وإذن فرقي الأوروبيين ليس ناشئا عن بيئتهم الصناعية المدنية، وكذلك لا يرجع انحطاط الهنود، مثلا إلى بيئتهم الزراعية، وإنما يرجع الرقي هنا والانحطاط هناك لعوامل وراثية تشبه القضاء والقدر، ولذلك فليس هناك ضرورة لترقية الأحوال الاجتماعية عند الهنود؛ لأن انحطاطهم ليس بيئيا وإنما هو وراثي أساسي لا يعالج.
وأيا ما كان فهذا الإيمان الجديد بانتقال العادات والصفات المكتسبة من الأسلاف إلى الأعقاب قد نقلنا من جبرية الوراثة إلى حرية التوجيه والتدريب للنوع البشري بتعيين عادات التعليم وأساليب العيش ونظم المجتمع حتى تنتفع بها السلائل القادمة من البشر. •••
من داروين زعيم نظرية التطور إلى ميتشورين العالم النباتي الروسي الذي احتفلت المجامع العلمية أخيرا «1855» بمرور مئة سنة على ميلاده.
داروين اعتمد على حقيقة جوهرية نسلم بها جميعا وهي أن الأبناء يختلفون عن الآباء، وأن هذا الاختلاف إما فضيلة تعمل للبقاء، وإما رذيلة تعمل للفناء، في ميدان تنازع البقاء.
ثم جاء فايسمان فقال: إن العناصر الوراثية لا تتأثر بالأم؛ أي: بالجسم الذي تقيم فيه؛ إذ هي فيه بمثابة فرد يقيم في غرفة.
إذن لماذا يحدث التطور؟
لم يجب داروين عن هذا، ولم يجب فايسمان، لا، بل لقد أجاب فايسمان وإجابته هي هذه: هنا شيء سري خفي، لعله روح يختبئ داخل الخلايا الوراثية لا نراه ولا نعرف ماهيته.
وبكلمة أخرى كلاهما قال: لا أعرف.
والآن فهمنا وتعلمنا من ميتشورين أن البيئة هي التي تخلق السلالات الجديدة، ثم تتركز الصفات الجديدة في السلالة، وعندئذ تعود قوى جديدة منفصلة.
فهمنا من ميتشورين: لماذا تتطور الأحياء.
نامعلوم صفحہ