ذلك أن الكلمات والأفكار اجتماعية وليست فردية، وحين كنا على الشجر كنا نعيش منفردين، أو على الأكثر عائلتين لكل منا زوجته وأبناؤه لا نحتاج إلى أن نجتمع جماعات.
أما حين تركنا الشجر للقحط الذي نشأ من الجفاف احتجنا إلى الاجتماع كي نصيد غزالا أو عجلا أو حمارا؛ لأن الصيد هنا يحتاج إلى أن نقوم به مجتمعين ونترصد ونتفاهم ونعين الواجبات لكل فرد ونتفق على حركات للهجوم والدفاع، وكل هذه الأشياء تحتاج أولا إلى إيماءات باليد والفم ثم إلى ترجمة هذه الإيماءات، وقت الظلام إلى الأصوات؛ أي: الكلمات.
إن الذي حمل الإنسان على أن يجتمع هو الصيد، ونحن نرى حيوانات تصيد منفردة غير مجتمعة مثل الأسد والببر والنمر، ولكن هذه الحيوانات تفترس وتاريخها التطوري يسير نحو إيجاد المخالب والأنياب، أما نحن فقد انتقلنا من حياة الشجر النباتية، بلا مخالب وبلا أنياب، إلى حياة الصيد، فلم تكن لأحدنا القدرة على الافتراس، ولذلك احتجنا إلى الاجتماع.
واحتاج الاجتماع إلى اللغة وإلى اختراع الآلات.
وبإيجاد «المجتمع البشري» خرج الإنسان من حدود التطور السابق الذي كان يؤثر في الفرد ويغيره إلى حدود التطور الاجتماعي الذي يغير المجتمعات.
بل إن اللغة نفسها اختراع اجتماعي؛ لأن الحيوان الذي يعيش منفردا لا يحتاج إليها؛ إذ لا يحتاج إلى التفاهم.
ولكن اللغة، كلمات اللغة، هي الأفكار.
والمخ البشري هو ثمرة الاجتماع، وليس العكس.
أي أن المجتمع البشري احتاج إلى معان كثيرة وكلمات كثيرة اقتضت إيجاد مخ كبير يتسع لها.
لما تركنا الشجر إلى السهول لم تكن أمخاخنا تزيد على أمخاخ القردة العليا، ولكن اجتماعنا للصيد والدفاع، وتجوالنا للبحث عن الطعام، وتدبيرنا للترصد، وأخيرا لغتنا التي تفاهمنا بها، كل هذا قد أدى إلى أن تكبر أمخاخنا كما تكبر عضلات الذراع عند العامل الذي يعمل بها.
نامعلوم صفحہ