مسلمانوں کی دوبارہ بت پرستی کی طرف واپسی: اصلاح سے قبل تشخیص
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
اصناف
إن دخول الدين بمطلقاته إلى ساحة السياسة يخلطه بالرغبات البشرية في السيطرة والهيمنة والانفراد بالإدارة، ويكون الدين بذلك مجرد مطية ودابة تمتطى لأهداف ما أبعدها عن الدين ؛ لأنها لا تبغي مصلحة عباد الله بقدر ما تهدف إلى سلطان فئة أو طائفة واستئثارها بكل شيء تحت مظلة الرعوية الربانية. إن كان أهل الدين يريدون طهارته ونظافته فعليهم أن يمارسوا به نشاطا نهوضيا تقدميا تحضريا، والعمل دوما على الصلح بين فرق المجتمع بعيدا عن الصدام الذي يصل إلى سفك دماء الأبرياء لاختلاف على فهم فكرة، وعليهم دعوة الناس للعلم الحديث يمارسون واجبهم الإنساني في تعلمه والإضافة إليه لنشارك الناجحين في نجاحهم، فيكون نجاحنا نجاحين، ووفرتننا وفرتين، وتحضرنا تحضرين، أحدهما مصدره ديني والآخر علماني، وكما نسمع الأئمة في المساجد يدعون للسادة والمتنفذين على الرعية، بالتوفيق لما فيه مصلحة الرعية، يجب أن نسمع منهم دعاء مماثلا بنجاح العلمانية في بلادنا لما فيه مصلحة الرعية وتجنيب طوائف المجتمع التصادم وسفك الدم؛ لأن القول بطائفة تعلو بقية طوائف المجتمع بحد ذاته هو ضد الوطن، وضد أمن المجتمع، وضد المصلحة العامة، وخيانة كاملة للوطن؛ لأنه سيؤدي إلى حروب أهلية من أجل الرغبة في السيطرة والانفراد بالهيمنة لرجال دين علاقتهم المفترضة بالسماء وليس بالأرض وزخرفها. إن مجتمعنا سيسعد عندما يجد رجال الدين يساهمون في تخفيف معاناة الجياع وآلام المرضى والمنكوبين، والسعي إلى توفير المسكن والملبس للناس في الوطن دون النظر إلى هوياتهم الدينية، لا أن يتم تحصيل التبرعات والزكاة ونذور المساجد لتحويلها للإرهاب في البوسنة وكشمير والأفغان والشيشان وغزة والعراق.
وإذا كان المسيري بحكم حصيلته المعرفية قد طالب بعلمانية جزئية غير شاملة، فإن بقية التيار الإسلامي يكفر العلمانيين علنا وبالفم الملآن، رغم أن العلمانيين هم الذين أخلصوا إلى ربهم فقاموا يكتشفون قوانينه في الكون، وتوظيفها من أجل كرامة الإنسان الذي كرمه ربه؛ فالمخلصون لهذا الرب هم علماء العلمانية، يكفرونهم رغم أنهم وظفوا قوانين الله، ولم يوظفوا قوانين الشيطان في الكراهية والقتل والذبح والتكفير والتنفير، والقتل على الهوية واختلاف المذهب أو الرأي. في لقاء من نوع آخر قابلت فيه على قناة الجزيرة سفيه لندن «هاني السباعي» صاحب مركز المقريزي للإرهاب الدولي، وفي ذات البرنامج والقناة، كان كل هم سفيه لندن هو تسفيه العلمانية وإثبات فشلها في حل مشاكل الإنسانية وأنها في بلادها يتراجعون عنها الآن، بعدما شاهدوا من أمجاد أسود الإسلام الميامين، في مانهاتن ومحطات مترو لندن ومدريد وغيرها من أمجاد فوق الحصر.
وهو نفس ما قاله المسيري ولكن الفراق بائن؛ لأن المسيري قال ما قال لاستبعاد العلمانية الشاملة بأكاديمية مهذبة في جزئه الثاني، والسبب الرئيسي عنده هو استبعادها - كما يرى - للقيم جميعا عدا قيم السوق وحدها، مما يؤدي إلى تشيئ البشر، وتحويل الإنسان إلى مجرد سلعة في سوق العلمانية المادية.
وهو كلام مردود؛ لأنه إذا فشلت العلمانية في حل بعض مشاكل الإنسانية كالمشكلة الاقتصادية الحالية، أو مشكلة عدم الحصول على مصل لفيروس متطور جديد، فإن ذلك لا يجيز لغير المنجز ولا غير المنتج، الطفيلي العاجز، أن يتهمها بالفشل والمقصود بإعلان فشل العلمانية هو التمهيد للمشروع الإسلامي، رغم وجود المشروع الإسلامي في المشروع المسيحي والمشروع اليهودي، وبقية المشاريع الدينية في المشارق والمغارب، ولم ينجح واحد منها في حل مشكلة واحدة من مشاكل الإنسانية. إن العلمانية إن فشلت هنا أو هناك فلديها دائما الأمل في تجاوز الفشل، بعمل دءوب قائم في المختبرات والبحوث الاجتماعية على قدم وساق. ويصح أن يكون دور رجال الدين هو تصيد عثرات العلمانية، بل يجب عليهم إذا كانوا يبغون مصالح البلاد والعباد أن يدعموا العلمانية وتشجيعها على النجاح، لا العودة إلى النصوص لاكتشاف هذا النجاح في تراثنا، وأن يعلم رجل الدين العامة ويحثوهم على احترام العمل والعلم وتقديس العمل والعلم والعلماء، وقدسية القانون والوقت والملكية العامة ... إلخ.
إن العلمانية أدت إلى منتجات علمية يعمل عليها بشر، وتكون مهمة رجال الدين هو ضمير هؤلاء البشر كي لا يخرب الآلة العلمانية، ويعطل الإنتاج، وكي يخلص في الأداء ويتفانى في الجودة لا أن يترك العامل المؤمن سيمافور السكة الحديد ويذهب للصلاة ويموت المئات ويأخذ هو الثواب، إذا أراد الدين أن يعيش وسط هذا المتغير الهائل فعليه أن يتجه لوظيفته التي جاء من أجلها: ضمير الناس ودعم أخلاق العلمانية وقيمها.
وبمنطق الدين ذاته لا يمكن تصور إنجازات العلمانية في الغرب وما أدت إليه من تحضر وتقدم ووفرة ونمو ورقي، قد تم دون موافقة الرب ومباركته؛ لأن كل هذه النجاحات المبهرة لا يمكن دينيا تصورها تأتي رغم إرادة الرب وعدم رضاه. وإن من يدرك انضباط هذا الكون بقوانين الرب هم أهل العلمانية وأبناؤها من علماء، فطنوا إلى أن الرب قد خلق الكون وخلق له قوانينه، وأن على البشر الذين يخلصون للرب ويحبون مخلوقاته أن يكتشفوا قوانينه ليستحقوا الخلافة عنه في الأرض، ولماذا لا يرضى الرب وهو يرى نتائج العلمانية علما ورفاهية وشفاء ووفرة بين أيدي عياله في الأرض دون تفرقة، فحققت العلمانية المساواة الربانية والرحمة الربانية على الأرض منذ فجر الأديان حتى وصول العلمانية، باكتشاف فاكسينات الأمراض، وباكتشاف الحب الرباني باختراع الأدوات والأجهزة لتسهيل حياة عياله على الأرض، وباكتشاف العدالة الربانية بتسهيل وصول هذه المنتجات لكل الناس دون تفريق بسبب اللون أو الجنس أو العنصر أو الدين. فلم يحرم الرب أحدهم رغبته في المعرفة والتحضر لأنه ليس مسلما؛ لأن الرب بمنطق الدين ذاته ومن وجوب كمالاته ألا يشوبه النقص، والعنصرية والتخريب لبعض مخلوقاته دون آخرين هو النقص ذاته، والرب منزه بكماله عن هذه الوصمة. لهذا أثبت الرب عدالته ومساواته ورحمته في الأرض فأعان من أراد المساهمة أيا كان دينه، وساعده على توظيف بحوثه العلمانية لإسعاد البشرية وهي قمة الخلق في تراتب مخلوقات الرب.
الفرق البسيط بيننا وبينهم، أنهم سعوا فبارك الله سعيهم، أما نحن فنكتفي بأداء الفروض ودعاء الرب أن يقوم بنفسه بكل شيء دون أي جهد من جانبنا، لأننا هنا قاعدون، وربك سيفرجها من عنده ما بين غمضة عين وانتباهتها، إذا أخلصنا سبغ الوضوء والصلاة وأدينا الفروض.
يقول د. المسيري (ص118، ج2): «يدور الإيمان الديني الحق حول الإيمان بأن ثمة إلها خالقا للكون هو مركز العالم (الإنسان والطبيعة) وهو مركز مفارق له، وهذا الإله خلق العالم بغرض وهدف، ولم يهجره وإنما يشمله دائما برعايته وحكمته، ولا يترك مسار التاريخ يتحرك بدون عطفه ورعايته، وهذا الإله هو مصدر تماسك العالم ووحدته وهو (وكل ما يوحي إلينا به من نظم معرفية وأخلاقية وجمالية) المرجعية النهائية المتجاوزة. ووجود الخالق المفارق يؤدي إلى ظهور ثنائيات أساسية وهي ثنائية الخالق والمخلوق، التي يتردد صداها في الكون على هيئة ثنائيات مختلفة، أهمها ثنائية الإنسان والطبيعة التي تعني أن الإنسان مختلف عن الطبيعة متجاوز لها، فكأن ثنائية الخالق والمخلوق الناجمة عن وجود الإله المفارق هي ضمانة للوجود الإنساني.»
الدكتور يحدثنا عن العلمانية بأبعد الألفاظ عن العلمانية؛ فهو يحدثنا عن الحكمة الإلهية والرعاية الربانية والرحمة السماوية بحسبانها المؤسسة الإدارية للكون، ومثل هذه المصطلحات ليست خاصة بالإسلام وحده، بل بدأت مع البدايات الأولى لاكتشاف الإنسان ما حوله وتفسيره بأساطير وأديان الأولين، ورغم معرفة هذه المصطلحات من فجر البشرية فإنها لم تصلح شيئا ولم تقدم شيئا سوى العزاء بسلوان وهمي؛ مما عطل الإنسانية طويلا عن التفكير العلمي ومحاولة اكتشاف قوانين الله في كونه. ولم تتبدل الصياغات والمصطلحات فقط بل تبدلت المعاني والمفاهيم. ولم يعد التفكير العلماني يعرف خطاب العاطفة والأشعار الوجدانية واللطائف السماوية والبلاغة اللغوية، ولأن الزمن قد انتقل نقلة تطورية هائلة، فإن الكهنة والسدنة الذين لا يعرفون معنى كلمة قانون علمي ولا ما هو المنهج العلمي، وأثبتوا حتى اليوم عجزهم عن هذا الفهم، فلا شك مع سيطرتهم إعلاميا وتعليميا أنهم سبب بقائنا عند القرن السابع الميلادي، وسبب تخلفنا عن اللحاق بقاطرة الحداثة. لقد جالست يوما كبيرا منهم يعد بين الأقلية التي لها علاقة بعلوم الدنيا، وطلب مني أن أشرح له نسبية آينشتاين، وصبرت وصابرت وجهدت وجاهدت (لأنه كان صديقا لأبي) حتى أعياني حقا وليس مجازا؛ لذلك لو ألحقنا رجل الدين بأفضل جامعات العالم فلن يدرك معنى حديثنا عن الحريات وحقوق الإنسان لأنها قيم ترتبط بسلة علوم كاملة اسمها العلمانية، ويلزم الشيخ أن يكون قد راكم قدرا من العلم يسمح له بالتعاطي معها؛ لذلك غير مطلوب منه هذا الجهد ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
تراهم يحدثونك عن توراة موسى ولا يعلمون عنها شيئا وهي في متناول الجميع، وزبور داود (مزامير) وهي متيسرة بالكتاب المقدس لمن أراد أن يقرأها ليعرفوا عم يتحدثون، والأنكى أن يحدثوك عن الفرق بين اليوم الإلهي واليوم البشري وكيف مركز الله كعبته على اليابسة وكيف انشق البحر وكيف ولدت الصخرة ناقة الله، وكيفية النفاذ من أقطار الأرض إلى السموات تمشيا مع هبوط الإنسان على القمر. وكله حديث الجاهل جهلا مطبقا، الذي يخلط الأساطير بالخرافات بالدين بالعلم، وكله عند العرب صابون؛ لذلك لا نكلفهم بما ينوء به كاهلهم، كل المطلوب منهم أن يكتفوا بتخصصهم في صناعة ضمير يؤدي بالناس إلى سبيل الرشاد نحو الجنة واتقاء السعير.
نامعلوم صفحہ