عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك. حسبك هذا القانون؛ فهو الأساس لغيره من القوانين.
لا يعتنق هذه القاعدة الذهبية كثير من الدينيين وحسب (فهي بالطبع مرتبطة بشخصيات دينية لاحقة، مثل السيد المسيح)، ولكن كثير من الإنسانويين أيضا. (3) اليونان القديمة
شهدت اليونان القديمة ازدهارا استثنائيا للثقافة البشرية، وكذلك الاستخدام المنهجي للعقل في التعامل مع مختلف المسائل الاجتماعية والأخلاقية والسياسية الجوهرية، وهذا الموقف التشككي الناقد أدى بالبعض إلى إنكار الإيمان بالآلهة.
ولليونان القديمة أيضا أهمية عند الإنسانويين المعاصرين؛ لأنها تقدم تطورات سياسية مهمة للإنسانوية؛ ولا سيما شكل محدود من «الديمقراطية» (رغم أن صورا من الديمقراطية ربما تكون قد ظهرت قبل ذلك، على سبيل المثال، في الهند في القرن السادس قبل الميلاد). وكانت بعض المدن الإغريقية - خاصة أثينا - «منفتحة» نسبيا، واستوعبت على نحو كبير التشكك في المعتقدات التقليدية، وشجعت على نشأة مجموعة متنوعة من الآراء الفلسفية.
ويمثل ثلاثة فلاسفة إغريق أوائل - طاليس وأناكسيماندر وأنكسيمانس - أهمية خاصة؛ فالطريقة النقدية المستقلة التي فكر بها هؤلاء الفلاسفة الميليتوسيين - بطرح التفسيرات الميثولوجية والدينية جانبا، ومحاولة تطوير أفكارهم ونظرياتهم اعتمادا على الملاحظة والعقل - تجعلهم بوضوح في غاية الأهمية من وجهة النظر الإنسانوية؛ فهم يتبنون العديد من أفكار الإنسانوية الرئيسية وقيمها. ويعتبر الكثيرون أناكسيماندر أبا علم الفلك؛ فقد وضع نموذجا آليا لعمل الأجرام السماوية، اختلف على نحو كبير عن التفسيرات الميثولوجية التي قدمت قبله. كما وضع أناكسيماندر نظرية، مبنية في أكثرها على الحفريات، مفادها أن الإنسان تطور من كائنات كانت تعيش في البحر.
ثمة فيلسوف مهم آخر من وجهة النظر الإنسانوية، وهو بروتاجوراس (490-420 قبل الميلاد). فقد تابع استدلاله بشأن الأخلاق والفضيلة دون أي اعتماد على مذهب أو معتقد ديني. وقد أعلن بروتاجوراس أنه لا أدري؛ إذ قال:
بخصوص مسألة الآلهة، لا سبيل لي إلى معرفة إن كانت موجودة أم لا، أو ما الشكل الذي قد تكون عليه، بسبب غموض الموضوع وقصر حياة الإنسان.
والاعتقاد المعروف به بروتاجوراس بشدة الآن هو:
الإنسان هو مقياس كل شيء، هو مقياس وجود ما يوجد من الأشياء، ومقياس عدم وجود ما لا يوجد منها.
فسر الفيلسوف الإغريقي أفلاطون مغزى مقولة بروتاجوراس السابقة بأن ما هو صحيح وما هو خاطئ نسبي بالنسبة إلى الفرد وما يؤمن به. فعلى سبيل المثال، إذا كنت أعتقد أن باريس هي عاصمة فرنسا، فهذا «صحيح بالنسبة إلي»؛ وإذا كنت تعتقد أن برلين هي عاصمة فرنسا، فهذا «صحيح بالنسبة إليك». لا توجد حقيقة موضوعية في المسألة؛ لا توجد حقيقة مطلقة على هذا النحو تفصل أينا على حق. ولاحظ أنه من خلال هذه الرؤية المجردة، النسبية للحقيقة، من الممكن جعل شيء صحيحا بمجرد الإيمان به. (فإذا كنت تريد أن تتمكن من الطيران، فما عليك سوى أن تؤمن بقدرتك على الطيران.) ويشتهر عن أفلاطون مهاجمته لهذا الشكل من النسبوية في محاورته «الثئيتتس»؛ حيث لفت الانتباه إلى أنه إن كانت النسبوية صحيحة، إذن فهي صحيحة فقط على نحو نسبي، ويمكن أن يجعلها أفلاطون خاطئة بمجرد الاعتقاد بأنها كذلك.
نامعلوم صفحہ