وقد تكون الحقيقة التي نصل إليها متصلة بجانب واقعي، أي إننا نستخلصها من سياق قصة تتضمن سلوكًا معينًا، يكشف لنا عن ضعف خلقي في مجتمعنا، أو تكون متصلة بجانب نظري، عندما نستنتجها من سياق منطقي، يتضمن طريقة تفكير معينة، تكشف لنا عن ضعف في جهازنا الفكري.
وأحيانًا يكشف لنا الواقع الذي نقف عنده جانبي الضعف في وقت واحد: قد نذكر مثلًا كيف تتصرف جريدة، تصدر تحت شعار العلم والدين، حينما يرسل إليها أحد بمقالة في موضوع اجتماعي يتصل بصفته توجيهًا عامًا بالحياة السياسية، فإذا بنا نرى الصحيفة العلمية الدينية تجزئ المقالة المذكورة إلى نصفين، فتنشر النصف الأول، ثم لا تنشر النصف الثاني إلا بعد أسابيع، أي عندما لا يبقى أثر ما نشر من الأول في الأذهان، ولا يبقى للقارئ فرصة يشعر معها بوحدة الموضوع ويدرك معناه في حدودها، وحتى تفوت بالتالي، على القارئ الفائدة التوجيهية التي قدرها صاحب المقالة هدفًا لمقالته.
فقصة كهذه، زيادة على أنها تعرض إلى تأملنا اعتبارات واقعية تتعلق بسلوك أفراد، يستغلهم الاستعمار في بعض ظروف الصراع الفكري، فإنها تضعنا من ناحية أخرى، أمام اعتبارات نظرية ذات أهمية تتعلق بحياة الأفكار الخاصة ذاتها، بوصفها كائنات حية مستقلة، تؤدي وظيفتها بنفسها طبقًا لفعاليتها الخاصة، كما تتعلق بالفكر بصفته أداة تنسيق وتركيب للأفكار حتى تؤدي وظيفتها.
وعليه فالجانب النظري في موقف صحيفة كالتي سبق ذكرها يجب أن يثير اهتمامنا كله.
إننا تحدثنا فيما سبق عن النزعة (الذرية)، النزعة التي تجعل كما بينا تفكيرنا عاجزًا عن ضم مجموعة من الأفكار في اطراد واحد طبقًا لتسلسلها، ضمًا يحول بين