لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٣٢)
الانتهاض في ختم «الشفا» لعياض
تأليف
الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت ٩٠٢ هـ)
دراسة وتحقيق
عبد اللطيف بن محمد الجيلاني
ساهم بطبعه بعض أهل الخير من الحرمين الشريفين ومحبيهم
دار البشائر الإسلامية
نامعلوم صفحہ
جميع الحقوق محفوظَة
الطبعَةُ الأولى
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
دارَ البشائر الإسلامية للطّباعَة وَالنشر والتوزيع
هاتف: ٧٠٢٨٥٧ - فاكس: ٧٠٤٩٦٣/ ٠٠٩٦١١
بيروت - لبنان ص ب: ٥٩٥٥/ ١٤
e-mail:[email protected]
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وبه ثقتي
المُقدِّمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا جزء لطيف، وتعليق طريف، ألّفه الحافظ الناقد البارع أبو الخير شمس الدين محمَّد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي (٩٠٢ هـ) برسم الانتهاء من إقراء كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ﷺ، لعالم المغرب الشهير القاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت ٥٤٤ هـ).
وقد جَرَتْ عادته ﵀ أن يصنِّف ختومًا للكتب التي قام بإقرائها وتدريسها، وكان ﵀ قد أقرأ كثيرًا من كتب الحديث والسيرة وجملة من تصانيفه، لا سيَّما عند مجاورته بالحرمين الشريفين مكة والمدينة، وَأَسَاسُ تصنيفِ تلك الختوم هو مجلس ختم الكتاب المقرر إقراؤه.
1 / 3
وكانت مجالس الختم من المجالس العلمية المشهودة، والمحافل العلمية المحمودة، حيث يتناول فيها الحافظ السخاوي بعد الانتهاء من تدريس الكتاب طَرَفًا من منهج المؤلف في كتابه، وَيُبَيِّنُ خصائص الكتاب، ومزاياه، وَيُعَدِّدُ مناقب مؤلفه، وَيَسْرُدُ أسانيده إليه، وَيَنْثُرُ في غُضُونِ ذلك إفاداتٍ علميّة متنوعة، ولم يكن يَتَخَلَّفُ عن تلك المجالس كَبِيرُ أَحَدٍ، فكان يحضرها الأمراء والأعيان، وَتُنْشَدُ فيها القصائد (١).
يقول السّخاوي: "وكان لكثير من ذلك -أي الكتب التي أقرأها- ختوم حافلة، ورسوم أرجو أن تكون للقبول شاملة" (٢).
وقد ألّف السخاوي هذا الختم المبارك بمكة في رمضان عام
٨٩٣ هـ (٣)، وله خَتْم آخر على الشفا بسط فيه القول وتوسّع فيه كثيرًا واسمه: "الرياض في ختم الشفا لعياض" (٤)، وقد اعْتَادَ السّخاوي إقراء ختومه للطلبة بالمسجد الحرام (٥)، ويبدو أن هذا الختم من ضمنها.
ويشاء الله تعالى أن تتجَدَّدَ قراءته بعد مضي أكثر من خمسة قرون بالمسجد الحرام أيضًا، فقرأته ليلة السابع والعشرين من رمضان عام (١٤٢١ هـ)
_________
(١) إرشاد المناوي بل إسعاف الطالب الراوي بترجمة السخاوي للمصنف ل ٦٥/ أ (مخطوط).
(٢) المصدر السابق.
(٣) كما في آخر المخطوطة.
(٤) وهو مخطوط، له نسخة بالمدينة وأخرى باليمن، وسأعمل إن شاء الله على إخراجه في القريب العاجل.
(٥) انظر إرشاد المناوي ل ٦٤/ أ، وه ٦/ ب، و٦٦/ أ، و٨١/ أ.
1 / 4
في صحن المسجد تجاه الكعبة المشرفة مع ثلة كريمة من أهل العلم والفضل (١)؛ ليكون حلقة ضمن سلسلة الأعلاق النفيسة، والرسائل القيمة المفيدة؛ التي تصدر عن "لقاء العشر الأواخر من رمضان في المسجد الحرام".
وَيُعَدُّ هذا الختمُ وثيقةٌ مهمّة، وشهادةً جليلة، بِعُلُوِّ كَعْبِ القاضي عياض، ونَفَاسَةِ كتابه الشفا، فقد أثنى السّخاوي على القاضي عياض وكتابه المذكور ثناء عاطرًا، وأورد قصائد ومقطوعات في ذلك، ثم ذكر أسانيده إلى كتاب الشفا.
ولا يخفى على أحد مكانة كتاب الشفا بين المصنفات في موضوعه، فهو من أهم المؤلَّفات في السيرة النبوية، وقد كتب الله له القبول والذيوع فحمله الناس عن مؤلفه واستمدوا منه، وطارت نسخه شرقًا وغربًا، وأقبل الناس على قراءته عَجَمًا وَعُرْبًا، ولا غَرْوَ في ذلك، فقد أبدع فيه مؤلفه كل الِإبداع، وأجاد في تصنيفه وترتيبه، وكل من حقق نظره في تدقيقه، ودقق فكره في تحقيقه، سلّم بأن ذلك منحة ربانية خصّ الله بها هذا الِإمام، وحلاّه بها، وما أحسن ما قال القائل: كُلُهُمْ حَاوَلَ الدَّوَاءَ وَلَكِنْ ... مَا أَتَى بِالشِّفَا إِلاَّ عِيَاضُ
_________
(١) منهم الشيخ المطلع النابغة المحقق محمَّد بن ناصر العجمي، والشيخ العلَّامة نظام بن محمَّد صالح يعقوبي، والأستاذ الدكتور اللغوي المطلع عبد الله بن حمد المحارب، والأستاذ المحقق الناشر رمزي دمشقية، والأستاذ الفاضل هاني بن عبد العزيز ساب، وغيرهم من الأفاضل حفظ الله تعالى جميعهم، ووفقهم لما يحبه ويرضاه.
1 / 5
ومع أن كتاب الشفا قد بلغ هذه المرتبة العظيمة، فإنه قد انتقد على مؤلفه فيه أشياء، وهكذا طبيعة عمل البشر، لا بدَّ أن يعتوره النقص والخطأ مهما بلغ من الِإجادة والِإتقان.
وقد اعتمدت في إخراج هذا الختم على نسخة يتيمة محفوظة بمكتبة الحرم المكي العامرة، واجتهدت في ضبط نصه، وخدمته والتعليق عليه بما يسر أهل العلم والقراء إن شاء الله تعالى، وما توفيقي إلاَّ بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.
وختامًا أسال الله جلَّ وعلا أن يتقبل مني هذا العمل، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، إنه سبحانه نعم المسؤول، والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.
وكتب
عبد اللطيف بن محمَّد الجيلاني الآسفي
لطف الله به وغفر له ولوالديه
بالمسجد النبوي الشريف
في يوم الأربعاء غرَّة شهر صفر عام ١٤٢٢ هـ
1 / 6
التعريف بالمصنف
العلاَّمة شمس الدين السخاوي
هو العلاَّمة الحافظ الناقد شمس الدِّين محمَّد بن عبد الرحمن ابن محمَّد السخاوي القاهري المصري الشافعي، مولده بالقاهرة سنة (٨٣١ هـ)، ونشأ في رعاية والده الذي اهتم بتربيته وتعليمه، فحفظ القرآن ولازم شيوخ عصره في فنون شتى كالعربية والحديث والفقه وغير ذلك، ورحل إلى أقطار شتى، وكتب العالي والنازل، واستكثر من الشيوخ حتى زاد عددهم على أربعمائة نفس.
وانتفع كثيرًا بشيخه الحافظ ابن حجر ﵀ فكان لا ينفك عن ملازمته حتى أصبح أمثل تلاميذه وأقربهم إليه، ثم صار ﵀ من أشهر علماء زمانه، وبرع في الحديث والتاريخ، وتصدى ﵀ للِإقراء والتدريس لا سيَّما عند إقامته بالحرمين مكة والمدينة، فأقبل عليه الطلبة من كل حدب وصوب، وأخذ عنه من الخلائق من لا يحصى كثرة، وأثنى عليه شيوخه وأقرانه وتلاميذه ثناء عاطرًا، واعترفوا له بسعة الاطلاع، والتضلع في العلوم.
قال عنه المتقي ابن فهد: "زين الحفاظ، وعمدة الأئمة الأيقاظ،
1 / 7
شمس الدنيا والدين، ممن اعتنى بخدمة حديث سيِّد المرسلين، واشتهر بذلك في العالمين، على طريقة أهل الدين والتقوى، فبلغ فيه الغاية القصوى".
وقال عنه المتقي الشمني: "الإِمام العلاَّمة الثقة الفهامة الحجة، مفتي المسلمين، إمام المحدثين، حافظ العصر، شيخ السنة النبوية ومحررها وحامل راية فنونها ومقررها من صار الاعتماد عليه، والمرجوع في كشف المعضلات إليه، أمتع الله بفوائده وأجراه على جميل عوائده".
وقد أثرى ﵀ المكتبة الِإسلامية بتصانيف كثيرة في الحديث والتاريخ وغيرهما من الفنون، وهي في مجملها متقنة محرّرة، ولذلك نالت استحسان العلماء وثناءهم، فقد كان العز الكناني الحنبلي يثني عليها ويكثر من مطالعتها والانتقاء منها (١).
ومن أشهر هذا التصانيف: كتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، والغاية في شرح الهداية للسخاوي، والأجوبة المرضية فيما سئل عنه من الأحاديث النبوية، والمقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، والقول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، وغيرها، وكلها مطبوعة متداولة.
_________
(١) ذكر هذا السخاوي نفسه، ونقل عنه أنه قال في حق بعضها: "إن لم تكن التصانيف هكذا وإلاَّ فلا فائدة". (إرشاد المناوي ل ٨٠/ ب).
1 / 8
توفي ﵀ بعد حياة حافلة بطلب العلم والتدريس والِإقراء والِإفتاء والتصنيف سنة (٩٥٢ هـ) بالبقيع بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ﵀ رحمة واسعة وجزاه عن الإِسلام والمسلمين خير الجزاء (١).
• • •
_________
(١) رأيت الاكتفاء بهذه الترجمة المقتضبة جدًّا مراعاة مني للمقام، فإنه لا يتسع لأكثر من هذا، لا سيما والسخاوي قد ترجمة لنفسه ترجمة موسعة في الضوء اللامع (٨/ ٢ - ٣٢)، ثم عاد وأفرد كتابأ كبيرًا وحافلًا في ترجمته سماه: "إرشاد الغاوي بل إسعاف الطالب الراوي بترجمة السخاوي"، وهو مخطوط محفوظ بخزانة أيا صوفيا بتركيا بخط ابن فهد وعليه خط مصنفه، ولدي مصورة عنه، ومن هذين الكتابين استقيت معظم هذه الترجمة.
كما أن له ترجمة في تاريخ النور السافر عن أخبار القرن العاشر للعيدروسي ص ١٨ - ٢٣، والكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة للغزي ١/ ٥٣، ٥٤، وشذرات الذهب لابن العماد ٨/ ١٥ - ١٧، والبدر الطالع للشوكاني وَكُتِبَتْ عنه العديد من الدراسات، أذكر منها: السخاوي مؤرخًا لعبد الله بن ناصر الشقاري، رسالة دكتوراه بجامعة الإِمام محمَّد بن سعود بالرياض سنة ١٤٠٦. والسخاوي محدثًا لسعيد حليم، رسالة ماجستير بجامعة الحسن الثاني بالمغرب عام ١٤١٤ هـ. والسخاوي وجهوده في الحديث وعلومه لبدر العماش، رسالة دكتوراه بقسم علوم الحديث بالجامعة الِإسلامية بالمدينة عام ١٤١٩ هـ، وقد صدرت مؤخرًا في مجلدين عن مكتبة الرشد بالرياض، وغيرها كثير.
1 / 9
التعريف بالكتاب
موضوع الكتاب:
يُعَدُّ هذا الكتاب من كتب الختم، وهي كتب يصنفها الشيخ أو يصليها برسم الانتهاء من إقرائه لكتاب من كتب الحديث أو السيرة أو الفقه أو غيرها من الفنون، ويكون الكلام فيه على فضائل مصنف الكتاب ومناقبه ومآثره، وخصائص كتابه ومزاياه ومنهجه فيه، ويسوق أسانيده إليه، وقد يشرح آخر حديث في الكتاب، ويتكلم عليه سندًا ومتنًا. وتعتبر كتب الختم مرجعًا مهمًّا في دراسة مناهج المصنفين؛ إذا يتضمن كثير منها خلاصة الاستقراء لتلك المناهج (١)، ولذلك فلا ينبغي إهمال الرجوع إليها لِكُلِّ مَنْ رَامَ البحث في تراجم العلماء أو مناهجهم في تصانيفهم أو النظر في أسانيد الكتب ومعرفة مدى انتشارها واهتمام الناس بها.
_________
(١) نبّه على هذا شيخنا الدكتور عبد العزيز بن محمَّد العبد اللطيف ﵀ وتغمده برحمته في مقدمة تحقيقه لكتاب: "بغية الراغب المتمني في ختم النسائي برواية ابن السني"، ص ٥.
1 / 10
وقد بدأت العناية بهذا اللّون من التصنيف تبعًا لظهور التصنيف في افتتاح الكتب، أعني كتب الافتتاحيات، وهي كتب يصنفها الشيخ أو يمليها برسم الشروع في إقراء كتاب من الكتب أو تدريسه، فتكون بمثابة المقدمة أو المدخل لذلك الكتاب، ويتناول فيها المصنف ما يتناوله مؤلفو كتب الختم من ترجمة صاحب الكتاب المراد إقراؤه، والكلام على خصائص كتابه ومنهجه فيه، وَسَوْقِ أسانيده إليه، وَعَرْضِ ما قيل في الثناء عليه نظمًا ونثرًا.
وأوَّل من علِمته صنّف في ذلك الحافظ أبو طاهر السِّلَفِي (ت ٥٧٦ هـ) حيث أملى مقدمة على كتاب معالم السنن للخطابي (١)، ومقدمة أخرى على كتاب الاستذكار لابن عبد البر القرطبي (٢)، ولم يشتهر التصنيف في الختم إلاَّ مع مطلع القرن التاسع الهجري، فالّف في ذلك العلاَّمة ابن الجزري (ت ٨٣٣ هـ) كتابه: "المصعد
_________
(١) طبعت في آخر كتاب معالم السنن ٨/ ١٣٨ - ١٦٣.
(٢) قمت بتحقيقها على نسختين خطِّيَّتين، وقد نشرف بفضل الله ضمن سلسلة لقاء العشر الأواخر من رمضان، وممن ألف في الافتتاحيات أيضًا الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (ت ٨٤٢ هـ) له كتاب: "افتتاح القاري لصحيح البخاري" مخطوط بمكتبة الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف الكويتية برقم: ٢٨٦/ ١، وللحافظ السيوطي (ت ٩١١ هـ): "رفد القاري بما ينبغي تقديمه عند افتتاح صحيح البخاري" مخطوط بالخزانة العامة بالرباط برقم: ٢٧١١ ك، ولمحمد بن المدني بن الغازي بن الحسني الرباطي كتاب: "ثالث افتتاح لأصح الصحاح" مخطوط بالخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع برقم: ١٨٢١ د.
1 / 11
الأحمد في ختم مسند الإِمام أحمد" (١)، وألّف الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (ت ٨٤٢ هـ) في ختم البخاري ومسلم (٢) والسيرة النبوية لابن هشام (٣) والشفا (٤).
ثم أتى بعدهما الحافظ محمَّد بن عبد الرحمن السخاوي فاعتنى بتصنيف كتب الختم عناية كبرى لا نجدها عند غيره من المصنفين، فألّف ثلاثة عشر كتابًا في ذلك، سماها عندما ترجم لنفسه في الضوء اللاّمع، وكذا في الترجمة التي أفردها لنفسه، وفيما يلي أسماء هذه الكتب مرتبة على حروف المعجم (٥):
١ - الِإلمام في ختم السيرة النبوية لابن هشام (٦).
_________
(١) ألّفه في مكة المكرمة عند ختمه المسند الإِمام أحمد سنة ٨٢٨ هـ، وقد طبع بمطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٤٧ هـ، ثم قامت بطبعه مكتبة السنة بالقاهرة سنة ١٤١٠ هـ اعتمادًا على طبعة مطبعة السعادة.
(٢) ذكرهما ضمن مؤلفات ابن ناصر الدين: السخاوي في الضوء اللامع ٨/ ١٠٤.
(٣) طبع بعنوان: "مجلس في ختم السيرة النبوية بتحقيق: إبراهيم صالح عن دار البشائر بدمشق عام ١٤١٩ هـ.
(٤) له نسخة خطية بمكتبة أورشليم، وعنها مصورة بمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض.
(٥) انظر: الضوء اللامع ٨/ ١٨، وإرشاد المناوي بل إسعاد الراوي بترجمة السخاوي ل ٨٠/ أ- ٨١/ أ (مخطوط).
(٦) يوجد مخطوطًا بدار الكتب الوطنية بتونس ضمن مجموع برقم: ٦٦٦٢، في خمس ورقات، نسخ بخط محمد بن أحمد بن محمَّد الشلبي الحنفي في =
1 / 12
٢ - الانتهاض في ختم الشفا لعياض (١).
٣ - بذل المجهود في ختم سنن أبي داود (٢).
٤ - بغية الراغب المتمني في ختم النسائي رواية ابن السني (٣)
٥ - الجوهرة المزهرة في ختم التذكرة للقرطبي.
٦ - رفع الِإلباس في ختم السيرة لابن سيد الناس.
٧ - الرياض في ختم الشفا لعياض (٤).
٨ - عجالة الضرورة والحاجة عند ختم السنن لابن ماجه (٥).
٩ - عمدة القاري والسامع في ختم الصحيح الجامع (٦).
_________
= شوال سنة ١٠٤٤ هـ، وله مصورة بقسم المخطوطات بالجامعة الِإسلامية بالمدينة المنورة، ويعمل على تحقيقه الأخ الباحث الأستاذ أنس بن الحسن وكاك من المغرب.
(١) وهو هذا الختم الذي بين أيدينا.
(٢) انتهيت من تحقيقه على نسختين خطيتين، وسيطبع قريبًا بإذن الله تعالى.
(٣) طبع بتحقيق شيخنا الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف ﵀ عام ١٤١٤ هـ بمكتبة العبيكان بالرياض.
(٤) منه نسخة باليمن، وأخرى بخزانة الشيخ عارف حكمت بالمدينة ضمن مجموع برقم: ٣٠٨، يسَّر الله لي تحقيقه ونشره.
(٥) مخطوط بدار الكتب المصرية.
(٦) طبع بتحقيق علي العمران اعتمادًا على نسخة دار الكتب المصرية، وهي بخط تلميذ المؤلف القسطلاني ونشرفه دار عالم الفوائد بمكة المكرمة، ثم نشر مؤخرًا بتحقيق د. مبارك الهاجري الكويتي في مجلة كلية الشريعة التي تصدر عن جامعة الكويت/ السنة: ١٦ العدد: ٤٤ ذو الحجة ١٤٢١ هـ - مارس ٢٠٠١ م، اعتمادًا على نسختين: النسخة المشار إليها، ونسخة مكتبة =
1 / 13
١ - غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج (١).
١١ - القول المرتقي في ختم دلائل النبوة للبيهقي.
١٢ - القول المعتبر في ختم النسائي رواية ابن الأحمر (٢).
١٣ - اللّفظ النافع في ختم كتاب الترمذي الجامع (٣).
وقد اهتم السخاوي بإقراء ختومه وإسماعها للطلبة لا سيَّما كتابه في ختم الشفا، يقول في ترجمة أحمد بن محمَّد بن إبراهيم المعروف بابن ظهيرة: "سمع عليَّ الشفا ومؤلَّفي في ختمه، وحضر علي قبل ذلك أشياء" (٤)، وقال في ترجمة محمَّد بن محمَّد بن إبراهيم المعروف بابن ظهيرة المكي: "قرأ علي الشفا بمكة ومؤلَّفي في ختمه وسمع قبل ذلك وبعده مني وعلي أشياء" (٥).
_________
= تشستربيتي بإرلندا وهي بخط البلبيسي، وهو أيضًا تلميذ للمؤلف، وفاته هو والذي قبله اعتماد نسخة أخرى مهمة محفوظة بخزانة الشيخ عارف حكمت ضمن مجموع برقم: ٣٠٨.
(١) طبع بتحقيق نظر الفاريابي ونشرفه مكتبة الكوثر بالرياض، اعتمادًا على نسخة سقيمة محفوظة بمكتبة الحرم المكي، وفاته اعتماد نسختين مهمتين أولاهما: محفوظة بخزانة الشيخ عارف حكمت ضمن مجموع برقم: ٣٥٨، والثانية: محفوظة بدار الكتب المصرية برقم: ٢٥٦٩ حديث، وكتب عنوان هذه النسخة بخط المؤلف.
(٢) نشرته دار ابن حزم ببيروت بتحقيق جاسم المري.
(٣) مخطوط بدار الكتب المصرية.
(٤) إرشاد الغاوي ل ١٨٤/ ب (مخطوط).
(٥) المصدر السابق ل/ ٢١٧/ أ.
1 / 14
وَرَافَقَ مجالس ختمه للبخاري احتشاد واهتمام من طرف الولاة والأعيان حيث لم يكن يتخلف منهم أحد عن الحضور في مجلس الختم، بل كانوا يوزعون العطايا والهبات على الطلبة والحاضرين، يقول السخاوي: "وكان لبعض ختوم ذلك أوقات حافلة، وأما بالمدينة فختم في يوم جمعة بالروضة النبوية: البخاري ومسند الشافعي ودلائل النبوة والقول البديع وغيرها، ولم يتخلف عنه كبير أحد، وأنشدت قصائد مبتكرة لغير واحد ذكرتها في محلها، وخلع الخواجا الشمسي ابن الزمن على القراء والمادحين، جوزي خيرًا ونرجو القبول والمغفرة" (١).
ويقول في ترجمة أحمد بن عبد الرحيم بن محمود العيني القاهري أحد الوجهاء والمقدمين في مصر: "سار على سيرة أكابر الملوك في الِإنعام والمماليك خصوصًا، فإنه فعل من المعروف والِإحسان شيئًا كثيرًا، وعُقِدَ عنده مجلس الحديث فما تخلف كبير أحد عن حضور مجلسه، وصار يعطيهم الصُّرَرَ عند الختم والخلع وغير ذلك ... " (٢).
ويبدو أن الاهتمام بمجالس الختم قد استمر على نفس هذه الوتيرة في العصور التالية، بل ربما قد أولي عناية أكبر، فهذا العلاَّمة أبو سالم العياشي (ت ١٠٩٠ هـ) يصف مجلس ختم كتاب الشفا على شيخه أبي مهدي عيسى الثعالبي أثناء مقامه بمكة فيقول: "وسمعت من لفظه نحو النصف من كتاب الشفا للقاضي عياض رواية ودراية يقرره
_________
(١) إرشاد الغاوي ل ٦٥/ أ.
(٢) طبقات الحنفية ص ٢٧ (مخطوط بالمكتبة الأحمدية بحلب).
1 / 15
أحسن تقرير، ويبين مقاصده، ويطالع عليه شرح شيخنا شهاب الدين الخفاجي، وكنت أمسكه عليه في حال التقرير وأسرد له المحتاج منه، ويحضر مجلسه فيه غالب النجباء من متفقهي أهل مكة، وكان يوم ختمه يومًا مشهودًا حضره أكابر الفقهاء وأديرت فيه كؤوس الأشربة الحلوة، وأطلقت فيه أنواع البخور والروائح الطيبة، وهذه أنهى تكرمة عند أهل ذلك القطر" (١).
ومما ينبغي التنبيه عليه بخصوص المؤلفات في الختم أن السخاوي قد شَهَر هذا اللون من التصنيف، فَسَارَ على منواله في ذلك الجم الغفير من أهل العلم، وممن ألّف في ذلك من أهل عصره العلاَّمة القسطلاني (ت ٩٢٦ هـ فله كتاب: "تحفة السّامع والقاري بختم صحيح البخاري" (٢)، وبعده ألّف العلاَّمة المحدث محمَّد علي بن علاّن الصديقي المكي (ت ١٠٥٧ هـ) كتاب: "الوجه الصّبيح في ختم الصحيح" (٣)، وكتاب: "الابتهاج في ختم المنهاج" (٤)؛ أي المنهاج بشرح صحيح مسلم للنووي، وهو من المختصرات المعتمدة في فقه الشافعية.
_________
(١) ماء الموائد أو الرحلة العياشية ٢/ ١٧٦.
(٢) ذكره له السخاوي في الضوء اللامع ٢/ ١٠٤، وانظر نسخه الخطية في الفهرس الشامل للتراث العربي الِإسلامي المخطوط (الحديث النبوي الشريف وعلومه ورجاله) ١/ ٣٤١.
(٣) انظر: هدية العارفين لِإسماعيل باشا ٢/ ٥٢٥.
(٤) انظر المصدر السابق.
1 / 16
وأشهر من اعتنى بتأليف كتب الختم بعد عصر السخاوي العلاَّمة المحدث عبد الله بن سالم البصري (ت ١١٣٤ هـ) فله ختوم على الموطأ وصحيح البخاري، وجامع الترمذي وسنن أبي داود وسنن ابن ماجه (١)، وبعده ألّف العلاَّمة أبو الفضل محمَّد تاج الدين بن عبد المحسن بن سالم القلعي (ت ١١٤٩ هـ) "منتخب الدراري في ختم صحيح البخاري"، وختم صحيح مسلم (٢)، وعمومًا فإن المتأخرين قد أكثروا من التأليف في الختم بحيث يضيق المجال هنا بحصر تصانيفهم في ذلك.
هذا ما حضرني عن كتب الختم ومدى اهتمام العلماء بالتصنيف فيها.
أما عن هذا الكتاب الذي بين أيدينا فهو مجلس في ختم كتاب الشفا للقاضي عياض بن موسى اليحصبي السّبتي (ت ٥٤٤ هـ) (٣).
وكتاب الشفا من التصانيف البهية في السيرة المحمدية، وهو كتاب مشهور، وبالمحاسن مذكور، أبدع فيه مؤلفه كل الِإبدل، وَسَلَّمَ كَفَاءَتَه فيه جُلّ الأتباع، وكتب له القبول فطارت نسخة شرقًا وغربًا،
_________
(١) لهذه الختوم نسخة بمكتبة الحرم المكي ضمن مجموع. برقم: ٣٨٠٨ فلم: ٢٦٠ - ٢٦٤، ولختم الموطأ والترمذي وابن ماجه نسخة أخرى بخزانة المحمودية بالمدينة ضمن مجموع برقم: ٢٦٠٠.
(٢) كلاهما مخطوط بمكتبة الحرم المكي ضمن مجموع برقم: ٣٨٠٨.
(٣) تحدثت عن مضامين هذا الختم وقيمته العلمية في المقدمة فأغنى عن إعادته هنا.
1 / 17
بُعدًا وقربًا (١)، وأثنوا عليه نثرًا ونظمًا، وتكلّموا عليه إيضاحًا وفهمًا.
وربما انتقد في بعضه، كانتقاد الحافظ الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) له في إيراده للأحاديث الضعيفة والواهية في كتابه، وذكره لبعض التأويلات البعيدة، فإنّه قال في كتابه سير أعلام النبلاء: "تواليفه نفيسة، وأجلّها وأشرفها كتاب الشفا لولا ما قد حشاه بالأحاديث المفتعلة، عَمَلَ إِمَامٍ لا نقد له في فن الحديث ولا ذوق، والله يثيبه على حسن قصده، وينفع بشفائه وقد فعل، وكذا فيه من التأويلات البعيدة ألوان، ونبينا صلوات الله عليه وسلامه غَنِيٌّ بمدحة التنزيل عن الأحاديث، وبما تواتر من الأخبار عن الآحاد، وبالآحاد النظيفة الأسانيد عن الواهيات، فلماذا يا قوم نتشبع بالموضوعات، فيتطرق إلينا مقال ذوي الغل والحسد، ولكن من لا يعلم معذور، فعليك يا أخي بكتاب دلائل النبوة
_________
(١) كتب الله لكتاب الشفا القبول، فأخذه عن مؤلفه جم غفير من تلاميذه، فذاع وانتشر، وصار أحد الكتب المعتمدة في حلقات الدرس بالمغرب والمشرق، واستكثر الناسخ من نسخه، واليوم نجد نسخه المخطوطة متوافرة في معظم الخزائن والمكتبات. لا سيما الخزائن المغربية، فنسخه المحفوظة بها تعد بالمئات، ثم إنه من أوائل الكتب التي حظيت بالطاعة فقد طبع بالأستانة بتركيا على الحجر عام ١٢٦٤ هـ، ثم طبع بعد ذلك مرارًا بالمغرب ومصر والهند وغيرها من البلدان تارة مجردًا، وتارة مع شرح من شروحه الكثيرة.
(انظر حول مخطوطاته وطبعاته البحث الحافل لأستاذنا العلاَّمة الفقيه محمَّد بن عبد اللهادي المنوني حول رواة الشفا ورواياته ومخطوطاته الأصيلة ضمن كتابه: قبس من عطاء المخطوط المغربي ١/ ١٥٩ - ١٧٥، ٢٠٦ - ٢٠٨).
1 / 18
للبيهقي، فإنه شفاء لما في الصدور، وهدى ونور" (١).
وقد علَّق الحافظ السخاوي على كلام الذهبي هذا قائلًا: "وهو مَاشٍ في الِإنكار على طريقته، بل قد أدخل أبا القاسم الطبراني وغيره من أئمة النقد والحفظ في ميزانه المعقود لمن تكلم فيه لكونهم يروون الموضوعات ونحوها بأسانيدهم ساكتين عنها، ولكن كان يمكنه التعبير هنا بألين من هذه العبارة؛ لأنه لا يخفى عليه ولا على غيره من أئمة الإِسلام المتأخرين عن القاضي عياض جلالته سيَّما في الحديث بحيث اعتمده جمهور من جاء بعده كما صنعه بعض من وافقه على التعرض للقدح في بعض أحاديثه مع التحامي عن تدوينه اعترافًا بحقه وصونًا لهذا الكتاب البديع، في الجناب الرفيع، عن تنقيصه وتوهينه.
فقال البرهان الشارح مع كونه ممن تعرض لشيء من ذلك، كما صرّح به في خطبة كتابه حيث قال: وقد تكلمت على بعض أحاديث فيه، وعلى الجملة في ذكره إياها من مكان، وقد يكون في الكتب الستة أو بعضها ما نصه، وقد بلغني عن شيخنا حافظ الوقت الزين العراقي أنه أراد أن يعزو أحاديثه ويتكلم عليها ثم رجع عن ذلك، قلت معللًا لرجوعه بقوله (٢): هذا كتاب قد تلقي بالقبول فلا أحب التعرض له حكاه لنا شيخنا ﵀، وهو ممن كان أيضًا يقول: أيعجب من القاضي مع جلالته في إيراد أسانيده في كثير من الأحاديث التي ينقلها عن مشهور الكذب ويترك إفادتنا تعيين المكان الذي نقل منه ما لا نعرفه إلاَّ منه.
_________
(١) السير ٢٠/ ٢١٦.
(٢) كذا في الأصل.
1 / 19
والذي عندي في الجواب عن القاضي ﵀ أن توجهه لهذا الأسلوب الرائق، والمطلوب الفائق، الذي يلتذ به السامع، وتصير حواسه كلها لطربه به مسامع، والأجوبة الحسنة المتضمنة للمثوبة البينة، وكون القصد المشي في الطريق الذي لم نر من سار فيه كسيره منه من التشاغل بتمييز الصحيح من غيره؛ سيَّما وهي في الفضائل المتسامح فيها بين الأوائل، وإن فقد في بعضها بعض الشروط، كما هو مقرر مضبوط، فكان القاضي لا يتقيد به، هذا مع أنه قد قال في أثناء كتابه أنه اقتصر في كثير من الأحاديث وغريبها على ما صحّ واشتهر، لا يسأل من غريبه مما ذكره مشاهير الأئمة، وحذفنا الإِسناد في جمهوره طلبًا للاختصار، بل يتكلم في الأمور الضرورية غالبًا".
ثم ذكر السخاوي نماذج من كلام القاضي عياض على بعض أحاديث الشفا، ثم قال: "وهو شاهد لما اعتذرت به عنه من كونه لا يسكت عن الضروري بخلاف غيره من الفضائل ونحوها، فكلامه مشعر به، ولذا مشى عليه خاصة في شفائه، وأما ما قاله الذهبي في التأويلات (١)، فالقاضي ﵀ يحكي الأقوال ويرجح ويختار ... " (٢)، إلى آخر كلامه ﵀.
وفيما ذكره السخاوي ﵀ مواضع تحتاج إلى توضيح وتعليق، لكن الذي ينبغي التنبيه عليه هنا هو أن المآخذ على كتاب
_________
(١) مما أخذ عليه الغلو في مسألة العصمة. (انظر: أزهار الرياض ٥/ ٩، ١٠، ومجموع الفتاوى ٤/ ٣١٩، ١٥/ ١٤٨).
(٢) الرياض في ختم الشفا لعياض ل/٨ ب- ٩/ أ (مخطوط).
1 / 20