوَاء وَينْهى عَن مجَالِسهمْ أَشد النَّهْي وَيَقُول عَلَيْكُم بالأثر وَإِيَّاكُم وَالْكَلَام فِي ذَات الله
وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول أَئِمَّة الْكَلَام زنادقة
عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ (تَفَكَّرُوا فِي خلق الله وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الله)
1 / 9
وَإِنَّمَا ترد الْبِدْعَة بالأثر لَا ببدعة مثلهَا فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الإِمَام الْمُقدم قَالَ
إِنَّمَا يرد على أهل الْبدع بآثار رَسُول الله ﷺ وآثار الصَّالِحين فَأَما من رد عَلَيْهِم بالمعقول فقد رد بَاطِلا بباطل
فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة هم المرجوع إِلَيْهِم فِي أَمر الدّين وَبَيَان الشَّرْع وَمن سلك طَرِيقا فِي الْإِسْلَام بعدهمْ فإياهم يتبع وبهم يَقْتَدِي وموافقتهم يتحَرَّى فَلَا يجوز لمُسلم أَن يظنّ بهم ظن السوء وَأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِك عَن جهل وَقلة علم وخبرة فِي الدّين
وَمَا هَذَا إِلَّا من الغل الَّذِي أَمر الله بالاستعاذة مِنْهُ فَقَالَ ﴿وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا﴾
فَتبين لنا أَن الطَّرِيق عِنْد الْأَئِمَّة الهادية اتِّبَاع السّلف والاقتداء بهم دون الرُّجُوع إِلَى الآراء
وَمن هُنَا قَالَ بَعضهم الْعلم علمَان علم نبوي وَعلم نَظَرِي
وَالْعلم النظري مُحْتَاج إِلَى الْعلم النَّبَوِيّ لِأَن الْعلم النَّبَوِيّ جَاءَ من الله وَهُوَ مقرون بِالصَّوَابِ على كل حَال
1 / 10
وَالْعلم النظري مَا يستنبط وَيجوز أَن يكون صَوَابا وَيجوز أَن يكون خطأ
وَمِثَال ذَلِك مَا قيل المَاء ماآن مَاء نزل من السَّمَاء وَمَاء نبع من الأَرْض
فالماء النَّازِل من السَّمَاء على طعم وَاحِد من اللَّذَّة وَالطّيب وعَلى لون وَاحِد من الصفاء والنقاء وعَلى جَوْهَر وَاحِد من الطَّهَارَة والنظافة كَذَلِك الْعلم النَّازِل من السَّمَاء كالوحي
وَالْمَاء النابع من الأَرْض فعلى أَنْوَاع مِنْهُ صَاف طَاهِر على مُوَافقَة وَحي الله وَمِنْه خَبِيث كدر لمُخَالفَته وَحي الله
وَقَالَ بَعضهم الحَدِيث أصل والرأي فرع وَلَا يجوز أَن يكون الأَصْل وَالْفرع سَوَاء وَلَا حَالهمَا فِي الرُّتْبَة والتقدمة وَاحِدَة
أَلا ترى إِلَى قَوْله ﷺ لِمعَاذ بن جبل حِين بَعثه إِلَى الْيمن (بِمَ تحكم) قَالَ بِكِتَاب الله قَالَ (فَإِن لم تَجِد) قَالَ بِسنة رَسُول الله قَالَ
1 / 11
(فَإِن لم تَجِد) قَالَ أجتهد رَأْيِي قَالَ (الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله)
فَكَانَ الْمصير إِلَى الحَدِيث بِمَنْزِلَة المَاء فِي الطهارات وَالْقِيَاس والرأي بِمَنْزِلَة التُّرَاب وَإِنَّمَا يُصَار إِلَى التُّرَاب عِنْد عدم المَاء كَذَلِك لَا يُصَار إِلَى الرَّأْي إِلَّا عِنْد عدم الحَدِيث فَكَانَ مثل من آثر الرَّأْي وَالْقِيَاس وقدمهما على الحَدِيث والأثر مثل من يعدل عَن الطَّهَارَة بِالْمَاءِ فِي وَقت السعَة ويؤثر التَّيَمُّم بِالتُّرَابِ الَّذِي وضع للضَّرُورَة والعدم
وَلَقَد أحسن سعيد بن حميد حِين يَقُول
1 / 12
(فَإنَّك حِين تطرحني لقوم ... هم عدم وَفِي صور الْوُجُود)
(كمن هُوَ تَارِك مَاء طهُورا ... وراض بِالتَّيَمُّمِ بالصعيد)
وأنشدوا أَيْضا
(دين النَّبِي مُحَمَّد آثَار ... نعم المطية للفتى الْأَخْبَار)
(لَا تغفلن عَن الحَدِيث وَأَهله ... فَالرَّأْي ليل والْحَدِيث نَهَار)
(ولربما غلط الْفَتى سبل الْهدى ... وَالشَّمْس بازغة لَهَا أنوار)
وأنشدوا أَيْضا
(أهل الْكَلَام وَأهل الرَّأْي قد جهلوا ... علم الحَدِيث الَّذِي ينجو بِهِ الرجل)
(لَو أَنهم عرفُوا الْآثَار مَا انحرفوا ... عَنْهَا إِلَى غَيرهَا لكِنهمْ جهلوا)
وأنشدوا أَيْضا
(أهل الْكَلَام دَعونَا من تعسفكم ... كم تَبْتَغُونَ لدين الله تبديلا)
(مَا أحدث النَّاس فِي أديانهم حَدثا ... إِلَّا جعلتم لَهُ وَجها وتأويلا)
وَلأبي بكر بن أبي دَاوُد السجسْتانِي
1 / 13
(تمسك بِحَبل الله وَاتبع الْهدى ... وَلَا تَكُ بدعيا لَعَلَّك تفلح)
(ولذ بِكِتَاب الله وَالسّنَن الَّتِي ... أَتَت عَن رَسُول الله تنجو وتربح)
(ودع عَنْك آراء الرِّجَال وَقَوْلهمْ ... فَقَوْل رَسُول الله أزكى وأشرح)
وَأنْشد أَيْضا
(خُذ مَا أَتَاك بِهِ الْأَخْبَار من أثر ... شبها بشبه وأمثالا بأمثال)
(وَلَا تميلن يَا هَذَا إِلَى بدع ... تضل أَصْحَابهَا بالقيل والقال)
1 / 14
٤ - فصل فِيمَا رُوِيَ عَنْهُم من ذمّ الْجِدَال والخصومات فِي الدّين وَمَا كَرهُوا من ذَلِك
عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ (هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون)
وَعَن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ (من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه)
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه كَانَ ينْهَى عَن الْخُصُومَة وَيَقُول إِنَّمَا يُخَاصم الشاك فِي دينه
1 / 15
وَعَن ابْن سِيرِين قَالَ إِنِّي لأدع المراء وَإِنِّي لأعلمكم بِهِ
وَقد جَاءَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى ﴿فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ﴾ يَعْنِي حب الجدل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ الْمُنَازعَة والجدال فِي الدّين مُحدث
وَاعْلَم أَنَّك مَتى تدبرت سيرة الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ من السّلف الصَّالح وَجَدتهمْ ينهون عَن جِدَال أهل الْبِدْعَة بأبلغ النَّهْي وَلَا يرَوْنَ رد كَلَامهم بدلائل الْعقل
1 / 16
وَإِنَّمَا كَانُوا إِذا سمعُوا بِوَاحِد من أهل الْبِدْعَة أظهرُوا التبري مِنْهُ ونهوا النَّاس عَن مُجَالَسَته ومحاورته وَالْكَلَام مَعَه وَرُبمَا نهوا عَن النّظر إِلَيْهِ
وَقد قَالُوا إِذا رَأَيْت مبتدعا فِي طَرِيق فَخذ فِي طَرِيق آخر
وَلَقَد ظَهرت هَذِه الْأَهْوَاء الْأَرْبَعَة الَّتِي هِيَ رَأس الْأَهْوَاء أَعنِي الْقدر والإرجاء ورأي الحرورية والرافضة فِي آخر زمَان الصَّحَابَة
1 / 17
فَكَانَ إِذا بَلغهُمْ أَمرهم أمروا بِمَا ذكرنَا وَلم يبلغنَا عَن أحد مِنْهُم أَنه جادلهم بدلائل الْعقل أَو أَمر بذلك
وَقد كَانُوا إِلَى عهد رَسُول الله ﷺ أقرب وَقد شاهدوا الْوَحْي والتنزيل وعدلهم الله فِي الْقُرْآن وَشهد لَهُم بِالصّدقِ وَشهد لَهُم النَّبِي ﷺ بالخيرية فِي الدّين
وَكَانَت طاعتهم أجل وَقُلُوبهمْ أسلم وصدورهم أطهر وعلمهم أوفر وَكَانُوا من الْهوى والبدع أبعد
وَلَو كَانَ طَرِيق الرَّد على المبتدعة هُوَ الْكَلَام وَدَلَائِل الْعقل والجدال مَعَهم لاشتغلوا بِهِ وَأمرُوا بذلك وندبوا إِلَيْهِ
وَإِنَّمَا ظَهرت المجادلات فِي الدّين والخصومات بعد مُضِيّ قرن التَّابِعين وَمن يليهم حِين ظهر الْكَذِب وفشت شَهَادَات الزُّور وشاع الْجَهْل واندرس أَمر السّنة بعض الاندراس وأتى على النَّاس زمَان حذر مِنْهُ النَّبِي ﷺ وَالصَّحَابَة من بعده
1 / 18
وَلَقَد صدق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ حَيْثُ يَقُول إِن الْقَوْم لم يُؤَخر عَنْهُم شَيْء خبئ لكم لفضل عنْدكُمْ وَإِنَّمَا كَانَ غايتهم التبري وَإِظْهَار المجانبة وَالْأَمر بالتباعد
وَالْمَشْهُور عَن ابْن عمر ﵄ أَنه لما بلغه قَول أهل الْقدر قَالَ أبلغوهم أَنِّي مِنْهُم بَرِيء وَلَو وجدت أعوانا لجاهدتهم
وَقَالَ ابْن عَبَّاس ﵄ لَو رَأَيْت بَعضهم لضَرَبْت رَأسه
وأتى رجل عَليّ بن أبي طَالب ﵁ فَقَالَ أَخْبرنِي عَن الْقدر قَالَ طَرِيق مظلم فَلَا تسلكه قَالَ أَخْبرنِي عَن الْقدر قَالَ بَحر عميق فَلَا تلجه قَالَ أَخْبرنِي عَن الْقدر قَالَ سر الله فَلَا تكلفه
وَعَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر قَالَ يُسْتَتَاب القدري فَإِن تَابَ وَإِلَّا نفي من بِلَاد الْمُسلمين
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز يَنْبَغِي أَن نتقدم إِلَيْهِم فِيمَا أَحْدَثُوا من الْقدر فَإِن كفوا وَإِلَّا استلت ألسنتهم من أقفيتهم استلال
1 / 19
فَهَذَا طَرِيق الْقَوْم فِي أَمر الْبدع وَأَهْلهَا
قَالَ رجل من أهل الْبدع لأيوب السّخْتِيَانِيّ يَا أَبَا بكر أَسأَلك عَن كلمة فولى وَهُوَ يَقُول وَلَا نصف كلمة
وَقَالَ ابْن طَاوس لِابْنِ لَهُ وَتكلم رجل من أهل الْبدع يَا بني أَدخل أصبعيك فِي أذنيك ثمَّ قَالَ اشْدُد اشْدُد
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز من جعل دينه غَرضا للخصومات أَكثر التنقل
1 / 20